علم أمير المؤمنين والأئمة عليهم السّلام بجميع الكتاب
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص96-104
2025-12-08
41
روى محمّد بن يعقوب الكلينيّ بإسناده عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن سدير أنّه قال: كُنْتُ أنَا وأبُو بَصيرٍ ويحيى الْبَزّازُ ودَاوُدُ بْنُ كُثَيْرٍ في مَجْلِسِ أبي عَبْدِ الله عَلَيهِ السَّلَامُ إذْ خَرَجَ عَلَيْنَا وهُوَ مُغْضِبٌ، فَلَمّا أخَذَ مَجْلِسَهُ قَالَ: "يَا عَجَبَاً لأقْوَامٍ يَزْعَمُونَ أنّا نَعْلَمُ الْغَيْبَ، لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلّا اللهُ عزّ وجَلَّ. لَقَدْ هَمَمْتُ بِضَربِ جَارِيَتي فَهَرَبَتْ مِنِّي، فَمَا عَلِمْتُ في أيّ بُيُوتِ الدَّارِ هِيَ". قَالَ سديرٌ، فَلَمّا أنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وصَارَ في مَنْزِلِهِ، دَخَلْتُ أنَا وأبُو بَصِيرٌ ومُيَسِّرٌ وقُلْنَا: جَعَلَنَا اللهُ فِدَاكَ، سَمِعْنَا وأنْتَ تَقُولُ كَذَا وكَذَا في أمْرِ جَاريَتِكَ ونَحْنُ نَعْلَمُ أنّكَ تَعْلَمُ عِلْماً كَثِيراً ولَا نَنْسِبُكَ إلى عِلْمِ الْغَيْبِ! قَالَ: فَقَالَ: "يَا سَدِيرُ أ مَا تَقْرَا الْقُرآنَ؟ قُلْتُ: بلى. قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا قَرَأتَ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: قَالَ الذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ[1] أنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أن يَّرْتَدّ إلَيْكَ طَرْفُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ قَرَأتُهُ. قَالَ: فَهَلْ عَرَفْتَ الرَّجُلَ وهَلْ عَلِمْتَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ؟ قَالَ: قُلْتُ: أخْبِرنِي بِهِ. قَالَ: قَدْرُ قَطرَةٍ مِنْ مَاءٍ الْبَحْرِ الأخْضَرِ، فَمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ؟ قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ: مَا أقَلَّ هَذَا! فَقَالَ: يَا سَديرُ، مَا أكْثَرَ هَذَا أنْ يَنْسِبَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى الْعِلْمِ الذي اخْبِرُكَ بِهِ. يَا سَديرُ، فَهَلْ وَجَدْتَ مَا قَرَأتَ في كِتَابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ أيضاً: {قُلْ كَفي بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}؟ قَالَ: قُلْتُ: قَرَأتُهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ. قَالَ: فَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلِّهِ أفْهَمُ أمْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ بَعْضِهِ؟ قُلْتُ: لَا، بَلْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلِّهِ[2]. قَالَ: فَأوْمَئ بِيَدِهِ إلى صَدْرِهِ وقَالَ: عِلْمُ الْكِتَابِ واللهِ كُلِّهِ عِنْدَنَا، عِلْمُ الْكِتَابِ واللهِ كُلِّهِ عِنْدَنَا".
وروى هَذَا الْحَدِيثَ أيْضاً الصَّفَّارُ في «بصائر الدرجات» بِتَغْييرٍ يَسيرٍ بِزِيَادَةٍ ونُقْصَانٍ[3].
وروى الصفّار هذا الحديث في «بصائر الدرجات» باختلاف يسير في اللفظ، وذكره القندوزيّ الحنفيّ مختصراً[4].
وروى القندوزيّ أيضاً عن عمر بن اذينه، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "قَالَ أمير المؤمنينَ صلوات الله عليه: ألَا أنّ الْعِلْمَ الذي هَبَطَ بِهِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرْضِ وجَميعَ مَا فُضِّلَتْ بِهِ النَّبِيُّونَ إلى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ في عِتْرَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَيْهِم"[5].
وروى الشيخ الطبرسيّ في «الاحتجاج» بسنده عن الوليد السمّان أنّه قال: قالَ لي أبُو عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: "مَا يَقُولُ النَّاسُ في اولِي الْعَزْمِ وعَنْ صَاحِبِكُمْ- يَعْنِي أميرُ الْمُؤمِنِينَ-؟" قَالَ: قُلْتُ: مَا يُقَدِّمُونَ على اولي الْعَزْمِ أحَداً. فَقَالَ: أنّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى قَالَ عَنْ موسى: {وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شيء مَوْعِظَةً} ولَمْ يَقُلْ كُلَّ شيء. وقَالَ عَنْ عيسى: {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ}. ولَمْ يَقُلْ كُلَّ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ. وقَالَ عَنْ صَاحِبِكُمْ- يَعْنِي أميرِ الْمؤمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ-: {قُلْ كَفي بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ}، وعِلْمُ هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَهُ[6]. وذكر القندوزيّ الحنفيّ هذه الرواية باختصار[7].
وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن عمر بن اذينة أنّه قال: قال أبو عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ: «الذي عنده علم الكتاب» هُوَ أمِيرُ المؤمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ. وسُئِلَ عَنِ الذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِن الْكِتَابِ أعْلَمُ أمْ مَنِ الذي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ، فَقَالَ: مَا كَانَ عِلمُ الذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ إلّا بِقَدْرِ مَا تَأخُذُ الْبَعُوْضَةُ بِجَنَاحِهَا مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ. قَالَ أميرُ الْمُؤمِنِينَ: ألَا إنَّ الْعِلْمُ الذي هَبَطَ بِهِ آدَمُ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرْضِ وجَمِيعَ مَا فُضِّلَتْ بِهِ النَّبِيُّونَ إلى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ في عِتْرَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ"[8]. وذكر القندوزيّ الحنفيّ هذه الرواية باختصار[9].
إذن أتّضح من مجموع ما تقدّم أنّه لا شكّ ولا ترديد أنّ المراد من الذي عنده علم الكتاب في الآية المشار إليها هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنّ الاحتمالات الاخرى المطروحة واهية وخاطئة. وكيف يمكن أن لا يكون المعنيّ بهذه الآية هو أمير المؤمنين الذي كان ملازماً للنبيّ الأكرم منذ بداية الرسالة في الليل والنهار. وفي الحلّ والترحال، وفي الحرب والسلم، ويكون عبد الله بن سلام الذي أسلم في المدينة بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة النبويّة؟!
ومضافاً إلى ذلك كلّه فأنّ عبد الله بن سلام، كما تفيده ترجمته لم يبايع أمير المؤمنين ولم يقرّ بإمامته، فكيف يقرنه رسول الله مع الله في الشهادة على رسالته؟
ولقد عدّه البرقيّ في رجاله من صحابة النبيّ[10]. وجعله ابن داود في رجاله في الباب الأوّل[11]، أي في المعتمدين والموثّقين، مع أنّ صاحب «تنقيح المقال» يقول: عدّ ابن داود كثيراً من الناس في الباب الأوّل، ثمّ جرّحهم في الباب الثاني الخاصّ بالضعفاء والمجهولين[12].
ويقول أيضاً: وحال عبد الله بن سلام عندي مجهول وهذا يعني أنّه لا اعتبار لرواياته. وعدّه المشايخ الثلاثة في علم الرجال أيضاً من أصحاب رسول الله واصفين له أوّلًا بالإسرائيليّ، ثمّ الأنصاريّ وقالوا أنّه كان حليفاً لبني القينقاع، وهو من ولد يوسف بن يعقوب. وكان اسمه في الجاهليّة: الحصين، فسمّاه النبيّ حين أسلم عند قدومه المدينة مهاجراً بعبد الله وتوفي سنة ثلاث وأربعين على ما أرّخه أبو أحمد العسكريّ. ثمّ يقول: ويمكن استفادة سوء حاله ممّا رواه ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة». يقول ابن أبي الحديد: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا بويع بعد عثمان أرسل خلف جمع وأمرهم بالبعد، فقيل له: ألَا تبعث إلى حسّان بن ثابت وكعب بن مالك، وعبد الله بن سلام؟ فقال: "لَا حاجَةَ لَنَا فِيمَنْ لَا حاجَةَ لَهُ فِينَا"[13] انتهى.
ويقول العلّامة الشيخ محمّد تقي الشوشتريّ بعد نقل كلام أمير المؤمنين عليه السلام فيه عن ابن أبي الحديد: ذكر الطبريّ والمسعوديّ أيضاً كلام أمير المؤمنين عليه السلام فيه[14].
و أمّا في رجال العامّة، فلم نعثر على ترجمة له في طبقات ابن سعد و«ميزان الاعتدال» للذهبيّ، إلّا أنّ ابن عبد البرّ ذكر ترجمته، إلى أن قال: قال بعض المفسّرين في قول الله عزّ وجلّ: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ واسْتَكْبَرْتُمْ}، وقوله: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} هو عبد الله بن سلام. ثمّ قال: وأنكر ذلك عكرمة والحسن وقالا: كيف يكون ذلك والسورة مكّيّة، وإسلام عبد الله بن سلام كان في المدينة. ثمّ قال: قال أبو عمر: وكذلك سورة الأحقاف مكّيّة. بما فيها من آية {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ} فلا اعتبار للقولين جميعاً[15].
وقال ابن الأثير الجزريّ: لمّا اريد قتل عثمان، جاء عبد الله بن سلام، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرك. قال: اخرج إلى الناس، فاطردهم عنّي، فأنّك خارجٌ خير إليّ منك داخل. فخرج عبد الله إلى الناس، فقال: أيّها الناس، أنّه كان اسمي في الجاهليّة فلان، فسمّاني رسول الله: عبد الله، ونزلت فيّ آيات من كتاب الله عزّ وجلّ: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ واسْتَكْبَرْتُمْ}، والآية: {قُلْ كَفي بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}.
«أيّها الناس، أنّ لله سيفاً مغموداً، وأنّ الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فوالله لئن قتلتموه، لتطردنّ جيرانكم الملائكة وليسلنّ سيف الله المغمود عنكم، فلا يغمد إلى يوم القيامة. قال الناس: اقتلوا عثمان اليهوديّ، فقتلوا عثماناً»[16].
يظهر لنا من هذا كلّه أنّ عبد الله بن سلام كان يعتبر نفسه عالماً بالكتاب، أي: التوراة، ويرى أنّ الآية المذكورة نزلت فيه، كما قال السيوطيّ: أخرج ابن جرير، وابن مردويه عن طريق عبد الملك أنّ محمّد بن يوسف بن عبد الله بن سلام، وهو حفيد عبد الله، قال: قال عبد الله بن سلام: قَدْ أنزَلَ اللهُ في القُرآنَ: {قُلْ كَفي بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}[17].
وقال السيوطيّ أيضاً: روى ابن مردويه عن طريق عبد الملك، عن جُندب أنّه قال: جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ حتى أخَذَ بِعِضَادَتَي بَابَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: أنْشُدُكُمْ بِالله، أ تَعْلَمُونَ أنّي أنَا الذي انْزِلَتْ فِيهِ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} قالوا: اللهُمَّ نَعَم[18].
في ضوء ذلك، فأنّ عبد الله بن سلام يعتبر الآية نازلة فيه، وكذلك يعتبرها ابنه وحفيده. وكما روينا سابقاً فأنّ الإمام الباقر عليه السلام فنّد ادّعاء ابن عبد الله بن سلام أمام عبد الله بن عطا، وقال أنّما ذلك عليّ بن أبي طالب، علماً أنّ بعض الذين قالوا بنزول الآية فيه، مثل مجاهد، أنّما قالوا بذلك من عندهم، لا روايةً عن رسول الله.
وقلنا فيما تقدّم أنّ الشعبيّ قال: ما نزل في عبد الله بن سلام شيء من القرآن. وأنكر سعيد بن جبير هذه الدعوى بشدّة، وقال: وكيف وهذه السورة مكّيّة؟
مضافاً إلى ذلك، فأنّ معاوية بن أبي سفيان عند ما التقى قيس بن سعد بن عُبادة في المدينة، وقال قيس: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} عليّ [بن أبي طالب]، قال معاوية بن أبي سفيان هو عبد الله بن سلام، قال قيس أنزل الله: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ}، وأنزل {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}. فالهادي من الآية الاولى، والشاهد من الثانية عليّ بن أبي طالب لأنّه نصبه صلّى الله عليه وآله يوم الغدير، وقال: "مَنْ كُنْتَ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَولَاهُ. وقال: أنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَارونَ مِنْ موسى إلّا أنّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي"، فسكت معاوية، ولم يستطع أن يردّها[19].
إذَن، لا يبقى أيّ مجال للشكّ أنّ عبد الله بن سلام غير مقصود في هذه الآية، فهو إمّا يعتبر نفسه عالماً بالتوراة فرأى هذه الآية، أعني: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}، فاستنبط معنى التوراة من الكتاب خطأ، واعتبر نفسه مصداق الآية، وأنّها نزلت فيه، لا قدّر الله، وأمّا أنّه تعمّد في ادّعاء هذه المنزلة وهو يعلم أنّ الكتاب هذا هو القرآن المجيد، وأنّ الذي عنده علمه هو عليّ بن أبي طالب، والعلم عند الله. بَيدَ أنّه مهما كان فأنّ هذا الادّعاء خطأ بحت، كما اتّضح لنا من خلال مجموع البحث.
وأمّا أنّ هذه الروايات المذكورة منحولة وملفّقة من قبل الأمويّين وأعداء أمير المؤمنين عليه السلام كما نلمس ذلك في نقاش معاوية مع قيس بن سعد بن عبادة، لأنّ معاوية كان يهتمّ كثيراً في تحريف الآيات والروايات الواردة في أمير المؤمنين عليه السلام وحجب فضائله ومناقبه من خلال إلصاقها بشخص آخر. ولم يجد هنا شخصاً مناسباً غير عبد الله بن سلام فزعم نزول الآية فيه. وهو- طبعاً- ما كان يستطيع أن ينسب هذه الفضيلة إلى أبي سفيان أو إلى نفسه، وهما ممّن سلّ سيفه وأصلته بوجه الإسلام حتى حان فتح مكّة. كما أنّ عمر وأبا بكر لم يكونا عالمين بالكتاب، لذلك فلم يكن هناك طريق أقرب وأيسر من تحريف معنى الكتاب بالتوراة بدلًا عن القرآن، والذي عنده علم الكتاب بعبد الله بن سلام بدلًا عن أمير المؤمنين عليه السلام.
وعلى الرغم من أنّ هذا التحريف لم يَخْفَ على الباحثين والمحقّقين، وأنّ الشعبيّ، والحسن البصريّ، وسعيد بن جبير، وحتى عِكْرَمَة نفسه الذي كان عدوّاً لأمير المؤمنين، كانوا يرون أنّ إلصاق هذه الفضيلة بعبد الله بن سلام أمر عار من الصحّة والصواب، بَيدَ أنّه لم يكن هناك طريق أقرب من هذا للتمويه على عامّة الناس الذين لم يستوعبوا الخصوصيّات المتعلّقة بمكّيّة السورة وإسلام عبد الله في المدينة، ولم يستطيعوا التفريق بين القرآن والتوراة في هذه الآية. وليس أمام الخصم إلّا تحريك سوق العناد والعداء لأهل البيت، ولذلك نجد أنّ أعداء أهل البيت والنواصب أمثال ابن تيميّة ومن لفّ لفّه أصرّوا على إلصاق هذه الآية بعبد الله بن سلام بكلّ ما اوتوا من قوّة مخالفين بذلك هذه الروايات الجمّة والقرائن الكثيرة التي يرونها رأي العين ولم يتراجعوا عن آرائهم السقيمة وتأويلاتهم الواهية. ويتجلّى لنا في الحقيقة هنا صدق هذه الآية المباركة في سورة الرعد: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ}.
[1] يعني آصف بن برخيا وصيّ ووزير سليمان عليه السلام، وذلك حين دعا سليمانُ بلقيس إلى الإسلام هي وقومها وإلى عدم الاستعلاء عليه وأن يأتوه مسلمين، فكان ذات يوم جالساً في مجلسه فقال لمن حوله من الجنّ المسخّرين له: من يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين؟ قال: {يَا أيهَا الْمَلُا أيُّكُمْ يَّأتِينِي بعَرْشِهَا قَبْلَ أن يَأتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أن تَقُومَ مِن مقَامِكَ وأنّي عَلَيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ، قَالَ الذي عِندَ هُو عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أن يَرْتَدَّ إلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أشْكُرُ أمْ أكْفُرُ} (الآيات 38 إلى 40، من السورة 27: النمل)
[2] حيث إنّ نسبتهما كنسبة البحر الأخضر (المحيط الأطلسيّ) إلى القطرة الواحدة
[3] «غاية المرام» ص 357 الحديث الثاني مكرّر. ونقل ذيل هذا الحديث في «مجمع البيان» ج 3، ص 301؛ وفي «الكافي» كتاب الحجّة ج 1، ص 257.
[4] «ينابيع المودّة» باب 30، ص 103.
[6] «غاية المرام» ص 358، الحديث الثامن عشر.
[7] «ينابيع المودّة» باب 30، ص 103.
[8] «غاية المرام» ص 358، الحديث الثالث.
[9] «ينابيع المودّة» باب 30، ص 103.
[10] «رجال» البرقيّ، ص 2.
[11] «رجال» ابن داود، ص 205.
[12] «تنقيح المقال» ج 2، ص 185.
[13] «نفس المصدر السابق».
[14] «قاموس الرجال» ج 5، ص 471.
[15] «الاستيعاب» ج 3، ص 922.
[16] «اسد الغابة» ج 3، ص 176.
[17] «الدرّ المنثور» ج 4، ص 69.
[18] «نفس المصدر السابق».
[19] «ينابيع المودّة» باب 30، ص 104 نقلًا عن كتاب «سليم بن قيس الهلاليّ» وأصل هذه الرواية موجود في كتاب سليم بالتفصيل من ص 199 إلى 201.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة