دور الاتصال الشخصي في مواجهة الشائعة
المؤلف:
الدكتور بطرس خالد
المصدر:
الإعلام والحرب النفسية
الجزء والصفحة:
ص 148- 151
2025-12-06
28
دور الاتصال الشخصي في مواجهة الشائعة:
ويشير المختصون في الإعلام إلى ضرورة توافر عناصر الاحترام والثقة بين وسائل الإعلام وبين المتلقين ليساهم في إحداث التأثير بشكل مباشر في المتلقي، ولذلك اقترح الباحثان (فرنش ورافين) أشكالاً بديلة للعلاقة بين المرسل والمتلقي (الوسيلة الإعلامية والجمهور)، وهي العلاقة التي تتم فيها المبادرة إلى بسط النفوذ والتأثير من قبل المرسل.
ميزات الاتصال الشخصي:
أ- إن التأثير من خلال الاتصال الشخصي هو شكل من أشكال استخدام القوة ويعتمد هذا الاستخدام للقوة على خصائص ومميزات محددة عند الطرف المؤثر بالعملية الاتصالية (المرسل)، وهو ما يتطلب وجود نوع من الإشباع يحصل عليه متلقي الرسالة الاتصالية وقد يكون ذلك الإشباع شعوراً بالسرور والارتياح أو الاقتناع بنصيحة مفيدة أو غير ذلك، وهذه الميزة تترك الباب واسعاً أمام أجهزة الاتصال أو الإعلام لتعلب دورها الحاسم في محاربة الشائعة ودرء أثرها، وذلك بلجمها من خلال إيراد الحقائق المقنعة التي تثار في قالب يوصل إلى ذلك الإشباع الذي أشرنا إليه، ومن ثم الإقناع بخطر الشائعة السائدة في فترة زمنية ما.
ب- وجود نوع من العواقب السلبية يتأثر بها متلقي الرسالة الاتصالية في حال عدم إذعانه.
ج. جاذبية المرسل ومكانته ومنزلته وفي هذه الحال فإن المتلقي قد يتعاطف معاً لشخص المرسل ويخضع طواعية لتأثيره لأسباب عاطفية، وهذا جانب هام في حرب الشائعة إعلامياً.
التأثير النفسي لوسائل الإعلام:
تجدر الإشارة إلى أهمية الحالات النفسية والعاطفية للمتلقي وهنا يبرز دور الإعلام في محاربة الشائعة التي تستهدف عواطف الناس سواء من ناحية جذبهم واستقطابهم إلى فكرة أو جهة ما، أو تنفيرهم وإبعادهم عنها لتجميل صورة ما أو لتشويه سمعة بلد أو جيش أو زعيم أو فنان أو حتى شخص عادي، فالغرض في النهاية نفسي عاطفي تدميري، ومثل هذا الجهد المخرب لا تصده إلا من خلال محاربته بسلاحه نفسه وبأن يصل الإعلام إلى عقل وعاطفة الجمهور حتى يمسح الصور المشوهة التي رسختها الشائعة في الأذهان، وما يراد لها من الثبات والبقاء والديمومة حتى تصبح واقعاً مسلماً به وحقيقة لا تتغير، وبديلاً عن الصورة الحقيقية التي عرفها الناس وترسخت في أذهانهم.
وفي بقاء الصورة الحقيقية ضرر لأصحاب الشائعة، ولذلك فإنهم يحاولون تغييرها بإطلاق شائعاتهم حولها باستدرار عاطفة الناس وتشويه الحقائق في عيونهم، أو محاولة رسم صورة جديدة ما هي إلا في الحقيقة رسم مزيف ومشهد مصنوع، وهنا يأتي دور الإعلام ليمحو تلك الشائعة عن الأذهان بأتباع العقل والعاطفة معاً وبعمل مدروس ومنظم ومنسق وبجهد متقن وبكفاءة عالية ليمحو تلك الصورة ويعيد الحقيقة ناصعة إلى الأذهان.
دور قوة الخبرة في محاربة الشائعة:
أيضاً، مما يميز الإعلام في محاربة الشائعة ما يسمى بـ (قوة الخبرة) ويعزى فيها إلى المرسل ليكون على معرفة ودراية واسعة وإطلاع شامل على كافة الأوضاع، وهي تجعل كل ما يصدره من آراء أمراً مقبولاً وميسوراً، وهذه الحال موجودة في مجال وسائل الإعلام من خلال دورها في نشر المعرفة بين الناس، ولنا أن نتصور أنها تلعب دوراً مهماً في مدى قبول (الأخبار) والاهتمام بها والاستئناس بآراء أهل الخبرة واحترام توصياتهم وتعليقاتهم.
كما أن لقوة الخبرة دوراً كبيراً في السجال أو الحرب بين الإعلام والشائعة فإذا كانت الشائعة اقتصادية فإن على وسائل الإعلام استضافة المختصين وأهل الخبرة في الاقتصاد وطرح المسألة أمامهم وأخذ آرائهم حولها باعتبارها موضوع الساعة ومشغلة الناس، وعلى هؤلاء إضافة إلى خبرتهم في مجال عملهم وتخصصهم أن يكونوا من ذوي اللباقة والقدرة على الإقناع وتوضيح الحقائق الكاملة الشاملة للجمهور بدون مواراة أو تردد، وتحليل الأمور تحليلاً علمياً سلساً يخلو من النظريات العلمية المعقدة والمصطلحات الأجنبية الصعبة والرموز العلمية الغامضة، كما يجب أن تكون لغتهم لغة إعلامية مباشرة ومعبرة ومختصرة وشاملة وبعيدة عن اللغة الأكاديمية البحتة أو البحثية الصرفة أو الجدلية المتعالية.
ان رجوع أهل الإعلام لأهل الخبرة والمتخصصين عند محاربة الشائعة أمر حتمي ومهم، وهذا الرجوع يؤكد حقائق عدة منها:
1- إن الإعلام يسعى فعلاً للحقيقة.
2- إن الإعلام يحارب الشائعة.
3- إن الإعلام يعتمد على العلم في محاربة الشائعة.
4- إن الصلة بين وسائل الإعلام وأهل الخبرة في كل مجالات الحياة صلة قوية.
5- إن لأهل الخبرة في المجتمع التقدير والكلمة المسموعة والمرجعية التي تقطع قول كل خطيب.
6- إن لكل كذبة نهاية، ولكل شائعة من يسفهها ويدحضها ويفندها بالإثبات الحقيقي والبيان الراسخ والعلم الكامل.
أمثلة عن تأثير وسائل الإعلام:
رغم أهمية دور الإعلام وتأثيره فإن هناك اتجاهاً عاماً في المدرسة الإعلامية يرى أن الناس من الحماقة بمكان بحيث يصبحون عرضة وفريسة سهلة للتأثر بكل أشكال التعبير القوية كالدعاية أو الشائعة، ولذلك فإن خطر الشائعات يصبح ساحقاً خاصة إذا صدرت الشائعة عن وسائل إعلام قوية وماكرة وماهرة وكان وراءها خبراء على درجة عالية من الكفاءة والدراية.
ولعل إعلام "هتلر" أو الإعلام النازي في الحرب العالمية الثانية نموذج لهذا الإعلام الماهر والماكر فقد كان مبارزاً للإعلام المناوئ ومتفوقاً عليه ومؤثراً في مسيرة الحروب، ولذلك يشير "دنيسماكوين" إلى تأثير وسائل الإعلام، ومن أمثلة ذلك التأثير:
1- الهلع الذي ينتشر بين الجماهير استجابة منهم لأخبار مضللة أو مشوهة تنذر بأحداق الخطر عليهم، ويضرب المثل لهذا النوع من التأثيرات لردود الفعل المشهورة من الجماهير أثناء إذاعة "أورسون ويلز" عام 1938م للحرب العالمية الثانية، وقد افتعل في هذا البرنامج الإذاعي نشرات إخبارية تعلن أن من غزا الأرض هم من أهل المريخ.
2- توسع وانتشار الشغب والغوغائية، ويضرب المثل لهما بالتأثيرات المفترضة لوسائل الإعلام في إثارة الشغب والعصيان المدني في بعض المدن الأمريكية في السنوات الأخيرة في ستينيات القرن العشرين.
وفي كلتا الحالين يبدو أننا نتعامل مع نوع معين من الشائعة يمثل تأثير العدوى جانباً مهما فيهما، ولكن أهم ما يميز هذه الشائعة هو دور وسيلة الإعلام فيها، فهي تصل إلى عدد كبير من الجمهور وفي اللحظة نفسها، وتنتج ردود فعل الجماهير عن الهلع والريبة ومشاعر الخوف والشك والقلق، خاصة إذا كانت هناك معلومات خاطئة أو مشوهة أو ناقصة، الأمر الذي يجعل أفراد الجمهور يواصلون بحثهم عن المعلومات من خلال قنواتهم الشخصية، وهذا الأمر نفسه يعمل بشكل أو آخر على تعزيز وشيوع الرسالة الأصلية (الشائعة) ذات المعلومات الخاطئة.
مما سبق نجد المدى البعيد من الضرر الذي تبلغه الشائعة، فهي ضارة بالفرد وبالمجتمع وحتى بالعلاقات بين الدول وهي وسيلة في أغلب الأحيان عدائية، الهدف من إطلاقها مصلحة مضادة وهي بالقطع ليست مصلحة من أطلقت ضده الشائعة سواء كان فرداً أو بلداً، لذلك فلا بد من وجود ضوابط تكبح جماح الشائعة وتقضي عليها في مهدها.
ويمكن هنا التأكيد على الدور الكبير لوسائل الإعلام في نفي ومحاربة وإهمال وعدم بث الشائعة بين أفراد المجتمع، وبين جمهور المتلقين على مستوى العالم خاصة في هذا العصر الذي تحول العالم فيه إلى قرية صغيرة.
الاكثر قراءة في الدعاية والحرب النفسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة