الولد في ظلّ الوالد
المؤلف:
ناصر مكارم الشيرازي
المصدر:
تفسير الامثل
الجزء والصفحة:
ج6 ، ص241-242
5-10-2014
2252
قال تعالى :
{ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)
قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} [يوسف : 11 - 14] .
إِذا كانت محبّة الأب الشديدة أو الأُم بالنسبة للولد تستوجب أن يحفظ الى جانبهما، إِلاّ أن من الواضح أن فلسفة هذه المحبة من وجهة نظر قانون الخلقة هي المحافظة التامة على الولد عند الحاجة إِليها، وعلى هذا الأساس ينبغي أن تقل
هذه المحافظة كلّما تقدّمت به السن، ويُمنح الولد الإِجازة ليخطوُ في حياته نحو الإِستقلال، والاّ فسيكون كمثل غرسة النّورس تحت ظل الشجرة القوية دائماً لا تنمو كما يلزم.
وربّما وافق يعقوب(عليه السلام) ـ لهذا السبب ـ على اقتراح أبنائه رغم علاقته الشديدة بيوسف، وأرسله معهم الى خارج المدينة، ومع أنّ هذا الإمر كان صعباً على يعقوب ، ولكن مصلحة يوسف وحاجته الى الرُشد والنُموّ كانت تستوجب أن يُجيزه أبوه ليبتعد عنه ساعات وأيّاماً !
وهذه مسألة تربوية مهمّة غَفل عَنها كثير من الآباء والأُمهات، حيث يربّون أولادهم تربية بحيث لا يستطيعون أن يعيشوا خارج «خيمة الأبوين» ومحافظتهما عليهم، وبالتالي يسقطون أمام تيارات الحوادث وضغوطها، كما أن هناك رجالا عظماء فقدوا والديهم في دور الطفولة، ولكنّهم صنعوا أنفسهم بأيديهم وواجهوا المشاكل وتجاوزوها.
فالمهم أن يلتفت الوالدان الى هذه المسألة التربوية، وإِلاّ فستكون محبتهما «الكاذبة» مانعاً من استقلال أولادهم.
من الطريف أن هذه المسألة موجودة في بعض الحيوانات بشكل غريزي، فنحن نرى أفراخ الدجاج «الفروج» ـ مثلا ـ يبدأ حياته تحت جناحي أمه ، وتحافظ الدجاجة الأُم عليها كما تحافظ على روحها «العزيزة».
ولكن بعد فترة حيت تكبر هذه الأفراخ فإنّ الأُم لا تترك المحافظة على هذه الأفراخ فحسب، بل تنقرُ أيّاً منها يصل إِليها. ومعنى هذا أنّها تريد أن تعوِّدهم على أن يتعلموا طريق الحياة المستقلة! فإلى متى تعيشون غير مستقلين؟!
ولكن هذا الموضوع لا ينافي تقوية الروابط العائلية والمحافظة على المودة والمحبّة، بل هي محبّة عميقة وعلاقة محسوبة ونافعة للطرفين.
الاكثر قراءة في قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة