ظاهرة الدعاء والمناجاة في حياة الإمام زين العابدين( عليه السّلام ) |
![]() ![]() |
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-4-2016
![]()
التاريخ: 2-4-2016
![]()
التاريخ: 2-4-2016
![]()
التاريخ: 25/10/2022
![]() |
قال تعالى : قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً[1].
قال السيد ابن طاووس رضوان اللّه تعالى عليه في مقام بيان ما تفيده الآية المباركة : فلم يجعل لهم لولا الدعاء محلّا ولا مقاما فقد صار مفهوم ذلك أنّ محل الإنسان ومنزلته عند اللّه جلّ جلاله على قدر دعائه وقيمته بقدر اهتمامه بمناجاته وندائه[2] .
وفي ضوء هذه الحقيقة القرآنية نجد أنّ الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) كان يدعو اللّه تعالى ويناجيه في كلّ آن وعلى كلّ حال ، مجسّدا فقره المطلق إلى اللّه جلّ جلاله ، وهو ما يستبطن قدر الإمام ومكانته باعتبار أنّ المقام عند اللّه تعالى على قدر دعائه ومناجاته أو على قدر إدراكه لفاقته وحاجته إلى اللّه عز وجلّ ، والعمل بما يقتضيه هذا الإدراك من انقطاع تامّ إلى اللّه تعالى والإعراض عن كلّ ما سواه .
ونقتطف هنا بعض النصوص الشريفة من أدعية ومناجاة الإمام ( عليه السّلام ) التي تبيّن ذروة حالات اليقين والغنى التي يمكن أن يصلها الإنسان إذا رسّخ في عقله وقلبه حقيقة ( أن لا مؤثّر في الوجود إلّا اللّه تعالى ) فلا يتعلّق قلبه بغيره سبحانه ، ولا يرجو شيئا من سواه تعالى ، ولا يحبّ شيئا غيره ويعمر أوقاته كلّها بذكره تعالى والعمل بطاعته :
قال ( عليه السّلام ) : « اللهمّ صلّ على محمّد وآله ، واجعل سلامة قلوبنا في ذكر عظمتك ، وفراغ أبداننا في شكر نعمتك ، وانطلاق ألسنتنا في وصف منّتك ، اللهمّ صلّ على محمّد وآله ، واجعلنا من دعاتك الداعين إليك ، وهداتك الدالّين عليك ، ومن خاصّتك الخاصّين لديك يا أرحم الرحمين »[3].
إنّه الانقطاع التامّ والكامل فكرا وذكرا وسلوكا وخلقا للّه جلّ جلاله .
وقال ( عليه السّلام ) مناجيا اللّه جلّ جلاله : « كيف أرجو غيرك والخير كله بيدك ؟ ! وكيف اؤمّل سواك والخلق والأمر لك ؟ ! أأقطع رجائي منك وقد أوليتني ما لم أسأله من فضلك أم تفقرني إلى مثلي وأنا اعتصم بحبلك ؟ ! يا من سعد برحمته القاصدون ، ولم يشق بنقمته المستغفرون ، كيف أنساك ولم تزل ذاكري ؟ ! وكيف ألهو عنك وأنت مراقبي ؟ ! »[4].
لقد انقطع ( عليه السّلام ) إلى اللّه عز وجلّ كأعظم ما يكون الانقطاع ، فلم يأمل في جميع أموره غيره معتقدا بأنّ الأمل بما في يد غيره سراب .
وناجى ربّه عز وجل بقوله ( عليه السّلام ) : « إلهي أذهلني عن إقامة شكرك تتابع طولك[5] ، وأعجزني عن إحصاء ثنائك فيض فضلك ، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف[6] عوائدك[7] ، وأعياني عن نشر عوارفك توالي أياديك .
إلهي تصاغر عند تعاظم آلائك شكري ، وتضاءل في جنب إكرامك إيّاي ثنائي ونشري[8].
جلّلتني[9] نعمك من أنوار الإيمان حللا ، وضربت عليّ لطائف برّك من العزّ كللا[10] ، وقلّدتني مننك قلائد لا تحلّ ، وطوّقتني أطواقا لا تفلّ[11] ، فآلاؤك جمّة ضعف لساني عن إحصائها ، ونعماؤك كثيرة قصر فهمي عن ادراكها فضلا عن استقصائها ، فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إيّاك يفتقر إلى شكر ؟ ! فكلّما قلت : لك الحمد وجب عليّ لذلك أن أقول : لك الحمد . . . »[12].
وهكذا يعلّمنا الإمام ( عليه السّلام ) كيف نشكر اللّه تعالى على ما أولانا من جزيل النعم ، وأنّ الانسان مهما بالغ في شكره فإنّه عاجز وقاصر عن أداء الشكر .
وقال ( عليه السّلام ) : « اللهمّ احملنا في سفن نجاتك ، ومتّعنا بلذيذ مناجاتك ، وأوردنا حياض حبّك ، وأذقنا حلاوة ودّك وقربك ، واجعل جهادنا فيك ، وهمّنا في طاعتك ، وأخلص نيّاتنا في معاملتك ، فإنّا بك ولك ولا وسيلة لنا إليك إلّا أنت . . . »[13].
وهكذا طلب ( عليه السّلام ) من اللّه تعالى أن يخلص نيّته في معاملته ويبلغه أعزّ أمانيه وهي ابتغاء رضوانه جلّ جلاله .
وقال ( عليه السّلام ) : « . . . إلهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك ، وسيّرنا في أقرب الطرق للوفود عليك ، قرّب علينا البعيد ، وسهّل علينا العسير الشديد ، وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار[14] إليك يسارعون ، وبابك على الدوام يطرقون ، وإيّاك في الليل والنهار يعبدون ، وهم من هيبتك مشفقون ، الذين صفّيت لهم المشارب ، وبلّغتهم الرغائب ، وأنجحت لهم المطالب ، وقضيت لهم من فضلك المآرب[15] ، وملأت لهم ضمائرهم من حبّك ، وروّيتهم من صافي شربك ، فبك إلى لذيذ مناجاتك وصلوا ، ومنك أقصى مقاصدهم حصّلوا .
فأنت لا غيرك مرادي ، ولك لا لسواك سهري وسهادي ، ولقاؤك قرّة عيني ، ووصلك منى نفسي ، وإليك شوقي ، وفي محبّتك ولهي[16] ، وإلى هواك صبابتي[17] ، ورضاك بغيتي ، ورؤيتك حاجتي ، وجوارك طلبي ، وقربك غاية سؤلي ، وفي مناجاتك روحي[18] وراحتي ، وعندك دواء علّتي ، وشفاء غلّتي[19] ، وبرد لوعتي[20] ، وكشف كربتي[21]. . . »[22] .
وهكذا انقطع ( عليه السّلام ) إلى اللّه جلّ جلاله ، وتعلّقت به روحه وعواطفه ، فلم يبصر غيره ، ولا يجد شافيا لغلّته سواه .
وقال ( عليه السّلام ) : « إلهي كسري لا يجبره إلّا لطفك وحنانك ، وفقري لا يغنيه إلّا عطفك وإحسانك ، وروعتي لا يسكّنها إلّا أمانك ، وذلّتي لا يعزّها إلّا سلطانك ، وامنيّتي لا يبلّغنيها إلّا فضلك ، وخلّتي[23] لا يسدّها إلّا طولك ، وحاجتي لا يقضيها غيرك ، وكربي لا يفرّجه سوى رحمتك ، وضرّي لا يكشفه غير رأفتك ، وغلّتي لا يبرّدها إلّا وصلك ، ولوعتي لا يطفيها إلّا لقاؤك ، وشوقي إليك لا يبله إلّا النظر إلى وجهك ، وقراري لا يقرّدون دنوّي منك »[24].
لقد أبدى الإمام ( عليه السّلام ) فقره وفاقته إلى اللّه سبحانه ، وقد هام ( عليه السّلام ) بحبّ سيّده ومولاه خالق الكون وواهب الحياة ، فعقد جميع آماله عليه ورجاه في قضاء جميع أموره كأعظم ما يكون الرجاء.
[1] الفرقان ( 25 ) : 77 .
[2] فلاح السائل للسيد ابن طاووس : 26 ، طبعة مكتب الإعلام الإسلامي للحوزة العلمية في قم المقدسة .
[3] الدعاء الخامس من الصحيفة الكاملة .
[4] مناجاة الراجين .
[5] طولك : فضلك
[6] ترادف : تتابع .
[7] عوائدك : جمع عائدة وهي المعروف والمنفعة .
[8] نشري : يعني هنا بسط الحديث بالمدح .
[9] جلّلتني : غطّتني ، وغمرتني .
[10] كللا : كلل جمع الكلّة وهي بيت أو خيمة رقيقة تضرب للمبيت تمنع من الذباب والبعوض وإنّما ذلك لأرباب النعمة .
[11] لا تفلّ : لا تثلم .
[12] مناجاة الشاكرين .
[13] مناجاة المطيعين .
[14] البدار : السباق .
[15] المآرب : جمع مآرب ومأربة أي الحاجة .
[16] ولهي : تحيّري من شدّة الوجد .
[17] صبابتي : شوقي .
[18] الروح : الفرح والراحة .
[19] غلّتي : عطشي الشديد .
[20] لوعتي : حرقة حزني وهواي ووجدي .
[21] كربتي : همّي وغمي .
[22] مناجاة المريدين .
[23] خلّتي : حاجتي وفقري .
[24] مناجاة المفتقرين .
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
سماحة السيد الصافي يؤكد ضرورة تعريف المجتمعات بأهمية مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية
|
|
|