النحو
اقسام الكلام
الكلام وما يتالف منه
الجمل وانواعها
اقسام الفعل وعلاماته
المعرب والمبني
أنواع الإعراب
علامات الاسم
الأسماء الستة
النكرة والمعرفة
الأفعال الخمسة
المثنى
جمع المذكر السالم
جمع المؤنث السالم
العلم
الضمائر
اسم الإشارة
الاسم الموصول
المعرف بـ (ال)
المبتدا والخبر
كان وأخواتها
المشبهات بـ(ليس)
كاد واخواتها (أفعال المقاربة)
إن وأخواتها
لا النافية للجنس
ظن وأخواتها
الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل
الأفعال الناصبة لمفعولين
الفاعل
نائب الفاعل
تعدي الفعل ولزومه
العامل والمعمول واشتغالهما
التنازع والاشتغال
المفعول المطلق
المفعول فيه
المفعول لأجله
المفعول به
المفعول معه
الاستثناء
الحال
التمييز
الحروف وأنواعها
الإضافة
المصدر وانواعه
اسم الفاعل
اسم المفعول
صيغة المبالغة
الصفة المشبهة بالفعل
اسم التفضيل
التعجب
أفعال المدح والذم
النعت (الصفة)
التوكيد
العطف
البدل
النداء
الاستفهام
الاستغاثة
الندبة
الترخيم
الاختصاص
الإغراء والتحذير
أسماء الأفعال وأسماء الأصوات
نون التوكيد
الممنوع من الصرف
الفعل المضارع وأحواله
القسم
أدوات الجزم
العدد
الحكاية
الشرط وجوابه
الصرف
موضوع علم الصرف وميدانه
تعريف علم الصرف
بين الصرف والنحو
فائدة علم الصرف
الميزان الصرفي
الفعل المجرد وأبوابه
الفعل المزيد وأبوابه
أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)
اسناد الفعل الى الضمائر
توكيد الفعل
تصريف الاسماء
الفعل المبني للمجهول
المقصور والممدود والمنقوص
جمع التكسير
المصادر وابنيتها
اسم الفاعل
صيغة المبالغة
اسم المفعول
الصفة المشبهة
اسم التفضيل
اسما الزمان والمكان
اسم المرة
اسم الآلة
اسم الهيئة
المصدر الميمي
النسب
التصغير
الابدال
الاعلال
الفعل الصحيح والمعتل
الفعل الجامد والمتصرف
الإمالة
الوقف
الادغام
القلب المكاني
الحذف
المدارس النحوية
النحو ونشأته
دوافع نشأة النحو العربي
اراء حول النحو العربي واصالته
النحو العربي و واضعه
أوائل النحويين
المدرسة البصرية
بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في البصرة وطابعه
أهم نحاة المدرسة البصرية
جهود علماء المدرسة البصرية
كتاب سيبويه
جهود الخليل بن احمد الفراهيدي
كتاب المقتضب - للمبرد
المدرسة الكوفية
بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الكوفة وطابعه
أهم نحاة المدرسة الكوفية
جهود علماء المدرسة الكوفية
جهود الكسائي
الفراء وكتاب (معاني القرآن)
الخلاف بين البصريين والكوفيين
الخلاف اسبابه ونتائجه
الخلاف في المصطلح
الخلاف في المنهج
الخلاف في المسائل النحوية
المدرسة البغدادية
بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في بغداد وطابعه
أهم نحاة المدرسة البغدادية
جهود علماء المدرسة البغدادية
المفصل للزمخشري
شرح الرضي على الكافية
جهود الزجاجي
جهود السيرافي
جهود ابن جني
جهود ابو البركات ابن الانباري
المدرسة المصرية
بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو المصري وطابعه
أهم نحاة المدرسة المصرية
جهود علماء المدرسة المصرية
كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك
جهود ابن هشام الانصاري
جهود السيوطي
شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك
المدرسة الاندلسية
بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الاندلس وطابعه
أهم نحاة المدرسة الاندلسية
جهود علماء المدرسة الاندلسية
كتاب الرد على النحاة
جهود ابن مالك
اللغة العربية
لمحة عامة عن اللغة العربية
العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)
العربية الجنوبية (العربية اليمنية)
اللغة المشتركة (الفصحى)
فقه اللغة
مصطلح فقه اللغة ومفهومه
اهداف فقه اللغة وموضوعاته
بين فقه اللغة وعلم اللغة
جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة
جهود القدامى
جهود المحدثين
اللغة ونظريات نشأتها
حول اللغة ونظريات نشأتها
نظرية التوقيف والإلهام
نظرية التواضع والاصطلاح
نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح
نظرية محاكات أصوات الطبيعة
نظرية الغريزة والانفعال
نظرية محاكات الاصوات معانيها
نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية
نظريات تقسيم اللغات
تقسيم ماكس مولر
تقسيم شليجل
فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)
لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية
موطن الساميين الاول
خصائص اللغات الجزرية المشتركة
اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية
تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)
اللغات الشرقية
اللغات الغربية
اللهجات العربية
معنى اللهجة
اهمية دراسة اللهجات العربية
أشهر اللهجات العربية وخصائصها
كيف تتكون اللهجات
اللهجات الشاذة والقابها
خصائص اللغة العربية
الترادف
الاشتراك اللفظي
التضاد
الاشتقاق
مقدمة حول الاشتقاق
الاشتقاق الصغير
الاشتقاق الكبير
الاشتقاق الاكبر
اشتقاق الكبار - النحت
التعرب - الدخيل
الإعراب
مناسبة الحروف لمعانيها
صيغ اوزان العربية
الخط العربي
الخط العربي وأصله، اعجامه
الكتابة قبل الاسلام
الكتابة بعد الاسلام
عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه
أصوات اللغة العربية
الأصوات اللغوية
جهود العرب القدامى في علم الصوت
اعضاء الجهاز النطقي
مخارج الاصوات العربية
صفات الاصوات العربية
المعاجم العربية
علم اللغة
مدخل إلى علم اللغة
ماهية علم اللغة
الجهود اللغوية عند العرب
الجهود اللغوية عند غير العرب
مناهج البحث في اللغة
المنهج الوصفي
المنهج التوليدي
المنهج النحوي
المنهج الصرفي
منهج الدلالة
منهج الدراسات الانسانية
منهج التشكيل الصوتي
علم اللغة والعلوم الأخرى
علم اللغة وعلم النفس
علم اللغة وعلم الاجتماع
علم اللغة والانثروبولوجيا
علم اللغة و الجغرافية
مستويات علم اللغة
المستوى الصوتي
المستوى الصرفي
المستوى الدلالي
المستوى النحوي
وظيفة اللغة
اللغة والكتابة
اللغة والكلام
تكون اللغات الانسانية
اللغة واللغات
اللهجات
اللغات المشتركة
القرابة اللغوية
احتكاك اللغات
قضايا لغوية أخرى
علم الدلالة
ماهية علم الدلالة وتعريفه
نشأة علم الدلالة
مفهوم الدلالة
جهود القدامى في الدراسات الدلالية
جهود الجاحظ
جهود الجرجاني
جهود الآمدي
جهود اخرى
جهود ابن جني
مقدمة حول جهود العرب
التطور الدلالي
ماهية التطور الدلالي
اسباب التطور الدلالي
تخصيص الدلالة
تعميم الدلالة
انتقال الدلالة
رقي الدلالة
انحطاط الدلالة
اسباب التغير الدلالي
التحول نحو المعاني المتضادة
الدال و المدلول
الدلالة والمجاز
تحليل المعنى
المشكلات الدلالية
ماهية المشكلات الدلالية
التضاد
المشترك اللفظي
غموض المعنى
تغير المعنى
قضايا دلالية اخرى
نظريات علم الدلالة الحديثة
نظرية السياق
نظرية الحقول الدلالية
النظرية التصورية
النظرية التحليلية
نظريات اخرى
النظرية الاشارية
مقدمة حول النظريات الدلالية
أخرى
اللهجات العربية واللغة الفصحى
المؤلف:
د. محمود فهمي حجازي
المصدر:
اسس علم اللغة العربية
الجزء والصفحة:
ص227- 237
1-4-2019
5081
اللهجات العربية واللغة الفصحى:
المصادر القديمة التي تمدنا ببعض الظواهر اللغوية في اللهجات العربية القديمة تنقسم إلى مجموعتين رئيسيتين, أولاهما: كتب النحو, الثانية: كتب اللغة والمعاجم. ومعظم المادة التي جاءت في كتب النحو واللغة إنما جمعت من لهجات البادية في القرنين الأول والثاني. حاول اللغويون الذين جمعوا هذه المادة النظر بمعيار الخطأ والصواب إلى كل الظواهر اللغوية التي عرفها عصرهم, ولذا رفضوا أخذ اللغة عن القبائل التي عاشت في مناطق متاخمة للحضر في بادية الشام أو العراق, كما نظروا إلى اللهجات العربية في الجنوب بعين الشك، ولم يأخذوا اللغة عنها. لم يحاولوا جمع الظواهر بهدف بحثها بحثًا شاملا ينسب لكل قبيلة كل ما عندها من ظواهر, وإنما قصروا همهم على تسجيل بعض الظواهر التي لفتت نظرهم عند بعض القبائل. ومن هنا نستطيع أن نقول أن كتب النحو واللغة لم تقدم لنا إلا قطاعًا صغيرًا محدودًا من الحياة اللغوية حتى القرن الثاني للهجرة, وهذا القطاع هو بعض لهجات البدو.
أخذ النحاة واللغويون اللغة عن بعض قبائل شبه جزيرة العرب, واستبعدوا عددًا كبيرًا من القبائل التي اختلطت في حياتها بغير العرب, واستبعدوا كذلك اللهجات الناشئة في الأمصار المفتوحة, كما رفضوا أخذ اللغة عن القبائل الجنوبية, والناظر في كتب النحو واللغة يلاحظ أن أكثر المادة التي جاءت بها هذه الكتب
ص227
تنسب إلى لهجات الحجاز وتميم وهذيل وطيئ, وهناك ظواهر كثيرة جاءت دون نسبة إلى قبيلة بعينها. اتخذ جامعو اللغة موقفًا مختلفًا عن موقف الباحث اللغوي الحديث, فقد نظروا إلى هذه اللهجات وقاسوها بمعيار اللغة الفصحى واعتبروا أي اختلاف عنها خروجًا على النمط الصحيح وخروجًا على الضوابط وفسادًا لغويًّا لا يجوز أن يقبل ممن يندرج ضمن المثقفين. ومن ثم فقد أهملوا تلك اللهجات التي أصبح البون بينها وبين الفصحى شاسعًا ولم ينظروا ويهتموا إلا باللهجات التي تقترب في خصائصها من العربية الفصحى، وهذه هي لهجات الحجاز وتميم وهذيل وطيئ.
وسنحاول دراسة بعض الظواهر التي جاءت في كتاب سيبويه منسوبة إلى هذه اللهجات دراسة لغوية وصفية وسنبدأ بالأصوات, ثم بعد ذلك إلى بناء الكلمة فبناء الجملة.
الهمز بين التحقيق والتخفيف:
أول ما يلفت النظر في لهجة الحجاز من الناحية الصوتية أنها لا تعرف تحقيق الهمز, أي النطق بالهمزة باعتبارها صامتًا, والكتب العربية تتحدت دائمًا عن تحقيق الهمز وتنسبه إلى لهجة تميم, وعن تخفيف الهمز أو نطق الهمزة نطقًا بين بين, وتنسبه إلى لهجة الحجاز.
قال سيبويه: "اعلم أن كل همزة مفتوحة كانت قبلها فتحة فإنك تجعلها إذا أردت تخفيفها بين الهمزة والألف الساكنة, وذلك قولك سال في لغة أهل الحجاز إذا لم تحقق كما يحقق بنو تميم"(1). وواضح من هذا النص أن تحقيق الهمزة عند بني تميم كان يقابله التخفيف عند أهل الحجاز, ويعبر سيبوبه عن
ص228
الهمزة المخففة قائلا بأنها تنطق نطقًا يجعلها بين الهمزة والألف الساكنة. وإذا حاولنا فهم كلامه على نحو صوتي لاحظنا أن الهمزة, ويعني بها الهمزة المحققة. إنما تنطق نتيجة التقاء تام يحدث إغلاقًا لحظيًّا في أقصى الحنجرة يتبعه انفراج مفاجئ فيصدر هذا الصوت الذي نعرفه بالهمزة. وهذا النطق يختلف اختلافًا أساسيًّا عن نطق الفتحة الطويلة, وهو ما يطلق عليه سيبويه "الألف". فالفتحة الطويلة إحدى الحركات, والحركات تختلف عن الأصوات الساكنة في اتساع مخرجها, وأنه لا يحدث ضيق شديد يسبب عقبة في سبيل تيار الهواء, فظهور العقبة ثم انفراجها من خصائص النطق بالأصوات الصامتة، أما الحركات فيمضي في النطق بها تيار الهواء من الداخل إلى الخارج دون عقبة، والهمزة من الأصوات الصامتة, ولكن الحركة الطويلة التي تكتب في الخط العربي بالألف ليست من الأصوات الصامتة. ويبدو أن تخفيف الهمزة كان يعني عند سيبويه أن الالتقاء الذي يحدث إغلاقًا لحظيًّا في أقصى الحنجرة لم يحدث, وأن الهواء المندفع إلى الحنجرة كان يمضي من دون أن يعترضه هذا الإغلاق الحنجري.
الإمالة:
من الظواهر التي ذكرها سيبويه ظاهرة الإمالة. والإمالة إحدى الظواهر الخاصة بنطق الفتحة الطويلة نطقًا يجعلها بين الفتحة الصريحة والكسرة الصريحة، يقول سيبويه في هذا:
"الألف تمال إذا كان بعدها حرف مكسور، وذلك قولك: عابد، وعالم، ومساجد. ومفاتيح... إنما أمالوها للكسرة التي بعدها، أرادوا أن يقربوها منها وجمع هذا لا يميله أهل الحجاز"(2).
ص229
ويتضح من هذا النص أن الإمالة ظاهرة من ظواهر المماثلة، وتعني المماثلة أن صوتًا من الأصوات في كلمة أو ما يشبه الكلمة أثر في صوت آخر في نفس الكلمة فجعل نطقه قريبًا من نطقه، أي جعل نطقه مماثلا لنطقه. وفي شرح سيبويه لهذه الظاهرة تعليل بأن إمالة الفتحة الطويلة إنما حدث نتيجة لقربها من الكسرة، فيتحدث سيبويه عن الألف ونتحدث نحن عن الفتحة الطويلة، ويعتبر سيبويه الألف غير الممالة أصلا والممالة فرعًا، ونتحدث -نحن- عن نطق الألف الطويلة بصورة ما تجعلها قريبة -نطقًا- من الكسرة التي تلي اللام والباء. وهذا يعني أن الفتحة الطويلة الممالة إنما تأتي في محيط صوتي بعينه دون غيره، ومن هنا فنحن نتحدث عن صورة صوتية لا عن وحدة صوتية. فالفتحة الطويلة في تلك اللهجات لها صورتان: صورة بلا إمالة، وصورة بالإمالة، وكلتاهما وحدة صوتية واحدة، وكانت لهجة الحجاز القديمة لا تعرف الإمالة.
بقي أن نشير إلى المثال الأخير الذي ذكره سيبويه وهو "مفاتيح"، فالإمالة هنا في تفسير سيبويه أثر للكسرة، وكأنه تصور -في كلمة مفاتيح- الكسرة شيئًا والياء شيئًا آخر، فالواقع أن نظرة النحويين العرب للخط جعلتهم يتصورون أن ما نطلق عليه كسرة طويلة هو كسرة ثم ياء ساكنة، ولهذا لم يلاحظ سيبويه أن الإمالة حدثت كأثر لمد الياء "الكسرة الطويلة" وكفاه أن وجد الكسرة هنا وهناك، والصحيح أن الإمالة حدثت كأثر للكسرة الطويلة. هذا وقد علل سيبويه ظاهرة الإمالة بالتماس الخفة، وهذا الرأي هو التفسير السائد في علم اللغة إلى عهد قريب، فكان كل تطور يفسر بعامل السهولة في كثير من اللغات.
ولنحاول المضي قليلا مع سيبويه وهو يتحدث عن الإمالة. يقول سيبويه: "هذا باب ما يمتنع من الإمالة من الألفات... فالحروف التي تمنعها الإمالة هذه السبعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والغين، والقاف، والخاء. إذا كان
ص230
حرف منها قبل الألف تليه، ذاك قولك: قاعد، غائب، خامد، صاعد، طائف، وضامن، وظالم، إنما منعت هذه الحروف الإمالة لأنها حروف مستعلية إلى الحنك الأعلى، والألف إذا خرجت من موضعها استعلت إلى الحنك الأعلى فلما كانت مع هذه الحروف المستعلية غلبت عليها كما غلبت الكسرة عليها في مساجد... ولا نعلم أحد يميل هذه الألف إلا من لا يؤخذ بلغته"(3).
وهذا النص واضح في أن الإمالة صورة لنطق الفتحة الطويلة أن نطقها يتأثر بالمحيط الصوتي، فهي ممالة على مقربة من الكسرة أو الكسرة الطويلة، وهي غير ممالة على مقربة من مجموعات من الأصوات. إذا نظرنا إلى تلك الأصوات التي ذكرها سيبويه مانعة للإمالة لاحظنا فيها وجود كل أصوات الإطباق، وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والقاف، كما نجد من أصوات الحلق: الغين والخاء. يبدو أن اللهجات التي كانت تميل مع الكسرة والكسرة الطويلة كانت تنطق الفتحة الطويلة بلا إمالة إذا كانت تميل مع الكسرة والكسرة الطويلة كانت تنطق الفتحة الطويلة بلا إمالة إذا كانت قريبة من أصوات الإطباق أو الحلق. وهذا يؤكد ما ذكرناه من أن تلك اللهجات عرفت صورتين لنطق الفتحة الطويلة، كل واحدة منها تظهر في محيط صوتي بعينه. والعبارة الأخيرة في نص سيبويه السابق تشير إلى موقف اللغويين من بعض اللهجات فهو لم يسجل إلا بعض اللهجات، ورفض الأخذ عن البعض الآخر، ويبدو أن بعض اللهجات التي رفض سيبويه الأخذ عنها كانت تعرف الإمالة بصورة أكثر ولكن إلى أي حد؟ هذا ما لم نستطع أن نعرفه، فهذه من لغة من لا يؤخذ بلغته، ولذا لم يجد سيبويه نفسه مطالبًا بتسجيلها ودراستها.
ص231
الاتباع = التوافق الحركي
مما سجله سيبويه في كتابه ظاهرة أطلق عليها "الاتباع"، ويطلق عليها عند اللغويين المحدثين اسم Vowel Harmony أي التوافق الحركي. وهذه الظاهرة تدخل أيضًا في باب المماثلة، وهي هنا مماثلة حركة لحركة أخرى مماثلة تامة، فنحن نقول في العربية الفصحى: منه، فوقه، تحته، فنجعل الحركة التالية للهاء ضمة، ولكنا نقول: به، عليه، فيه، فنجعل الحركة التالية للهاء كسرة، والضمير هو الضمير، فلماذا حدث هذا الاختلاف؟ ولنقرأ الفصل الذي عنونه سيبويه بقوله: هذا ما تكسر فيه الهاء التي هي علامة الإضمار: "اعلم أن أصلها الضم وبعدها الواو، لأنها في الكلام كله هكذا، إلا أن تدركها هذه العلة التي أذكرها لك. وليس يمنعهم ما أذكره لك أيضًا من أن يخرجوها على الأصل، فالهاء تكسر إذا كان قبلها ياء أو كسرة.. فكما أمالوا الألف في مواضع استخفافًا، كذلك كسروا هذه الهاء.. فالكسرة هنا كالإمالة في الألف لكسرة ما قبلها وما بعدها نحو كلاب وعابد، وذلك قولك: مررت بهِي وَلَدَيْهِي مال ومررت بِدَارِهِي... وأهل الحجاز يقولون مررت بِهُو قبل، وَلَدَيْهُو مال، ويقرءون "فخسفنا بِهُو وبِدارِهُو الأرض". فإذا لحقت الهاء الميم في علامة الجمع كسرتها كراهية الضمة بعد الكسرة، ألا ترى أنهما لا يلزمان حرفًا أبدًا. فإذا كسرت الميم قلبت (4).
وهذا النص مهم، فسيبويه اعتبر الأصل في ضمير الغائب أن تعقبه ضمة طويلة، وهو يتحدث دائمًا عن الواو في هذا الصدد كما لو كان الضمير مكونًا من هاء تليها واو. وقد حدد سيبويه المواضع التي كسرت فيها هذه الهاء فالهاء تكسر
ص232
إذا كان قبلها ياء أو كسرة، فهذه الظاهرة إذن من ظواهر المماثلة، ولكنها مماثلة حركة لحركة. عندما نتحدث عن "فيه" فالحركة التي بعد الفاء كسرة طويلة أتت بكسرة بعد الهاء. عندما نناقش كلمة "عليه" فالصوت المزدوج "ay" جعل الضمة كسرة، وهذا أيضا ضرب من التوافق الحركي.
ويبدو أن التوافق الحركي كان يميز بعض اللهجات عن البعض الآخر. فبعض اللهجات كان يعرف التوافق الحركي على هذا النحو الذي تعرفه العربية الفصحى. ولكن لهجة الحجاز كانت بعيدة عنه كل البعد كما نرى في نص سيبويه عن التوافق الحركي بعدها عن الإمالة. فالحجازيون كانوا لا يقولون "بِهِ" بكسر الهاء، بل قالوا "بِهُ" بضمها، أو كما كتب في كتاب سيبويه "بِهُو" وكانوا يقولون "لديهو" بواو مسبوقة بضمة. ولم يقتصر الأمر على هذا، بل إن قراءاتهم للقرآن الكريم كانت تعكس لهجتهم المحلية التي لا تعرف التوافق الحركي، فبينما كان غيرهم يقرأ: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} بكسرة بعد الهاء كان الحجازيون يستخدمون الضم دون أن يستشعروا حاجة إلى التوافق الحركي.
ويبدو أن التوافق الحركي كان من خصائص لهجة تميم، وهو ما نجده في الفصحى بينما كانت لهجة الحجاز بعيدة عن التوافق الحركي. ولكن بعض اللهجات مضت في التوافق الحركي شوطًا أبعد مما تعرفه اللغة الفصحى. يقول سيبويه: "واعلم أن قومًا من ربيعة يقولون: مِنْهِمِ، بكسر الميم والهاء والميم أتبعوها الكسرة، ولم يكن المسكن حاجزا عندهم. وهذه لغة رديئة، إذا فصلت بين الهاء والكسرة فالزم الأصل"(5).
ص233
فلهجة ربيعة كانت تستخدم صيغة، مِنْهِمِ،بكسر الهاء والميم، بينما لا تعرف الفصحى اليوم إلا ضم الهاء وضم الميم، وهو ما قرره سيبويه أيضًا، فلهجة ربيعة تمثل طورًا أبعد من الفصحى في التوافق الحركي. فالكسرة بعد الميم في: مِنْهِمِ، جعلت حركتي الضمير كسرتين رغم البعد. وهنا يظهر سيبويه الذي يريد أن يشرع للحياة اللغوية فيقول وهذه لغة رديئة.
لاحظ سيبويه أيضا وجود التوافق الحركي في بعض أبنية الأسماء، يقول سيبويه: وفي: فَعِيل، لغتان، فَعِيل، وفِعِيل. إذا كان الثاني من الحروف الستة "حروف الحلق" مطرد ذلك فيهما لا ينكسر في فعيل ولا فعل. وإذا كان كذلك في فعيل أو فعل كسرت الفاء في لغة تميم وذلك قولك لئيم "بكسر اللام" وشهيد وسعيد ونحيف ورغيف وبخيل، وشهد "بكسر الشين والهاء ولعب وضحك .... أما أهل الحجاز فيجرون جميع هذا على القياس"(6).
وهذا النص على صعوبته في الصياغة واضح المضمون، فالكتب العربية تقدم لنا فعيل "بفتح الفاء" وفعيل "بكسر الفاء" لعدد كبير من المفردات. والصيغة الأخيرة تمثل صورة من صور التوافق الحركي، فالكسرة الطويلة بعد العين جلبت كسرة سابقة على العين عند من يعرفون التوافق الحركي، ومن ثم فهم يقولون: فعيل، وهذا خاص بلهجة تميم. أما لهجة الحجاز التي لا تعرف الإمالة أو التوافق الحركي فتقدم لنا صيغة فعيل بفتح الفاء.
وشبيه بهذا وزن فعل عند الحجازيين مثل شهد لعب ضحك، يقابل هذا الوزن في لهجة تميم كسر الفاء وكسر العين. وهنا تتفق اللغة الفصحى كما نعرفها اليوم مع لهجة الحجاز، ومن الجدير بالبحث أن ننظر إلى المعجم العربي المتوارث في ضوء هذه الاختلافات.
ص234
كسر أحرف المضارعة:
كانت كل اللهجات التي اعترف سيبويه بصحة أخذ اللغات عنها تكسر حروف المضارعة على عكس ما نعرفه في العربية الفصحى اليوم. وكان أهل الحجاز هم من لم يعرفوا كسر حروف المضارعة. قال سيبويه:
"هذا باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة للأسماء كما كسرت ثاني الحروف حين قلت فعل وذلك في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز وذلك قولهم: أنت تعلم ذلك "بكسر التاء" وأنا إعلم "بكسر الهمزة" وهي تعلم "بكسر التاء" ونحن نعلم "بكسر النون" ..... وكذلك كل شيء من بنات الواو والياء التي الياء والواو فيهن لام أو عين والمضاعف، وذلك قولك: شقيت فأنت تِشقى "بكسر التاء" وخشيت فأنا إخشى "بكسر الهمزة" وخلنا فنحن نخال "بكسر النون" .... وجميع ذلك مفتوح في لغة أهل الحجاز وهو الأصل"(7).
وواضح من الأمثلة التي ذكرها سيبويه أن كسر حرف المضارعة كان مطردًا في الفعل الثلاثي في كل اللهجات إلا لهجة الحجاز، وأن الفعل الناقص أو الأجوف ذا الواو أو الياء كان يعرف كسر حرف المضارعة أيضًا. ولهجة الحجاز أقرب في هذا الجانب إلى العربية الفصحى.
مطابقة الفعل والفاعل:
من أهم الظواهر اللهجية التي سجلها سيبويه وألقت الضوء على بناء الجملة ظاهرة تطابق الفعل الماضي المقدم مع فاعله في التثنية والجمع.
من المعروف في كتب النحو العربي أن الفعل الذي تلاه فاعله يأتي بصيغة واحدة قبل الفاعل المفرد والمثنى والجمع، وهذه الصيغة هي صيغة المفرد الغائب، مثل:
ص235
قال رجل، قال رجلان، قال الرجال. قال نسوة، أما المطابقة الكاملة في العدد والجنسين بين الفاعل والفعل فتنسب في كتب النحو العربي إلى بعض اللهجات، ذكر البعض أن المطابقة الكاملة من خصائص لهجة طيئ. وأطلقوا على هذه الخاصية اسم "لغة أكلوني البراغيث". قال سيبويه: "اعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك، ضرباني أخواك فشبهوا هذا بالتاء التي يظهروها في قالت فلانة"(8)، فهذه الظاهرة إذن مثلما نجد في بعض اللهجات العربية الحديثة. ولم تكن هذه الظاهرة مقصورة على الحديث اليومي عند طيئ. فالواقع أن هذه الظاهرة وجدت في بعض اللهجات القديمة، وفي أبيات من الشعر الجاهلي والإسلامي، وهي مطردة في اللهجات العربية الحديثة.
ما الحجازية:
اختلفت اللهجات القديمة في الحالة الإعرابية للاسم الثاني بعد "ما" النافية، فلهجة الحجاز تجعل اسم الثاني بعد "ما" وهو خبرها منصوبًا، أما لهجة تميم فتستخدم هذا الاسم مرفوعًا. قال سيبويه: "هذا باب ما أجرى مجرى ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز، ثم يصير إلى أصله. وذلك الحرف هو ما، نقول: ما عبد الله أخاك، ما زيد منطلقًا. وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل، وهو القياس لأنه بفعل كليس، ولا يكون فيه إضمار. وأما أهل الحجاز فيشبهونها بليس، إذ كان معناها كمعناها .... ومثل ذلك قوله عز وجل: {مَا هَذَا بَشَرًا} في لغة أهل الحجاز، وبنو تميم يرفعونها إلا من عرف كيف هي في المصحف"(9).
وبجانب الآية التي ذكرها سيبويه نجد هذه الظاهرة في آية أخرى هي:
ص236
{مَا هُنَّ أُمَهَاتِهِم} قرأها الحجازيون بكسر التاء وذلك باعتبار خبرها منصوبًا. أما التميميون فكانوا يرفعون عملا برفع الخبر بعد ما.
وهكذا نلاحظ أن لهجة الحجاز تتفق مع العربية الفصحى التي نعرفها مطردة في الشعر الجاهلي والقرآن في ظواهر، وتختلف معها في ظواهر أخرى، كما أن لهجة تميم لا تمثل العربية الفصحى في كل مظاهرها.
ص237
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكتاب 2/ 163.
(2) الكتاب 2/ 259.
(3) الكتاب 2/ 264.
(4) الكتاب 2/ 293.
(5) الكتاب 2/ 294.
(6) الكتاب 2/ 255.
(7) الكتاب 2/ 256.
(8) الكتاب 1/ 237.
(9) الكتاب 1/ 28.