إجراءات التحقيق البرلماني في النظام الدستوري البريطاني
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص 113-117
2025-12-16
42
تعد بريطانيا من أقدم الدول التي عرفت لجان التحقيق البرلمانية ، فقد قام البرلمان البريطاني في سنة 1689 بتشكيل أول لجنة تحقيقية لمراقبة أجهزة الحكومة ، وكذلك تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على سلبيات أدارة الحرب مع ايرلندا(1). ومنذ ذلك التاريخ أصبح تشكيل اللجان التحقيقية أمرا معتاد كوسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية التي يملكها اعضاء البرلمان بمجلسيه تجاه الحكومة ، وإن كانت في مجلس العموم تمارس بشكل أكثر فاعلية من مجلس اللوردات عن طريق اللجان المختارة (Select Committees) . أو تمارس من قبل المجلسين معا عن طريق ما يسمى باللجان المشتركة Joint Select Committees (2). والتحقيق في بريطانيا يخضع لمجموعة من الإجراءات وفقا للأعراف الدستورية التي استقر عليها العمل في البرلمان البريطاني وهي كما يلي :-
أولا : الشروط المطلوبة في طلب التحقيق البرلماني :- يشترط في الطلب المقدم لأجراء التحقيق البرلماني توافر نوعين من الشروط ؛ وهما : شروط موضوعية واخرى شروط الشكلية .
1- الشروط الموضوعية : وتتمثل تلك الشروط بما يأتي :-
أ- يجب إن يكون الموضوع المطلوب التحقيق فيه مما يدخل في اختصاص البرلمان :- حيث إن من أهم شروط الطلب المقدم لتشكيل لجان تحقيقية برلمانية إن يكون الموضوع متعلقا بالشؤون التي تدخل في اختصاص البرلمان الرقابي ، حيث إن هناك موضوعات لا يمكن إن تكون محلاً لأي تحقيق برلماني ومن بين تلك الموضوعات ، الاختصاصات التي يمارسها الملك منفرداً عن الحكومة . وكذلك فإن التقاليد البرلمانية تخرج أعمال السلطة القضائية واختصاصاتها عن نطاق أعمال الرقابة البرلمانية بما فيها حق التحقيق البرلماني استنادا لمبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ استقلال القضاء. حيث لا يجوز إن يجري تحقيقا برلمانيا في ذات المسائل التي تتناولها سلطة التحقيق ، أو التي تكون محلا لنزاع معروض على المحاكم(3).
ب - يجب إن لا ينطوي طلب التحقيق على موضوع مخالف للأعراف الدستورية أو فيه مخالفة لمصلحة الدولة العليا وإن لا يتضمن مساسا بحقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية .
2- الشروط الشكلية : وهذه الشروط تتمثل بما يأتي :-
أ- يجب إن يكون الطلب مكتوبا ومقدما من قبل الجهات المحددة :- لكي يكون واضحا ويفهم الغرض منه يجب إن يكون الطلب مكتوبا وإن يقدم من قبل الجهات المحددة وهذا الشرط يوضح جدية الطلب بأجراء التحقيق ، حيث يتم تشكيل لجان التحقيق بناء على اقتراح يقدم من قبل احد اعضاء البرلمان وهذا ما نصت عليه المادة (1/121) من النظام الداخلي لمجلس العموم(4).
ب- إن يتضمن الطلب على وجه التحديد الموضوع المراد التحقيق فيه :- من الشروط الموضوعية لطلب التحقيق وجوب إن يحدد العضو موضوع التحقيق تحديدا دقيقا والأسباب التي يستند أليها في تقديم الطلب مع تقديم الادلة والبيانات والوثائق التي تدعمها واسماء الاعضاء المقترح اختيارهم ، وقد سار العرف على إن يكون تشكيل اللجان التحقيقية متفقا مع الشكل الحزبي في مجلس العموم(5).
ثانيا- قبول الطلب وتبليغه إلى الشخص الموجه اليه :- فاذا توافرت في الطلب المقدم من قبل اعضاء البرلمان الشروط المذكورة آنفا ، فيقوم رئيس مجلس العموم باتخاذ اللازم بشأن تبليغه الى الوزير الاول أو الوزير المختص حسب الاحوال ، والأصل إن يمارس البرلمان بكامل هيئته أجراء التحقيق ولكن هذا الامر غير شائع ونادر والسبب في ذلك هو كثرة عدد أعضائه وتباين اتجاهاتهم السياسية ، فضلا عن كون التحقيق قد يتطلب مدة طويلة مما قد يؤدي الى تعطيل المجلس عن القيام بوظائفه الاخرى طيلة هذه المدة ، لذلك فإن العادة جرت على قيامه بتشكيل لجنة من بين أعضائه لتتولى ذلك التحقيق لان ذلك أجدى ويحقق الفاعلية والسرعة(6). وهذه اللجنة أما إن تكون لجنة مؤقتة تشكل خصيصا لهذا الغرض أو قد تكلف بذلك لجنة من لجانه الدائمة مثال ذلك التحقيق الذي قامت به لجنة الحسابات العامة في مجلس العموم حول ادارة هيئة الاعلام البريطانية (BBC) لمبادرة الاعلام الرقمي(DMI) في الدورة (2013-2014)(7). علما إن لجنة المجلس بكامله كان لها حتى سنة 1882الصلاحية في نظر كافة المواضيع التي كانت تحال إليها (8). وبالنسبة لمكان انعقاد اللجنة فإنها تجتمع في مكان اللجان في قصر وستنمنستر (Westminster hall) واذا ارادت الاجتماع في مكان أخر فيجب إن تحصل على ترخيص بذلك من المجلس(9). وأما في الوقت الحاضر فقد اتجهت بريطانيا الى أسلوب بديل عن التحقيق البرلماني ولكنه لم يلغيه بشكل كلي ، وهو إسناد التحقيق في بعض الأمور والفصل في الشكاوى والمظالم الخاصة بأعمال الادارة للمفوض البرلماني (Ombudsman) منذ سنة 1966 ، حيث انه يعين من قبل الملكة ويكون مسؤول امام البرلمان بمجلسيه ويعزل من قبل الملكة أيضا بناء على اقتراح من كلاهما ، ويكون مستقل عن السلطة التنفيذية ويتمتع بصلاحيات واسعة تمكنه من ممارسة مهامه ويطلب منه تقرير سنوي أو كلما دعت الحاجة الى ذلك ، ويكون له سلطة تقديرية في متابعة الشكاوى المقدمة أو عدم متابعتها اذا تبين عدم صحتها ، واذا لم تستجيب الجهة المخالفة لتوجيهاته فله إن يرفع تقرير مستعجل بذلك الى البرلمان ، لذلك تعد وظيفته من الوسائل الرئيسية للرقابة البرلمانية بعدما انحسرت تلك الرقابة عملا وأصبحت خالية من أي جزاء وذلك لتحكم حزب الأغلبية وسيطرته على مجلس العموم(10). كالتحقيق الذي قامت به المفوضة البرلمانية (Elizebeth Filkinl) بخصوص قيام وزير الدولة للتجارة والصناعة (Peter Mandlson) باخذ قرض سكني محل شك من (GeoffreyRobinson) مدير المدفوعات العامة في وزارة الخزانة بما ادى الى استقالتهم في سنة 1998(11).
ثالثا :- صلاحيات اللجنة التحقيقية :- في البداية لم يكن باستطاعة البرلمان ألزام الأشخاص بالحضور امام اللجان التحقيقية التي يشكلها أو إجبارهم على تقديم بيانات أو مستندات التي تمكن اللجنة من الوصول الى الحقيقة ، ولكن بمرور الزمن أصبح للبرلمان تلك السلطات ومنها أداء القسم من قبل الشهود المطلوب سماع أقوالهم ومناقشتهم وذلك منذ سنة 1770 وفقا لما جاء بقانون جرينفيل (Greenville) ومن ثم صدر في عهد الملكة فكتوريا كل ما يتعلق بالتحقيق في قانوني رقم (34و35) لسنة 1883(12). وتختلف صلاحيات اللجان التي يشكلها مجلس العموم عن صلاحيات اللجان التي يشكلها مجلس اللوردات ، حيث تتمتع الأولى بصلاحية استدعاء الشهود وسماع أقوالهم وكذلك طلب تقديم بعض المستندات والبيانات ، وهو مما لا يجوز للجان التي يشكلها مجلس اللوردات(13). وللجان التحقيقية المختارة ممارسة صلاحيات واسعة يستوجبها حسن أداء دورها قد نصت عليها المادة (4/152) من النظام الداخلي لمجلس العموم وهي تتمثل بمايلي (14) :-
1- صلاحيات اللجنة التحقيقية على الوثائق والمستندات :- حيث يكون للجنة التحقيقية البرلمانية التي يشكلها مجلس العموم صلاحية طلب أية أوراق من الحكومة أو أحدى الوزارات واتخاذ ما تراه ضروري ، وكذلك تملك حق الاطلاع على جميع الأوراق والمستندات في مختلف الوزارات والأجهزة الحكومية وإن تطلب نسخا عنها(15).
2- صلاحيات اللجنة التحقيقية على الأشخاص :- حيث يكون للجنة التحقيقية البرلمانية التي يشكلها مجلس العموم صلاحية استدعاء الشهود للإدلاء بما لديهم من بيانات أو معلومات حول موضوع التحقيق أو ندب الخبراء للقيام ببعض الأعمال الفنية أو الاستشارية ، ولضمان عدم تخلف هؤلاء عن الحضور امام اللجنة بعد تبليغهم أو امتنعوا عن الاجابة بعد حضورهم أو شهدوا بغير حق ، فقد منحت اللجنة الحق بإن تطلب من رئيس المجلس مخاطبة الجهات القضائية المختصة لفرض العقوبات المنصوص عليها قانونا بحقهم(16).
3- الصلاحيات الأخرى للجنة التحقيقية :- يجوز للجنة التحقيقية إن تشكل من بين أعضائها لجنة فرعية أو أكثر لأجراء التحقيقات التي تراها بما يسهم في سرعة انجاز أعمالها ، وهذا ما نصت عليه المادة (3/152) من النظام الداخلي لمجلس العموم واستقر ذلك الامر منذ سنة 1966. وتنتخب لجان التحقيق من بين أعضائها رئيسا ليقوم بمتابعة الأمور والأعمال ويساعده في ذلك كاتب يقوم بكافة الإجراءات الإدارية وتدوين ما يدور في الجلسات وتكون لهذه اللجان طابع السرية في عملها ، ويحدد رئيس اللجنة موعد انعقاد جلساتها كما يقرر ترتيب أولوية سماع الشهود وتحديد صفاتهم ودعوتهم لأداء الشهادة وتحلفهم اليمين أو مؤاخذتهم عن الامتناع عن الحضور أو عن شهادات الزور ويدون في محضر اللجنة كل ما دار فيها من نقاش ويوقع عليه من قبل رئيس اللجنة وأعضائها وتؤخذ الآراء بأغلبية الاعضاء ، واذا تساوت الأصوات يرجح الرأي الذي صوت معه الرئيس ويذكر رأي الأغلبية وكذلك الأقلية في التقرير(17). حيث يقوم كاتب اللجنة بالمناداة على أعضاء اللجنة وفقا لترتيب أسماؤهم أبجديا أذا كانت اللجنة مشكلة في مجلس العموم ليدون أصواتهم ويستخدم اللفظ (Yes) للقبول و(No) للرفض ، ووفقا لأعمارهم أذا كانت اللجنة مشكلة في مجلس اللوردات ليدون أصواتهم ويستخدم اللفظ (Content) للقبول و(No Content) للرفض ، وبعدها يقوم الكاتب بعد الاصوات وتسليم القائمة لرئيس اللجنة ليعلن قرارها الى المجلس المختص(18).
____________
1- د. هشام جمال الدين عرفة ، ضمانات اعضاء المجالس النيابية (دراسة مقارنة) ، دون دار ومكان نشر ، 2008 ، ص 363.
2- د. نزيه رعـد ، الأنظمة السياسية ، المـؤسسة الـحديثة للكتاب ، بيروت ، لبنان ، 2012 ، ص 206. وكذلك د. حامد حمود الخالدي ، الدور الرقابي للبرلمان في المجال المالي في النظام الدستوري الانجليزي والمصري والكويتي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2009 ، ص 96 وما بعدها.
3- د. نبيل شنطاوي ، دور لجان التحقيق البرلماني في فعالية الرقابة البرلمانية في الأردن ، مجلة الحقوق ، كلية الحقوق ، جامعة البحرين ، المجلد (1) ، العدد الثاني ، 2004 ، ص 202.
4-Standing Order of the House of Commons , public Business 2013 , op.cit , p.129 .
5- د. عبد الحميد محجوب السقعان ، اللجان البرلمانية (دراسة مقارنة) ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2010، ص430.
6- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص 92.
7- ينظر الموقع الالكتروني للبرلمان البريطاني ، تم تسجيل الدخول في 8/6/2014 الساعة (11) مساء :
http://www.publications.parliament.uk/pa/cm201314/cmselect/cmpubacc/985/985.pdf
8- د. عامر عياش ، تكوين اللجان البرلمانية واختصاصاتها ، مجلة الرافدين للحقوق ، كلية الحقوق ، جامعة الموصل ، السنة (10) ، المجلد (2) ، العدد (25) ، 2005 ، ص 277.
9- أيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1983 ، ص 138.
10- د. مازن ليلو راضي ، نظام الامبودسمان كضمانة لحقوق الإفراد وحرياتهم ، مجلة القادسية ، العدد (2) ، مجلة القادسية ، جامعة القادسية ، 1992 ، ص 249 وما بعدها. وكذلك سعد عدنان عبد الكريم الهنداوي ، رقابة الهيئات المستقلة لضمان حقوق الأفراد دراسة مقارنة في نظام الامبودسمان والنظم المشابهة ، أطروحة دكتوراه كلية القانون - جامعة بغداد ، 1999 , ص 79 وما بعدها . ود. دانا عبد الكريم سعيد ، دور البرلمان في الأنظمة البرلمانية المعاصرة (ضعف الأداء التشريعي والرقابي للبرلمان وهيمنة السلطة التنفيذية) ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2013 ، ص 168.
11- Oongh Gay and Thomas Powell : Individual Ministerial responsibility , op.cit , p.30.
12- أيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1983 ، ص 124.
13- د. هشام جمال الدين عرفة ، ضمانات اعضاء المجالس النيابية (دراسة مقارنة) ، دون دار ومكان نشر ، 2008 ، ص 364.
14- Standing Order of the House of Commons , public Business 2013, op.cit, p.177.
15- وسيم حسام الدين الأحمد ، اللجان البرلمانية العربية والأجنبية ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2010 ، ص 219.
16- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص 92. وكذلك د. عبد الحميد محجوب السقعان ، اللجان البرلمانية (دراسة مقارنة) ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2010 ، ص 430.
17- د. فارس محمد عمران ، التحقيق البرلماني (لجان تقصي الحقائق البرلمانية( في الدول العربية والأمريكية والأوربية ) دراسة مقارنة) ، المركز القومي للإصدارات القانونية ، القاهرة ، 2008 ، ص 438.
18- رياض محسن مجول ، التحقيق البرلماني في الانظمة السياسية البريطاني والامريكي والمصري والعراقي (دراسة مقارنة) ، أطروحة دكتوراه ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 2006 ، ص 138.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة