كلام الملحدين كزبد البحر
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص400-402.
2025-06-02
492
كلام الملحدين كزبد البحر
قال تعالى : {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد : 17، 18].
قال علي بن إبراهيم : قوله : {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها } يقول : الكبير على قدر كبره ، والصغير على قدر صغره : {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ }.
ثمّ قال : قول اللّه :{ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً } يقول : أنزل الحقّ من السّماء فاحتملته القلوب بأهوائها ، ذو اليقين على قدر يقينه ، وذو الشكّ على قدر شكّه ، فاحتمل الهوى باطلا كثيرا وجفاء ، فالماء هو الحقّ ، والأودية هي القلوب ، والسيل هو الهوى ، والزّبد هو الباطل ، والحلية والمتاع هو الحقّ ، قال اللّه تعالى : {كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} فالزّبد وخبث الحديد هو الباطل ، والمتاع والحلية هو الحقّ ، من أصاب الزّبد وخبث الحديد في الدنيا لم ينتفع به ، وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به ، وأما المتاع والحلية فهو الحقّ ، من أصاب الحلية والمتاع في الدنيا انتفع به ، وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينتفع به ، كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ « 1 ».
ثمّ قال أيضا : قوله : {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً } أي مرتفعا ، {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} يعني ما يخرج من الماء من الجواهر وهو مثل ، أي يثبت الحقّ في قلوب المؤمنين ، وفي قلوب الكفّار لا يثبت {كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً} يعني يبطل وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ وهذا مثل للمؤمنين والمشركين ، وقال اللّه عزّ وجلّ :
{كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ } فالمؤمن إذا سمع الحديث ثبت في قلبه وأجابه وآمن به ، فهو مثل الماء الذي يبقى في الأرض فينبت النّبات ، والذي لا ينتفع به يكون مثل الزّبد الذي تضربه الرياح فيبطل « 2 ».
وقال الطّبرسيّ في ( الاحتجاج ) : عن أمير المؤمنين عليه السّلام ، في حديث يذكره في أحوال الكفّار : « وضرب مثلهم بقوله : {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} فالزّبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن ، فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل ، والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والقلوب تقبله ، والأرض في هذا الموضع هي محلّ العلم وقراره » « 3 ».
وقال الطّبرسيّ في معنى سوء الحساب ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام : « هو أن هؤلاء لا يقبل منهم حسنة ، ولا يغفر لهم سيّئة » « 4 ».
وقال عليّ بن إبراهيم ، في قوله : وَبِئْسَ الْمِهادُ قال : يمتهدون « 5» في النار « 6».
______________
( 1 ) تفسير القميّ : ج 1 ، ص 362 .
( 2 ) تفسير القميّ : ج 1 ، ص 363.
(3 ) الاحتجاج : 249 .
( 4 ) مجمع البيان : ج 6 ، ص 442.
( 5 ) والمهاد : الفراش ، ومهد لنفسه : كسب وعمل ، ومهد لنفسه خيرا ، هيأه وتوطأه والتمهّد : التمكّن .
( 6 ) تفسير القميّ : ج 1 ، ص 363 .
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة