بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شيء خلق[1] ما كون بل بقدرته، بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه فليست له صفة تنال ولا حد يضرب فيه الامثال كل دون صفاته تحبير[2] اللغات، وضل هنالك تصاريف الصفات وحار في اداني ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبة المكنون حجب من الغيوب وتاهت في أدنى ادانيها طامحات العقول، فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن وتعالى الذي ليس لنعته حد محدود ولا وقت ممدود، ولا اجل معدود، فسبحان الذي ليس له اول متبداء ولا غاية منتهى، سبحانه كما هو وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته، حد الاشياء كلها بعلمه عند حلقه وابانها ابانة لها من شبهها بما لم يحلل فيها فيقال هو فيها كاين ولم يناء عنها فيقال هو منها باين، ولم يخل منها فيقال له اين، لكنه سبحانه احاط بها علمه واتقنها صنعه واحصاها حفظه فلم يعزب عنه خفيات هبوب الهواء ولا غامض سرائر مكنون ظلم الدجى، ولا ما في السموات العلى إلى الارضين السفلى وعلى كل شئ منها حافظ ورقيب وبكل شئ منها محيط هو الله الواحد الاحد رب العالمين.
والحمد لله الذي جعل العمل في الدنيا والجزاء في الآخرة وجعل لكل شئ قدرا ولكل قدر اجلا ولكل اجل كتابا يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب والحمد لله الذي جعل الحمد شكرا والشكر طاعة والتكبير جلالة وتعظيما فلا اله الا هو اخلاصا نشهد به فانه قال عزوجل {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19] وقال { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] تشهد به بلجة[3] صدرونا وعارفة قلوبنا قد شيط به[4] لحومنا ودماؤنا واشعارنا وابشارنا واسماعنا وابصارنا واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلوات الله عليه ارسله بكتاب قد فصله واحكمه واعزه وحفظه بعلمه وواضحه بنوره وايده بسلطانه واحكمه من ان يميل سهوا ويأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا تفنى عجائبه من قال به صدق ومن عمل به احيز؟ ومن خاصم به فلج ومن قال به نصر ومن قام به هدى إلى صراط مستقيم.
ومن تركه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم من غيره اضله الله وهو حبل الله المتين فيه بيان ما كان قبلكم والحكم فيما بينكم وخبر معادكم انزله الله بعلمه واشهد الملائكة بتصديقه فقال {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 166].
فجعله نورا يهدى التي هي اقوم فقال {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] ففي اتباع ما جاء من الله عزوجل الفوز العظيم وفي تركه الخطا المبين فجعل في اتباعه كل خير يرجى في الدنيا والآخرة.
والقرآن آمر وزاجر حد فيه الحدود وسن فيه السنن وضرب فيه الامثال وشرع فيه الدين وغدا من سببه حجة على خلقه اخذ عليهم ميثاقهم وارتهن لهم انفسهم لينبئ لهم ما يأتون وما يبتغون ليهلك من هلك عن بينه ويحيى من حي عن بينة وان الله سميع عليم وقال امير المؤمنين صلوات الله عليه وآله " ايها الناس ان الله عزوجل بعث نبيه محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) بالهدى وانزل عليه الكتاب بالحق وانتم اميون عن الكتاب ومن انزله وعن الرسول ومن ارسله، ارسله على حين فترة من الرسل وطول هجعة[5] من الامم وانبساط من الجهل واعترض من الفتنة وانتقاص من البرم وعمى عن الحق وانتشار من الخوف واعتساف من البحور وامتحاق من الدين وتلظى من الحروب وعلى حين اصفرار من رياض جنات الدنيا ويبوس من اغصانها وانتشار من ورقها ويأس من ثمرها واغورار من مائها، فقد درست اعلام الهدى وظهرت اعلام الردى والدنيا متهجمة[6] في وجوه اهلها متكفهرة مدبرة غير مقبلة ثمرتها الفتنة وطعامها الجيفة وشعارها الخوف ودثارها السيف قد مزقهم كل ممزق فقد اعمت عيون اهلها واظلمت عليهم ايامها قد قطعوا ارحامهم وسفكوا دمائهم ودفنو في التراب الموؤدة بينهم من اولادهم يجتاز دونهم طيب العيش ورفاهته، خوط[7] لا يرجون من الله ثوابا ولا يخافون الله عقابا حيهم اعمى نجس ميتهم في النار مبلس فجاءهم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بنسخة ما في الصحف الاولى وتصديق الذي بين يديه وتفصيل الحلال وبيان الحرام وذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم، اخبركم عنه ان فيه علم ما مضى وعلم ما يأتى إلى يوم القيامة وحكم ما بينكم وبيان ما اصبحتم فيه مختلفون فلو سألتمونى عنه لاخبرتكم عنه لانى اعلمكم ".
وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في حجة الوداع في مسجد الخيف " انى فرطكم[8] وأنكم واردون على الحوض، حوض عرضه ما بين بصرة وصنعاء، فيه قد حان من فضة عدد النجوم الاوانى سائلكم عن الثقلين قالوا يا رسول الله وما الثقلان؟ قال كتاب الله الثقل الاكبر طرف بيد الله وطرف بايديكم فتمسكوا به لن تضلوا ولن تزلوا والثقل الاصغر عترتى واهل بيتي فانه قد نبأنى اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كاصبعي هاتين ـ وجمع بين سبابتيه ـ ولا اقول كهاتين ـ وجمع بين سبابته والوسطى ـ فتفضل هذه على هذه ".
فالقرآن عظيم قدره جليل خطره بين ذكره من تمسك به هدى ومن تولى عنه ضل وزل فافضل ما عمل به القرآن لقول الله عزوجل لنبيه (صلى الله عليه واله وسلم) {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] وقال {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ففرض الله عزوجل على نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) ان يبين الناس ما في القرآن من الاحكام والقوانين والفرايض والسنن وفرض على الناس التفقه والتعليم والعمل بما فيه حتى لا يسع احدا جهله ولا يعذر في تركه ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهى الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم ولا يقبل عمل الا بهم وهم الذين وصفهم الله تبارك وتعالى وفرض سؤالهم والاخذ منهم فقال { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فعلمهم عن رسول الله وهم الذين قال في كتابه وخاطبهم في قوله تعالى {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا(القران) لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا(يا معشر الائمة) شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 77، 78].
فرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) شهيد عليهم وهم شهداء على الناس فالعلم عندهم والقرآن معهم ودين الله عزوجل الذي ارتضاه لانبيائه وملائكته ورسله منهم يقتبس وهو قول امير المؤمنين (عليه السلام) " الا ان العلم الذي هبط به آدم (عليه السلام) من السماء إلى الارض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين عندي وعند عترة خاتم النبيين فاين يتاه بكم بل اين تذهبون وقال ايضا امير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته " ولقد علم المستحفظون من اصحاب محمد (صلى الله عليه واله وسلم) انه قال انى واهل بيتي مطهرون فلا تسبقوهم فتضلوا ولا تتخلفوا عنهم فتزلوا ولا تخالفوهم فتجهلوا ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم.
هم اعلم الناس كبارا واحلم الناس صغارا فاتبعوا الحق واهله حيث كان ففي الذي ذكرنا من عظيم خطر القرآن وعلم الائمة: كفاية لمن شرح الله صدره ونور قلبه وهداه لايمانه ومن عليه بدينه وبالله نستعين وعليه نتوكل وهو حسبنا ونعم الوكيل ".
تعريف بالعلوم الموجودة في القران مقدمة تفسير القمي
(قال ابوالحسن على بن ابراهيم الهاشمى القمى ط) فالقرآن منه ناسخ، ومنه منسوخ، ومنه محكم، ومنه متشابه، ومنه عام، ومنه خاص، ومنه تقديم، ومنه تأخير، ومنه منقطع، ومنه معطوف، ومنه حرف مكان حرف، ومنه على خلاف ما انزل الله [9]، ومنه ما لفظه عام ومعناه خاص، ومنه ما لفظه خاص ومعناه عام، ومنه آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة اخرى ومنه ما تأويله في تنزيله ومنه ما تاويله مع تنزيله، ومنه ما تأويله قبل تنزيله، ومنه تأويله بعد تنزيله، ومنه رخصة اطلاق بعد الحظر، ومنه رخصة صاحبها فيها بالخيار ان شاء فعل وان شاء ترك، ومنه رخصة ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها ولا يدان بباطنها، ومنها ما على لفظ الخبر ومعناه حكاية عن قوم، ومنه آيات نصفها منسوخة ونصفها متروكة على حالها، ومنه مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين، ومنه مخاطبة للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) والمعنى امته، ومنه ما لفظه مفرد ومعناه جمع، ومنه ما لا يعرف تحريمه الا بتحليله، ومنه رد على الملحدين، ومنه رد على الزنادقة، ومنه رد على الثنوية ومنه رد على الجهمية، ومنه رد على الدهرية، ومنه رد على عبدة النيران، ومنه رد على عبدة الاوثان، ومنه رد على المعتزلة، ومنه رد على القدرية، ومنه رد على المجبرة، ومنه رد على من انكر من المسلمين الثواب والعقاب بعد الموت يوم القيامة، ومنه رد على من انكر المعراج والاسراء، ومنه رد على من انكر الميثاق في الذر، ومنه رد على من انكر خلق الجنة والنار، ومنه رد على من انكر المتعة والرجعة، ومنه رد على من وصف الله عزوجل، ومنه مخاطبة الله عزوجل لامير المؤمنين والائمة : وما ذكره الله من فضايلهم وفيه خروج القائم واخبار الرجعة وما وعد الله تبارك وتعالى الائمة : من النصرة والانتقام من اعدائهم، وفيه شرايع الاسلام واخبار الانبياء : ومولدهم ومبعثهم وشريعتهم وهلاك امتهم، وفيه ما نزل بمغازي النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، وفيه ترهيب وفيه ترغيب، وفيه امثال، وفيه اخبار وقصص، ونحن ذاكرون جميع ما ذكرنا ان شاء الله في اول الكتاب مع خبرها ليستدل بها على غيرها وعلم ما في الكتاب وبالله التوفيق والاستعانة وعليه نتوكل وبه نستعين ونستجير والصلاة على محمد وآله الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
فاما الناسخ والمنسوخ فان عدة النساء كانت في الجاهلية اذا مات الرجل تعتد امرأته سنة فلما بعث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لم ينقلهم عن ذلك وتركهم على عاداتهم وانزل الله تعالى بذلك قرآنا فقال {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] فكانت العدة حولا فلما قوى الاسلام انزل الله {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فنسخت قوله {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] ومثله ان المرأة كانت في الجاهلية اذا زنت تحبس في بيتها حتى تموت والرجل يوذى فانزل الله في ذلك" {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } [النساء: 15] " وفى الرجل " {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 16] فلما قوى الاسلام انزل {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فمسخت تلك ومثله كثير نذكره في مواضعه ان شاء الله تعالى.
واما المحكم فمثل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] ومثله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] ومنه قوله " {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ } [النساء: 23] الآية إلى آخرها فهذه كله محكم قد استغنى بتنزيله عن تأويله ومثله كثير.
واما المتشابه فما ذكرنا مما لفظه واحد ومعناه مختلف فمنه الفتنة التي ذكرها الله تعالى في القرآن فمنها عذاب وهو قوله " { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] ي يعذبون وقوله {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217] وهي الكفر ومنه الحب وهو قوله {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ } [الأنفال: 28] يعني بها الحب ومنها اختبار وهو قوله {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 1، 2] اي لا يختبرون ومثله كثير نذكره في مواضعه ومنه الحق وهو على وجوه كثيرة ومنه الضلال وهو على وجوه كثيرة فهذا من المتشابه الذي لفظه واحد ومعناه مختلف.
واما ما لفظه عام ومعناه خاص فمثل قوله تعالى {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 47] فلفظه عام ومعناه خاص لانه فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصهم بها وقوله {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23]
يعني بلقيس فلفظه عام ومعناه خاص لانها لم توت اشياء كثيرة منها الذكر واللحية وقوله {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 24، 25] لفظه عام ومعناه خاص لانها تركت اشياء كثيرة لم تدمرها.
واما ما لفظه خاص ومعناه عام فقوله {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] الآية خاص في بني اسرائيل ومعناها عام في الناس كلهم.
واما التقديم والتأخير فان آية عدة النساء الناسخة مقدمة على المنسوخة لان في التأليف قد قدمت آية " عدة النساء اربعة اشهر وعشرا " على آية " عدة سنة كاملة " وكان يجب اولا ان تقرأ المنسوخة التي نزلت قبل ثم الناسخة التي نزلت بعده وقوله { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً} [هود: 17] فقال الصادق (عليه السلام) انما نزل " وقوله { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ إِمَامًا وَرَحْمَةً وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى} وقوله {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} [المؤمنون: 37] وانما هو يحيى ويميت لان الدهرية لم يقروا بالبعث بعد الموت وانما قالوا " نحيا ونموت " فقدموا حرفا على حرف وقوله { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] ايضا هو " اركعي واسجدي " وقوله {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6] وانما هو {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ أَسَفًا إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ} ومثله كثير.
واما المنقطع المعطوف فهي آيات نزلت في خبر ثم انقطعت قبل تمامها وجائت آيات غيرها ثم عطف بعد ذلك على الخبر الاول مثل قوله عزوجل {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 16، 17] ثم انقطع خبر ابراهيم فقال مخاطبة لامة محمد " {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [العنكبوت: 18، 19] إلى قوله {أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [العنكبوت: 23] ثم عطف بعد هذه الآيات على قصة ابراهيم فقال {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} [العنكبوت: 24] ومثله في قصة لقمان قوله {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] ثم انقطعت وصية لقمان لابنه فقال { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: 14] إلى قوله {فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15] ثم عطف على خبر لقمان فقال {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا...} [لقمان: 16] ومثله كثير.
واما ما هو حرف مكان حرف فقوله {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150] يعني ولا للذين ظلموا منهم {يَامُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: 10، 11] يعني ولا من ظلم وقوله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] يعني ولا خطأ وقوله {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] يعني حتى تنقطع قلوبهم ومثله كثير.
واما ما هو كان على خلاف ما انزل الله فهو قوله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لقاري هذه الآية " خير امة " يقتلون امير المؤمنين والحسن والحسين بن علي (عليه السلام)؟
فقيل له وكيف نزلت يا بن رسول الله؟ فقال انما نزلت {كُنْتُمْ خَيْرَ أُئمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الا ترى مدح الله لهم في آخر الآية { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] ومثله آية قرئت على ابى عبدالله (عليه السلام) {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] فقال أبو عبدالله (عليه السلام) لقد سألوا الله عظيما ان يجعلهم للمتقين اماما فقيل له يا بن رسول الله كيف نزلت؟ فقال انما نزلت {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَل لْنَا من الْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] وقوله {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] فقال أبو عبد الله كيف يحفظ الشيء من امر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل له وكيف ذلك يابن رسول الله؟ فقال انما نزلت {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ خَلْفِهِ ورَقيب مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ويَحْفَظُونَهُ بأَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] ومثله كثير.
واما ما هو محرف منه فهو قوله {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ} في على {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء: 166] وقوله {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - في علي - وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] وقوله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا - آل محمد - لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 168] وقوله { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا – ال محمد حقهم- أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] " وقوله {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ – ال محمد - فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الأنعام: 93] ومثله كثير نذكره في مواضعه.
واما ما لفظه جمع ومعناه واحد وهو جار في الناس فقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ } [الأنفال: 27] نزلت في ابي لبابة بن عبدالله بن المنذر خاصة وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] نزلت في حاطب بن ابي بلتعه وقوله {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] نزلت في نعيم ابن مسعود الاشجعي وقوله {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة: 61] نزلت في عبدالله بن نفيل خاصة ومثله كثير نذكره في مواضعه.
واما ما لفظه واحد ومعناه جمع فقوله {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] فاسم الملك واحد ومعناه جمع وقوله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ} [الحج: 18] فلفظ الشجر واحد ومعناه جمع.
واما ما لفظه ماض وهو مستقبل فقوله { وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87]
وقوله {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر: 68 - 70] الى آخر الآية فهذا كله ما لم يكن بعد وفي لفظ الآية انه قد كان ومثله كثير.
واما الآيات التي هي في سورة وتمامها في سورة اخرى فقوله في سورة البقرة في قصة بني اسرائيل حين عبر بهم موسى البحر وأغرق الله فرعون واصحابه وانزل موسى ببني اسرائيل فانزل الله عليهم المن والسلوى فقالوا لموسى {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61] فقالوا له يا موسى {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 22] فنصف الآية في سورة البقرة ونصفها في سورة المائدة وقوله {اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5] فرد الله {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] فنصف الآية في سورة الفرقان ونصفها في سورة القصص والعنكبوت ومثله كثير نذكره في مواضعه.
واما الآية التي نصفها منسوخة ونصفها متروكة على حالها فقوله {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وذلك ان المسلمين كانوا ينكحون اهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم فانزل الله {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] فنهى الله ان ينكح المسلم المشركة أو ينكح المشرك المسلمة ثم نسخ قوله {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] بقوله في سورة المائدة " {طَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] فنسخت هذه الآية قوله {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وترك قوله {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] لم ينسخ لانه لا يحل للمسلم ان ينكح المشركة ويحل له ان يتزوج المشركة من اليهود والنصارى.
وقوله {كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ثم نسخت هذه الآية بقوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] فنسخت قوله " النفس بالنفس إلى قوله السن بالسن " ولم ينسخ قوله {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} فنصف الآية منسوخة ونصفها متروكة.
واما ما تأويله في تنزيله فكل آية نزلت في حلال او حرام مما لا يحتاج فيها إلى تأويل مثل قوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ ... } [النساء: 23] {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} [البقرة: 173] ومثله كثير مما تأويله في تنزيله وهو من المحكم الذي ذكرناه.
واما ما تأويله مع تنزيله فمثل قوله {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] فلم يستغن الناس بتنزيل الآية حتى فسر لهم الرسول من اولوا الامر.
وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] فلم تستغن الناس الذين سمعوا هذا من النبي بتنزيل الآية حتى عرفهم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) من الصادقون.
وقوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] فلم يستغن الناس حتى أخبرهم النبى (صلى الله عليه واله وسلم) كم يصومون وقوله {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] فلم تستغن الناس بهذا حتى أخبرهم النبي كم يصلون وكم يصومون وكم يزكون.
واما ما تأويله قبل تنزيله فالأمور التي حدثت في عصر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) مما لم يكن عند النبي فيها حكم مثل الظهار فان العرب في الجاهلية كانوا اذا ظاهر الرجل من امرأته حرمت عليه إلى الابد فلما هاجر رسول الله إلى المدينة ظاهر رجل من امرأته يقال له اوس بن الصامت فجاءت امرأته إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فاخبرته بذلك فانتظر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الحكم من الله فانزل الله تبارك وتعالى " {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي} [المجادلة: 2] ومثله ما نزل في اللعان وغيره مما لم يكن عند النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فيه حكم حتى نزل عليه القرآن به من عند الله عزوجل فكان التأويل قد تقدم التنزيل.
واما ما تأويله بعد تنزيله فالامور التي حدثت في عصر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وبعده من غصب آل محمد حقهم وما وعدهم الله به من النصر على اعدائهم وما اخبر الله به من اخبار القائم وخروجه واخبار الرجعة والساعة في قوله {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] وقوله {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } [النور: 55] نزلت في القائم من آل محمد (صلى الله عليه واله وسلم).
وقوله {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5] {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [القصص: 6] ومثله كثير مما تأويله بعد تنزيله.
واما ما هو متفق اللفظ ومختلف المعنى فقوله {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: 82] يعني اهل القرية واهل العير وقوله {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [الكهف: 59] يعني اهل القرى، ومثله كثير نذكره.
واما الرخصة التي هي بعد العزيمة فان الله تبارك وتعالى فرض الوضوء والغسل بالماء فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ثم رخص لمن لم يجد الماء التيمم بالتراب فقال {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ومثله {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ثم رخص فقال {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وقوله {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103] فقال العالم (عليه السلام) الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي جالسا فمن لم يقدر فمضطجعا يؤمي ايماء فهذه رخصة بعد العزيمة.
واما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار ان شاء اخذ وان شاء ترك فان الله عزوجل رخص ان يعاقب الرجل الرجل على فعله به فقال {سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّ} [الشورى: 40] فهذا بالخيار ان شاء عاقب وان شاء عفى.
واما الرخصة التي ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها ولا يدان بباطنها فان الله تبارك وتعالى نهى ان يتخذ المؤمن الكافر وليا {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ } [آل عمران: 28] ثم رخص عند التقية ان يصلي بصلاته ويصوم بصيامه ويعمل بعمله في ظاهره وان يدين الله في باطنه بخلاف ذلك فقال {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] فهذا تفسير الرخص ومعنى قول الصادق (عليه السلام) ان الله تبارك وتعالى يحب ان يؤخذ برخصه كما يجب ان يؤخذ بعزايمه.
واما ما لفظه خبر ومعناه حكاية فقوله {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } [الكهف: 25] وهذا حكاية عنهم والدليل على انه حكاية ما رد الله عليهم بقوله {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف: 26] وقوله يحكي قول قريش {ا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] فهو على لفظ الخبر ومعناه حكاية ومثله كثير نذكره في مواضعه.
واما ما هو مخاطبة للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) والمعنى لامته فقوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] والمخاطبة للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) والمعنى لامته وقوله " {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 18] ومثله كثير مما خاطب الله به نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) والمعنى لامته وهو قول الصادق (عليه السلام) ان الله بعث نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) باياك اعني واسمعي ياجارة.
واما ما هو مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين فقوله {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ (انتم يا معشر امة محمد) فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4] فالمخاطبة لبني اسرائيل والمعنى لامة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) .
واما الرد على الزنادقة فقوله {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس: 68] وذلك ان الزنادقة زعمت ان الانسان انما يتولد بدوران الفلك فاذا وقعت النطفة في الرحم تلقتها الاشكال والغذاء ومر عليه الليل والنهار ويكبر لذلك فقال الله تبارك وتعالى ردا عليهم {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} يعني من يكبر ويعمر يرجع إلى حد الطفولية ويأخذ في النقصان والنكس فلو كان هذا كما زعموا لوجب ان يزيد الانسان ابدا ما دامت الاشكال قائمة والليل والنهار يدوران عليه فلما بطل هذا وكان من تدبير الله عزوجل اخذ في النقصان عند منتهى عمره.
واما الرد على الثنوية فقوله {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91] قال لو كان الهان لطلب كل واحد منهما العلو واذا شاء واحد ان يخلق انسانا شاء الآخر ان يخالفه فيخلق بهيمة فتكون الخلق منهما على مشيتهما واختلف ارادتهما بخلق انسان وبهيمة في حالة واحدة وهذا من اعظم المحال غير موجود واذا بطل هذا ولم يكن بينهما اختلاف بطل الاثنان وكان واحدا فهذا التدبير واتصاله وقوام بعضه ببعض بالاهوا والارادات والمشيات تدل على صانع واحد وهو قوله عزو علا {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} ولعلى بعضهم على بعض وقوله {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] .
واما الرد على عبدة الاوثان {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ} [الأعراف: 194، 195] وقوله يحكى قول ابراهيم (عليه السلام) {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [الأنبياء: 66، 67] وقوله {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56] وقوله {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17] ومثله كثير مما هو رد على الزنادقة وعبدة الاوثان.
واما ما هو رد على الدهرية زعموا ان الدهر لم يزل ولا يزال ابدا وليس له مدبر ولا صانع وانكروا البعث... والنشور فحكى الله عزوجل قولهم فقال {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا - وانما قالوا نحيى ونموت [الانهم لا يؤمنون بالبعث] - وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24].
فرد الله عليهم فقال عزوجل {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5] ثم ضرب للبعث والنشور مثلا فقال: " {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً ـ اي يابسة ـ فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ـ اي حسن ـ } {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:5، 6، 7] وقوله { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى } [الروم: 48 - 50] وقوله {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} الى قوله .. {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 6 - 11].
وقوله {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 78، 79] ومثله كثير مما هو رد على الدهرية.
واما الرد على من انكر الثواب والعقاب {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ } [هود: 105 - 107] واما قوله {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ } انما هو في الدنيا فاذا قامت القيامة تبدل السموات والارض وقوله {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46] فالغدو والعشي انما يكون في الدنيا في دار المشركين.
واما في القيامة فلا يكون غدوا ولا عشيا قوله { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } [مريم: 62] يعني في جنان الدنيا التي تنتقل اليها ارواح المؤمنين فأما في جنات الخلد فلا يكون غدوا ولا عشيا وقوله {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100] فقال الصادق (عليه السلام) البرزخ القبر وفيه الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة والدليل على ذلك ايضا قول العالم (عليه السلام) والله ما نخاف عليكم الا البرزخ.
وقوله عزوجل {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 169، 170] قال الصادق (عليه السلام) يستبشرون والله في الجنة بمن لم يلحقوا بهم من خلفهم من المؤمنين في الدنيا ومثله كثير مما هو رد على من أنكر عذاب القبر.
واما الرد على من انكر المعراج والاسراء فقوله {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 7 - 9] {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف: 45] وقوله {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94] يعني الانبياء (عليه السلام) وانما رآهم في السماء لما اسري به.
واما الرد على من انكر الرؤية فقوله " { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 11 - 15] قال أبو الحسن علي بن ابراهيم بن هاشم حدثني ابي عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال قال يا احمد ما الخلاف بينكم وبين اصحاب هشام بن الحكم في التوحيد فقلت جعلت فداك قلنا نحن بالصورة للحديث الذي روي ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) راى ربه في صورة شاب وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم فقال يا احمد ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لما اسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى خرق له في الحجب مثل سم لإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله ان يرى واردتم انتم التشبيه دع هذا يا احمد لا ينفتح عليك هذا امر عظيم.
واما الرد على من انكر خلق الجنة والنار فقوله {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 14، 15] والسدرة المنتهى في السماء السابعة وجنة المأوى عندها قال علي بن ابراهيم حدثني ابي عن حماد عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت قصرا من ياقوتة حمراء يرى داخلها من خارجها وخارجها من داخلها من ضيائها وفيها بيتان من در وزبرجد فقلت يا جبرئيل لمن هذا القصر فقال هذا لمن اطاب الكلام وادام الصيام واطعم الطعام وتهجد بالليل والناس نيام.
فقال امير المؤمنين يا رسول الله وفي امتك من يطيق هذا فقال ادن مني يا علي فدنا منه فقال أتدرى ما اطابة الكلام قال الله ورسوله اعلم قال من قال سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر أتدرى ما ادامة الصيام قال الله ورسوله اعلم قال من صام رمضان ولم يفطر منه يوما وتدري ما اطعام الطعام قال الله ورسوله اعلم قال من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس وتدري ما التهجد بالليل والناس نيام قال الله ورسوله اعلم قال من لم ينم حتى يصلي العشاء الآخرة ويعنى بالناس نيام اليهود والنصارى فانهم ينامون ما بينها.
وبهذا الاسناد قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لما اسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعان تفق ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما امسكوا فقلت لهم مالكم ربما بنيتم وربما امسكتم فقالوا حتى تجيئنا النفقة فقلت وما نفقتكم فقالوا قول المؤمن في الدنيا سبحان الله والحمد لله ولا آله الا الله والله اكبر فاذا قال بنينا واذا امسك امسكنا وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لما اسرى بي إلى سبع سماواته اخذ بيدي جبرئيل فادخلني الجنة فاجلسني على درنوت من درانيك الجنة فناولني سفرجلة فانفلقت نصفين فخرجت من بينهما حوراء فقامت بين يدي فقالت السلام عليك يا محمد السلام عليك يا احمد السلام عليك يا رسول الله فقلت وعليك السلام من انت فقالت انا الراضية المرضية خلقني الجبار من ثلاثة انواع اسفلى من المسك ووسطى من العنبر واعلاى من الكافور وعجنت بماء الحيوان ثم قال جل ذكره لي كوني فكنت لاخيك ووصيك علي بن ابي طالب صلوات الله عليه.
قال وقال أبو عبدالله (عليه السلام) كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يكثر تقبيل فاطمة (عليها السلام) فغضبت من ذلك عايشة وقالت يا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) انك تكثر تقبيل فاطمة (عليها السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يا عايشة انه لما اسري بى إلى السماء دخلت الجنة فادنانى جبرائيل (عليه السلام) من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فاكلته فلما هبطت إلى الارض حول الله ذلك ماء في ظهري فواقعت بخديجة فحملت بفاطمة فما قبلتها إلا وجدت رايحة شجرة طوبى منها ومثل ذلك كثير مما هو رد على من انكر المعراج وخلق الجنة والنار.
واما الرد على المجبرة الذين قالوا ليس لنا صنع ونحن مجبرون يحدث الله لنا الفعل عند الفعل وانما الافعال هى منسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة وتأولوا في ذلك آيات من كتاب الله عزوجل لم يعرفوا معناها مثل قوله {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29] {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125] وغير ذلك من الآيات التي تأويلها على خلاف معانيها وفيما قالوه ابطال للثواب والعقاب واذا قالوا ذلك ثم اقروا بالثواب والعقاب نسبوا الله إلى الجور وانه يعذب العبد على غير اكتساب وفعل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ان يعاقب احدا على غير فعله وبغير حجة واضحة عليه والقرآن كله رد عليهم قال الله تبارك {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } [البقرة: 286] فقوله عزوجل لها وعليها هو على الحقيقة لفعلها.
وقوله {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8] وقوله {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } [المدثر: 38] وقوله {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران: 182] وقوله { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17] وقوله {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: 3] يعني بينا له طريق الخير وطريق الشر.
{إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان: 3] قوله {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ(38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ـ لم يقل لفعلنا ـ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 39، 40] ومثله كثير نذكره ونذكر ما احتجت به المجبرة من القرآن الذي لم يعرفوا معناه وتفسيره في مواضعه ان شاء الله.
واما الرد على المعتزلة فان الرد من القرآن عليهم كثير وذلك ان المعتزلة قالوا نحن نخلق افعالنا وليس لله فيها صنع ولا مشية ولا ارادة ويكون ما شاء ابليس ولا يكون ما شاء الله واحتجوا انهم خالقون لقول الله عزوجل تبارك الله احسن الخالقين فقالوا في الخلق خالقون غير الله فلم يعرفوا معنى الخلق وعلى كم وجه هو فسئل الصادق (عليه السلام) أفوض الله إلى العباد امرا؟ فقال الله اجل واعظم من ذلك فقيل فاجبرهم على ذلك؟ فقال الله اعدل من ان يجيرهم على فعل ثم يعذبهم عليه فقيل له فهل بين هاتين المنزلتين منزلة قال نعم فقيل ما هي فقال سر من اسرار ما بين السماء والارض وفي حديث آخر قال سئل هل بين الجبر والقدر منزلة قال نعم قيل فما هي قال سر من اسرار الله قال هكذا خرج الينا قال وحدثني محمد بن عيسى ابن عبيد عن يونس قال قال الرضا (عليه السلام) يا يونس لا تقل بقول القدرية فان القدرية لم يقولوا بقول اهل الجنة ولا بقول اهل النار ولا بقول ابليس فان اهل الجنة قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله ولم يقولوا بقول اهل النار فان اهل النار قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وقال ابليس رب بما اغويتني فقلت يا سيدي والله ما اقول بقولهم ولكني اقول لا يكون الا ما شاء الله وقضى وقدر فقال ليس هكذا يا يونس ولكن لا يكون الا ما شاء الله واراد وقدر وقضى أتدري ما المشية يا يونس قلت لا قال هو الذكر الاول أتدري ما الارادة قلت لا قال العزيمة على ماشاء الله وتدري ما التقدير قلت لا قال هو وضع الحدود من الآجال والارزاق والبقاء والفناء وتدري ما القضاء قلت لا قال هو اقامة العين ولا يكون الا ما شاء الله عني الذكر الاول.
واما الرد على من انكر الرجعة فقوله {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا} [النمل: 83] قال وحدثني ابى عن ابن ابى عمير عن حماد عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال ما يقول الناس في هذه الآية {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا} قلت يقولون انها في القيامة قال ليس كما يقولون ان ذلك في الرجعة أيحشر الله في القيامة من كل امة فوجا ويدع الباقين انما آية القيامة قوله { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47] وقوله {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] فقال الصادق (عليه السلام) كل قرية اهلك الله اهلها بالعذاب ومحضوا الكفر محضا لا يرجعون في الرجعة واما في القيامة فيرجعون اما غيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب (ومحضو الايمان محصنا او محضوا الكفر محضا يرجعون.
قال وحدثني ابي عن ابن ابى عمير عن عبدالله بن مسكان عن ابى عبدالله (عليه السلام) في قوله {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81] قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم إلى عيسى (عليه السلام) الا ان يرجع إلى الدنيا فينصر امير المؤمنين (عليه السلام) وهو قوله {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} يعني رسول الله {وَلَتَنْصُرُنَّهُ} يعني امير المؤمنين ومثله كثير.
وما وعد الله تبارك وتعالى الائمة : من الرجعة والنصرة فقال {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ (يا معشر الائمة) وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } [النور: 55] فهذا مما يكون اذا رجعوا إلى الدنيا {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ } [القصص:5 ، 6] فهذا كله مما يكون في الرجعة.
قال وحدثني ابى عن احمد بن النضر عن عمر بن شمر قال ذكر عند ابى جعفر (عليه السلام) جابر فقال رحم الله جابرا لقد بلغ من علمه انه كان يعرف تأويل هذه الآية {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] يعني الرجعة ومثله كثير نذكره في مواضعه.
واما الرد على من وصف الله عزوجل فقوله {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42] قال حدثني ابى عن ابن ابى عمير عن جميل عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال اذا انتهى الكلام إلى الله فامسكوا وتكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق (العرش، فان قوما تكلموا فيما فوق العرش فتاهت) فتاهت عقولهم حتى ان الرجل كان ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه وقوله (عليه السلام) انه من تعاطى ماثمة هلك فلا يوصف الله عزوجل الا بما وصف به نفسه عزوجل ومن قول امير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته وكلامه في نفي الصفة.
واما الترغيب فمثل قوله {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] وقوله تعالى {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الصف: 10 - 12] ومثل قوله تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } [النمل: 89] وقوله {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وقوله {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 40]
واما الترهيب فمثل قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] وقوله {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33] ومثله كثير في القرآن نذكره في مواضعه.
واما القصص فهو ما اخبر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) من اخبار الانبياء وقصصهم في قوله: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [الكهف: 13] وقوله {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3] وقوله {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] ومثله كثير ونحن نذكر ذلك كله في مواضعه ان شاء الله تعالى وانما ذكرنا من الابواب التي اختصرناها من الكتاب آية واحدة ليستدل بها على غيرها ويعرف معنى ما ذكرناه مما في الكتاب من العلم وفي ذلك الذي ذكرناه كفاية لمن شرح الله صدره وقبله للاسلام ومن عليه بدينه الذي ارتضاه لملائكته وانبيائه ورسله وبالله نستعين وعليه نتوكل ونسأله العصمة والتوفيق والعون على ما يقربنا منه ويزلفنا لديه واستفتح الله الفتاح العليم الذي من استمسك بحبله ولجأ إلى سلطانه وعمل بطاعته وانتهى عن معصيته ولزم دين اوليائه وخلفائه نجى بحوله وقوته واسأله عزوجل ان يصلي على خيرته من خلقه محمد وآله الاخيار والابرار.
[1] اي لم يخلق الكون من شئ انما خلقه بقدرته بدون شئ فلفظ " قدرته " مجرور من بواسطة العطف على " شئ ". ج ـ ز
[2] حبر الكلام اي حسنه وزينه. ج ـ ز
[6] الهجمة اول ما يهجم من ظلام الليل والمراد هنا مطلق الظلمة وكذا مكفهرة، وفى ط متجهمة اى عابسة ج. ز
[7] الخوط الغصن الناعم او كل قضيب يعني انهم كانوا غير ذوى حنك وتدبير
[8] الفرط المتقدم والمعنى انى اتقدمكم إلى الحوض. ج. ز
[9] مراده رحمه الله منه الآيات التي حذفت منها الفاظ على الظاهر كالآيات التي نزلت في امير المؤمنين 7 مثل قوله تعالى ياايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك (في علي 7 وسيأتى تفصيل القول في ذلك عند محله. ـ ز
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في علوم القرآن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة