سورة براءة ومجريات النزول
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
657-659
2025-12-15
23
ولما جاء شهر ذي الحجة من السنة التاسعة ونزلت الآيات الأولى من سورة براءة أرسل النبي ( ص ) أبا بكر ليحج بالناس ، والمشركون لا يزالون يشاركون المسلمين في أداء الفريضة فيجتمع في الموسم من يؤمن باللّه ومن يؤمن بالجبت والطاغوت ومضى أبو بكر بمن معه من المسلمين ليشرف على الحج في ذلك العام حتى انتهى إلى ذي الحليفة وهو الميقات المعروف بمسجد الشجرة في يومنا هذا ، وفيما هو يسير بمن معه وإذا بالوحي ينزل على النبي ويأمره بأن يرسل عليا مكان أبي بكر وقال له لا يؤديها الا أنت أو رجل منك ، فأرسل النبي ( ص ) عليا وامره ان يأخذ الآيات من أبي بكر ويؤديها بنفسه فلحقه علي وهو بذي الحليفة فأخذها منه ورجع أبو بكر إلى المدينة خائفا ان يكون قد نزل فيه ما يغضب النبي ( ص ) فقال يا رسول اللّه انزل في شيء فقال النبي لا ولكني أمرت ان ابلغها انا أو رجل مني ، ومضى علي ( ع ) حتى بلغ مكة فقرأ على الناس الآيات الأولى من سورة براءة في اليوم العاشر من ذي الحجة كما جاء في رواية ابن كثير في البداية والنهاية ، ونادى في الناس ان لا يدخل مكة مشرك بعد عامه هذا ولا يطوف في البيت عريان ، ولا تدخل الجنة الا نفس مسلمة ، ومن كان بينه وبين رسول اللّه عهد فعهده إلى مدته .
وفي رواية ثانية انه تلا عليهم من سورة براءة حتى بلغ قوله تعالى :
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
ثم أعاد عليهم القول لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن في البيت عريان ومن كان بينه وبين رسول اللّه عهد فأجله إلى مدته ، وأصغى المشركون إلى هذا القرار بقلوب ترتعد من الخوف ويسعرها الحقد ، ثم رجعوا إلى أنفسهم وتلاوموا وقال بعضهم لبعض : ما تصنعون وقد أسلمت قريش وأكثر العرب فأسلم أكثرهم قبل نهاية الأشهر الأربعة وجاء في المستدرك للحاكم بسنده إلى ابن عباس ان رسول اللّه بعث أبا بكر وامره ان يحج بالناس وينادي فيهم بهذه الكلمات ، ثم اتبعه عليا وحمله على ناقته فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول اللّه فخرج فزعا وهو يظنه رسول اللّه وإذا هو علي فأخذها ورجع إلى رسول اللّه وقال له لا يؤديها الا انا أو رجل مني .
ومضى علي إلى مكة فبلغ ما امره رسول اللّه وروى حديث براءة بهذا النحو النسائي بسنده إلى سعد بن عبادة كما رواها بسنده إلى انس بن مالك .
وجاء في البداية والنهاية عن الإمام أحمد بسنده إلى أنس بن مالك ان رسول اللّه بعث براءة مع أبي بكر ، فلما بلغ ذي الحليفة ، قال النبي لا يبلغها الا انا أو رجل من أهل بيتي فأرسل عليا واخذها من أبي بكر ، وأضاف إلى ذلك ان الترمذي رواه بسنده إلى حماد بن سلمة ، وفي مسند الإمام أحمد ان النبي ( ص ) قال : لا يذهب بها الا رجل مني وأنا منه .
ويبدو ان حديث ارسال علي ببراءة وقول النبي لا يؤديها الا انا أو رجل مني وانا منه متفق عليه بين محدثي الشيعة والسنة[1].
ولكن الخلاف الواقع بينهم هو ان النبي هل ارسل أبا بكر مع علي بمهمة يتولاها غير المهمة التي اختص بها عليا ، أو انه رجع من الطريق ولم يذهب لمكة في ذلك العام وتولى جميع المهمات علي بن أبي طالب ( ع ) .
فالشيعة وبعض محدثي السنة يقولون بأن جميع المهمات تركها النبي ( ص ) لعلي ، وأكثر السنة يذهبون إلى أن أبا بكر قد أوكل إليه النبي امر الحج بالناس في تلك السنة ومهمة علي كانت تبليغ براءة والمواد الأربعة التي ذكرناها وافهام الناس مضامين الآيات من براءة كما امره رسول اللّه .
[1] انظر فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 1 ص 343 وما بعدها .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة