كلام العلماء والمورّخين حول ابن تيميّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص145-151
2025-12-16
16
يقول العالم الجليل آية الله السيّد محسن الأمين العامليّ: أنّ الوهّابيّة ومؤسّس دعوتهم محمّد بن عبد الوَهَّاب، وباذر بذورها أحْمد ابن تيميَّة، وتلميذه ابن القَيِّمِ الْجَوْزيّ، وأتباعهم ادّعوا أنهم موحّدون، وأنهم باعتقاداتهم التي خالفوا بها المسلمين حموا جناب التوحيد عن أن يتطرّق إليه شيء من الشرك. وادّعى الوهّابيّون أنهم هم الموحّدون وغيرهم من جميع المسلمين مشركون.
ولكنّ الحقيقة أنّ ابْنَ تَيْميَّة، وابْنَ عَبْدِ الْوَهَّابْ وأتباعهما قد أباحوا حمى التوحيد؛ وهتكوا ستوره، وخرقوا حجابه؛ ونسبوا إلى الله تعالى ما لا يليق بقدس جلاله، تقدّس وتعالى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوَّاً كَبِيراً.
فأثبتوا لله تعالى من جهة الفوق والاستواء على العرش الذي هو فوق السماوات والأرض؛ والنزول إلى سماء الدنيا، وا لمجيء، وا لقرب، وغير ذلك بمعانيها الحقيقيّة.
وأثبتوا له تعالى الوجه، واليدين: اليد اليمني، واليد الشمال والأصابع، والكفّ، والعينين، كلّها بمعانيها الحقيقيّة من دون تأويل معانيها وهو تجسيم صريح.
وحملوا ألفاظ الصفات على معانيها الحقيقيّة، فأثبتوا لله تعالى المحبّة، والرحمة، والرضا، والغضب، وغير ذلك بمعانيها الحقيقيّة من غير تأويل، وأنه تعالى يتكلّم بحرف، وصوت، فجعلوا الله تعالى محلّا للحوادث، وهو يستلزم الحدوث.
أمّا ابْنُ تيْميَّة فقال بالجهة، والتجسيم والاستواء على العرش حقيقة والتكلّم بحرف وصوت.
وهو أوّل من زقا بهذا القول، وصنّف فيه رسائل مستقلّة، مثل رسالة «العقيدة الحَمَويَّة»، ورسالة «العقيدة الوَاسِطِيَّة»، وغيرهما. واقتفاه في ذلك تلميذاه: ابْنُ الْقَيِّمِ الْجَوْزِيّ، وابْنُ عَبْدِ الْهَادِي، وأتباعهم.
ولذلك حكم علماء عصره بضلاله وكفره؛ وألزموا السلطان بقتله، أو حبسه؛ فاخذ إلى مصر، ونوظر فحكموا بحبسه، فحبس. وذهبت نفسه محبوساً بعد ما أظهر التوبة ثمّ نكث. ونحن ننقل ما حكوه عنه في ذلك وما قالوه في حقّه، لتعلم ما هي قيمة ابن تيميّة عند العلماء: قال أحْمَدُ بْنُ حَجَرِ الْهَيْتَمِيّ الْمَكِّيّ الشَّافِعِيّ صاحب كتاب «الصَواعِقُ الْمُحْرِقة» في كتابه «الْجَوْهَرُ الْمُنَظَّمُ في زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُكَرَّمِ»: أنّ ابن تيميّة تجاوز إلى الجناب المقدّس؛ وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامّة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم، إلخ.
وقال ابْنُ حَجَر أيضاً في كتاب «الدُّرَرُ الْكَامِنَة» على ما حكى: أنّ الناس افترقت في ابن تيميّة، فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكره في «العقيدة الحمويّة»، و«العقيدة الواسطيّة» وغيرهما. من ذلك بقوله: أنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله، وإنّه مستو على العرش بذاته.
فقيل له: يلزم بذلك التحيّز والانقسام. فقال: أنا لا أسلم أنّ التحيّز والانقسام من خواصّ الأجسام. فالزم بأنه يقول بالتحيّز في ذات الله.
ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله: أنّ النَّبِيّ لَا يُسْتَغَاثُ بِهِ وانّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وكان أشدّ الناس عليه في ذلك النُّورُ البكْرِيّ؛ فإنّه لمّا عقد له المجلس لمحاكمته بسبب ذلك، قال بعض الحاضرين: يعزّر. فقال البكريّ: لا معنى لهذا القول، فإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها؛ وإنّما قاتل للرئاسة، لا للديانة؛ وإنّه كان يحبّ الرئاسة، وأنّ عثمان كان يحبّ المال.
ولقوله: أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول، وعلى أسلم صبيّاً، والصبي لا يصحّ إسلامه على قول.
ولكلامه في قصّة خطبة بنت أبي جهل وما نسبه من الثناء على قصّة أبي العاص بن الربيع، وما يؤخذ من مفهومها فإنّه شنّع في عليّ بن أبي طالب، فألزموه بالنفاق لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لَا يُبْغِضُكَ إلَّا مُنَافِقٌ".
ونسبه قوم إلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى؛ فإنّه كان يلهج بذكر ابنِ تُومَرْتْ[1] ويطريه. وكان ذلك مولّداً لطول سجنه. وله وقائع شهيرة.
وكان إذا حوقق والزم، يقول: لم أرد هذا، إنّما أردت كذا فيذكر احتمالًا بعيداً. «انتهى كلام ابن حَجَر في كتاب «الدُّرر الكامنة».
وعن «مُنْتَهَى الْمَقَالِ في شَرْحِ حَدِيثِ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ» للمفتي صدر الدين أنه قال فيه: قال الشيخ الإمام الحبر الهمام سند المحدّثين الشيخ محمّد البُرلُسيّ في كتاب «إتْحَافُ أهْلِ الْعِرْفَانِ بِرُؤيَةِ الأنْبِياءِ والْمَلَائِكَةِ والْجَانِّ»: وقد تجاسر ابن تيمّية عامله الله بعدله وذكر تحريمه للسفر إلى زيارة قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أن قال:
حتى تجاوز الجناب الأقدس المستحقّ لكلّ كمال أنفس، وخرق سياج الكبرياء والجلال، وحاول إثبات ما ينأي العظمة والكمال بادّعائه الجهة والتجسيم، ونسبة من لم يعتقدهما إلى الضلالة والتأثيم. وأظهر هذا الأمر على المنابر، وشاع وذاع ذكره بين الأكابر والأصاغر.
وعن صاحب كتاب «أشْرَفُ الْوَسَائِلِ إلى فَهْمِ الشَّمَائِلِ» أنه قال في بيان إرخاء العمامة بين الكتفين: قال ابْنُ الْقَيِّمِ الْجَوْزِيّ عن شيخه ابْنِ تيْميَّة إنّه ذكر شيئاً بديعاً، وهو أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا رأي ربّه واضعاً يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة. قال العراقيّ: ولم نجد لذلك أصلًا. أقول: بل هذا من قبيل رأيهما وضلالهما إذ هو مبنيّ على ما ذهبا إليه وأطالا في الاستدلال له، والحطّ على أهل السنّة في نفيهم له، وهو إثبات الجهة والجسميّة لله، تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ والْجَاحِدُونَ عُلُوَّاً كَبِيراً.
ولهما (ابن تيميّة، وابن الجوزيّ) في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما يصمّ عنه الآذان ويقضي عليه بالزور والكذب والضلال والبهتان، قبّحهما الله، وقبّح من قال بقولهما.
والإمام أحمد بنُ حَنْبَل وأجلّاء مذهبه مبرّءون عن هذه الوصمة القبيحة، كيف وهي كفر عند كثيرين. انتهى كلام صاحب «أشرف الوسائل».
وعن الْمَوْلَوِيّ عَبْدِ الْحَلِيمِ الْهِنْدِيّ في كتاب «حَلُّ الْمَعَاقِدِ» في حاشية «شَرْح الْعَقَائِد»: كان ابن تيميّة حنبليّاً، لكنّه تجاوز الحدّ، وحاول إثبات ما ينأي عظمة الحقّ؛ فأثبت له الجهة والجسم؛ وله هفوات اخر؛ إلى أن يقول:
وانعقد مجلس في قلعة الجبل، وحضر العلماء الاعلام والفقهاء العظام. ورئيسهم قاضي القضاة زَيْنُ الدِّينِ المالِكِيّ؛ وحضر ابن تيميّة.
فبعد القيل والقال، بهت ابن تيميّة. وحكم قاضي القضاة بحبسه سنة 705.
ثمّ نودى بدمشق وغيرها: من كان على عقيدة ابن تيميّة، حلّ ماله ودمه.
كذا في «مرآة الجنان» للإمام أبي محمّد عبد الله اليافعيّ، ثمّ تاب وتخلّص من السجن سنة 707 وقال: إنّي أشعريّ، ثمّ نكث عهده، وأظهر مرموزه، فحبس حبساً شديداً، ثمّ تاب وتخلّص من السجن، وأقام في الشام، وله هناك واقعات كتبت في كتب التاريخ.
وردّ أقاويله وبيّن أحواله الشيخ ابن حجر في المجلّد الأوّل من «الدُّرر الكامنة»، والذهبيّ في تأريخه، وغيرهما من المحقّقين.
وحاصل المرام أنّ ابن تيميّة لمّا كان قائلًا بكونه تعالى جسماً، قال بأنه ذو مكان، فإنّ كلّ جسم لا بدّ له من مكان على ما ثبت. ولمّا ورد في الفرقان الحميد: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}، قال: أنّ العرش مكانه.
ولمّا كان الواجب أزليّاً عنده، وأجزاء العالم حوادث عنده، اضطرّ إلى القول بأزليّة جنس العرش وقدمه وتعاقب أشخاصه الغير المتناهيّة. فمطلق التمكّن له تعالى أزليّ، والتمكّنات المخصوصة حوادث عنده، كما ذهب المتكلّمون إلى حدوث التعلّقات.
[1] ابن تومَرْتْ ممّن ادّعى المهدويّة في المغرب، أي: في مناطق شمال إفريقيا في أواخر القرن الخامس، وأوائل القرن السادس الهجريّ؛ وعظم أمره؛ والتفّ حوله أنصار كثيرون، فنهض بهم؛ وأسّس دولة الموحّدين؛ وقد عرفوا بعده بالسلسلة المؤمنيّة الكوميّة.
جاء في «معجم دهخدا»[فارسيّ]: ابن تُومَرْتْ: أبو عبد الله، محمّد بن عبد الله بن تومرت المعروف بالمهديّ الهرغيّ. وسمّاه ابن خلدون أمغار، وهي في لغة البربر: الرئيس.
مولده بين سنة 470 و480 هـ في قرية من جبل سُوس الاقْصى بالمغرب. سافر إلى المشرق أيّام شبابه. وتعلّم هناك العلوم الدينيّة. ويقول ابن خلّكان: أدرك حديث أبي حامد الغزاليّ أيضاً. ثمّ رجع إلى المغرب؛ وكان مذهب التجسيم شائعاً في المغرب آنذاك؛ وأهلها جامدون متعصّبون. وقد أحرقوا ذات مرّة كتب الغزاليّ. ادّعى ابْنُ تُومَرْتْ المهدويّة هناك.
و قام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ألحق نسبه بالإمام علي بن أبي طالب. وكان أحد أنصاره يعرف بعبد المؤمن بن على. بثّ دعوته من بعده؛ وقويت دعوتهم. وفي سنة 517 هـ أشخص ابن تومرت عبد المؤمن إلى حرب المُرابِطين، فاندحر. بَيدَ أنه صلب عوده مرّة ثانية بسبب ضعف المرابطين، إلى أن مات ابن تُومَرْت سنة 522 أو 524 (قبره في مدينة يتنملّ) وخلفه عبد المؤمن بناءً على وصيّته، فصار رأس سلسلة الموحّدين (الجزء الاوّل، ص 297، مادّة ابن تومرت). وذكر الزرْكُلِيّ في «الاعلام» معلومات نوجزها كما يلي: الْمَهْدِيّ ابْنُ تُومَرْتْ 485- 524 ه/ 1092- 1130 م: محمّد بن عبد الله بن تُومرت المصموديّ البَربَريّ أبو عبد الله المتلقّب بالمهديّ.
ويقال له: مَهْدِيّ الْمُوَحِّدين؛ وهو صاحب دعوة السلطان عبد المؤمن بن عليّ ملك المغرب، وواضع اسس الدولة المؤمنيّة الكوميّة. وهو من قبيلة «هَرْغَه»، من «المصامدة»، من قبائل جبل السوس بالمغرب الاقصى. وتنتسب هَرْغَه إلى الحسن بن على. وفي نسب ابن تومرت أقوال يأتى ذكرها في هامش هذه الترجمة. رحل إلى المشرق، فانتهى إلى العراق، وحجّ، وأقام بمكّة زمناً، ثمّ خرج منها إلى مصر، فطردته حكومتها، فعاد إلى المغرب. وجمع حوله الانصار، وحضر مجلس على بن يوسف بن تاشفين (و كان ملكاً حليماً). فأنكر عليه ابن تومرت بدعاً ومنكرات، ثمّ خرج من حضرته، ونزل بموضع حصين من جبال تِيْنَملَّلْ. فجعل يعظ سكّانه حتى أقبلوا عليه. فحرّضهم على عصيان «ابن تاشفين» فقتلوا جنوداً له وتحصّنوا. وقوي بهم أمر ابن تومرت، وتلقّب بالمَهْدِيّ القائم بأمر الله. وعاجلته الوفاة قبل أن يفتح مراكش. ولكنّه قرّر القواعد ومهدّها: فكانت الفتوحات بعد ذلك على يد صاحبه عبد المؤمن، وصار سلطان المغرب. يقول السلاويّ: إنّه زاد في أذان الصبح: «اصْبِحُ ولله الْحَمْدُ»- «الاعلام» للزركليّ، ج 7، ص 104- 105.
الاكثر قراءة في شبهات وردود
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة