أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-26
![]()
التاريخ: 2024-03-08
![]()
التاريخ: 2024-02-24
![]()
التاريخ: 2023-09-14
![]() |
ومن أدهش ما يُدون في عهدهم أن أحد وزراء المعارف المتأخرين كان يضع مناصب التدريس في المدارس الثانوية في المزاد، ويتولى المنصب أجرأ المدرسين على تنقيص المشاهرة، يوسد إلى من اقتنع بالقليل في هذه التولية مهما بلغ من جهله في الفن الذي أخذ على نفسه تدريسه بهذا الراتب الضئيل. وحدث أنهم وسدوا دروس الدين إلى غير المسلمين في المدارس الثانوية، وكان من العادة في المدارس الوسطى بالبلاد العربية أن يعهد إلى أبناء العرب الذين لا يحسنون التكلم والكتابة بالتركية بتدريس الآداب التركية، وإلى الأتراك الذين لا يجيدون تأليف جملة واحدة بالعربية أن يدرسوا الصرف والنحو والمنطق والبيان العربي. أما المدارس الابتدائية فمعلموها خرجوا على الأكثر من غمار الجهلاء، وليس غير بعض المدارس العالية في العاصمة كالمدارس الملكية والحربية والطب والهندسة، في أواخر أيام الدولة، يتولى التدريس فيها علماء أجلاء من الترك والعرب والأرمن والروم والفرنسيس والألمان وغيرهم. ولو عني العثمانيون بالتعليم عنايتهم بالجيش منذ القديم، لما وصلت بلادهم إلى ما وصلت من الجهل، ولما صار المسلمون في أيامهم إلى الانحطاط المبكي، ودولتهم جعلت التعليم صوريًا لا حقيقيًّا. وبينا لا نجد في كل مائة قرية في بلاد العرب مدرسة ابتدائية واحدة، نرى الدولة من جهة أخرى قد بلغت بها الغيرة على نشر لغتها أن تكتب العقود وأسناد الضرائب والمواثيق والأحكام باللغة التركية، وأعظم من هذا أن حظرت استعمال اللغة العربية في المحاكم النظامية في التقاضي والكتابة فحاربت بذلك العرب والعربية جهارًا، حربًا ليس فيها شيء من المنطق، وأتى زمن ولا من يحسن القراءة العادية في عدة قرى كبيرة، بل حدث أن بعض النابهين في بليدة إسلامية أراد أن يعلم ابنه القرآن فلم يجد له فيها شيئًا يستطيع إقراءه إياه، فعمد إلى راهب يقرئه لابنه ففعل. وكان المسلمون أيام كان لهم بقايا من العلم يقرئ علماؤهم أهل الذمة كتبهم الدينية، فقد وقع لكمال الدين بن يونس (1) في الموصل وعز الدين الإربلي في دمشق من أهل القرن السابع أن قرأ عليهما أهل الذمة التوراة والإنجيل، وكانا يشرحانهما لهم ويعلمانهم الكتابين على طريقة حسنة ليست في استطاعة الحاخامين والقسيسين أن يقرئوهما لهم في ذاك العهد، يدرسان ذلك على نحو ما كانا يقرئان المسلمين والفلاسفة. (2) هذه صورة من غزوات المغول والترك على الحضارة العربية، وإلمامة بالعوامل العظيمة التي تحيفتها في القرون الأربعة الأخيرة بقيام دولة حربية أعجمية خربت في أيامها المدارس، وضاعت الأوقاف، وتراجعت المصانع والصنائع، وفقدت الكتب وأدوات الصناعة، ووسائل إخراج الثروة، فكان هذا المرض الذي استحكم في البلاد زمنا طويلًا بفعل الدولة وعمالها الخائنين أشد عليها من جميع أمراضها السالفة، يشبه ما حل بساحتها من مصائب المغول المرة بعد المرة، وعابر سبيل إذا حاول التدمير قد يكون ما جنته يده الأثيمة أقرب إلى الإصلاح من مقيم يخرب كل يوم في المعنويات والماديات، على غير اطراد ولا نهج معقول، ويطول عهد تخريبه وتخريفه.
...........................................
1- وفيات الأعيان لابن خلكان، وفوات الوفيات للصلاح الكتبي
2- نكت الهميان للصفدي
|
|
لخفض ضغط الدم.. دراسة تحدد "تمارين مهمة"
|
|
|
|
|
طال انتظارها.. ميزة جديدة من "واتساب" تعزز الخصوصية
|
|
|
|
|
عوائل الشهداء: العتبة العباسية المقدسة سبّاقة في استذكار شهداء العراق عبر فعالياتها وأنشطتها المختلفة
|
|
|