مقبرة العظيم «ثاي-حور-بتا» وقزمه
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج13 ص 298 ــ 301
2025-06-18
512
في عام 1911 عندما كان الأثريُّ «كويبل» يقوم بأعمال الحفر في «سقارة» بجوار منطقة هرم «تيتي» صادفه أثناء الحفر مكانُ مقبرة يرجع عهدُها إلى الأسرة الثلاثين، وجد فيها ما لا يقل عن تسعةِ توابيت، من بينها اثنان من الجرانيت القاتم، وهما الآن بالمتحف المصري.
ولفت النظر أن التابوتين غير متكافئين من حيث الحجم والمنظر؛ إذ إن واحدًا منهما كبيرٌ وفخمٌ، والثاني صغيرٌ ويظهرُ عليه أنه تابوت طفل، والواقعُ أنَّ الفحص دَلَّ على أن واحدًا منهما كان لموظف عظيم يشغل مكانة عظيمة في الدولة، والآخر كان لرجلٍ قصير القامة جدًّا، وبعبارة أخرى: قزم، وسنرى السر في وجودهما معًا من النقوش التي وُجدت على تابوت القزم الذي يحمل رقم 29307 وهو الذي سنتحدثُ عنه هنا، والواقعُ أنه لم ينشر بعد ولم يتعرض له «ماسبرو» في كتابه عن توابيتِ العهد الفارسي حتى العصر البطلمي، ولكنه نشر نقوش التابوت الكبير رقم 29306، (راجع: Maspero, Cat. Gen. d’Ant. Eg. d. Musée du caire No. 29303–29306).
وهذا التابوتُ الأخيرُ قد عرف منه بعض المتون منذ زمن طويل، ومن بين هذه المتون المتن الصعب الذي يشتمل على تاريخ، غير أن معناه الصحيح لم يعرف بعدُ، وهاك الترجمة الصحيحة بقدر المستطاع:
السنة الخامسة عشرة (حوالي 344ق.م)، الشهر الثالث من فصل الفيضان (هاتور) في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري، «نخت-حور-حبت» ابن «رع» محبوب «أنحور» «نقطانب» الثاني العائش أبديًّا.
لقد أخبر كتابة كاتب بيت الغرب بالقائد في حامية «سيله» (تل أبو صيفة الحالي)، والكاهن
«خبر» (؟) لمقاطعة «حور» الغربية والكاهن «ورتخنو» الخاص بمقاطعة «حور» الغربية، وكاتب كتاب الإله «حور خب» المعظمين ليكلفوا بحفظ جثة «أوزير»، «ثاي حوبتا» وهو الأمير المشرف على الوجه القبلي ومفتش الأراضي، والمشرف على الحقول المقرب ليجعلوها قدسية في عالم الآخرة حتى يمكنه أنْ يتقمص أي شكل يريده في كل الأبدية.
ومن الألقاب التي يحملها «ثاي-حور-بتا» في هذا المتن، وبخاصة أنَّ المكلف بعمل الرسميات بدفنه كان قائد حامية «سيله»، نعلم أنه كان يشغل مكانةً عظيمةً مِن مناصب الدولة، وهذا بِغَضِّ النظر عن الألقاب التي كان يحملها في كتابات تابوته؛ فإنها لا تحصى، وكذلك بغض الطرف عن ألقابه الكهنوتية التي كان يحملها، فإنَّا نذكر هنا فقط الألقاب الدنيوية التي كان يتمتع بها، والواقعُ أنَّ أَهَمَّ لقب كان يحمله هو المشرف على الحقول، وهي وظيفةٌ يحتمل أنها تقابل وظيفة وزير الزراعة في أيامنا هذه.
هذا، ولدينا متنٌ على تابوته يدلُّ دلالةً واضحةً على أنه كان مقربًا من الفرعون «نقطانب» الثاني، (راجع: Maspero Ibid. p. 223)، وهاك النص: «الأمير الوراثي والحاكم والسمير الوحيد المحبوب، والذي جعله ملك الوجه القبلي والوجه البحري عظيمًا بمعرفته، والذي رقاه ملك الوجه البحري لفطنته والذي جعله سيد الأرضين (واسع النعمة) بما خرج من فمه، والذي مَيَّزَهُ الملك «نقطانب» بجعله أميرًا ومشرفًا على «جبعت» (مدينة في الدلتا) … والذي رفعه ملك الوجه القبلي والوجه البحري»، نخت حور «محبوب» «حور» و«آمون» إلى وظيفة الكاتب الأعلى، والذي يحسب كل شيء في الديوان في حين أنه كان يملأ أذني «حور» (أي الملك) بالعدل، ومن ميزاته أمام الإله الكامل، قد أعلنت بوصفه مفتش الأراضي والمشرف على الحقول وذلك لنصائحه الممتازة.»
هذا، ونقرأ في فقرة أخرى (راجع: Maspero. Ibid. p. 240) «الأمير الوراثي، والحاكم، والسمير الوحيد المحبوب، والذي رفعه رب الأرضين بسبب علمه، والذي مَيَّزَهُ «حور رع» حامي المدينة محبوب الأرضين بوصفه أميرًا وراثيًّا وحاكمًا مشرفًا على الوجه البحري؛ لأنه يملأ قلبه بسبب فطنته، والذي رفعه الملك «نقطانب» الثاني إلى وظيفة كاتب الديوان بسبب فوقان إدارته. » وإذا كانت هذه الوظائفُ في نظر البعض ليست إلا عبارات محفوظة ثابتة تكرر، فإننا من جهة أخرى نرى أنها في هذه الحالة ليست بالجُمَل العادية؛ وذلك لأن هذا الرجل لم يرثها عن أب أو أم ولكن ورثها بما أوتيه من ذكاء وفطنة؛ فقد كان والدُهُ يُدعَى «عنخ حابي» وأمه تدعى «تفنت» وقد ذكر كلًّا منهما بدون أن يصحبه لقب، ومن ثم نعلم أنه لم يكن من علية القوم؛ أي لم يكن من الطبقة الأرستقراطية، ومن أجل ذلك قد نال هذه المكانة وهذه الألقاب؛ بما أوتيه من علم وفطنة.
ومما سبق نعلم أن هذا الرجل قد نشأ من وسط متواضع ثم نال مكانته العظيمة في عهد «نقطانب»، الذي لمح فيه الذكاء والفطنة فقربه إليه وأعلى شأنه.
غير أنه مع أصله المتواضع أخذ يتمثل بعد وُصُولِهِ بعظماء القوم بسرعة، وقد اتخذ لنفسه هواية اقتناء قزم للتسلية؛ والواقع أنه قد وجد تابوت قزم في قبر «ثاي-حور-بتا» (راجع: Cairo 29030)، ومن نقوش هذا التابوت نفهم أنه لم يوجد في قبر «ثاي-حور-بتا» بطريق الصدفة، ولا أَدَلَّ على ذلك من النقش الذي جاء على تابوت هذا القزم حيث يقول: «بيان: «أوزير» القزم «زحر» (تيوس؟) سيد الاحترام ابن المرحوم «بدي خنسو» «بتيخونسيس» الذي وضعته «تارنش» والتي تنادى باسم «تاحابي» المرحومة، يا سيد الأسياد يا «أبيس-أوزير» أول الغربيين ورب الأبدية وملك الآلهة، إني قزم قد رقصت في قم (السرابيوم) حيث كان يدفن العجل «أبيس» وفي «شو-كبحو» (في هليوبوليس حيث كان يدفن العجل «منفيس») في يوم عيد الأبدية، فكل رجاء إليك نَفِّذْهُ لي، ليست روحك تميز الأمير الوراثي والحاكم والمشرف على الوجه القبلي، العظيم الخلق، الحسن الطبع الفهيم اللب، الحلو اللسان؟ … ومن يدخل في الأعماق وأنه ممتازٌ في الحب، منبسط الكف نحو كل إنسان، ومحبوب من الملك المفضل عند الإله والذي يعمل ما تحبه الناس، ومن دفن والده في قبره (في جبانته)، ومن دفن أمه في مثواها والمشرف على الحقول (وزير الزراعة) «ثاي-حور-بتا» صاحب الاحترام ابن «عنخ حبو» المرحوم، والذي ولدته ربةُ البيت «تفنوت المرحومة، ليت جسمي يكون بجواره في مبنى قبره؛ لأن رهبتك (أي رهبة العجل «أبيس») عظيمةٌ في قلبه، امنحه حياةً طويلة، وهي ملكك وسنوات مديدة بصحة بجوارك، وليتك تساعد روحه بين الأرواح العائشة على أن تحترم وأن يصل إلى سن الاحترام في سرور عندما يكون ممتازًا لدى الملك، إنه يرغب أن يدفن بالقربات الملكية، وإنه يرغب في دفنه في جبانة «منف» قبالة رب الآلهة، وليته يدخل ويخرج في حين يخدم روحه، وليته يتسلم قربانًا من مائدة القربان يوميًّا، وليت اسمه يُذكر في معبدك أبديًّا، وليتك تجعلني أمكث بجواره حينما أكون في مبنى قبره، وحينما أخدم روحك يوميًّا جزاء لما قد فعله لي.»
هذا، وقد نقش فوق صورة القزم التي على غطاء تابوته سطران أفقيان، جاء فيهما: «المقرب لدى «أوزير»، أول أهل الغرب الإله العظيم رب «روستاو» القزم الذي يرقص في «قم» في يوم دفن العجل «أبيس-أوزير» الإله العظيم ملك الآلهة الذي يرقص في «ش-كبح» (جبانة العجل «منفيس») في يوم عيد الأبدية «لأوزير منففيس» الإله العظيم «ب-ون-حتف» واسمه الجميل (أي الاسم الذي يُنادى به) وهو «زحر» (تيوس) ابن «بدي خنسو» والذي وضعته المرحومة «تا أبيس».»
هذا، ويلاحظ وجود صورة قزم على سطح غطاء التابوت الذي عليه هذا النقشُ السالفُ الذكر مصورًا بصورة غريبة، والواقع أنه يمثل صاحب التابوت المسمَّى «ب-ون-حتف» واسمه الذي يُنادى به هو «زحر» (تيوس) ابن «بدي خنسو» وأمه تُدعَى «تاونش» (الذئبة) واسمها الذي تنادى به هو «تاجي»، وعلى الرغم من أن اسمَي والديه لم يوجدا كثيرًا في المتون المصرية، فإنه بكل تأكيد ليس بالقزم الذي يرجع إلى سُلالة الأقزام في أواسط إفريقيا، بل وُلد قزمًا من والدين مصريين، ومع ذلك فإنه قد أسهم في الدور الذي كان يقوم به الأقزام في رقص القبور، وقد رأينا أنه قام بأدوارِ الرقص في الشعائر الجنازية الخاصة بالعجل «أبيس» في مدفن السرابيوم في «منف»، كما قام بالرقص الجنازي الخاص بالعجل «منفيس» في المكان المسمى «ش-كبح» التابع لمدينة هليوبوليس، وكذلك نعلم بأن هذا القزم كالكثير من أمثاله كان ملكًا لأحد أصحاب البيوتات التي تنتمي إلى رجال البلاط، وكان هو بمثابة مُضحك أو مُسَلٍّ لصاحبه، وقد كان «ثاي-حور-بتا» صاحبه يحتل مكانة عالية في بلاط الملك «نقطانب» الثاني، ومن ثم وجدنا هذا القزم مدفونًا معه في قبره، ومن النقوش التي وُجدتْ على تابوت القزم، نعلم أن أكبر أُمنية له كانت أن يُدفن بجوار سيده الذي كان يحبه حبًّا جمًّا.
ومِنْ ثم نراه يوجه دعاءه لأوزير أبيس ويرجوه أن يمنح سيده رضاه وعطفه، وأن يقدر له عمرًا طويلًا في شرف، وأن يضمن له قبرًا جميلًا بجوار السرابيوم، وقد أراد هذا القزمُ أن يُدفن هناك بجوار سيده؛ لأجل أنْ يقوم بخدمته، وذلك إظهارًا واعترافًا بكل الطيبات التي عملها له، ونجد أنه قد نال بُغيته تمامًا كما جاء على تابوته من نقوش تُحدثنا بذلك صراحة.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة