إحياء التراث القديم (الطور الاغريقي)
المؤلف:
أ. د. عبد العظيم رمضان
المصدر:
تاريخ أوربا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوربية الى الحرب الباردة
الجزء والصفحة:
ج1 ص 61 ــ 62
2025-12-08
31
ولم يمض وقت طويل حتى أخذ اهتمام الإنسانيين يتجه نحو استعادة التراث اليوناني القديم أيضا، إذ وجدوا أن الرومان قد تأثروا بالحضارة الهيلينية. ولم تكن اللغة الاغريقية مجهولة في أوروبا العصور الوسطى، ولكنها كانت محدودة الانتشار. وقد حدث تقارب فكري بين المدن الإيطالية والدولة البيزنطية بتشجيع حكام المدن، وتبودلت الزيارات العلمية من الجانبين، فزار عدد من البحاث الإيطاليين القسطنطينية للتخصص في دراسة اللغة الإغريقية على يد كبار الأساتذة، كما وفد على فلورنسا وغيرها من المدن الإيطالية نخبة من العلماء ء البيزنطيين.
ويعتبر أول رجل انتعشت على يديه حركة إحياء اللغة الإغريقية في الغرب هو كريزولوراس Chrysoloras الذي زار إيطاليا في بعثة سياسية من قبل الإمبراطور البيزنطي باليولوجوس Palaeulugos للحصول على مساعدة حكومات إيطاليا ضد الأتراك العثمانيين، ثم عاد إلى فلورنسا أستاذا للدراسات الإغريقية في جامعة فلورنسا من سنة 1397 - 1400م.
وبمجيء «كريزولوراس» للمرة الثانية إلى فلورنسا تبدأ حقبة في تاريخ الآداب الأوروبية. فلم يقم بتدريس اللغة الإغريقية فحسب، بل كان باحثا من الطراز الأول، لبقا وقديرا في قراءة النثر والشعر اليونانيين القديمين، وشرحهما، وقد راح ينتقل بين المدن الإيطالية، وأسهم في افتتاح مدارس لتعليم اللغة الإغريقية في روما وميلان والبندقية.
وسرعان ما تجمع حوله عدد من التلاميذ المتحمسين كونوا مدرسة فكرية إغريقية برزت بروزا واضحا في نشر الدراسات الإنسانية. واستمرت الحركة وزادت انتشارا على يد العلماء اليونانيين الذين شعروا بتقدير المدن الإيطالية لكريزولوراس وأدركوا حاجة هذه المدن لمزيد من الأساتذة المتخصصين في اللغة الإغريقية وآدابها، وأغرتهم مناصب الأستاذية فأخذوا يتوافدون على إيطاليا في الفترة ما بين 1400م وسقوط القسطنطينية في 1453م. حتى إذا سقطت القسطنطينية وانهار المجتمع البيزنطي، شد العلماء البيزنطيون رحالهم إلى إيطاليا في هجرة مكثفة، الأمر الذي أدى إلى إنعاش الدراسات الهيلينية فيها بعد أن قطعت هذه الدراسات شوطا بعيدا في طريق الازدهار.
ومن ذلك يتضح أن هجرة العلماء البيزنطيين كانت عاملا مساعدا فقط في حركة إحياء الدراسات الكلاسيكية، ولم تكن هي السبب. وقد كان تأثير هذه الدراسات الإغريقية عظيما في النهضة الأوروبية، فقد كانت تعنى مولد النقد والمقارنة والبحث، وفتحت آفاقا فلسفية أبعد مدى من عالم الأحلام لرجال الكنيسة والرهبان وحفزت مبادئ العلم الأولية، وأوحت بافتراضات فلكية جديدة، كما أحيت معنى الجمال في الفن والأدب.
الاكثر قراءة في التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة