ينبغي أن تكون عبادة طلّاب الولاية حبّاً للّه
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص32-35
2025-12-15
51
ينبغي أن نعلم بأنّ العبادة يمكن أن تكون على ثلاثة أوجه:
الأوّل: عبادة من أجل الطمع في الجنّة؛ الثاني: عبادة بسبب الخوف من النار؛ الثالث: عبادة لأجل حبّ الله وتقرّباً إليه ابتغاءً لِوَجْهِهِ؛ لا طمعاً ولا خوفاً. وينبغي على السالكين إلى الله الذين يقصدون بلوغ الولاية وخالص العبوديّة أن يؤدّوا عباداتهم بل وأعمالهم جميعها على نحو الوجه الثالث الذي يعني الحبّ والعشق لله سبحانه تعالى.
ذلك لانّ الغاية من الوجهين الأوّلين هي إمّا الظفر بالراحة والرخاء، وإمّا التخلّص والابتعاد عن العذاب والشقاء. فيكون القصد عندئذٍ بلوغ هوى النفس؛ والتوجّه إلى الله سبحانه هو من أجل تحقيق الرغبة النفسانيّة. وفي هذه الحالة فإنّ الله واسطة للفوز والفلاح والرغبات النفسانيّة. ومن المعلوم أنّ الواسطة من حيث الوساطة نفسها ليست الهدف الأساس؛ بل هي هدف عارض وتابع؛ وفي ضوء ذلك فإنّ مثل هذه العبادة ليست لله حقيقة، بل هي من أجل إشباع الرغبات النفسانيّة؛ بَيدَ أنّ حقّ العبادة التي هي للحقّ حقّاً من النوع الثالث، حيث أنّ طلّاب الولاية يسيرون على تلك الوتيرة.
روى محمّد بن يعقوب الكُلَينيّ عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام أنه قال:" [أنّ] الْعُبّادَ ثَلَاثَةٌ: قَوْمٌ عَبَدُوا اللهَ عَزَّ وجَلَّ خَوْفاً، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ؛ وقَوْمٌ عَبَدُوا اللهَ تَبَارَكَ وتَعَإلى طَلَبَ الثَّوابِ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأجَرَاءِ؛ وقَوْمٌ عَبَدُوا اللهَ عَزَّ وجَلَّ حُبّاً لَهُ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأحْرارِ وهي أفْضَلُ الْعِبادَةِ".[1]
وجاء في «نهج البلاغة»: "إنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَغْبَةً، فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجّارِ؛ وإنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَهْبَةً، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ؛ وإنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأحْرَارِ".[2]
وذكر الصدوق في «الخصال» بسنده عن يونس بن ظبيان أنه قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: "إنَّ النَّاسَ يَعْبُدُونَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ على ثَلَاثَةِ أوْجُهٍ: فَطَبَقَةٌ يَعْبُدُونَهُ رَغْبَةً في ثَوابِهِ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْحُرَصَاءِ وَهُوَ الطَّمَعُ؛ وآخَرُونَ يَعْبُدُونَهُ فَرْقاً مِنَ النَّارِ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبيدِ وهِيَ الرَّهْبَةُ؛ ولَكِنِّي أعْبُدُوهُ حُبّاً لَهُ عَزَّ وجَلَّ؛ فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْكِرَامِ وهُوَ الأمْنُ؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} ولِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فَمَنْ أحَبَّ اللهَ أحَبَّهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، ومَنْ أحَبَّهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ كَانَ مِنَ الآمِنِينَ".[3]
أجل حقّاً، فإنّ العبادة الحقيقيّة ليست معقولة بدون التوجّه إلى الله؛ لذلك يتضاعف التوجّه بمضاعفة العبادة المستمرّة؛ إلى أن تتراكم هذه التوجّهات تدريجاً فتصبح ملكة في النفس؛ وتورثها اليقين والمعرفة والشهود. وهذا مبدأ عامّ وكلّيّ، فضلًا عن وجود الشواهد القرآنيّة والروائيّة الجمّة عليه، فإنّ الاعتبار العقليّ يدعمه أيضاً؛ لأنّ حبّ كلّ شيء والشوق إليه يؤدّي إلى الانشداد والتعلّق به؛ وهذا التوجّه الذي هو نفس العمل يوطّد ذلك الحبّ والشوق ويرسّخه في القلب؛ وهذا الرسوخ الذي هو العلم يؤدّي إلى تأكيد رسوخ ذلك الشيء في القلب؛ وإذا ما استقرّ ذلك الشيء في القلب مؤكّداً، وأصبح ملكة، فإنّ ظهوراته ستنجلي، وآثاره وخواصّه كلّها ستشرق.
إلى أن يتمكّن الشخص العابد المتوجّه إلى محبوبه الحقيقيّ ومعبوده الحقّ أن يشاهد ربّه تدريجيّاً؛ ويعرفه، ويعرف أيضاً نفسه والكائنات كلّها في الله ومع الله؛ وفي هذه الحالة فإنّ التوجّه العباديّ سيثبت في مكانه ويستقرّ في محلّه؛ لأنّ العبادة ما لم تتجسّد في رؤية المعبود على صعيد الشهود والوجدان والحضور، فإنّها ليست أكثر من عبادة تصوّريّة؛ وليست حقّ عبادة المعبود؛ وذلك لأنّ معبوده صورة فكريّة وذهنيّة محدودة؛ ومطابق تلك الصورة أيضاً متوهَّم ومحدود في الخارج؛ وليس ذلك بالمعبود الحقيقيّ والمقصود الأصليّ؛ بل غير المقصود.
ومن الطبيعيّ أنّ هذا اللون من العبادة ينبغي ألّا يحظى بالقبول من قبل الحقّ تعالى لكنّه قبله بفضله وبرحمته. {وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً}.[4]
[1] «اصول الكافي» طبع الحيدريّ، ج 2، باب العبادة ص 84.
[2] «نهج البلاغة» ج 2، الحكمة 237.
[3] «الخصال» باب الثلاثة، الطبعة الحروفيّة، ص 188.
[4] الآية 21، من السورة 24: النور.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة