سرية الإمام علي بن أبي طالب "ع" إلى اليمن
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص659-663
2025-12-15
37
لقد جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد ان النبي ارسل عليا إلى اليمن مرتين المرة الأولى كانت في السنة الثامنة والظاهر أنها كانت لهمدان ، وكان قد ارسل إليهم خالد بن الوليد فمكث نحوا من ستة اشهر يدعوهم إلى الإسلام ، فلم يجيبوه ، فأرسل إليهم علي بن أبي طالب ، وقال البراءة بن عازب ، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا وصلى بنا علي ( ع ) ثم صفنا صفا واحدا ، ثم تقدم من القوم وقرأ عليهم كتاب رسول اللّه فأسلمت همدان بكاملها فكتب إلى النبي بإسلامهم .
والثانية كانت في شهر رمضان من السنة العاشرة ارسله إلى مذجح في ثلاثمائة فارس وعقد له اللواء وعممه بيده وأوصاه أن لا يقاتلهم الا إذا قاتلوه .
وأضاف إلى ذلك بعض المؤلفين في السيرة أنه قال له : ادعهم إلى قول لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه فإن أجابوك فأمرهم بالصلاة ولا تبغ منهم غير ذلك ، واللّه لأن يهدي اللّه بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت .
وجاء في البداية والنهاية عن علي ( ع ) أنه قال : بعثني النبي ( ص ) إلى اليمن فقلت يا رسول اللّه تبعثني إلى قوم وانا حديث السن لا ابصر القضاء فوضع يده على صدري وقال اللهم ثبت لسانه واهد قلبه ، ثم قال إذا جاءك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء ، قال علي ( ع ) : واللّه ما شككت في قضاء بين اثنين .
وقال ابن سعد في طبقاته ان عليا دخل اليمن في ثلاثمائة فارس وكانت أول خيل دخلت إلى بلاد مذجح ففرق أصحابه فأسروا وغنموا من احيائهم ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا عليه ورموا المسلمين بالنبل والحجارة فصف أصحابه ثم حمل عليهم فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا وانهزموا فتركهم ثم دعاهم إلى الاسلام ثانية فأجابوه لذلك وبايعه نفر من رؤسائهم وقالوا له نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق اللّه .
ثم إن عليا جمع الغنائم فأخرج منها الخمس وقسم الباقي على أصحابه ورجع وصادف ان النبي قد خرج للحج في تلك السنة فالتقى به في مكة .
وفي سيرة ابن هشام ان النبي ( ص ) قبل خروجه من المدينة إلى مكة في حجة الوداع ارسل عليا إلى نجران مع جماعة من المسلمين ليأخذ منهم ما وقع عليه الاتفاق بين وفدهم وبين النبي ، وبلغه ان النبي قد توجه إلى مكة لأداء فريضة الحج وفي الطريق تعجل السير إلى مكة واستخلف على الجيش الذي كان معه رجلا منهم فعمد ذلك الرجل واعطى كل رجل حلة من الغنائم يتجمل بها ، وقبل ان يدخل الجيش مكة استقبلهم علي ( ع ) ووجدهم يلبسون الحلل فقال للقائد ويلك ما هذا :
قال لقد كسوتهم ليتجملوا بها إذا قدموا على الناس فانتزعها منهم علي ( ع ) وردها إلى الغنائم ، فاشتكى الناس منه ، فلما سمع رسول اللّه قال : أيها الناس لا تشتكوا عليا فو اللّه انه لأخشن في ذات اللّه من أن يشتكى منه .
وجاء في البداية والنهاية عن أبي بريدة أنه قال : لقد كنت ابغض عليا بغضا لم ابغضه أحدا قط ، وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته لأنه يبغض عليا فأصبنا سبيا فكتب إلى رسول اللّه ان ابعث إلينا من يخمسه ، فبعث عليا وفي السبي وصيفة من أفضل السبي ، فخمس السبي وقسم الباقي ثم خرج علينا ورأسه يقطر ماء فقلنا ما هذا يا أبا الحسن ، فقال ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي فإنها صارت في الخمس ثم صارت في آل بيت النبي ، فكتب الرجل إلى رسول اللّه بذلك فقلت له ابعثني مصدقا لكتابك .
ولما قدمت على رسول اللّه جعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق يا رسول اللّه ، فأمسك رسول اللّه يدي والكتاب ، ثم قال أتبغض عليا قلت نعم ، قال فلا تبغضه ، وان كنت تحبه فازدد له حبا ، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أكثر وأفضل من الوصيفة .
كما روى ابن كثير في بدايته عن ابن إسحاق عن أبان بن صالح بسنده إلى عمرو بن شاس الأسلمي أنه قال كنت مع علي بن أبي طالب في خيله التي بعثه بها رسول اللّه إلى اليمن فجفاني علي بعض الجفاء فوجدت في نفسي عليه فلما قدمت المدينة شكوته في مجالس المدينة وعند من لقيته ، فأقبلت يوما ورسول اللّه جالس في المسجد ، فلما رآني انظر إلى عينيه نظر إلي حتى جلست إليه ، فقال إيه واللّه يا عمرو بن شاس لقد آذيتني ، فقلت إنا للّه وإنا إليه راجعون أعوذ باللّه والاسلام من أن أؤذي رسول اللّه ، فقال من آذى عليا فقد آذاني .
وقد نقل المؤلفون في السيرة خبر الجارية التي اصطفاها علي لنفسه عن أبي بريدة في غزوة بني زبيد ، وقد أبدينا بعض الملاحظات حولها في ذلك المقام .
ومن الجائز ان يكون خالد بن الوليد أو غيره من المهاجرين قد كلف ابا بريدة بأن يشوش على علي بهذا النوع أو بغيره طمعا في أن يتغير موقف النبي من علي ( ع ) وكانت النتيجة عكس ما كانوا يأملون كما أكدت ذلك رواية البداية والنهاية عن عمرو بن شاس ، وجاء جواب النبي ( ص ) صدمة عنيفة له ولأولئك الذين كانوا يخططون بهذه الدسائس لما وراء ذلك اليوم .
وعلى اي الأحوال فلقد أتم علي مهمته في اليمن وتأهب للرجوع بمن معه من المسلمين إلى مكة حيث بلغه ان النبي ( ص ) سيتوجه من المدينة لأداء فريضة الحج في تلك السنة ، وترك علي في اليمن معاذ بن جبل يعلمهم الأحكام ويفقههم في دين اللّه .
الاكثر قراءة في حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة