مكانة أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) عند الله (عزَّ وجلَّ) والرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)

مكانة علي (عليه السلام) عند الله (عزّ وجلّ) والرسول (صلى الله عليه وآله)؛ وُلِدَ في مكان لم يولد فيه أحد قبله ولن يولد فيه أحد بعده، وتربّى منذ نعومة أظفاره وانفتاحه على الدنيا في حجر النبوّة، وجاهد في سبيل إرساء دعائم الإسلام ولمّا يبلغ العشرين إلى أن أشرف على الستّين، فخرَّ صريعاً بدمه في محراب العبادة ليخرج من هذه الدنيا شهيداً مظلوماً.
هذا المختصر يعطي صورة أوّليّة مشرقة عن إنسان صارت حياته مدرسة متكاملة ينهل منها الساعون في هذه الدنيا للتحلّي بصفات الجمال والخير والحب فمن أيّ جانب أردت أن تدخل إلى حياة علي (عليه السلام) [تجده] تفوّق على جميع من كان معه ومن حوله من المؤالفين والمخالفين في عصره، وفرض احترامه على كلّ من درس تلك الشخصيّة بعد العصر الذي عاشت فيه وأثرت في أحداثه ومجرياته.
امتدحه الله في قرآنه حتّى جعله صنوًا لنبيّه في سورة المباهلة وجعله وليًّا للمؤمنين في قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]، وذكّر بتضحيته في سبيل إنقاذ النبي (صلى الله عليه وآله) عندما بات في فراشه بقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207]، ونبّه على شجاعته وبطولته ودفاعه عن الإسلام بقوله تعالى: {...وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ...} [الأحزاب: 25]، وغير ذلك كثير من الموارد التي نزلت في حقّه، وكلّ آية منها تكفي لأن تكون دليلاً وبرهاناً وحجّة على الأمّة التي تجهلها من جانب، ويحقد بعض أبنائها من الجانب الآخر، فلم تضع ذلك الإنسان في موضعه الطبيعي والطليعي فيها، فدفعت الأمّة كلّها عبر الأجيال ثمن انحيازها إلى اختياراتها الأخرى وما زالت تدفع حتّى الآن، وستبقى تدفع طالما أنّ الأمّة لم تصل إلى القناعة التامّة بأحقيّة من نطق القرآن بفضله على الآخرين ممّن قدّموا عليه ووجد لهم البعض الأعذار والمبرّرات التي لا تصمد أمام النقد العلميّ الرصين والموضوعيّ.
وأشار النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى مزاياه الفريدة في العديد من المواضع والحوادث، فمن قوله (صلى الله عليه وآله): ((أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي)) إلى قوله (صلى الله عليه وآله): ((مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ)) يوم غدير خمّ حيث نصب النبي (صلى الله عليه وآله) الأمير (عليه السلام) وليًّا وصولاً إلى حديث النبي (صلى الله عليه وآله): ((عَلِيٌّ مَعَ اَلْحَقِّ وَاَلْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ، يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ مَا دَارَ))، وغير ذلك كثير أيضاً ممّا هو ثابت عند عموم المسلمين على اختلاف مذاهبهم الفقهيّة وتياراتهم العقائديّة عن المدح النبويّ غير العادي لشخصيّة الإمام علي (عليه السّلام) وللمميّزات التي امتاز بها عن غيره.
ولا شكّ أنّ المدح النبويّ ذاك لم يكن ليصدر عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لو لم يكن علي (عليه السلام) قد استحقّ ذلك عن جدارة؛ لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لمقام عصمته منزّه عن الهوى وعن التعصّب لأيّ إنسان مهما بلغت درجة قرابته أو قربه من مقام النبوة؛ لأنّ القضيّة ليست قضيّة عواطف أو انفعالات شخصيّة تجعلنا نقرّب أو نبعّد ذاك بل القضيّة هي قضيّة رسالة إلهيّة ودين إلهيّ لخدمة الإنسانيّة وإنقاذها، وعندما يمتدح الله [سبحانه وتعالى] ورسوله (صلى الله عليه وآله) شخصاً ما، فهذا المدح لا يقتصر في حدوده، عند إبراز قيمة الشخصيّة الممدوحة، بل يتعدّى المدح ذلك إلى إعطاء ذلك الممدوح المكانة التي تليق به.
لذا نقول: إنّ المدحَينِ "الإلهيّ والنبويّ" لشخص عليّ (عليه السلام) أريد منهما تلميحاً وتصريحاً الإشارة الواضحة إلى المقام الذي ينبغي للأمّة أن تضع عليّاً (عليه السّلام) فيه، من دون أن تنتظر التجارب التي سبقت وصوله إلى مقام الخلافة ليشرف الولاية بقبوله لها من دون أن تزيد من قيمة شخصيّته شيئاً.
إلا أنّ الاعتراف المتأخّر للأمّة بأنّ عليّاً (عليه السلام) هو المؤهّل الوحيد بل الأوحد لها جاء بعد وقوع سلسلة من الأحداث جعلت من ولايته القصيرة نسبياً مسرحاً لأحداث أخرى ما كانت لتحصل لو استلم عليّ الولاية من صاحبها الأساس وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومع ذلك الإرباك الذي أحدثه البعض من الطامحين والطامعين بالمراكز أحدثت ولايته بما تتضمّنه من تفاصيل معلماً مهماً لكلّ العاملين من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل على مدى العصور، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والحمد لله ربّ العالمين (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نقلاً عن الموقع الرسميّ لسماحة الشيخ محمّد توفيق المقداد حفظه الله.
1