الملك (بسمتيك الثاني)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج12 ص 410 ــ 413
2025-05-06
644
ذكر لنا «هردوت» بصورة موجزة (1) أن «بساميس» والد الملك «إبريز» لم يمتد حكمه على أرض الكنانة إلا ست سنوات (594–588 ق. م) وقد قام في خلالها بحملة على بلاد كوش، ثم مات بعدها مباشرة. وقد فسر بعض المؤرخين تسمية «هردوت» للملك «بسمتيك الثاني» بلفظة «بساميس» بصورة مختلفة. (2) وبعد حكم هذا الفرعون فترة مبهمة إلى درجة ما تقع بين حكم الملك «نيكاو الثاني» (609–594 ق.م) الذي قهر «أشعيا» وحث على القيام بالطوفان حول «أفريقيا»، وبين حكم الملك «إبريز» الذي كان لا يقل عن سابقه شهرة (588–568 ق.م) فقد خف لمساعدة اليهود، وهو الذي أنزله «أحمس الثاني» عن عرشه بصورة رائعة، وقد ذهب بعضهم إلى حد القول: إن حكم «بسمتيك الثاني» كان لا يعد شيئًا مذكورًا.(3) وهذا الحكم على «بسمتيك الثاني» يعد حكمًا جائرًا بعيدًا عن الدقة، إذ الواقع أنه على الرغم من قصر مدة توليه العرش، فإنه قد خلف لنا عددًا عظيمًا من الآثار الخاصة به هو، كما وصل إلينا عدد لا بأس به من آثار موظفيه العظماء(4)، وهي في عددها تفوق ما عثر عليه من الآثار لسابقيه من الملوك. وتدل شواهد الأحوال على أن عهده يقع في اللحظة التي كانت فيها الأسرة الساوية، قد أخذت تدخل في طور تقدم مادي عظيم (5).
هذا ونجد الآن من جهة أخرى أنه يحق لنا أن نسأل إذا كانت الحقيقة الوحيدة من التاريخ المصري، التي رأى «هردوت» من الفائدة أن يقرنها بذكرى «بسمتيك الثاني»، وهي الحملة التي قام بها على بلاد النوبة، لم تكن في الواقع إلا عملية جغرافية محدودة، وأنه ليس لها أية أهمية سياسية كما يقال عنها عادة؟ والواقع أننا نرى عددًا عظيمًا من المؤرخين قد مثلوا حملة «بسمتيك الثاني» على بلاد النوبة بأنها جولة حربية دون شهرة، وأنها لم تتجاوز الشلال الثاني(6)؛ وعلى أية حال نجد أن بعض المؤرخين فيما سبق قد أرادوا أن يضفوا على هذه الحملة شيئًا من الأهمية، ونخص بالذكر منهم الأثري «بروكش» (7)والمؤرخ «فيدمان»(8)، وقد قال الأخير في هذا الصدد: «إن هذه الحرب كانت ذات أهمية عظيمة، إذ نرى فيها أنه بعد سنين طوال سادها السلم بين أثيوبيا (كوش) ومصر، وكان في خلالها تاج البلاد مقسمًا بين «تانو تآمون» «وبسمتيك الأول»، قد عادت ثانية فترة نشبت فيها الحرب بين البلدين ».
وقد ظلت الأحوال غامضة بالنسبة لهذه الحرب إلى أوائل القرن الحالي، حين أخذت المعلومات عنها تتجمع لدينا شيئًا فشيئًا حتى أصبح في متناولنا عدة وثائق هامة، تكشف لنا عن مدى العلاقات بين البلدين من وجوه عدة. ففي عام 1905م نقل الأثري «ماكس مولر» بالقرب من البوابة الثانية لمعبد الكرنك نقوش قطع من لوحة تاريخية، بقي عليها بقايا قصة حملة «بسمتيك الثاني» على بلاد كوش (9). وبعد ذلك بمدة قرر لنا الأثري «لفبر» خلال جمعه عدة آثار عن القائدين «أحمس» و«بوتاسمتو»، جاءت في النقوش الإغريقية الشهيرة التي وجدت في «أبو سمبل»، بصورة أكيدة أن النقوش الصخرية المنقوشة بالإغريقية والكارية والفنيقية على تمثالي «رعمسيس الثاني»، ليست إلا ذكريات لمرور جنود «بسمتيك الثاني» صوب بلاد النوبة (10). هذا فضلًا عما وجد من آثار مصرية عن هذين القائدين «أحمس» و«يوتاسمتو»، توحدهما بالقائديْنِ اللذين ذكرا في النقوش الإغريقية كما سبق ذكره.
وأخيرًا في عام 1937 عثر الأثري «مونتيه» في خبيئة معبد «آمون» في «تانيس» على الجزء الأعظم من لوحة تاريخية، قدمت لنا بيانًا جديدًا عن نفس هذه الحملة، وتؤرخ بوضوح هذه الحرب بالسنة الثالثة من عهد الملك «بسمتيك الثاني» (591 ق.م). (11)
ومما سبق يتضح أن هذه الحملة لم تكن ذات صبغة رسمية وحسب، بل كان لها أهمية خاصة في أعين الشعب المعاصر لها. ولا نزاع في أن ما ذكره كل من «بروكش» و«فيدمان» من أهمية لهذه الحملة له ما يعضده، إذ الواقع أننا نجد أن «بسمتيك الثاني» قد اضطهد ذكريات تسلط الكوشيين على مصر، وذلك بتهشيم أسماء ملوك الأسرة الخامسة والعشرين، وهذه بلا شك ظاهرة لها علاقتها بالحوادث الحربية التي وقعت في السنة الثالثة من حكم هذا الفرعون (12). وفي الحق أنه عند فحص الوثائق الخاصة بهذه الحملة، وجد أنها لم تكن قليلة الأهمية قط، بل تمثل على أغلب الظن طورًا دقيقًا في المعارك التي نشبت منذ منتصف القرن الثامن قبل الميلاد بين مملكة «نباتا» ومملكة «سايس»، ويمكن القول مع كل التحفظات عن الجيوش المصرية أنها قد أوغلت وقتئذ في قلب السودان. ومهما يكن من أمر فإن هذه الحرب قد صحبتها عدة مظاهر كان من نتائجها الإشادة بالظفر الذي نالته مصر على الكوشيين. وهذه التحفظات التي ذكرناها من جانبنا ترجع إلى أن المصادر التي وصلت إلينا كانت من الجانب المصري وحسب، وهذا يذكرنا بما جاء على لوحة «بيعنخي» وانتصاراته على المصريين، فقد جاءت إلينا من جانب واحد وهو الجانب الكوشي وحده؛ ولذلك فإن الحكم بوساطتها يكون ناقصًا ومتحيزًا.
....................................................
1-راجع: Herodot, II, P. 161.
2-راجع: Mallet, Les Premiers Etablissements des Grecs en Egypte, (M. M. P. F., 12) P. 113 Note 3
3-راجع: Mallet, Ibid, P. 114.
4-راجع: Bull. Inst. Fr. D’Arch., T. L. P. 158 n. 1.
5-راجع: Wiedmann, Gesch., P. 633.
6-راجع: Maspero, Hist. III, P. 537-538; Hall, C. A. H., 3, P. 301; Gauthier, Précis de l’Hist. d’Egypte, I, P. 208; Moret, Hist. d’Orient P. 735-736; Meyer, Gesch. Alter, 3, Abt. 2 (1937), P. 147; Scharff, in Agypten und Vorderasein (1950)
7-راجع: Egypt under the Pharaohs, P. 323 (Ed. 1881).
8-راجع: Wiedermann, Gesch., P. 631.
9-راجع: Max Müller, Egyptological Researches, I, P. 22123, Pl. 12-13; Ibid. II, P. 185
10-راجع: B. S. R. A. A. 21, (1925) , P. 48–57; G. I. G. No. 5126, cf, P. 187
11-راجع: J. E., Caire, No. 67095; & Kemi 8, P. 39-40.
12-راجع: Rev. d’Eg., 8, 215–239.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة