بطليموس فيلوباتور نيوس
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج16 ص 364 ــ 367
2025-12-19
31
والواقع أن كل ما لدينا من معلومات حتى الآن ليست بكافية لكشف النقاب عن شخصية هذا الأمير الذي لم يحكم البلاد أبدًا، وأن ما تحوم حول شخصيته من شكوك هي نفس الشكوك التي لفت شخصية «يوباتور» في ظلام دامس.
والغريب أن هذين الأميرين كثيرًا ما يختلط الواحد منهما بالآخر، وسنحاول فيما يأتي أن نذكر المصادر الأثرية التي جاء فيها ذكر هذا الأمير، وما قيل عنها من آراء متضاربة، ثم نختم الكلام برأي الأستاذ «شاسينا» في موضوع توحيده مع «بطليموس المنفي» على حسب متن جديد وُجِدَ بين نقوش معبد «إدفو» الكبير، ويرجع الفضل في حل معناه إلى هذا الأثري الكبير.
ظهر اسم هذا الأمير للمرة الأولى في بردية ديموطيقية محفوظة الآن بمتحف «برلين»، ومؤرخة بالثالث أو الخامس من بشنس من العام الثاني والخمسين من عهد الملك «إيرجيتيس الثاني» (= 118ق.م)؛ أي بعد الأمير «يوباتور» بحوالي أربعين عامًا.
هذا، وكان الأثري «لبسيوس» يعرف هذه البردية منذ عام 1852م، غير أنه عارض في أهميتها التاريخية، وذلك بقوله: إن الأمير «نيوس فيلوباتور» قد ذُكِرَ في المتون الهيروغليفية التي في معبدي «طيبة» و«أمبوس» (كوم أمبو الحالية)؛ ولا بد إذن أنه كان قد حُشِرَ اسمه في سلسلة الملوك الشرعيين، وكان يُعْبَد رسميًّا قبل عام 52 من عهد الملك «البطين إيرجيتيس الثاني» (1)، ومن ثم نلحظ أن «لبسيوس» قد أخطأ في توحيد الأمير «نيوس فيلوباتور» بابن «فيلومتور» و«كليوباترا الثانية» الذي يُحْتَمَلُ أن «إيرجيتيس الثاني» قد قتله (؟)، وقد وحده «جوتييه» بالأمير «يوباتور». هذا، ونجد من جهة أخرى أن الأثري «جرنفل» (2) قد أعلن صواب رأي «لبسيوس»؛ أي إن «فيلوباتور نيوس» هو «يوباتور». هذا، ونجد ثانية أن الأثري «ريفييو» Revillout قد رفض رفضًا باتًّا هذا التوحيد وقال: إن «نيوس فيلوباتور» هو ابن «إيرجيتيس الثاني» و«كليوباترا الثانية» وعلى ذلك كان أخ «يوباتور» من أمه، ولكنه لم يوحده بالأمير المنفي الذي وُلِدَ في «منف» خلال الاحتفال الرسمي بتتويج «إيرجيتيس الثاني» ويقول «ريفييو»(3): إنه إذا كان هذا الأمير قد حُشِرَ بين شهر أمشير وشهر بشنس من السنة الثانية والخمسين في سلسلة الملوك المؤلَّهين فإن ذلك لم يكن إلا بمثابة إصلاح الخطأ جاء متأخرًا، وعمله هذا الملك لأجل الملكة العجوز «كليوباترا الثانية» التي رأت ابنها الثاني بوصفه وارثًا للعرش، ومن ثم كان إشراكه في عرش البلاد (ما بين عام 124 و118ق.م) بمثابة ترضية نهائية لكبريائها من جانب «إيرجيتيس الثاني» عام 124ق.م، غير أن «كليوباترا الثالثة» كانت قد أكلت الغيرة صدرها من هذا الأمير، وعملت على التخلص منه حتى لا يرث العرش. هذا، وقد اعتبر المؤرخ «مهفي»(4) أن «فيلوباتور نيوس» هو ابن خالة «يوباتور» الذي كان يعتبره هذا المؤرخ ابن «بطليموس الخامس إبيفانس»، وكان — كما يقول «مهفي» — ابن «فيلومتور» و«كليوباترا الثانية»، والأخيرة قد وضعته على عرش الملك بعد موت «فيلومتور» عام 146ق.م وذلك بمساعدة حزب اليهود في الإسكندرية، و«بطليموس فيلوباتور نيوس» هذا هو الذي نسب إليه «مهفي» النقش الإغريقي الذي وُجِدَ للإله «أبولو» (في جزيرة قبرص)(5) على نقش عُثِرَ عليه في بلدة «بافوس»(6) Paphosوأخيرًا نُسِبَ إليه النقش الذي عُثِرَ عليه في جزيرة «حصه» وهو الذي كشف عنه الأثري «سايس» Sayce عام 1895، (7) وكذلك قال: إنه هو الذي قتله «إيرجيتيس الثاني» لا «يوباتور» في نفس اليوم الذي تزوج فيه من «كليوباترا الثانية» أرملة «بطليموس السادس» عام 145ق.م اللهم إلا إذا كان قد مات ميتة طبيعية، وهذا ممكن كما يقول «مهفي»(8).
أما الأثري «بدج» (9) فقد اعتنق بطبيعة الحال — بما عُرِفَ عنه من عدم الاهتمام في المناقشات النقدية البعيدة الغور — أفكار المؤرخ «مهفي»؛ فسمى هذا الأمير كما سماه «مهفي» «بطليموس الثامن»، كما أضاف أنه كان يُدْعَى على حسب بعضهم «يوباتور الثاني»، وعلى حسب بعضهم الآخر «نيوس فيلوباتور». ثم استمر في خلطه بين هذين الأميرين ما شاء له الخلط.
أما الأثري «ستراك» (10) Strack فإنه يعتبر «نيوس فيلوباتور» «بطليموس التاسع» ولم يقتبس له أي نقش إغريقي.
وأخيرًا أعلن «بدج» كذبًا وبهتانًا بأنه لا يوجد أي نقش مصري لهذا الملك، على أن ذلك لم يمنعه على أية حال في كتابه عن ملوك مصر أن يقتبس خمسة أمثلة عن لقب «فيلوباتور نيوس» بالمصرية القديمة منسوبة إلى مصادرها (راجع Ibid. p. 262).
رأينا فيما سبق أن الأثري «ريفييو» قد اعتبر «فيلوباتور نيوس» بأنه ليس ابن «فيلومتور» بل ابن «إيرجيتيس الثاني»، وهذا هو نفس الرأي الذي أخذ به «ستيوارت بول» Stuart Poole في كتابه عن النقود الإغريقية في مصر، وكذلك كان هذا هو رأي «ستراك»، وقد ذهب الأخير إلى أبعد من هذا، ووحد هذا الأمير بالأمير «بطليموس المنفي» الذي وُلِدَ في عام 144ق.م في «منف» في خلال انعقاد أعياد تتويج «إيرجيتيس الثاني»، وأُعْدِمَ عام 130ق.م بيد والده نفسه، وذلك عندما كان الأخير قد طُرِدَ مؤقتًا من عرش الملك على يد أهالي الإسكندرية(11). وهذا الرأي هو الذي اعترف به المؤرخ «بوشيه لكلرك» إلى أن تصل معلومات أكثر دقة كما يقول، غير أنه مع ذلك اقترح حلًّا آخر مؤداه أن «نيوس فيلوباتور» هو الابن البكر للملك «إيرجيتيس الثاني» و«كليوباترا الثالثة» لا ابن «كليوباترا الثانية»؛ أي إنه كان الأخ الأكبر ﻟ «بطليموس العاشر سوتر الثاني» الذي وُلِدَ حوالي عام 143ق.م أو 142ق.م، وأنه مات قبل والده (وهذا يفسر أنه لم يحكم). وهذه النظرية الأخيرة هي التي يميل «جوتييه» للأخذ بها، ويقول إنها هي النظرية الوحيدة التي يمكن أن يُفَسَّرَ بها لماذا لم يظهر «فيلوباتور نيوس» في النقوش التي على الآثار قبل عام 52 من عهد «إيرجيتيس الثاني» (118ق.م).
ومن كل ما سبق نرى أن المؤرخين الأحداث لم يتفقوا على رأي واحد في تحديد مكانة «بطليموس فيلوباتور نيوس» في التاريخ. غير أن الأثري «شاسينا» كما ذكرنا من قبل قد طلع علينا برأي جديد استنبطه من نقش كُشِفَ عنه في معبد «إدفو»، وهذا الرأي يتفق مع رأي كل من المؤرخين «ستراك» و«بوشيه لكلرك» في جملته، وسنضع ملخصًا لهذا البحث هنا لما فيه من طرافة ودقة وعمق في التفكير، وأعتقد أنه هو الرأي الصواب، وسنرى أن هذا الحل بما جاء فيه من أسانيد يدحض الرأي الذي اعتنقه الأثري «جوتييه» (12).
................................................
1- راجع: Uber eínige Ergebnisse der Aegyptischen Denkmaeler fur die Kenntnisse der Ptolemaer-Geschichte P. 14
2- راجع: Grenfell (Greek Pap. In the Brit. Mus. Vol. I, p. 53).
3- راجع: Revue Egpyt. III, P. 6–8.
4- راجع: Empire of the Ptolemaic, p. 32, No. 2 and P. 371 and note 1, p. 376
5- راجع: G. L. R. IV, p. 339, §. V.
6- راجع: Ibid. p. 207 note 1.
7- راجع: Ibid., p. 339, § VI.
8- راجع: Empire of the Ptolemies, p. 330, NO. 2.
9- راجع: Budge Hist of Egypt, Vol. VIII. p. 39 and Book of Kings II. p. 130
10- راجع: Die Dynastie der Ptolemaer. P. 253.
11- راجع: Die Dynastie der Ptolemaer. p. 179 note 1.
12- راجع: Gauthier. L. R. IV. P. 343.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة