أهمية دراسة الجمهور الإذاعي المستهدف
المؤلف:
د. حسن عماد مكاوي د. عادل عبد الغفار
المصدر:
الإذاعة في القرن الحادي والعشرين
الجزء والصفحة:
ص 59- 62
2025-12-16
24
أهمية دراسة الجمهور الإذاعي المستهدف:
يتطلب إنتاج البرنامج الإذاعي الناجح دراسة الجمهور بشكل مستفيض، فمن خلال تحديد فئات الجمهور المستهدف من الجوانب الديموغرافية والسيكوجرافية، ومعرفة اتجاهات هذا الجمهور، يستطيع منتج البرنامج استخدام أفضل الأساليب الممكنة للتأثير على الأفكار والاتجاهات والسلوك، ولابد أن يؤخذ في الاعتبار التعرف الواقعي على طبيعة المستمع الذي تستهدفه الرسالة الإعلامية ودراسة هذا المستمع دراسة واقعية تتيح إنتاج برامج تحقق المتعة والفائدة معا.
وإذا كان البرنامج يعالج مشكلة اجتماعية فلابد من تحديد الجماعات المعنية بهذه المشكلة على وجه الدقة، فمثلا إذا كان البرنامج يتعامل مع "السيدة الحامل" فإن كل النساء في سن الحمل يصبحن جمهورًاً محتملاً لهذا البرنامج، في حين يكون الرجال والنساء من كبار السن جمهورًا ثانوياً محتملاً لهذا البرنامج. وإذا كان البرنامج يتعامل مع أحد الأمراض التي تصيب المحاصيل، يكون المزارعون الذين يزرعون هذا المحصول هم الجمهور الأساسي ويكون باقي المزارعين من الجماهير الثانوية المحتملة.
والمقصود هو أن يتم إعداد البرنامج الإذاعي المناسب تماما للجمهور الحقيقي المستهدف، وبالتالي يراعى عند تخطيط البرامج الإذاعية تحديد الجماهير الأساسية المستهدفة، والجماهير الفرعية المحتملة.
وكانت دراسة جمهور وسائل الاتصال الجماهيرية قد مرت بتطورات عديدة طوال القرن العشرين، فخلال النصف الأول من القرن العشرين كان هناك اعتقاد راسخ بأن وسائل الإعلام الجماهيرية قادرة على تكوين الرأي العام، وحمل الجماهير على تغيير ارائها إلى أي وجهة نظر يرغب القائم بالاتصال في نقلها، والفكرة الأساسية التي اعتقد عليها هذا الاعتقاد هي أن الرسائل الإعلامية تصل إلى جميع أفراد المجتمع بطريقة متشابهة، وأن الاستجابات الفورية والمباشرة تأتى نتيجة التعرض لهذه المؤثرات (الرسائل) فالجماهير عبارة عن ذرات منفصلة من ملايين القراء والمستمعين والمشاهدين، وهذه الجماهير مهيأة دائما لاستقبال الرسائل وتمثل كل رسالة منبها قويا ومباشرا يدفع المتلقي للاستجابة بالشكل الذي يحقق هدف القائم بالاتصال، وفى هذا الإطار ظهر ما يعرف بنظرية الآثار الموحدة Uniform Effects أو نظرية الرصاصة السحرية Magic Bullet التي تقوم على افتراضين
1- إن الناس يستقبلون رسائل وسائل الإعلام بشكل مباشر وليس من خلال وسائط أخرى.
2- إن ردود الأفعال بشأن رسائل الاتصال الجماهيرية تتم بشكل فردي، ولا تضع في الاعتبار التأثير المحتمل لأشخاص آخرين.
ونتيجة الاهتمام المتزايد بالبحوث الإمبيريقية على جمهور وسائل الإعلام، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية تم إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين وسائل الإعلام والأفراد وبالتالي تم رفض فكرة أن الناس يواجهون وسائل الإعلام باعتبارهم جمهورا لا رابط بين أفراده، وظهر تصور جديد بأن جمهور وسائل الإعلام عبارة عن كائنات اجتماعية مرتبطة ببيئاتها الاجتماعية.
كذلك ظهرت مداخل عديدة لدراسة جمهور وسائل الإعلام مثل مدخل الفروق الفردية الذي يرى أن البنية النفسية أو الإدراكية لأفراد الجمهور، هي مفاتيح اهتماماتهم بوسائل الإعلام، ويتحكم في ذلك مبدأ الانتقائية Selectivity الذي يشير إلى أن استخدام وسائل الإعلام يخضع للاعتبارات الفردية، وسمات الشخصية، وبنيتها النفسية.
كذلك ظهر مبدأ تقسيم الجمهور إلى فئات اجتماعية Social Categories مثل الطبقة الاجتماعية والانتماء الديني والهوية الطائفية، ومحل الإقامة، ومستوى التعليم والمهنة، والظروف الاقتصادية، وفى هذا الإطار ظهرت نظرية الاستخدامات والاشباعات التي تذهب إلى أن أعضاء الجمهور مشاركون فعالون في عملية الاتصال، ويستخدمون وسائل الاتصال لتحقيق أهداف مقصودة تلبى توقعاتهم، وأن الجمهور ليس متلقيا سلبيا أمام قوة الرسالة وتأثيرها الفعال وإنما هو جمهور "عنيد" يبحث دائما عن المحتوى الذي يريد التعرض إليه، ويتحكم في اختيار الرسائل التي تقدم هذا المحتوى
وظهر أيضا مدخل "العلاقات الاجتماعية" Social Relationship والذي أشار إلى أن جماعات الأهل والأصدقاء والمعارف والعلاقات الاجتماعية المختلفة قد تساعد على قبول أو رفض الأفكار التي تبثها وسائل الإعلام، وفى هذا الإطار ظهرت نظرية "تدفق الاتصال على مرحلتين"، ونظرية انتشار الأفكار المستحدثة. وفى إطار اكتشاف نظرية تدفق الاتصال على مرحلتين Stop - Flow of Communication ظهر الاهتمام بمفهوم "قادة الرأي" Opinion Leaders باعتبارهم الأشخاص القابلين للاستجابة بسهولة لمحتوى وسائل الإعلام، ولديهم تأثير كبير على أقرانهم في المجتمعات المحلية، ولديهم القدرة على نشر وتبني الأفكار الجديدة، فهم بمثابة قنوات إذاعية صغيرة متنقلة يعيدون نقل ما سمعوه عبر الراديو لأصدقائهم وجيرانهم، ويستطيعون إقناع الآخرين بأرائهم بشكل أفضل من وسائل الإعلام الجماهيرية.
ويعد التعرف على قادة الرأي أحد المهام الأساسية لمعدي البرامج الإذاعية، وخاصة البرامج التنموية، ويستطيع القائم بالاتصال في الإذاعات تصميم برامج موجهة لهؤلاء القادة تستهدف:
1- تحفيز قادة الرأي على إثارة الأفكار التي تطرحها البرامج الإذاعية باعتبار أن ذلك يحقق فائدة للمجتمع، ويتيح مكانة مرموقة لقادة الرأي بين أقرانهم عند إثارة الموضوع على المستوى المحلى.
2 - تقديم الحقائق ووجهات النظر التي تدعم أفكار البرنامج، والمعلومات والدراسات التي تساعد قادة الرأي على إقناع الآخرين بأهداف البرنامج.
وبالإضافة إلى أهمية التعرف على خصائص ومكونات جمهور المستمعين من الجوانب الديموغرافية والسيكوغرافية، تبرز الحاجة أيضا إلى تحليل اتجاهات ونزعات الجمهور حيال القضايا الأساسية التي تهم المجتمع، ومدى إدراك الجمهور لهذه القضايا. فعلى سبيل المثال هل يبحث البرنامج الإذاعي عن المستمع الذي ليس لديه دراسة عن القضايا المطروحة، أو لديه معرفة محدودة عن جوانب الموضوع؟ هل يبحث البرنامج عن المستمع المؤيد لأفكار البرنامج حتى يزداد يقينا؟ أو المستمع المعارض حتى يتغير اتجاهه نحو التأييد؟
ومن الموضوعات التي تصلح لهذا القياس قضية مثل "تنظيم الأسرة"، حيث إنها من القضايا الجدلية التي تختلف حولها وجهات النظر، فإذا كان تخطيط برنامج تنظيم الأسرة يستهدف مستمعًا لا يعرف جوانب الموضوع، أو لديه معلومات قليلة بشأنه، فإن الهدف من مثل هذا البرنامج يكون تحفيز المستمع على التعرف على طبيعة تنظيم الأسرة، وأهميته، وأسسه، ويكون من قبيل تضييع الوقت أن يخوض البرنامج في موضوعات وسائل تحديد النسل في هذه المرحلة ذلك أن المستمع لم يصل بعد إلى مرحلة اعتناق الفكرة أساسا، فالمهم أولا الإيمان بالفكرة، وإدراك طبيعة المشكلة، ثم يأتي بعد ذلك طرق وأساليب المعالجة، فالخطوة الأولى يجب أن تكون خلق الحافز لدى المستمع في الاقتناع بالفكرة وتبنيها.
وبعد تحديد المستمع الذي ينبغي الوصول إليه، والفترة المناسبة لاستقباله للرسالة ومعرفة جوانب الاتفاق والاختلاف لدى المستمع مع الأفكار التي يطرحها البرنامج، يتم إقرار أساليب الإقناع المناسبة التي تتضمنها الرسالة الإعلامية.
الاكثر قراءة في الاذاعة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة