قدّم مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف التابع لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، الدكتور عباس القريشي، بحثًا بعنوان (دراسة موجزة في تجربة المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف وتعاونه مع كراسي اليونسكو في الجامعات العراقية). جاء ذلك في الجلسة البحثية الثانية لمؤتمر (ذاكرة الألم في العراق) الدوليّ السنويّ، الذي يقيمه المركز، بالتعاون مع كرسي اليونسكو لدراسات منع الإبادة الجماعية في كلية الآداب بجامعة بغداد، ومؤسّستي الشهداء والسجناء السياسيّين، والهيأة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة، وجامعة بغداد، تحت شعار (من أجل مستقبلٍ خالٍ من الألم)، وبعنوان (ذاكرة الألم في العراق قرنٌ من الجرائم والإبادات الجماعية والمجازر والانتهاكات). وقال القريشي في ملخص بحثه: إنّه "في ظل الأحداث وتصاعد موجات العنف والصراعات ذات الطابع السياسي، والاقتصادي، والديني، والعرقي في عدد من مناطق العالم، بات من الضروري اعتماد استراتيجيات تكاملية ترتكز على الوقاية، والتوثيق، والحوار، وبناء السلام، وتجسد التجربة العراقية، التي شهدت في العقود الأخيرة موجات من الدكتاتورية السياسية والإرهاب والعنف الديني والتطرف العنيف، ودراستها لفهم طبيعة هذه الظواهر، وأثرها على السلم الأهلي، والهوية الوطنية، والنسيج الاجتماعي". وأضاف أنّ "المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف يعد من أبرز المبادرات الوطنية للعتبة المقدسة التي سعت إلى رصد وتوثيق الانتهاكات التي طالت جميع المكونات العراقية الدينية والقومية، في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى، وقد تميز المركز بتبنيه منهجية توثيق علمية قائمة على جمع الوثائق من مصادرها، والمقابلات المباشرة، والشهادات القانونية، والخرائط الزمنية، وتحليل أنماط الجرائم، بالتعاون مع منظمات دولية، منها: فريق التحقيق الأممي (UNITAD)، ومنظمة الهجرة الدولية، إضافةً إلى التنسيق مع السلطات القضائية والمؤسسات ذات العلاقة والجامعات العراقية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية". وأوضح أنّ "المركز العراقي عمل على تطوير علاقات تعاون استراتيجية مع عدد من كراسي اليونسكو في الجامعات العراقية، التي تمثل حواضن معرفية لنشر ثقافة السلام والحوار، ومنع الإبادة الجماعية، والمساهمة في بناء وعي أكاديمي نقدي في قضايا التطرف والعنف الجماعي وعقد مجموعة مشاريع مع: كرسي اليونسكو لحوار الأديان - جامعة الكوفة، وكرسي اليونسكو لنبذ التطرف العنيف وتعزيز ثقافة السلام - جامعة الموصل، وكرسي اليونسكو لدراسات منع الإبادة الجماعية في العالم الإسلامي - جامعة بغداد، وتضمنت الدراسة تقديم عدد من التوصيات منها: دعم مراكز التوثيق الوطنية وإدماجها ضمن سياسات العدالة الانتقالية، وتعزيز الشراكة بين المؤسسات الأكاديمية ومراكز التوثيق من خلال كراسي اليونسكو، والاستثمار في برامج التربية على السلام والحوار والتنوع الثقافي، واعتماد سياسات وطنية قائمة على الوقاية والتعليم والانفتاح الديني، وتشجيع توثيق الذاكرة الجماعية للضحايا وإشراكهم في سرد الرواية الوطنية".
واختتم مدير المركز دراسته البحثية بالإشارة إلى أنّ التجربة العراقية تُظهر أنّ التطرف العنيف والإبادة الجماعية ليست مجرد تحديات أمنية، بل هي نتاج خلل في منظومة الوعي، والحوار، والعدالة؛ ولذلك، فإنّ دمج جهود التوثيق مع التعليم والحوار والمساءلة يشكّل ركيزة لأي مشروع وطني لحماية السلم الأهلي ومنع تكرار المآسي، وتجربة المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف بالتعاون مع كراسي اليونسكو تشكّل أنموذجًا واعدًا يمكن تعميمه في مجتمعات أخرى تعاني من التوترات والانقسامات.