ازدهار حرية الصحافة في فرنسا

عاد النظام الملكي إلى فرنسا في بدايات القرن التاسع عشر (عام 1815) بعد هزيمة نابليون الأول ونفيه خارج البلاد، وتولى الملك لويس الثامن عشر عرشفرنسا.

وقد بدأ الملك لويس الثامن عشر عهده بإطلاق حرية الصحافة، ونص في العهد الذي أعلنه للفرنسيين على احترامه للصحافة والتزامه بضمان حريتها. إلا أنه بعد أن استتب له الحكم في البلاد عاد إلى تقييد الصحافة من خلال الرقابة على الصحف ومن خلال إعادة نظام الترخيص. ومارس سلفه الملك شارل العاشر الذي تولى العرش في عام 1824، ضغوطا كثيرة على الصحف، كان من نتيجتها قيام ثورة يوليو 1830 التي أطاحت بالملك والأسرة الحاكمة، وأتت بالملك لويس فيليب الذي بادر بإلغاء الرقابة على الصحف مما أدى إلى ازدهار الطباعة والصحافة في فرنسا.

ويرجع ازدهار الصحافة الفرنسية في القرن التاسع عشر إلى جو الحرية الذي توفر لها، وبالإضافة إلى تطور تكنولوجيا الطباعة وتطور الطرق ووسائل المواصلات، وتطور الاتصال التلغرافي، بظهور أول خط تلغراف بين باريس ومدينة روين في عام 1845، وظهور وكالات الأنباء بإنشاء وكالة هافاس للأنباء التي أمدت الصحف الفرنسية بالأخبار والمعلومات بالإضافة إلى تزايد عدد المتعلمين وعدد الذين يقرءون ويكتبون، وبالتالي تزايد الإقبال على قراءة الصحف بين مختلف طبقات الشعب الفرنسي، وتطور النظرة العامة إلى حرية الصحافة وتزايد الاقتناع بأنها حق من حقوق الإنسان ففي الفترة من سقوط حكم نابليون الأول حتى منتصف القرن صدر في فرنسا 18 قانونا يخص الصحافة، وكانت غالبية هذه القوانين في صالح حرية الصحافة. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر صدر في صالح حرية الصحافة قانونان الأول في مايو 1868 وألغى النص على الحصول على ترخيص مسبق لإصدار الصحف، أما الثاني والأهم فهو قانون المطبوعات. ويعتبر قانون المطبوعات الذي صدر في فرنسا في 29 يوليو 1881 من أهم القوانين التي اعترفت بحرية التعبير، صراحة، ونصت مادته الأولى على حرية المطبعة والمكتبة.

وتمثل فترة الربع الأخير من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين أي من 1875 - 1914، ما يمكن أن نسميه العصر الذهبي - للصحافة الفرنسية. فمن الناحية التشريعية تم دعم صناعة الصحافة من خلال قانون التعليم أو ما يسمى قانون "جيل فيرى" الذي صدر في عام 1882 الذي جعل التعليم الابتدائي إجباريا والذي ضاعف أعداد قراء الصحف، وزاد من توزيعها.

وأتاحت حرية الصحافة تنوع الاتجاهات السياسية للصحف الفرنسية تنوعا كبيرا، فظهرت الصحف اليسارية، مثل صحيفة لو كرى دى بيبل Le Cride peuple كما ظهرت الصحف التي تمثل اتجاه الوسط المعتدل، مثل صحيفة لو جورنال دى ديبا Le Journal de Debates وصحيفة لو فيجارو Le Fijaro. أما تيار اليمين الليبرالي فقد عبر عنه عدد من الصحف أبرزها صحيفة لا ليبرتيه La Liberte وصحيفة لا باترى La Patrie كما ظهرت الصحف الدينية الكاثوليكية وأبرزها صحيفة لو موند Le Monde.