تأثير ديانة زورواستر على الديانة اليهودية
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج13 ص 505 ــ 506
2025-07-01
519
قد يَطُولُ بنا البحثُ إذا تَعَمَّقْنَا في موضوع تأثير ديانة «زورواستر» على ديانة اليهود، وبالطبع على الديانة المسيحية، ولكن مما يستحق الإشارة إليه أن «أهريمان» في ديانة «زورواستر» يكادُ يكون موحدًا بالشيطان في ديانة اليهود وﺑ «إبليس» في الدين الإسلامي، فنجدُ في كل الديانتين شياطينَ مؤذيةً لا يُمكنُ للإله الأعلى أن يقضي عليهم في الحال كما يُريد بداهة إذا أمكنه، يُضاف إلى ذلك أن صفاء «أهورامازدا» وسموه في علاه كما لقنهما «زورواستر» تَفُوقان فكرةَ «يهوه» الإله القبلي عند اليهود والذي قد مثل صائحًا: «إذا شحذت سيفي البارق، وأمسكت بيدي على القضاء، فإني أُرسل النقمة على أعدائي، وأُجازي مبغضي، وسأُسكر سهامي بالدم، وسيلتهم سيفي لحمًا بدم القتلى والسبايا ومن رءوس قواد العدو» (كتاب التثنية، الإصحاح 32 الأسطر 41 و42).
ومن جهة أخرى نجد أن الإله الذي طبيعتُهُ السامية قد وضعت في الفقرات الرفيعة في كتاب «أشعيا» تفوق أعلى تصور جاء على لسان «أهورامازدا».
والآن ننتقل إلى مسألةٍ أَهَمَّ بكثيرٍ من السابقة، وذلك أنه من المحتمل أن نكون قد غَالَيْنَا كثيرًا إذ ادعينا أنَّ عقيدةً أبديةَ الروح قد بشر بها أولًا «زورواستر»، ثم نقلها عنه اليهودُ الذين وضعهم «سرجون الثاني» في مُدُن الميديين، وكانوا قد اختفوا، وعُدُّوا مفقودين بالنسبة لإسرائيل.
ونحن نعلم — على أية حال — أن الأسر الكهنوتية والأرستقراطية من اليهود الذين يمثلون الصدوقيين (الكفار باليوم الآخر)، قد قالوا في بداية العصر المسيحي إنه لا يوجد في الكتب المنزلة ما يثبت الاعتقاد في وجود ملائكة وأرواح أو قيامة، وعلى ذلك فإنه لدينا من جهة الزورواستريين الذين كانت عقيدة أبدية الروح في نظرهم من الأمور الأساسية، ومن جهة أخرى لدينا اليهود الذين انقسموا على أنفسهم بسبب هذه العقيدة الحيوية الهامة، وذلك بعد مضي عدة قرون على موت نبي «إيران» العظيم.
هذا، ويَضيق بنا المقام في هذا المختصر أنْ نُضيف أكثر مما سبق على التأثير الهائل الذي أحدثتْه ديانةُ «زورواستر» على اليهودية سواءٌ أكان ذلك بطريقٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرة، وبقي علينا أنْ نُشير إلى أن نغمة الأنبياء اليهود نحو الفرس تلفتُ النظر في تسامُحها، ولنعطِ مثالًا واحدًا من بين كثير فنقرأ في «أشعيا»: «هكذا قال الرب إلى معطرة إلى «كورش» والواقعُ أن الفرس وحدهم من بين السلالات المتسلطة لم يحكم عليهم بدخول النار من جانب أنبياء اليهود، وقد اعترف بهم اليهودُ إلى حَدٍّ ما بأنهم قوم تقرب ديانتهم من الديانة اليهودية. »
وخلاصة القول إننا قد رأينا هؤلاء الإيرانيين في أول أمرهم قد بدوا أجلافًا يعبدون الطبيعة، ثم يظهر بينهم بعد ذلك «زورواستر» في جلاله وعظمته، فحَوَّلَ أساطير قومه إلى رُوح طيبة، وبعث فيهم الشعورَ بوُجُود إله يقرب سموه ورفعته مِن سُمُوِّ عيسى ورفعته، وأنه «زورواستر» الذي نادى بالاعتقاد الآري في خلود الروح، وكانت رسالته التي قوامُها الأمل قد أتت — بلا شك — من الماضي البعيد، مارةً بمسارح الزمن الهامسة، تاركة أثرها في نفوس أهل القرن العشرين الذي نعيش فيه بصفة مباشرة وغير مباشرة.
فعلى حسب تعاليمه نجد الإنسانَ في صراعه الأبدي بين الخير والشر، قد تُرك ليختار لنفسه ما يحلو له، فالأرواحُ الخَيِّرةُ تعاضدُهُ، والأرواح الشريرة تهاجمه، غير أنه يعلم أن الغلبة ستكون للخير على الشر كما يقهر غيثُ السماء القحطَ.
وفي رأيي أنه من الصعب أن يكون في قدرة الإنسان الزيادة في تحسين عقائد هذه الديانة، وهي التي يرددها كل صبي عندما يصبح في سن كافية «لشد حزامه»، ويقول بعد أن يتعلم على يد مَنْ هو أكبر منه سنًّا: «أفكارًا طيبة وكلمات طيبة وأعمالًا طيبة» وتلك هي تعاليمُ هذا الدين القويم.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة