وحي الخيرات إلى الأئمّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص219-221
2025-10-20
167
وحي الخيرات للأئمّة:
تقول الآية القرآنية المباركة: {وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ}، أي انّ جميع الأفعال الحسنة التي تظهر عنهم هي بإذننا وأمرنا، وانّ ملكوتها بيدنا، وبالنتيجة فانّ أعمالهم تصدر منهم دون أي تدخلّ للفكر النفساني والهوى والعُجب.
فهم لا يفكرون ولا يفعلون بالاعتبار شيئاً للمحافظة على مصالحهم، ولا يقعون في اعتبارات واهية من أجل فعلٍ ما، فيفعلوه على أساس مصلحةٍ خيالية، بل انهم اجتازوا جميع هذه المراحل، فصارت إرادتهم إرادة الله، وصار فعلهم يصدر عن ضمير طاهر بلا مواربة ولا خيانة وبلا شائبة من التفكير بالمصلحة أو ملاحظة للأجر والثواب أو تفكيرٍ بعاقبة. هؤلاء هم الذين جزاؤهم نفس فعلهم، فليسوا في صدد جزاء خارج عن نفس فعلهم وحقيقته.
هذا الفعل هو فعل الله الذي يطلع بإرادة الله من مرآة وجودهم وصُقع نفوسهم، ويظهر من مصدر تجلّي وجودهم، ولذلك يمكن القول أنّ نفس فعلهم هو وحي الله. انّ الانسان ما لم تبصر عينه جمال ربّه فينسى تدريجاً مراتب وجوده ويصبح موجوداً بالله تبارك وتعالى، فانّه سيرى أنّ جميع أفعاله صادرة عن نفسه، وسيقوم بها حتماً من أجل غايةٍ وهدف. لكنّه اذا تقدّم بقدم صدق في مرحلة العبوديّة فانّه سوف يتأثّر تدريجياً بمشاهدة قدرة الله وعلمه المطلق وبانكشاف مراحل التوحيد في وجوده، فيصبح لا يدرك وجوداً لنفسه بعدُ ليقوم بعملٍ ما لحفظه أو لاستجلاب منفعةٍ له ودفع الضرر عنه، وسيرى نفسه خاضعاً مستسلماً بيد القدرة الالهيّة كالعجينة في القبضة القوية، وسيرى وجوده سراباً اثر بزوغ شمس الحقيقة ومشاهدة الجمال المطلق والعلم والحياة المطلقة، فلا يمكنه أن يعمل لنفسه ولمصلحته، وسيكون كلّ ما يصدر عنه في هذه الحال هو عمل الحق فقط.
كما يقول سُبحانه في الحديث القدسيّ الذي رواه الفريقان: "لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ، فَإذَا أحَبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ ولِسَانَهُ الذي يَنْطِقُ بِهِ ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بها"[1].
اي انّه لن يعدّ أذنه ملكاً له، بل انّ أذنه مجرى يسمع الله بها، وعينه وسيلة يرى الله بها؛ وتدلّ الآية المباركة القرآنية: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ اللَّهَ رَمى}[2]، على هذا المقام. كما انّ الآية المباركة: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[3]، تدلّ على هذا المعنى أيضاً.
[1] وردت مصادر هذا الحديث في كتاب (معاد شناسى) معرفة المعاد، المجلد الثاني، المجلس التاسع.
[2] مقطع من الآية 17، من السورة 8: الأنفال.
[3] مقطع من الآية 10، من السورة 48: الفتح
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة