الثورة في مصر في نهاية عهد دارا
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج13 ص 93 ــ 94
2025-05-28
740
تدلُّ شواهدُ الأحوال على أن الثورة التي قام بها المصريون في أواخر عهد الملك «دارا» الأول لم تمكث طويلًا؛ فلدينا الآنيتان رقمي 23، 44 تؤرخان بالسنة الثانية من عهد الملك «أكزركزس»، وقد جاء ذكر هذه السنة في المتن رقم 25، وهو الذي عثر عليه في «وادي حمامات»، ومِن جهة أُخرى نجد السنة السادسة والثلاثين من عهد «أكزركزس» في المتون التي تحمل الأرقام 24، 28، 30 على التوالي، وهذه الآثار مستخرجةٌ من نفس محاجر «وادي حمامات»، وظاهرٌ من هذه التواريخ أن الثورة التي قام بها المصريون لتحرير بلادهم كان من المحتمل أنْ تكون من أسبابها الأخبار التي وصلت إلى «مصر» عن هزيمة الفرس أمام الإغريق في موقعة «ماراتون»، وأنها على أية حال لم تكن ثورة طويلة الأمد — كما سنرى.
والواقعُ أن وادي النيل في عهد الملك «دارا» كان من الوجهة الحربية محصنًا بحاميات فارسية قوية، تمتد من بلدة «ماريا» الواقعة في الشمال (وهي على مقربة من مكان مدينة «الإسكندرية» الحالية) حتى بلدة «الفنتين» («أسوان» الحالية) والشلال في الجنوب، وكانت أقوى حامية للفرس في بلدة «منف» ذات الموقع الاستراتيجي الممتاز في أهميته؛ لوقوعه على مسافة قريبة عند بداية تفرُّع الدلتا، وكانت حامية «منف» (البدرشين وميت رهينة الحاليتين) تتألف بوجه خاص من جُنُود من الفرس يحملون رُتَب ضباط، كما كانت تحتوي على عناصرَ أُخرى من الجنود المصريين والأجانب كالجنود المرتزقة من اليهود الذين كانوا يقطنون «الفنتين» وقتئذٍ. هذا، وكانت كل هذه الحاميات الفارسية تمون من البلاد التي تُعسكر فيها مما كانوا يتسلمون من أنواع المحاصيل المختلفة، وبخاصة القمح.
وتدلُّ شواهدُ الأحوال بوجه عام على أن «مصر» في عهد الملك «دارا» الأول كانت سعيدة وفي رخاء بقدر ما يسمح به نظامُ الاستعمار الأجنبي نسبيًّا، وما لدينا من نقوش يدل على أن «دارا» كان شخصيًّا ذا ميول طيبة نحو البلاد المصرية، وقد كان من الممكن أن تسير الأحوال في مجراها الطبيعي إذا كان حُكَّام البلاد من الفُرس قد أظهروا نفسَ الاعتدال والحكمة الذين انتهجهما عاهلهم نفسه.
هذا، ولم يكن في الإمكان أن يقبض على زمام الأمور وهو في عاصمته البعيدة ويرقب حركات عماله ومعاملتهم للأهلين في «مصر» على الوجه الأكمل، وقد زاد الطين بلة أن هذا العاهل قد تُوُفي في عام 486ق.م، ومنذ أواخر حُكمِه قامت في البلاد المصرية حركةٌ وطنيةٌ لمقاومة الحكم الأجنبي، وكان غرضُها طردَ الفُرس والتخلُّص من حكمهم.
والواقعُ أنَّ الأسبابَ الحقيقيةَ التي دَعَتْ لقيام هذه الثورة مجهولةٌ لنا تمامًا، وكذلك لا ندري شيئًا عن سَيْرِ الحوادث في تلك الفترة، حقًّا كان لموقعة «ماراتون» التي هُزم فيها الفرس وقَضت على نفوذهم الذي كان لا يجارى في العالم وقتئذٍ، ولم يكن في استطاعةِ الفرس وقتئذٍ إرسال حملة على بلاد اليونان مع قيام انفجار ثورة في «مصر»، بل كان لا بد من القضاء عليها أولًا؛ ولذلك فإن كلًّا من الملك «دارا» ومن بعده ابنُهُ وخليفتُهُ «أكزركزس» قد عَمِلَا بحماسٍ على استردادِ نُفُوذهما وسلطانهما على «مصر» (راجع: Herod. VII 2, 18, VII 5).
ففي عام 84 ق.م، استرد الجيشُ الفارسيُّ بدون كبير عناء البلادَ المصرية للحُكم الفارسيِّ، وقد نصب «أكزركزس» «أخمينيس» شطربة على «مصر»، والظاهر أنه هو الذي قاد الحملة على البلاد لاستردادها من يد الثوار، والظاهرُ كذلك أنه كان قد أخضع البلاد وجَعَلَها أكثر امتثالًا لسلطان الفرس عما كانت عليه في عهد «دارا» الأول (راجع: Herod. VII 7, cl VII 20) وقد اختلفت الرواياتُ في مجرى حوادث هذه الثورة؛ لقلة ما لدينا من آثارٍ تُحدثنا عن كنهها، فقد قيل بأن الثورة لم يقم بها المصريون أنفسُهُم، بل قام بها اللوبيون الذين كانوا يقطنون غربي الدلتا، فانتزعوا الوجه القبلي من الفُرس، وكانت عاصمة ملك الفرس في «مصر» وقتئذٍ بلدة «منف» وقد قاومت الثوار الذين استولوا على الوجه البحري إلى أن وصلت النجدةُ إلى جيش الفرس، وفي تلك الفترة، كانت طريق «وادي حمامات» التي تربط بين «مصر» والطريق البحرية إلى بلاد العرب؛ هي الطريق التي تربط بين عاصمة الملك الفارسية و«مصر».
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة