أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-11-2018
![]()
التاريخ: 23-11-2018
![]()
التاريخ: 23-11-2018
![]()
التاريخ: 23-11-2018
![]() |
آراء ابن سينا الصوتية:
"أ" طبيعة الصوت:
تناول ابن سينا طبيعة الصوت في رسالته "أسباب حدوث الحروف"، وفي كتابه "الشفاء" في فصل السمع. وقد انتهى إلى أن العملية الصوتية تتضمن عناصر ثلاثة هي:
1- وجود جسم في حالة تذبذب.
2- وجود وسط تنتقل فيه الذبذبة الصادرة عن الجسم المتذبذب.
3- وجود جسم يستقبل هذه الذبذبات.
وهو نفس ما انتهى إليه المحدثون من علماء الأصوات.
وقد عبّر ابن سينا عن العنصر الأول باشتراط وجود قرع أو قلع "أما القرع فمثل ما تقرع صخرة أو خشبة فيحدث صوت. وأما القلع فمثل ما قلع أحد شقي مشقوق عن الآخر، كخشبة تنحى عليها بأن تبين أحد شقيها عن الآخر طولًا". واشترط لإحداث القرع أو القلع صوتًا أن يكون كل منهما بقوة معينة "فإن قرعت جسمًا كالصووف بقرع لين جدًّا لم تحسن صوتًا. بل يجب أن يكون للجسم الذي تقرعه مقاومة ما، وأن يكون للحركة التي للمقروع به إلى المقروع عنف صادم ... وكذلك إذا شققت شيئًا يسيرًا وكان الشيء لا صلابة له لم يكن للقلع صوت ألبتة"(1).
وعبر عن العنصر الثاني، وهو وجود وسط ناقل للذبذبات بقوله: "أظن أن الصوت سببه القريب تموج الهواء ودفعه بسرعة وبقوة من أي سبب كان". وقوله: "وهذا الشيء الذي فيه هذه الحركات شيء
ص103
رطب سيال لا محالة، إما ماء، وإما هواء، فيكون مع كل قرع وقلع حركة للهواء أو ما يجري مجراه، إما قليلًا برفق، وإما دفعة على سبيل تموج أو انجذاب بقوة. فقد وجب أن ها هنا شيئًا لا بد أن يكون موجودًا عند حدوث الصوت، وهو حركة قوية من الهواء، أو ما يجري مجراه"(2).
أما الجسم المستقبل للذبذبات فقد تحدث عنه في كتابيه الشفاء وأسباب حدوث الحروف، وذلك في قوله الأول: " فإذا انتهى التموج من الهواء أو الماء إلى الصماخ، وهناك تجويف فيه هواء راكد يتموج بتموج ما ينتهي إليه، ووراءه، كالجدار مفروش عليه العصب الحاس للصوت أحس بالصوت"(3). وفي الثاني: "ثم ذلك الموج يتأدى إلى الهواء الراكد في الصماخ فيموجه فيحس به العصبة المفروشة في سطحه"(4) .
ومن اللافت للنظر كذلك أن يتنبه ابن سينا إلى قابلية الأذن لإدراك الأصوات بمعدلات معينة للتردد والتوتر لها حد أدنى وحد أعلى، وأن ينتبه إلى أن زيادة شدة الصوت عن مقدار معين تسبب الأذى والإزعاج للسامع، وذلك في قوله: "القرع الشديد يحدث صوتًا يضر السمع" وقوله: "والتموج الفاعل للصوت قد يحس حتى يؤلم". بل يصرح ابن سينا بقدرة الأصوات الشديدة على تحطيم الأشياء "فإن صوت الرعد قد يعرض منه أن يدك الجبال، وربما ضرب حيوانًا فأفسده. وكثيرًا ما يستظهر على هدم الحصون العالية بأصوات البوقات"(5).
ص104
"ب" مخرج الصوت الإنساني وصفاته:
يستخدم ابن سينا للتعبير عن إنتاج الصوت لفظ الحبس ومشتقاته. أما كلمة المخرج؛ فيبدو أنه يستخدمها للإشارة إلى مجرى الهواء أو طريقه الذي يكون إما نحو الأنف أو الفم. وقد تردد في كلامه ألفاظ المخرج والمخارج والحبس والحابس والمحبوس والمحابس..
ويرى ابن سينا أن الذي يميز الحرف "الصوت" عن الحرف "الصوت" جملة عوامل منها:
1- اختلاف نقطة التحكم في مجرى الهواء "بسبب اختلاف الأجرام التي يقع عندها وبها الحبس والإطلاق، فإنها ربما كانت ألين، وربما كانت أصلب، وربما كانت أيبس، وربما كانت أرطب.. وقد يكون الحابس أصغر وأعظم، والمحبوس أكثر وأقل، والمخرج أضيق وأوسع، ومستدير الشكل، ومستعرض الشكل مع دقة، والحبس أشد وألين، والضغط بعد الإطلاق أحفز وأسلس.."(6).
2- اختلاف حال التموج "بعد أن ذكر أن نفس التموج إنما يفعل الصوت": "وأما حال التموج في نفسه من اتصال أجزائه وتماسها، أو تشظيها بها فيفعل الحدة والثقل. أما الحدة فيفعلها الأولان، وأما الثقل فيفعله الثانيان"(7).
ويفسر الدكتور إبراهيم أنيس الحدة والثقل بأحد تفسيرين:
أولهما وأرجحهما: أن ابن سينا هنا يشير إلى درجة الصوت pitch لأن طول الموجة مع الصوت الحاد أقل منه مع الصوت الثقيل. فأجزاء الموجه في الصوت الحاد متقاربة متماسكة، على حين أن أجزاءها مع الصوت الثقيل متباعدة.
ص105
الأمر الثاني أن ابن سينا في هذا النص أراد فعلًا أن يصف لنا حدة الصوت وثقله high and low pitch، وجعل حدة الصوت أو ثقله متوقفًا على طبيعة الجسم المقروع. فهو في حالة اتصال أجزائه وتماسكها، أي: حين تكون ذات كثافة كبيرة كالأجسام الصلبة من معادن ونحوها يكون الصوت عادة حادًّا على حين أن الصوت مع الجسم الأقل كثافة كالخشب مثلًا يكون ثقيلًا(8).
3- اختلاف طريقة التحكم في الهواء عند نقطة الإنتاج "المحبس".
وقد ذكر ابن سينا في هذا الخصوص طريقتين هما:
أ- الحبس التام للصوت.
ب- الحبس غير التام للصوت.
وقد عبر عن هذين بقوله: "والحروف بعضها -في الحقيقة- مفردة، وحدوثها عن حبسات تامة للصوت أو للهواء الفاعل للصوت يتبعها إطلاق دفعة. وبعضها مركبة وحدوثها عن حبسات غير تامة لكن مع إطلاقات(9).
وهنا نلاحظ أن ابن سينا يستعمل المصطلحين: مفردة ومركبة في مقابل مصطلحي سيبويه: شديدة ورخوة، والمصطلحين الحديثين: انفجارية "وقفية" واحتكاكية.
وقد فرق ابن سينا بين الحروف المفردة والحروف المركبة قائلًا: "وهذه المفردة تشترك في أن وجودها وحدوثها في الآن الفاصل بين زمان الحبس وزمان الإطلاق. وذلك لأن زمان الحبس التام لا يمكن أن يحدث فيه صوت حادث عن الهواء وهو مسكن بالحبس، وزمان الإطلاق ليس يسمع فيه شيء من هذه الحروف؛ لأنها لا تمتد ألبتة، إنما هي مع إزالة
ص106
الحبس فقط: وأما الحروف الأخرى فإنها تشترك في أنها تمتد ... في الزمان الذي يجتمع فيه الحبس مع الإطلاق (10).
وقد قسم ابن سينا الحروف المفردة "الوقفية" إلى نوعين:
أ- مفردة "على الإطلاق".
ب- مفردة من وجه.
أما المفردة على الإطلاق فهي: الباء والتاء والجيم والدال والطاء والقاف والكاف والهمزة.
وأما المفردة من وجه فهي: الضاد واللام والميم والنون.
وقد أصاب ابن سينا في هذه التفرقة بين النوعين، واعتباره الحبس في الأصوات الأربعة الأخيرة حبسًا جزئيًّا في مكان يصحبه تسريح في مكان آخر. فالضاد -كما يذكر القدماء- "إن شئت تكلفتها من الجانب الأيمن، وإن شئت من الجانب الأيسر"، وكلام سيبويه يدل على أنها تكون من الجانبين. واللام -على حد تعبير سيبويه- صوت منحرف جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت، ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة.
والميم والنون صوتان شديدان عند سيبويه يجري معهما الصوت. لأن ذلك الصوت غنة من الأنف، فإنما تخرجه من أنفك.
وقد اعتبر بعض المتأخرين "ابن جني والزمخشري وابن الجزري وغيرهم" النون والميم واللام مع حروف أخرى" ضمن الحروف المتوسطة أو بين الشديدة والرخوة.
وأما الحروف المركبة "الاحتكاكية" فلم يذكرها ابن سينا بالاسم
ص107
مكتفيًا بذكر مقابلاتها المفردة "الوقفية" ولك أن تعدها عدًّا".
وبعملية إسقاط للحروف المفردة يتبين أن المركبة عنده هي: الثاء - الحاء - الخاء - الذال - الراء - الزاي - السين - الشين - الصاد - الضاد - العين - الغين - الفاء - الهاء.
ويبقى تعليق على صوت الراء. فإذا كان التقسيم الثنائي إلى شديد ورخو لم يستطع أن يشملها، فاختصها اللغويون باسم "المكرر" "وإن اعتبروها نوعًا من الشديد" فإن مصطلح "المركب" عند ابن سينا يمكن أن يشملها بسهولة؛ لأن شرط التركيب في الصوت أن "يمتد في الزمان الذي يجتمع فيه الحبس مع الإطلاق"، وهو ما ينطبق على الصوت المكرر: الراء، كما ينطبق على الأصوات الاحتكاكية.
جـ- أصوات العربية:
خص ابن سينا أصوات اللغة العربية بفصل في رسالته، هو الفصل الرابع الذي عنونه "في الأسباب الجزئية لحرف حرف من حروف العرب".
وقد عالج ابن سينا في هذا الفصل الأصوات صوتًا صوتًا على الترتيب التالي:
الهمزة - الهاء - العين - الحاء - الخاء - الغين - القاف - الكاف - الجيم - الشين - الضاد - السين - الصاد - الزاي - الطاء - التاء - الدال - الثاء - الذال - الظاء - اللام - الراء - الفاء - الباء - الميم - النون - الواو الصامتة - الياء الصامتة - المصوتات: الألف الصغرى والكبرى - الواو الصغرى والكبرى - الياء الصغرى والكبرى.
وأول ما يلفت النظر في ترتيب ابن سينا ما يأتي:
1- تفريقه بين السواكن والعلل، وتسميته الأولى صوامت والثانية مصوتات.
ص108
2- تفريقه بين نوعين من الواو والياء. فنوع أدرجه في الصوامت، ونوع أدرجة في المصوتات.
3- تفريقه بين الحركة القصيرة والحركة الطويلة "الصغرى والكبرى".
4- اتباعه الطريقة العربية التي ترتب الأصوات من الداخل إلى الخارج.
ويتميز ترتيب ابن سينا بما يأتي:
1- عدم وضعه الألف بجوار الهمزة بخلاف ما فعل سيبويه وابن جني. وإن وضع الألف مع أصوات الحلق من أخطاء اللغويين القدماء، وإن حاول بعضهم الدفاع عنه.
2- تقديم القاف على الكاف مخالفًا في ذلك سيبويه.
3- إبعاد الواو والياء إلى ما بعد الانتهاء من الصوامت.
4- تأخير أحرف العلة الثلاثة "قصيرها وطويلها" إلى ذيل القائمة.
فكأن ابن سينا قد راعى البدء بالصوامت ثم أشباه المصوتات ثم المصوتات.
5- وضع الميم والنون متتاليتين رغم اختلاف مخرجهما لاشتراكهما في صفة الأنفية.
6- أما وضع الراء واللام عند ابن سينا ففيه نظر. ولعله تبع فيه ترتيب الخليل بن أحمد في معجمه العين.
أما حديثه عن مخارج الأصوات وصفاتها وكيفيات نطقها فنجد فيه تفصيلًا دقيقًا لا نجده في كتب اللغويين. وقد أعانه على ذكر الحركات العضوية، وعلى تحديد العضلات والمفاصل المشتركة في انتاج الصوت.
ص109
خبرته العملية الواسعة بتركيب جسم الإنسان وبتشريح أعضائه. ومن أمثلة ذلك قوله:
1- أما الهمزة فإنها تحدث عن حفز قوي من الحجاب وعضل الصدر لهواء كثير، ومن مقاومة الطرجهالي(11) الحاصر زمانًا قليلًا لحفز الهواء ثم اندفاعه إلى الانقلاع بالعضلة الفاتحة وضغط الهواء معًا له.
2- وأما الحاء وإن شاركت العين؛ فإنها تخالف العين في هيئة المخرج وفي المحبس وفي القوة وفي جهة مخلص الهواء. فإن الفرجة بين الغضروفين السافلين تكون أضيق، والهواء يندفع أميل إلى قدام، ويصدم حافة التقعير الذي كان يصدمه هواء العين عند الخروج. وتلك الحافة صلبة والدفع فيها أشد فيقسر الرطوبة ويميلها إلى قدام ...
3- وأما الثاء فتخرج باعتماد من الهواء عند موضع التاء بلا حبس وتحبس عند طرف الأسنان ليصير الخلل أضيق؛ فيكون صفير قليل مع القلع.
وكأن الثناء سين تلوفيت بحبس فرج مسلك هوائها الصفار.
4- وحدوث اللام بحبس من طرف اللسان رطب غير قوي جدًّا، ثم قلع إلى قدام قليلًا، والاعتماد على الجزء المتأخر من اللسان المماس لما فوقه أكثر من الاعتماد على طرف اللسان. وليس الحفز للهواء بقوي. ولو كان الحفز والشد قويًّا خرج حرف كالطاء.
5- وإن كان طرف اللسان متعرضًا للموضع الذي يمسه في اللام من غير مس صادق، ولا التصاق رطوبة، ثم عرض حافتاه بالعضلتين المطولتين تعريضًا أقوى من تعريض الطرف نفسه، وحمل عليه الهواء حتى نفضه وأرعده كما يفعل الريح بكل لين متعرض له متعلق.
ص110
من طرف منه بشيء ثابت حدث منه حرف الراء، وسمع التكرير الذي فيه للارتعاد قدمًا.
6- وأما الميم فإن الحبس فيها تام وبأجرام من الشفة أيبس وأخرج. وليس تسريب الهواء مع القلع إلى خارج الفم كله، بل يصرف بعضه بحفز قوي إلى التجويف الذي في آخر المنخر ليدور فيه ويفعل دويًّا، ثم يطلقان معًا.
وقد فطن ابن سينا إلى وجود أثر سمعي يصاحب نطق بعض الأصوات كالزاي والذال والغين ... "وهو ما سماه اللغويون بالجهر" وحاول تفسيره من الناحية العضوية. وعلى الرغم من أن تفسيره تعوزه الدقة العلمية فهو أقرب إلى القبول من تفسير اللغويين. يقول سيبويه معرفًا الصوت المجهور بأنه "حرف أشبع الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد ويجري الصوت" ونفس التعريف بألفاظه نجده عند ابن جني وغيره.
أما ابن سينا فيقول عن صوت الزاي مفرقًا بينه وبين السين والصاد: "وأما الزاي فإنها تحدث أيضًا قريبًا من الموضع الذي يحدث فيه السين والصاد. ولكن يكون طرف اللسان فيها أخفض، وما بعده أرفع وأقرب من سطح الحنك كالمماس بالعرض أجزاء دون أجزاء.
ولكنها أقل أخذًا في الطول مما يأخذه المقرب من سطح الشجر والحنك في السين. والغرض من ذلك أن يحدث هناك اهتزاز على سطح اللسان وسطح الحنك ليجتمع ذلك الاهتزاز مع الصفير. وأما في سائر الأشياء فهو كالسين. ويكاد للاهتزاز الذي يقع في الزاي أن يكون تكريرًا كالتكرير الواقع في الراء".
ويقول عن صوت الغين: "ويكون الاهتزاز في تلك الرطوبة أكثر منها فيما سلف"مع الخاء". ويقول عن الذال: إنها "تفارق الثاء في الاهتزاز".
ص111
ومعنى هذا أن ابن سينا قد فطن إلى وجود اهتزاز يصاحب نطق الزاي والذالوالغين.. وأن هذا الاهتزاز في تكراره يشبه التكرار الواقع في الراء. وهذه نقطة تحسب في صالحه. ولكن الشيء الذي يؤخذ عليه هو عدم اهتدائه إلى العضو المهتز. إذ جعله ابن سينا سطح اللسان، أو سطح الحنك أو الرطوبة، مع أنه في الواقع الوتران الصوتيان في منطقة الحنجرة.
ويبدو أن وجود الوترين الصوتيين في موضعهما المذكور لم يهتد إليه القدماء، ولذا لم يرد لهما ذكر في الكتب الطبية والتشريحية العربية. نعم قد ورد في كتابات ابن سينا وغيره مصطلح "الجسم الشبيه بلسان المزمار" أو "الشيء الذي يُسمى لسان المزمار" أو "الجسم المعروف بلسان المزمار" كما ورد في كتابات ابن سينا أن آلة الصوت "الحنجرة والجسم الشبيه بلسان المزمار، وهي الآلة الأولى الحقيقية، وسائر الآلات بواعث ومعينات"(12).
وذكر ابن القف أن لسان المزمار "هو الآلة الأولى في الصوت، ويسمى بهذا الاسم لأنه يشبه لسان المزمار في شكله وفعله ووضعه.. فإنه موضوع في الحنجرة في الموضع الذي يوضع فيه لسان المزمار في المزمار.. وقد جعل له الفعل الذي للسان المزمار في المزمار وهو التلحين"(13) ولكن ليس من السهل التسليم بأنهما يريدان بلسان المزمار الفرجة التي بين الأوتار الصوتية كما يرجح الدكتور أنيس(14).
وأغلب الظن أنهما يريدان به ما يقابل المصطلح الأجنبي Epiglottis وهو مصطلح يطلق على الغضروف المفرد أعلى غضاريف الحنجرة الذي يقع في مقدمة الحنجرة وخلف جذر اللسان مباشرة مشكلًا جدارًا أماميًّا منحرفًا لمدخل الحنجرة.. ويقوم لسان المزمار بالفصل بين الهواء والغذاء أثناء البلع وذلك باندفاعه إلى أسفل تبعًا لحركة جذر اللسان والعظم
ص112
اللامي ليغلق مدخل الحنجرة(15). ومما يدل على أن هذا هو المراد بلسان المزمار، وليس الفرجة التي بين الأوتار الصوتية ما ورد في كتاب "العمد" من أن جالينوس سماه "طبق الحنجرة", وما ورد فيه من أنه "حال ازدراد الطعام وشرب الشراب بنطبق الجميع ويحيط بالحنجرة من داخل غشاء ملبس عليها جميعها"(16).
وعلى هذا يكون تفسير الجهر عند ابن سينا تفسيرًا مقاربًا إذ ربطه بالاهتزاز، ولكن يظل غير دقيق لعدم اهتدائه للعضو الأساسي في ظاهرة الجهر وهو الوتران الصوتيان.
كذلك تحدث ابن سينا عما سماه سيبويه بالإطباق، وما يمكن تسميته كذلك بالتفخيم، وهو الوصف الذي تتميز به الأصوات: ص - ض - ط - ظ.
وقد أشار سيبويه إلى الإطباق بقوله(17): "أما المطبقة فالصاد والضاد والطاء والظاء.. وهذه الحروف الأربعة إذا وضعت لسانك في مواضعهن انطبق لسان من مواضعهن إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك. فإذا وضعت لسانك فالصوت محصور فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف" وأشار إليه ابن جني بقوله: "والإطباق أن ترفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى مطبقًا له"(18).
ولكننا نجد ابن سينا يتميز عليهما بوصفه التفصيلي المعتمد على تحديد ما يلحق الأعضاء المشاركة في النطق من تعديلات. فحين يتحدث عن الصاد يقول: "ويحدث في اللسان كالتقعير حتى يكون لانقلاب الهواء كالدوي". وحين يتحدث عن الطاء يقول بعد أن حدد مخرجها
ص113
وربطه بمخرج التاء والدال: "لكن الطاء يحبس في ذلك الموضع بجزء من طرف اللسان أعظم.. وتقعر وسط اللسان خلف ذلك المحبس ليحدث هناك للهواء دوي عند الإخراج، ثم يقلع ويكون الحبس بشد قوي" وحين يفرق بين التاء والطاء يقول: "وأما التاء فيكون مثله في كل شيء إلا أن الحبس بطرف اللسان فقط".
فهنا نجد لأول مرة حديثًا عن تقعر اللسان مع الأصوات المفخمة، وعن اشتراك جزءين من اللسان في عملية نطقها، وهو ما لم نجده بهذا الوضوح عند اللغويين القدماء(19).
ص114
__________
(1) الشفاء ص 82. وأسباب حدوث الحروف. الفصل الأول.
(2) الشفاء ص 83، وأسباب حدوث الحروف - الفصل الأول.
(3) ص 84.
(4) الفصل الأول.
(5) الشفاء ص 83، 84.
(6) أسباب حدوث الحروف - الفصل الثاني.
(7) السابق - الرواية الأولى من طبعة إيران.
(8) أصوات اللغة عند ابن سينا ص 178، 179.
(9) أسباب حدوث الحروف - الفصل الثاني.
(10) السابق.
(11) هو الغضروف الثالث من غضاريف الحنجرة في تشريح ابن سينا.
(12) انظر القانون ص 394، والعمدة في الجراحة ص 102.
(13) العمدة ص 102.
(14) الأصوات اللغوية ص 144.
(15) دراسة السمع والكلام ص 109.
(16) العمدة ص 102، 103.
(17) الكتاب "4/ 436.
(18) سر الصناعة 1/ 70.
(19) تجد تطابقًا بين ما قاله ابن سينا وما يقوله المحدثون. فالدكتور إبراهيم أنيس مثلًا يقول عن الظاء: "في حالة النطق بالظاء يرتفع طرف اللسان وأقصاه نحو الحنك وينقعر وسطه" "الأصوات اللغوية ص 47، 48".
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|