آثار الملك نقطانب الأول نقطانبيس (نقراش Naukratis)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج13 ص 182 ــ 185
2025-06-08
586
لوحة من الجرانيت الأسود خاصة بتتويج الملك في سايس والهبات لمعبد الإلهة «نيت».
في السنة الأولى من عهد الفرعون «نقطانب الأول» (راجع: J. E. A. Vol. 29 p. 60 ff).
وهذه اللوحة تمتاز بجمال كتابتها وغرابة نقشها؛ وذلك لأنها تحتوي على عدد كبير من الكلمات التي نجد فيها أن الهجاء التقليدي بالإشارات المقطعية قد حل محله الأحرف الأبجدية وحدها، وقد عزا الأستاذ «أرمان» هذا الإغراب في الهجاء إلى رغبة الكُتَّاب المتأخرين في الكتابة بأُسلوبٍ قديم بقدر المستطاع، على أنه لا تكادُ توجد أيةُ نقوش قديمة تحتوي على كتابات مثل التي نُقشت بها اللوحة التي نحن بصددها الآن. وقد قال «ماسبرو» عند فحص نُقُوش هذه اللوحة: إن هذه الكتابات سببُها — على ما يظن — معرفةُ الكاتب بإغريق «نقراش» واختلاطه بهم، ويقصد بذلك معرفته بحروفهم الأبجدية، وهذا الرأيُ الأخيرُ قد رفضه رفضًا باتًّا الأثري «بيل» الذي أظهر بحق أن كتابات لوحة «نقراش» توجد في نقوش أُخرى معاصرةٍ لها أو ترجع إلى العصر الساوي، وقد استخلص من هذه الحقيقة أن هجاء كلمات اللوحة هو مصري خالص، والواقع أن استنباطه لا يتمشى مع المنطق؛ وذلك لأن الكتابات التي نحن بصددها قد انحصرتْ في فترة قصيرة من التاريخ المصري نسبيًّا، وكل ما دلل عليه هو أن مثل هذه الكتابات كانت منتشرة أكثر مما أراد الإدلاء به «ماسبرو».
وعلى أية حال فإن وجود مثل هذا الهجاء لأول مرة لا بد لوجوده من معنًى في هذا الوقت الذي كانت فيه «مصر» قد أخذت تتصل بالثقافة الإغريقية، وبخاصة عندما نعلم أنَّ هذه الثقافة قُوبِلت بالترحاب في البلاط الفرعوني، ولا أَدَلَّ على ذلك مِن أن «ديودور» الصقلي قد حَدَّثَنا بأن «بسمتيك» الأول كان مِن كبار المعجبين بالثقافة الهيلانية، لدرجة أنه ثقف أولاده بهذه الثقافة الإغريقية.
ويُخيل إلينا أنه في العصر الساوي كان يوجد نفرٌ من المصريين قد تأثروا بنوعِ الكتابة التي كان يدون بها الأجانب الذين أتوا إلى بلادهم، وبخاصة ما كانت تنطوي عليها من بساطةٍ مدهشة، ومن ثم اتخذ مبدأ الكتابة بالحروف الأبجدية من وقت لآخر في الكتابات الهيروغليفية في هذه الفترة وأحيانًا فيما بعد، غير أن هذا المبدأ قد تُرِكَ جانبًا في نهاية الأسرة الثلاثين لسبب أو أكثر من الأسباب التالية: أولها: حكم التقليد الذي كان المصري يحافظ عليه بكل ما أوتي من قوة. ثانيًا: ثورة المصريين على كل ما هو إغريقيٌّ بدافع الوطنية المصرية، وذلك عندما غزا الإغريقُ البلاد وتسلطوا عليها. وثالثًا وأخيرًا: لُوحظ أن كتابة اللغة المصرية القديمة بحروفٍ أبجديةٍ فقط مؤلفة من حروف ساكنة؛ قد تسبب تضحية سهولة القراءة بدلًا من البساطة، وبذلك كان ضرر هذه الطريقة أكبر من نفعها، وهذا الاعتبار الأخير سواء أكان فعالًا أم لا فإنه على ما يظن يرتكز على أساس؛ وذلك لأن تركيب الكتابة المصرية القديمة العادية بما لها من مخصصات وإشارات تدل على كلمات خاصة، هذا بالإضافة إلى الاختلافات التقليدية في الكتابة لكلماتٍ مختلفة تحتوي على نفس الحُرُوف الساكنة يجعلها أكثر سهولة في قراءتها من كتابتها بالحروف الأبجدية؛ وذلك أن مجرد النظر للمعتاد على قراءة اللغة المصرية يكون كافيًا للتمييز بين الألفاظ ومعانيها.
وهاك ترجمة لهذه اللوحة على حسب البحوث التي قام بها نخبةٌ مِن علماء الآثار منذ العثور عليها (راجع Maspero. Comptes Rendus de I’Ac. Des Inscr. 1899, p. 793 ff.; Erman-Wilcken A. Z. XXXVIII, p. 127 ff.; Maspero, muse Eg. I, 40 ff., Sethe، A. Z. 39 (1901) p. 121–123; Piehl Sphinx VI 89 ff; Kuentz. In Bull. Inst. Fr. XXVIII, 103 ff.; Posener in A. S. XXXIV 141–8, J.E.A vol. 29, p. 90 ff):
السنة الأولى الشهر الثاني عشر اليوم الثالث عشر من عهد جلالة «حور» قوي الساعد، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، السيدتان (المسمى) مفيد الأرضين، حور الذهبي (المسمى) الفاعل ما ترغب فيه الآلهة، «خبر كا رع» بن «رع» «نقطانب» «نخت نبف» العائش أبديًّا، محبوب «نيت» الآلهة الطيبة سيدة «سايس»، رمز «رع» المحسن، وريث «نيت»، لقد اختارت جلالته من الشاطئين ونصبته حاكمًا على الأرضين، ووضعت صلها على رأسه، وهي التي تأسر له قُلُوب العظماء، وتخضع له قلوب عامة الشعب وتمحو كل أعدائه.
وإنه ملك قوي حامٍ ﻟ «مصر» وجدار من البرنز على كلا جانبي «مصر»، القوي جدًّا، والعامل بساعديه ورب السيف الذي ينغمس في الجمع، ومن يهيج عندما يرى أعداءه، أنه واحد يقطع قلوب المتمردين، ولكن يهب النعم لمن هو مُوَالٍ له، ومن ثم ينامون (؟) حتى طلوع النهار معتمدين على صفاته الباهرة دون أن يضلوا سبيلهم، ومن يجعل كل الأراضي يانعة عندما يشرق (مثل الشمس)، ويحفظ الناس في عافيةٍ بخيره (؟) وكل العيون تنبهر عند النظر إليه مثل «رع» عندما يشرق من الأفق، وحبه يفتح (كالزهر) كل يوم، لقد أعطى الحياة لأجسام الناس، وهو الذي تفرحُ الآلهةُ عندما تراه، وإنه ليقظٌ في البحث عن إنعامات لمحاربيها، ومن يدعو كهانها لأجل أن يشاورهم في كل مهام المعبد، ومن يعمل على حسب نطقهم دُون أن يكون في أذنه وقرٌ مِن كلماتهم، وهو ذو قلبٍ مستقيمٍ على طريق الإله، بأن مساكنهم (أي الآلهة)، ومقيم جدرانهم، وممد بوفرة موائدهم، وصانع أوانيهم المقدسة، ومنشئ قربانًا من كل الأنواع، وهو الإله الأوحدُ صاحب المعجزات العدة، ومن يقدم له نور الشمس ثناء، ومن تُظهر له الجبالُ ما في جوفها، ومن يقدم له المحيطُ مياهَه، والبلاد الأجنبية تقدم له فيضها، وإنه يشرح صدورهم في أوديتهم.
لقد طلع جلالته في قصر «سايس» يجلس في معبد «نيت»، وقد قيد الملك إلى مقر «نيت»، وقد ظهر بالتاج الأحمر بجانب والدته المقدسة عندما قدم قربانًا لوالده رب الأبدية في بيت «نيت» وقال جلالته ليعط:
(1) عشر الذهب والفضة والخشب، والخشب المشغول، ومن كل شيء يأتي من البحر اليوناني، ومن كل السلع التي تفد لأملاك الملك في المدينة المسماة «حنو» (غير معروف موقعها).
(2) عشر الذهب والفضة وكل الأشياء التي تنتج في «بي-امروي» المسماة «نقراش» على شاطئ «عنو» (على الفرع الكانوبي)، والتي تحسب لبيت الملك (أي التي يجبى منها ضرائبُ الملك)، لتكون وفقًا لمعبد والدتي «نيت» أبديًّا، وذلك فضلًا عما كان موجودًا مِن قبل، ودَعْهَا تحول إلى نصيب (خاص) يساوي ثورًا وإوزة «رو» مسمنة وخمسة مكابيل «منو» من النبيذ بمثابة قربانٍ يوميٍّ دائم، وتوريدها يكون في خِزَانة والدتي «نيت»؛ وذلك لأنها سيدةُ المحيط، وأنها هي التي تهب خيره (أي أنها هي التي تهب «مصر» الخير الذي يحضر عبر البحار).
وقد أمر جلالتي أن تحفظ أوقاف معبد والدتي «نيت» وأن كل شيء قد عملوه في الأزمان السالفة يستمر حتى يستمر ما عملته لأولئك الذين سيكونون مدة أبدية السنين، وقد أمر جلالته أن يسجل ذلك على هذه اللوحة التي يجب أن تُوضع في «نقراش» على شاطئ «عنو» وعلى ذلك ستذكر طيبته حتى نهاية الأبدية.
من أجل حياة وثبات وعافية ملك الوجه القبلي والوجه البحري «خبر كارع» بن «رع» «نخت نبف» «نقطانب» العائش أبديًّا، ليته يمنح كل الحياة وكل الثبات وكل السلطان وكل الصحة، وكل انشراح الصدر، مثل «رع» أبديًّا.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة