تجديد الدعوة السلفية في القرن الثامن -
المؤلف:
الشيخ جعفر السبحاني
المصدر:
بحوث في الملل والنحل دراسة موضوعية مقارنة للمذاهب الاسلامية
الجزء والصفحة:
ج1 , ص497
27-05-2015
1366
لقد اهتم بعض الحنابلة ـ أعني : أحمد بن تيمية الحراني الدمشقي ( المتوفّى عام 728 ) ـ بإحياء مذهب السلفية على المفهوم الذي كان رائجاً في عصر الإمام أحمد وقبله وبعده إلى ظهور الأشعري ، فأصرّ على إبقاء أحاديث التشبيه والجهة بحالها من دون توجيه وتصرف ، وهاجم التأويلات التي ذكرها بعض الأشاعرة في كتبهم حول تلك الأحاديث. ولكنّه لم يكتف بمجرّد الإحياء ، بل أدخل في عقائد السلف أُموراً لا ترى منها أثراً في كتبهم ، فعد السفر لزيارة الرسول الأعظم بدعة وشركاً ، كما عدّ التبرّك ب آثارهم والتوسّل بهم شيئاً يضاد التوحيد في العبادة. وقد ضم إلى ذينك الأمرين شيئاً ثالثاً وهو إنكار كثير من الفضائل الواردة في آل البيت ، المروية في الصحاح والمسانيد حتى في مسند إمامه أحمد. وبذلك جدد الفكرة السلفية الخاصة المتبلورة في الفكرة العثمانية التي تعتمد على التنقيص من شأن علي وإشاعة بغضه وعناده.
وبذلك نقض قواعد ما أرساه إمامه أحمد من مسألة التربيع وجعل علي (عليه السلام) رابع الخلفاء الراشدين ، وأنّ عليّاً كان أولى وأحقّ من خصومه.
ومن حسن الحظ إنّه لم يتأثر بدعوته إلاّ القليل من تلامذته كابن القيم ( المتوفّى عام 751 ) كيف وقد عصفت الرياح المدمرة على هذه البراعم التي أظهرها ، حيث قابل منهجه المحقّقون بالطعن والردّ الشديدين ، فأفرد بعضهم في الوقيعة به تآليف حافلة ، وجاء البعض الآخر يزيف آراءه ومعتقداته في طي كتبه ، وقام ثالث يترجمه ويعرفه للملأ ببدعه وضلالاته.
وكفى في ذلك ما كتبه بعض معاصريه كالذهبي ، فإنّه كتب رسالة مبسوطة إليه ينصحه ويعرفه بأنّه ممّن يرى القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينيه ، وأنّه لم تسلم أحاديث الصحيحين من جانبه ثمّ خاطبه بقوله : أما آن لك أن ترعوي؟ أما حان لك أن تتوب وتنيب؟ أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل؟ (1).
وهناك كلام للمقريزي يقول بعد الإشارة إلى اشتهار مذهب الأشعري وانتشاره في أمصار الإسلام : إنّه نسي غيره من المذاهب وجهل حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه. إلاّ أن يكون مذهب الحنابلة أتباع الإمام أبي عبد اللّه أحمد بن محمد ابن حنبل ـ رضي اللّه عنه ـ فإنّهم كانوا على ما كان عليه السلف لا يرون تأويل ما ورد من الصفات ، إلى أن كان بعد السبعمائة من سني الهجرة ، اشتهر بدمشق وأعمالها تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني ، وتصدّى للانتصار لمذهب السلف ، وبالغ في الرد على مذهب الأشاعرة ، وصدع بالنكيرة عليهم وعلى الرافضة وعلى الصوفية ، فافترق الناس فيه فريقان فريق يقتدي به ويعول على أقواله ويعمل برأيه ويرى أنّه شيخ الإسلام وأجل حفاظ أهل الملّة الإسلامية ، وفريق يبدعه ويضلّله ويزري عليه بإثباته الصفات وينتقد عليه مسائل منها ما له فيه سلف ومنها ما زعموا أنّه خرق فيه الإجماع ولم يكن له فيه سلف ، وكانت له ولهم خطوب كثيرة وحسابه وحسابهم على اللّه الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وله إلى وقتنا هذا عدة أتباع بالشام وقليل بمصر (2) .
__________________
1 ـ تكملة السيف الصقيل : 190 ، ونقل قسماً من هذه الرسالة العزامي في الفرقان الذي طبع في مقدّمة الأسماء والصفات للبيهقي ونقله العلاّمة الأميني في غديره : ج 5ص 87 ـ 89.
2 ـ الخطط المقريزية : ج 2ص 358 ـ 359.
الاكثر قراءة في السلفية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة