صبر النبي على جهل امته
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص82-84.
2025-06-30
676
صبر النبي على جهل امته
قال تعالى : {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [التوبة : 5].
قال حفص بن غياث ، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « يا حفص ، إنّ من صبر صبر قليلا ، ومن جزع جزع قليلا » . ثمّ قال : « عليك بالصّبر في جميع أمورك ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ بعث محمّدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فأمره بالصّبر والرّفق ، فقال : {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ} [المزمل : 10، 11] . وقال تبارك وتعالى : {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت : 34، 35] فصبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حتى نالوه بالعظائم ورموه بها ، فضاق صدره ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 97، 98] ثمّ كذّبوه ورموه فحزن لذلك ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام : 33، 34].
فألزم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نفسه الصّبر ، فتعدّوا ، فذكروا اللّه تبارك وتعالى وكذّبوه ، فقال : قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ، ولا صبر لي على ذكر إلهي ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [ق : 38، 39] .
فصبر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في جميع أحواله ، ثم بشّر في عزّته بالأئمّة « 1 » ووصفوا بالصّبر ، فقال جلّ ثناؤه : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة : 24] فعند ذلك قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : الصّبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، فشكر اللّه عزّ وجلّ ذلك له ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [الأعراف : 137] فقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : إنه بشرى وانتقام ، فأباح اللّه عزّ وجلّ له قتال المشركين ، فأنزل تعالى : {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5] ، {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } [البقرة : 191] فقتلهم اللّه على يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأصحابه ، وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخر له في الآخرة ، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقرّ اللّه له عينه في أعدائه مع ما يدّخر له في الآخرة » « 2 » .
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام ، قال : « سأل رجل أبي عليه السّلام عن حروب أمير المؤمنين ( صلوات اللّه عليه ) ، وكان السائل من محبّينا . فقال له أبو جعفر عليه السّلام : بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بخمسة أسياف - وذكر الأسياف ، فقال فيها :
- وأما السيوف الثلاثة المشهورة ، فسيف على مشركي العرب ، قال اللّه عزّ وجلّ : {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا } يعني آمنوا { وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ } { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة : 5]« 3 » : « هي يوم النّحر إلى عشر مضين من شهر ربيع الآخر » « 4 » .
____________
( 1 ) في « ط » : ثمّ تصبّر في عترته الأئمّة .
( 2 ) الكافي : ج 2 ، ص 71 ، ح 3 .
( 3 ) الكافي : ج 5 ، ص 10 ، ح 2 .
( 4 ) تفسير العيّاشي ج 2 ، ص 77 ، ح 22 .
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة