فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 5 ص358-360.
2025-06-17
391
فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ
قال تعالى : {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت : 16 - 20].
قال الشيخ الطبرسيّ ( رحمه اللّه تعالى ) : .. عطف سبحانه على ما تقدم فقال وَإِبْراهِيمَ أي : وأرسلنا إبراهيم إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ أي : أطيعوا اللّه وخافوه بفعل طاعاته ، واجتناب معاصيه . ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي : ذلك التقوى خير لكم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ما هو خير مما هو شر لكم إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً ما في هذا الموضع كافة ، والمعنى : إنكم تعبدون أصناما من حجارة ، لا تضر ، ولا تنفع وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً أي : تفتعلون كذبا بأن تسمو هذه الأوثان آلهة ، . . . وقيل : معناه وتصنعون أصناما بأيديكم . وسماها إفكا لادعائهم أنها آلهة . . . ثم ذكر عجز آلهتهم عن رزق عابديها فقال : إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً أي : لا يقدرون على أن يرزقوكم . والملك : قدرة القادر على ماله أن يتصرف في ماله أتم التصرف ، وليس ذلك إلّا للّه على الحقيقة ، فإن الإنسان إنما يملك ما يملكه اللّه تعالى ، ويأذن له في التصرف فيه . فأصل الملك لجميع الأشياء للّه تعالى ، فمن لا يملك أن يرزق غيره ، لا يستحق العبادة ، لأن العبادة تجب بأعلى مراتب النعمة . ولا يقدر على ذلك غير اللّه تعالى ، فلا يستحق العبادة سواه .
فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ أي : اطلبوا الرزق من عنده دون من سواه وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ على ما أنعم به عليكم من أصول النعم ، من الحياة والرزق وغيرهما . إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي : إلى حكمه تصيرون يوم القيامة ، فيجازيكم على قدر أعمالكم .
ثم خاطب العرب فقال : وَإِنْ تُكَذِّبُوا أي : وإن تكذبوا محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ أنبياءهم الذين بعثوا إليهم وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي : ليس عليه إلا التبليغ الظاهر البين ، وليس عليه حمل من أرسل إليه على الإيمان .
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يعني كفار مكة الذين أنكروا البعث ، وأقروا بأن اللّه هو الخالق ، فقال : أو لم يتفكروا فيعلموا كيف أبدأ اللّه الخلق بعد العدم ، ثم يعيدهم ثانيا إذا أعدمهم بعد وجودهم . قال ابن عباس : يريد الخلق الأول ، والخلق الآخر .
إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ غير متعذر ، لأن من قدر على الإنشاء والابتداء فهو على الإعادة أقدر .
ثم خاطب محمدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال : قُلْ لهؤلاء الكفار سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ وتفكروا في آثار من كان فيها قبلكم ، وإلى أي شيء صار أمرهم لتعتبروا بذلك ، ويؤديكم ذلك إلى العلم بربكم . وقيل : معناه انظروا وابحثوا هل تجدون خالقا غير اللّه ، فإذا علموا أنه لا خالق ابتداء إلا اللّه ، لزمتهم الحجة في الإعادة ، وهو قوله ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ أي : ثم اللّه الذي خلقها وأنشأ خلقها ابتداء ينشئها نشأة ثانية . ومعنى الإنشاء : الإيجاد من غير سبب .
إِنَّ اللَّهَ تعالى عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي : إن اللّه على الإنشاء والإفناء ، والإعادة ، وعلى كل شيء يشاؤه ، قدير « 1 » .
____________
( 1 ) مجمع البيان : ج 8 ، ص 15 - 16 .
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة