أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-09-2015
![]()
التاريخ: 2024-08-29
![]()
التاريخ: 18-11-2014
![]()
التاريخ: 31-3-2016
![]() |
نحن الآن أمام الاُقصوصة الثالثة التي تسلسلت ، متحدّثةً واحدةً بعد الاُخرى عن الإماتة والإحياء .
القصة التي سبقتها ونعني بها قصة المارّ على القرية الخاوية ، كانت تتحدّث عن بطل مرّ على إحدى المدن فوجدها أنقاضاً ، فانفعل بهذا المشهد وتساءل :
﴿أَنـّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها ؟ ﴾
وكان هدفه من هذا التساؤل هو ، هل هناك من أمل في أن يعيد اللّه الحياة إلى هذه المدينة ؟!
وجاءت الإجابةُ من اللّه سريعةً على هذا التساؤل ، فأمات البطل من لحظته ، وأبقاه مائة عام ، ثمّ بعثه حتى يطمئن إلى أنّ اللّه قادر على كلّ شيء .
أمّا الاُقصوصة التي تلتها ـ فيما نتحدّث عنها الآن ـ ، فتتحدّث عن بطل آخر ، أكسبه اللّه مقاماً خاصاً ، هو إبراهيم (عليه السلام) خليل اللّه ، إنّه صاحب الحنيفيّة التي لم تنسخ إلى يوم القيامة .
هذه الشخصيّة تُرسم الآن بطلا لاُقصوصة تتحدّث عن الإماتة والإحياء أيضاً ، إنّها تتعرّض لاختبار الإماتة والإحياء أيضاً ، ولكن ليس ذاتها الشخصية ، بل عضوية اُخرى هي : الطيور . لنقرأ الاُقصوصة أولا :
﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ : رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى﴾
﴿قالَ : أَ ولَمْ تُؤْمِنْ ؟ قالَ : بَلى ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾
﴿قالَ : فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾
﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءاً﴾
﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً واعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
هذه الاُقصوصة تتضمّن موقفاً ، هو : الاطمئنان واليقين بقدرات اللّه عزّ وجلّ في إحياء الموتى عمليّاً .
وتتضمّن واقعةً هي : تقطيع الطيور وتفريقها على عدّة جبال ، ثمّ عودة الحياة إليها .
وتتضمّن نمطين من الأبطال : أحدهم إبراهيم (عليه السلام) ، والآخر من عضوية لطير ، متمثلا في أربعة منها .
الاُقصوصة بما تتضمّنه من وقائع ثلاث : تقطيع الطير ، تفريقها على الجبال ، عودتها إلى إبراهيم (عليه السلام) ، تظل من النوع المُمتع ، المدهش ، المُثير . . .
الموقف نفسه ممتعٌ ومثيرٌ أيضاً . إبراهيم (عليه السلام) يريد أن يطمئن إلى عملية الإحياء مع أنّه إبراهيم (عليه السلام) !!
لكن ، لنتابع تفصيلات الموقف . . .
* * *
إنّ أوّل سؤال يُثار في هذا الموقف هو ، لماذا سأل إبراهيم (عليه السلام) عن كيفية إحياء الموتى ؟ أوَ لم يعلم أنّ اللّه مُحيي الموتى ؟ . . . إنّه يعلم ذلك كلّ العلم ، إ نّه أراد أن يتيقّن ، ولكن ألم يكن إبراهيم (عليه السلام) متيقّناً من ذلك ؟
لنتّجه أوّلا إلى النصوص المفسّرة ، ثمّ نصل بينها وبين الصياغة الفنّية للاُقصوصة .
يقول أحد النصوص بما مؤدّاه : إنّ إبراهيم (عليه السلام) سأل عن كيفيّة الإحياء وهو أمرٌ يجهله كلّ البشر طالما لم يُشاهد تجريبياً .
وبكلمة اُخرى ، يمكننا أن نصوغ القضية على هذا النحو :
الموتى يبعثون يوم القيامة ، أي في زمن لم يحن بعدُ ، وإبراهيم (عليه السلام) يطلب من اللّه عزّ وجلّ أن يريه كيفية عودة الروح إلى العظام ، أو كيفية عودة العظام والتحامها في تركيبة جسمية بعد تفرّقها أو تلاشيها .
هنا ينبغي أن نتذكّر أنّ القصة السابقة ـ قصة المارّ على القرية الخاوية ـ تضمّنت كيفية عودة العظام واللحم المُتلاشيين أو المُتفرقين ، لتركيبة المارّ على القرية أو دابته .
هذا التجانس فنّياً ، أو وحدة الموقف من خلال تماثل العمليتين ، له إمتاعه الجمالي والفكري فيما يتصل بالبناء الهندسي للاُقصوصتين . . .
ولكن لنتابع النصوص التفسيرية الاُخرى :
النص التفسيري الأوّل ، أوضح بأنّ إبراهيم (عليه السلام) طلب أمراً مجهولا لا غبار عليه أبداً ، بل على العكس من ذلك ، أ نّه مفصحٌ عن ثقته (عليه السلام) باللّه عزّ وجلّ إلى الدرجة التي يطلب من خلالها عمليةً لم يجيء زمانها بعد ، وهذا منتهى الثقة باللّه في تصوّرنا ، بمعنى أ نّه واثق بأنّ اللّه يجيبه إلى طلبه ، وهل هناك ثقة باللّه أكبر من هذه الثقة التي تطلب ما لم يتحقق زمنه بعد !!
هناك نصّ تفسيري آخر يقول بما معناه :
إنّ اللّه أوحى إلى إبراهيم (عليه السلام) إلى أ نّه سيُصبح خليل اللّه ، وإلى أ نّه إذا سأل
إحياء الموتى لأجابه اللّه . . .
هذا النص بدوره يُشكل سمةً إيجابيةً لها أهميتها دون أدنى شك .
إنّ عباد اللّه المخلصين ، المُتفانين في محبّة اللّه ، المنخلعة أفئدتهم من مهابة اللّه ، الذين ما راموا منه بدلا ولا ابتغوا عنه حولا ، هؤلاء الذين يقف إبراهيم (عليه السلام) في مقدّمتهم ، عندما يوحى إليه بأنـّه سيُصبح خليل اللّه ، عندئذ ماذا نتوقع من استجابة إبراهيم ، وردّ فعله حيال هذه المنحة العظيمة التي اغدقها اللّه على إبراهيم (عليه السلام) ، وهل هناك منحةٌ أعظم من أن يكون إبراهيمُ خليلا للّه عزّ وجلّ ؟
إذن ، كيف لا يطلب إبراهيمُ من اللّه أن يريه إحياء الموتى حتى يكون ذلك شاهداً يطمئن به قلبه إلى أنّ اللّه قد اتخذه خليلاً .
إنّ المصطفين من العباد كلّما اُوغلوا في محبة اللّه وعبادته ، يحسّون بالتقصير وبأنّهم لم يؤدّوا ما للّه من حقّ في العبادة .
إذن ، كم هي فرحتهم من الشدّة حين يوحى إليهم بأنّهم أحباء اللّه؟ أليس هذا بمسوّغ لأن يطمئنوا بذلك ، ويطلبوا ما يُحقّق هذه المعطيات ؟
ولنتقدّم إلى نصّ تفسيري ثالث .
يقول هذا النص بما مؤدّاه : إنّ إبراهيم (عليه السلام) شاهد على ساحل البحر جيفةً تأكلها وحوش البرّ والبحر ، ويثب بعضها على بعض آكلا بعضُه الآخر ، فأخذته الدهشة ، وطلب إراءة إحياء الموتى . . .
هذا النص بدوره يسوّغ طلب إبراهيم (عليه السلام) على نحو ما عقّبنا عليه في النص التفسيري الأوّل .
وهناك نصّ تفسيري رابع يضيف إلى ما تقدّم : إنّ إبراهيم (عليه السلام) شاهد أعمالا منكرة لبعض الأشخاص ، فدعا عليهم واستُجيب دعاؤه ، فاُوحي إليه عندئذ :
لا تدعُ على عبادي . وبعدها شاهد قضية الوحوش السابق ذكرُها .
وهناك أكثر من نص تفسيري ـ سوى ما تقدم ـ يُشير إلى أنّ العملية تتصل بمجرد الاطمئنان واليقين من خلال تجربة حسّية ، مفصحة عن مفروضية اليقين بالغيب ، أي الزيادة في اليقين وليس مسح الشك وإبداله بيقين ، إذ ثمة فارق بين شاكٍّ يطلب دليلا يمسح عنصر الشك لديه ، وبين مؤمن يريد أن يزداد إيماناً إلى إيمان .
والمهم ، أيّاً كان الأمر ، فإنّ القضية تظل متصلةً بطبيعة التركيبة الآدمية التي يصل اليقين لديها إلى درجة تطلب من خلالها زيادة على ذلك .
أمّا إذا انسقنا مع النصوص التفسيرية السابقة ، فإنّ الأمر يظل ذا وضوح أشدّ ، وبخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما سبق أن قلناه ، من أنّ التطلّع إلى رضى اللّه عزّ وجلّ والتلهّف إلى مشاهدة ما يُشير إلى أ نّه عزّ وجلّ في صدد أنّ يتّخذ إبراهيم خليلا له ، حينئذ فإنّ المحبّين للّه خالصاً ، المُريدين له ، العارفين به . . . تظلّ فرحتهم بهذه المعطيات ، لا حدّ لها ، بحيث تدفعهم إلى المُطالبة بما يطمئن به القلب من أنّ اللّه يُحبّهم .
وأيّاً كان الأمر ، فإنّنا حين ندع الجانب الفكري من الاُقصوصة ونتّجه إلى جانبها الفنّي ، نجد أنّ رسم الحادثة قد تميّز بملامح متنوعة ، منها :
1 ـ التقطيع : «فخذ أربعة من الطير ، فصرهنّ إليك» .
2 ـ التفريق : «اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءً» .
3 ـ الإحياء : «ادعهنّ يأتينك سعياً» .
ومع الاستعانة بالنصوص المفسّرة تواجهنا تفصيلات للملامح الثلاثة المذكورة أو لبعضها . فقد ورد عن عملية التفريق بأنـّها تمثّلت في توزيع الشرائح على عشرة جبال . وعن عملية الإحياء ، أنّ إبراهيم (عليه السلام) أخذ بمناقيرهنّ فائتلف لحم كلّ منها إلى رأسه إليه .
وبالرغم من أنّ مجرد فصم الرأس مثلا ، ووضع الطيور في مكان واحد ، وإحياءها في المساحة الزمنية والمكانية قرباً وسُرعة ، مفصحٌ عن عملية الإعجاز ، إلاّ أنّ رسم التباعد مكاناً وتكثيره عدداً : جبالا وشرائح ، لينطوي على معطى جمالي وفكري يتحسّسه القارئ بوضوح . أمّا المعطى الجمالي فيتمثل في الأبعاد الثلاثة لكلٍّ من تقطيع الطير والجبال وعددها ، حيث يأخذ الأمتاع نصيباً ضخماً حيال تصورنا لعشرة جبال تتجاور أو تتباعد ، تتعالى أو تقصر ، والأمر نفسه فيما يتصل بقطع الطير المتناثرة ، ثمّ التصوّر لعملية التحام الأجزاء واجتماعها لحماً وعظماً ودماً . . . كلّ اُولئك يصبح ذا معطىً يساهم ـ من خلال جماليّة الحدث ـ في تصعيد لحظات الإنبهار والرهبة والتأمّل نحو السماء وامكاناتها التي لا حدود لها .
الحصيلة هي : أنّ الاُقصوصة المذكورة جسّدت عملياً في مواقف إبراهيم(عليه السلام) حيال ظاهرة الإماتة والإحياء حيث تحدّثت الاُقصوصة عن واقع عملي ـ مادّي لظاهرة الإماتة والإحياء ، مقابل ما لاحظناه في موقف إبراهيم مع نمرود في تجسيد ما هو فكري للظاهرة المذكورة .
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|