أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-2-2017
![]()
التاريخ: 21-2-2021
![]()
التاريخ: 6-11-2016
![]()
التاريخ: 2023-12-25
![]() |
مناطق سكنى أهل الكتاب :
وبعد ، فإن النصارى لم يتوغلوا في قلب الجزيرة العربية ، بل كانوا يسكنون على أطرافها : الحيرة ، وبلاد الشام ، وكانت بعض القبائل العربية تدين بالنصرانية ، دون أن يلتزموا بطقوسها الدينية إلا بصورة ضعيفة كما سنرى.
أما اليهود ، فقد كانوا أولا هم حكام يثرب ، بعد أن قدموها من بلاد فلسطين ، فرارا من الاضطهاد الذي حاق بهم ، ثم قدمها الأوس والخزرج القحطانيون من اليمن ، وتغلبوا عليها ، وحصروا اليهود ـ وهم ثلاث قبائل : بنو النضير ، وقينقاع ، وقريظة ـ في مناطق معينة في المدينة وأطرافها ، وكانوا يسكنون فدكا وتيماء أيضا.
ويذكر هيكل : أنه كان يحظر على اليهود والنصارى سكنى مكة ، إلا أن يكون أجيرا ، لا يتحدث بشيء من أمر دينه ومن أمر كتابه ، ثم يستثني في موضع آخر : العبيد منهم (١).
ولكننا نجد : أنه كان يسكنها المتنصرة من العرب كورقة بن نوفل وأضرابه ، وعلى كل حال ، فإن هذا الأمر لا يهمنا تحقيقه كثيرا.
أهل الكتاب وهيمنتهم العلمية على العرب :
وما يهمنا هنا : هو الإشارة إلى أن العرب كانوا ينظرون إلى أهل الكتاب نظر التلميذ إلى معلمه ، ويعتبرونهم مصدر الثقافة والمعرفة لهم ، حتى إننا لنجد في التاريخ :
أن العربي كان إذا أراد الإسلام يستشير حبرا ، أو راهبا في ذلك ، بل نجد قبيلة بكاملها تذهب إلى يهود فدك وتسألهم عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، بعد أن عرض دعوته عليهم (٢).
كما ويعرض الإسلام على كندة ؛ فيأبونه ؛ فيستدل بعضهم على صدق هذا النبي بأن اليهود قد قالوا :
إنه سوف يظهر نبي من الحرم قد أظل زمانه (٣).
وإسلام أهل المدينة كان في مبدئه مستندا إلى نظير هذه الحجة ، كما أشرنا ، وسنشير إليه ، إن شاء الله تعالى (4).
وعن ابن عباس ، قال : «كان هذا الحي من الأنصار ـ وهم أهل وثن ـ مع هذا الحي من اليهود ، وهم أهل كتاب ، فكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم» (5).
وقد أسلم وفد أهل الحيرة ، وكعب بن عدي ، فلما توفي «صلى الله عليه وآله» ارتابوا ؛ فثبت كعب على الإسلام ، قال : ثم خرجت أريد المدينة ، فمررت براهب كنا لا نقطع أمرا دونه (6) ، إلى آخر كلامه ، الذي ذكر فيه حصول اليقين له ، بسبب كلام الراهب.
وليلاحظ بدقة قوله : «كنا لا نقطع أمرا دونه»!
وأيضا ، فقد تقدم في الفصل الأول من هذا الجزء وسيأتي (7) :
أن أبا سفيان قد سأل كعب بن الأشرف عن : أن أي الدينين أرضى لله تعالى ، دينه أم دين محمد؟!
وقالت قريش لبعض يهود بني النضير ، وهم : سلام بن أبي الحقيق وحييّ بن أخطب وكنانة بن الربيع ، حين ذهبوا إلى مكة ليحرضوا الأحزاب على حرب المسلمين ، قالت لهم قريش :
«يا معشر اليهود ، إنكم أهل الكتاب الأول ، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ؛ أفديننا خير أم دينه؟
قالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق منه.
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ، ونشطوا لما دعوهم إليه الخ ..» (8).
ونحن وإن كنا نعلم أن زعماء قريش كانوا يعلمون الحق ، ولكنهم كانوا يكتمونه عنادا واستكبارا لقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)(9).
ولكن الذي يلفت نظرنا : هو هذا الاستغلال لنفوذ اليهود ، وهيمنتهم العلمية ، واعتبارهم مصدرا للمعارف الدينية.
وبالمناسبة فإن التاريخ يعيد نفسه ، فإن نظرة المسلمين إلى الأوروبيين الآن تشبه تماما ما كانت عليه في الجاهلية.
وأخيرا ، فقد قال الحلبي وابن هشام : «لا يخفى : أن كفار قريش بعثوا النضر بن الحرث ، وعقبة بن أبي معيط ، إلى أحبار اليهود بالمدينة ، وقالوا لهما :
إسألاهم عن محمد ، وصفا لهم صفته ، وأخبراهم بقوله ؛ فإنهم أهل الكتاب الأول» (10) ثم ذكر ما جرى بينهم وبين اليهود ، ثم ما جرى لهم مع النبي «صلى الله عليه وآله» في مكة.
والخلاصة : أن إخبارات أهل الكتاب تلك قد غرست في ذهن العربي أن نبيا سوف يخرج من منطقته ، مما سهل عليه قبول دعوته «صلى الله عليه وآله» ، والإذعان للحق الذي جاء به ؛ لأن الناس ـ باستثناء أصحاب المطامح والأهواء ، والطواغيت منهم ـ لصفاء وسلامة طباعهم ، وكونهم أقرب إلى الفطرة ، وعدم تلوث فكرهم بالشبهات والفلسفات المعقدة كانوا يتقبلون الحق ، ويذعنون له ، وقبليتهم وعاداتهم إنما كانت تمنع فقط من انقياد بعضهم لبعض ، بسبب غلظتهم ، وانفتهم ، وبعد هممهم ، ولكن لم يكن ذلك يمنعهم من قبول الحق ، والإذعان لإرادة السماء (11).
__________________
(١) راجع : حياة محمد ، لمحمد حسنين هيكل ص ٦٥ و ٦٦.
(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٣ ص ١٤٥ ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ١٠٢.
(٣) دلائل النبوة لأبي نعيم ص ١٠٣.
(4) سيأتي ذلك في الجزء الرابع في فصل : حتى بيعة العقبة حين الكلام حول دخول الإسلام إلى المدينة.
(5) الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص ١٠٩ عن أبي داود وقال : وانظر تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٦١.
(6) الإصابة ج ٣ ص ٢٩٨ عن البغوي ، وابن شاهين ، وابن السكن ، وابن يونس في تاريخ مصر ، وأبي نعيم.
(7) سيأتي ذلك في فصل : غدر اليهود ، والاغتيالات عن البداية والنهاية ج ٤ ص ٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١١.
(8) سيرة ابن هشام ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦. وستأتي بقية المصادر في غزوة الخندق.
(9) الآية ١٤ من سورة النمل.
(10) السيرة الحلبية ج ١ ص ٣١٠ ، وسيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٢١.
(11) راجع : البيان والتبيين للجاحظ ج ٣ ص ١٢٧.
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
سماحة السيد الصافي يؤكد ضرورة تعريف المجتمعات بأهمية مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية
|
|
|