أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-11-2020
![]()
التاريخ: 7-11-2014
![]()
التاريخ: 30-05-2015
![]()
التاريخ: 23-04-2015
![]() |
الإعجاز : مصدر مزيد فيه من ( عجز ) إذا لم يستطع أمراً ، ضدّ ( قدر ) إذا تمكّن منه ، يقال : أَعجزه الأمر ، إذا حاول القيام به فلم تسعه قدرته ، وأعجزتُ فلاناً : إذا وجدته عاجزاً أو جعلته عاجزاً .
والمُعجزة ـ في مصطلحهم ـ تُطلق على كلّ أمر خارق للعادة ، إذا قُرن بالتحدّي وسلم عن المعارضة ، يُظهره الله على يد أنبيائه ؛ ليكون دليلاً على صدق رسالتهم (1) . وهي تتنوّع حسب تنوّع الأُمَم المرسل إليهم في المواهب والمعطيات ، فتتناسب مع مستوى رقيّهم في مدارج الكمال ، فمِن غليظ شديد إلى رقيق مرهف ، ومن قريب مشهود إلى دقيق بعيد الآفاق ، وهكذا كلّما تقادمت الأُمم في الثقافة والحضارة فإنّ المعاجز المعروضة عليهم من قِبَل الأنبياء ( عليهم السلام ) ترقّ وتلطف ، وكانت آخر المعاجز رقّةً ولطفاً هي أرقاها نمطاً وأعلاها أُسلوباً ، أَلا وهي معجزة الإسلام الخالدة ، عُرضت على البشرية جمعاء مع الأبد ، مهما ارتقت وتصاعدت في آفاق الكمال ، الأمر الذي يتناسب مع خلود شريعة الإسلام .
ولقد صَعُب على العرب ـ يومذاك وهم على البداوة الأُولى ـ تحمّل عبء القرآن الثقيل ، فلم يطيقوه ؛ ومِن ثَمّ تمنّوا لو يبدّل إلى قرآن غير هذا ، ومعجزة أُخرى لا تكون من قبيل الكلام : {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس : 15] ، إنّها لم تكن معجزةً للعرب فقط ، وإنّما هي معجزة للبشرية عِبر الخلود ، لكن أنّى لأُمّة جهلاء أن تلمس تلك الحقيقة وأن تُدرك تلك الواقعيّة سوى أنّها اقترحت عن سفه : أن يُفجّر لهم من الأرض ينبوعاً ، أو تكون له جَنّة من نخيل وعنب ويُفجّر الأنهار خلالها تفجيراً ، أو يسقط السماء عليهم كِسفاً ، أو يأتي بالله والملائكة قبيلاً ، أو يكون له بيت من زخرف ، أو يرقى في السماء ، ولا يؤمنوا لرقيّه حتى ينزل عليهم كتاباً يقرأونه .
وقد عجب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) من مقترحهم ذلك التافه الساقط ، ممّا يتناسب ومستواهم الجاهلي ، ومِن ثَمّ رفض اقتراحهم ذاك {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا } [الإسراء : 93]. أي ليس هذا من شأنكم وإنّما هي حكمة بالغة يعلمها الحكيم الخبير .
قال الراغب الأصفهاني : المعجزات التي أتى بها الأنبياء ( عليهم السلام ) ضربان : حسّي وعقلي .
فالحسّي ما يُدرك بالبصر ، كناقة صالح ، وطوفان نوح ، ونار إبراهيم ، وعصا موسى ( عليهم السلام ) .
والعقلي : ما يُدرك بالبصيرة ، كالإخبار عن الغيب تعريضاً وتصريحاً ، والإتيان بحقائق العلوم التي حصلت عن غير تعلّم .
فأمّا الحسّي : فيشترك في إدراكه العامّة والخاصة ، وهو أَوقع عند طبقات العامّة ، وآخذ بمجامع قلوبهم ، وأسرع لإدراكهم ، إلاّ أنّه لا يَكاد يُفرِّق بين ما يكون معجزة في الحقيقة ، وبين ما يكون كَهانة أو شعبذة أو سحراً ، أو سبباً اتفاقياً ، أو مواطأة ، أو احتيالاً هندسياً ، أو تمويهاً وافتعالاً ، إلاّ ذو سعة في العلوم التي يعرف بها هذه الأشياء .
وأَمّا العقلي : فيختص بإدراكه كَمَلَةُ الخواص من ذوي العقول الراجحة ، والأفهام الثاقبة ، والرويّة المتناهية ، الذين يُغنيهم إدراك الحق .
وجعل تعالى أكثر معجزات بني إسرائيل حسّياً ؛ لبَلادتهم وقلّة بصيرتهم ، وأكثر معجزات هذه الأُمّة عقلياً ؛ لذكائهم وكمال أفهامهم التي صاروا بها كالأنبياء ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( كادت أُمتي أن تكون أنبياء ) (2) .
ولأنّ هذه الشريعة لمّا كانت باقيةً على وجه الدهر غير معرّضة للنسخ وكانت العقليات باقية غير مُتبدّلة جعل أكثر معجزاتها مثلها باقية ، وما أتى به النبي ( صلّى الله عليه وآله ) من معجزاته الحسّية ، كتسبيح الحصا في يده ، ومكالمة الذئب له ، ومجيء الشجرة إليه ، فقد حواها وأحصاها أصحاب الحديث .
وأمّا العقليات : فمَن تفكّر فيما أورده ( عليه السلام ) من الحِكم التي قَصُرت عن بعضها أفهام حكماء الأُمَم بأَوجز عبارة اطّلع على أشياء عجيبة .
وممّا خصه الله تعالى به من المعجزات ( القرآن ) وهو آية حسّية عقلية صامتة ناطقة باقية على الدهر مبثوثة في الأرض ، ولذلك قال تعالى : {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } [العنكبوت : 50، 51] ودعاهم ليلاً ونهاراً مع كونهم أُولي بَسطة في البيان إلى معارضته ، بنحو قوله : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [البقرة : 23] وفي موضع آخر : {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس : 38] وقال : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء : 88] .
فجعل عجزهم علماً للرسالة ، فلو قدروا ما أقصروا ، إذ قد بذلوا أرواحهم في إطفاء نوره وتوهين أمره ، فلمّا رأيناهم تارةً يقولون : {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت : 26] وتارةً يقولون {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا } [الأنفال : 31] ، وتارة يصفونه بأنّه {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } [النحل : 24] وتارةً يقولون {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان : 32] وتارةً يقولون : {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس : 15] كلّ ذلك عجزاً عن الإتيان بمثله ، عَلِمنا قصورهم عنه ، ومحال أن يُقال : إنه عورض فلم يُنقل ، فالنفوس مهتزّة لنقل ما دقّ وجلّ ، وقد رأينا كتباً كثيرة صُنّفت في الطعن على الإسلام قد نُقلت وتُدوِّلت (3) .
ويمتاز القرآن على سائر المعاجز بأنّه يضمّ ـ إلى جانب كونه معجزاً ـ جانب كونه كتاب تشريع ، فقد قُرن بإعجاز ووُحدّ بينهما ، فكانت دعوة يرافقها شهادة من ذاتها ، دلّ على ذاته بذاته .
قال العلاّمة ابن خلدون : اعلم أنّ أعظم المعجزات وأشرفها وأوضحها دلالةً القرآن الكريم المُنزل على نبيّنا محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، فإنّ الخوارق في الغالب تقع مغايرة للوحي الذي يتلقّاه النبيّ ويأتي بالمعجزة شاهدةً بصدقه ، والقرآن هو بنفسه الوحي المدّعي ، وهو الخارق المعجز ، فشاهده في عينه ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي ، فهو أوضح دلالة ؛ لاتّحاد الدليل والمدلول فيه .
قال : وهذا معنى قوله ( صلّى الله عليه وآله ) : ( ما مَن نبيّ من الأنبياء إلاّ وأُوتي من الآيات ما مِثله آمن عليه البشر ، وإنّما كان الذي أُوتيته وحياً أُوحي إليّ ، فأنا أرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) يُشير إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الوضوح وقوّة الدلالة ـ وهو كونها نفس الوحي ـ كان الصدق لها أكثر لوضوحها ، فكثر المصدّق المؤمن وهو التابع والأُمّة (4) .
__________________________
1- الإعجاز ضرورة دفاعية قبل أن تكون ضرورة دعائية ، إنّ رسالة الأنبياء على وضح من الحقّ الصريح ، ولا حاجة إلى إقامة برهان ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ) ، ( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) ، ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ) ، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ ) ، ( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ) ، ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا ) ، نعم ، ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) ، ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ) ، ومِن ثَمّ وقفوا في سبيل الدعوة إمّا معارضةً بالوساوس والدسائس وعرقلة الطريق فدعت الضرورة إلى الدليل المعجز استيقاناً ودفعاً للشبهة ، أو مكافحةً بالسيف فدعت الحاجة إلى القتال والجهاد .
2- مسند أحمد : ج1 ، ص 296 .
3- عن مقدّمته على التفسير : ص102 ـ 104.
4- المقدّمة السادسة : ص95 .
|
|
تحذير من "عادة" خلال تنظيف اللسان.. خطيرة على القلب
|
|
|
|
|
دراسة علمية تحذر من علاقات حب "اصطناعية" ؟!
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تحذّر من خطورة الحرب الثقافية والأخلاقية التي تستهدف المجتمع الإسلاميّ
|
|
|