أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-08
![]()
التاريخ: 2024-06-06
![]()
التاريخ: 18-10-2019
![]()
التاريخ: 2023-04-17
![]() |
بالنسبة لإنسان بدائي أو حتى المُتحضّر، فإنَّ مشهد النيران الكبيرة لدى رؤيتها لأول مرة مهول، ويبعثُ في النفس الخوف والرهبة، لكن عندما يهمد لهيبها وتستحيل لجمرٍ يمكن الاقتراب منها دون وجل. بعد أن تجاوز الإنسان القديمُ حاجز الخوف من النار اقترب منها، ووجد أن حرارة جمرها مقبولة أكثر من لهيبها؛ فهو يُدفئ عندما بدأ الجمر بالهمود، حاول بطريقة الخطأ والصواب أن يتعلم كيف يُحافظ على جذوته مُتَّقدة، فقرب إليه كل ما أحاط به من حجر ورماد وخشب، ووجد أنَّ النار تتم تغذيتها بالخشب فقط وليس بأي شيء آخر، لكن ماذا لو انطفأت النار تماما، فكيف السبيل لإشعالها من جديد؟ يعتبر بعض الباحثين أنَّ التقدُّم التطوري الحقيقي كان سيادة النار وليس اكتشافها، خصوصًا عندما تعلَّم الإنسان كيف يُوقد النار ويتحكم بها.12
تعلم البشر كيفية صنع النار فقط قبل تسعة آلاف سنة، عندما استخدم أسلافُ العصر الحجري الحديث حجر الصوّان أو الخشب المُجَفَّف للقيام بإجراء احتكاك وإصدار الشرر الذي يشتعل منه شيء ما. 13 ويبدو أنَّ الإنسان عرف النار اتفاقًا، حيث كانت النار تشتعل في الغابات إذا ما اشتد الجفاف، أو احتكت بعض أغصان الأشجار ببعضها بعضا، أو إذا أسقط حجر على حجر سقوطًا قويا تسبب باندفاع شرارة، ومن هنا يبدو أن الإنسان البدائي قد عرف توليد النار، إما عن طريق سكناه إلى جوار الغابات مستخدمًا حريقها، وإما عن طريق ضرب حجر بحجرٍ ووضع خرقة أو قشّ جافٌ بين الحجرين يشتعل على أثر انقداح الشرارة. 14
يتم إشعال النار بطريقة المثقب Fire Drill أو فَتْل العصا حيث تُثبت العصا بين الكفَّين وتُفتَل عموديا بعد تركيزها في ثقب موجود على لوح ثابت فيؤدي الاحتكاك إلى قدح الشرارات الأولى. (مصدر الصورة: العاني دحام إسماعيل، موجز تاريخ العلم، ط 1، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض، 2002م، ج 1، ص20.)
في الواقع لا يُعرف الزَّمن الذي انقضى منذ استخدام الإنسان النار وحتى تمكَّن من إيقادها بنفسه. لكن يُعتقد أنه قبل حوالي (50 ألف إلى 100 ألف سنة ق.م.) تعلم الإنسان أن احتكاك بعض الحجارة (مثل الأحجار النارية، أو أحجار المغنيزيوم الكبريتية أو البيريك) أو الأخشاب (مثل الأخشاب الجافة أو فطور الأشجار) مع بعضها يولد النَّار. وقد جاء هذا الاعتقاد من خلال الآثار المكتشفة التي تعود لهذه الحقب. 15 فقد عُثر على قطع من كبريتيد الحديد الطبيعي (البيريت) تصلح للاستخدام كقادحات للنار، وقد اختلطت مع بقايا من فحم الخشب. 16 وهذا يعني أن الطريقة التي كان يستخدمها تعتمد على الاحتكاك Friction بين شيئين، سواء كانا متجانسين في المادة (خشب مع خشب) أم مُختلفين في المادَّة حجر مع حديد. لكن ذلك حتمًا استغرق الكثير من الوقت حتى تكشَّفَت له خصائص المواد، والمهارة الكافية في كيفية إبقاء النار مُتَّقدة. 18
وتعبر ظاهرة الاحتكاك عن مقاومة الحركة الناشئة عند الحد الفاصل بين سطحين متلامسين لدى انزلاق جسم صلب فوق آخر، ويُطلق على القوة التي تكون موازية ومعاكسة لاتجاه الحركة اسم قوة الاحتكاك. وقد تأسس حاليا علم خاص مستقل بالاحتكاك يُدعى علم الاحتكاك 19 Tribology يهتم بدراسة السطوح المتلامسة في حركتها النسبية والموضوعات المتعلقة بهذا الاحتكاك من تآكل وعمليات تزييت وتشحيم.20
يتم إشعال النار بطريقة الحرث Fire low من خلال الاستعانة بقطعة خشبية ومدبَّبة تحفر في قطعة أخرى من الخشب بحركة شبيهة لفعل المحراث عند فلاحة الأرض. (مصدر الصورة: العاني، دحام إسماعيل، موجز تاريخ العلم، ط 1، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض، 2002م، ج 1، ص20.)
بين عامي (1973-1941م) وضع الباحث ب كراشينينكوف P. Krasheninnikov أول وصف مفصل عن حياة السكان الأصليين لشبه جزيرة كامشاتکا 21 Kamchatka الذين استخدموا في ذلك الوقت تقنية المجتمع البدائي في إشعال النار حيث يقول: «كانت القداحات ألواحًا مصنوعة من الخشب الجافَّ ثُقبت في نهايتها ثقوب مدوّرة، وبتدوير أعواد من الخشب الجاف في تلك الثقوب حصل الكمشاتكيون على النار، وعوضًا عن الصوفان 22 استخدموا عشبًا مهروسًا (تونشيتش) نفخوا من أعلاه الهباب المحترق، وكان الكمشتاكي يلفُ جميع لوازم الإضاءة بقشر شجر البتولا ويحملها معه. والآن ينقل الناس قداحاتهم المفضَّلة على قداحاتنا؛ وذلك لأنهم لا يستطيعون الحصول على النار منها بسرعة كما من قداحاتهم.» 23 وقد تأخَّرَت صناعة عيدان الثقاب الكبريتية للمرة الأولى في سنة 1827م في إنكلترا. 24
تعود فكرة المثقب إلى حقبة ما قبل التاريخ؛ فقد كان يُعتمد في إحداث الثقب على الاحتكاك الحار بين الرأس ومكان الثقب في المادة المراد ثقبها. مصدر الصورة: Yan, Hong-Sen & Ceccarelli, Marco, International Symposium on History of Machines and Mechanisms, (Springer, Netherlands, 2009, p. 78
لم يكن الفيزيائيون لمدة طويلة قادرين على تفسير هذا النوع من توليد الحرارة، ولكن مصاعبهم ذللت عندما أُثبت بنجاح أنَّ أي كميةٍ متولّدة من الحرارة بوساطة الاحتكاك تستهلك كمية مناسبة تمامًا من الطاقة، وهو ما قادنا للوصول إلى «مبدأ تكافؤ العمل والحرارة». 25
________________________________
هوامش
12-Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, Ancient Engineers' Inventions, p. 242
13-Krebs, Robert E.& Krebs, Carolyn A., Groundbreaking, Scientific Experments, Inventions, and Discoveries of the Ancient World, p. 245
14- حسين عبد الله، تاريخ ما قبل التاريخ دار ،كلمات القاهرة، 2012م، ص 175.
15 نادر، وحيد، التريبولوجيا (علم الاحتكاك) وتاريخها في المنطقة العربية، بحث ضمن أبحاث المؤتمر السنوي 15 لتاريخ العلوم عند العرب، الرقة 17-19 ،أيلول، 1991م، منشورات جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، إعداد: مصطفى موالدي ياسمين شويش، حلب، 2006م، ص190.
16- العاني، دحام إسماعيل، موجز تاريخ العلم، ج 1، ط 1، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية الرياض، 2002م، ص19.
17- العاني، دحام إسماعيل، موجز تاريخ العلم، ج 1، ط 1، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض، 2002م، ص21.
18- معجم أكاديميا للمصطلحات العلمية والتقنية، تحرير محمد دبس، أكاديميا إنترناشونال، بيروت، 1993م، ص 242.
19- تم صياغة كلمة Tribology للمرة الأولى عام 1966م، من الكلمة اليونانية Tribos وتعني «الفرك» أو «الحك»، وعليه فإن المعنى الحرفي للكلمة قد يكون (علم الفرك). انظر: Jost, P. 1966. Lubrication (Tribology) - A Report pn the present Position and Industry's Needs. Department of Education and Science, H.M. Stationary Office, London
20-Zumerchik, John, Macmillan encyclopedia of energy, Tribology, Gary C. Barber & Barbara Oakley, Macmillan Reference USA, an imprint of Gale Group, Vol. 3, 2001, p. 1164.
21- هي شبه جزيرة تقع في أقصى شرق روسيا بين بحر أوخوتسك في الغرب والمحيط الهادئ وبحر بيرنغ في الشرق.
انظر: en.wikipedia.org/wiki/Kamchatka Peninsula.
22- الصوفان touchwood, amadou punk: هو نبات عشبي من الفصيلة المركبة يظهر عليه زغب يشبه الصوف، وقد يكون إسفنجيًّا يُؤخَذ من فُطر الصوفان لتقدح به النار. عن معجم المورد، بعلبكي، ص41, 740، 980.
23- كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص8.
24- حسين، عبد الله، تاريخ ما قبل التاريخ دار كلمات القاهرة، 2012م، ص 175.
25- أينشتاين، ألبرت أفكار وآراء، ترجمة: رمسيس شحاتة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986م، ص 113.
|
|
للعاملين في الليل.. حيلة صحية تجنبكم خطر هذا النوع من العمل
|
|
|
|
|
"ناسا" تحتفي برائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|