أمير المؤمنين عليه السّلام هو الجامع لجميع كمالات الأنبياء
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص19-24
2025-12-06
27
قد انتقلت جميع تلك المراتب والدرجات والكمالات والفضائل والميزات والعلوم والمعجزات والأسماء الإلهيّة الكلّيّة، والاسم الأعظم إلى خليفته ووصيّة ومرآة ظهوره التامّ، أعني الوجود المبارك لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وسيتحوّل لواء الحمد يوم القيامة من يد النبيّ إلى يد أمير المؤمنين.
أنّ مقام الوراثة هذا هو في كتاب التكوين وكتاب التشريع، إذ أنّ علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وما هو كائن مشهود في ذهنه، وقدرة الله وعظمة الأسماء الإلهيّة متجلّيّة في نفس الوصيّ الصافية وضميره المتلألئ. {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا}.
وعلى هذا الأساس اعتبر القرآن عليّاً عليه السلام نفس النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في آية المباهلة[1]. وقد وردت أحاديث كثيرة عن طريق الشيعة والسنّة بهذا الشأن، وشرط الاتّحاد بين النفسين الاتّحاد في الكمالات والمعارف. ومضافاً إلى ذلك فقد جاءت أحاديث جمّة عن طريق الفريقين مأثورة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم شبّهت أمير المؤمنين بآدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ويحيى ويوسف. ولا يتمّ التشبيه إلّا بتحقّق صفة المُشَبَّه به في المُشَبَّه، بل أنّ كثيراً منها لم ينصّ على التشبيه بل نصّ على المثليّة والمساواة. ونذكر فيما يلي بعض الأحاديث المرويّة عن طريق العامّة فقط: روى محمّد بن طلحة الشافعيّ[2] بسنده عن البيهقيّ، وكذلك روى ابن الصبّاغ المالكيّ[3]، في كتاب صنّفه في فضائل الصحابة، بسنده عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: "مَنْ أرادَ أنْ يَنْظُرَ إلى آدَمَ في عِلْمِهِ، وإلى نُوحٍ في تَقواهُ، وإلى إبْراهِيمَ في حِلْمِهِ، وإلى موسى في هَيْبَتِهِ، وإلى عيسى في عِبَادَتِهِ، فَلْيَنْظُرْ إلى عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ".
وقال الفخر الرازيّ عند تفسيره آية المباهلة: أنّ هذه الآية دلّت على أنّ نفس عليّ هي نفس محمّد. ولما دلّ الإجماع على أنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم كان أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام فيلزم أن يكون على أفضل من سائر الأنبياء باستثناء رسول الله. ثمّ قال: ويؤيّد الاستدلال بهذه الآية الحديث المقبول عند الموافق والمخالف، وهو قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم. "مَنْ أرادَ أنْ يرى آدَمَ في عِلْمِهِ، ونُوحاً في طاعَتِهِ، وإبْرَاهِيمَ في خُلَّتِهِ، وموسى في هَيْبَتِهِ، وعيسى في صِفْوَتِهِ، فَلْيَنْظُرْ إلى عَلِيّ بْنِ أبِي طَالِبٍ"
ثمّ قال: فالحديث دلّ على أنّه اجتمع فيه ما كان متفرّقاً فيهم. وذلك يدلّ على أنّ عليّاً أفضل من جميع الأنبياء. وأمّا الشيعة فقد كانوا قديماً وحديثاً يستدلّون بهذه الآية على أنّ عليّاً رضي الله عنه أفضل من سائر الصحابة، لأنّ الآية لما دلّت على أنّ نفس عليّ رضي الله عنه مثل نفس محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم إلّا فيما خصّه الدليل، وكانت نفس محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم أفضل من الصحابة، فوجب أن تكون نفس عليّ أفضل من سائر الصحابة[4].
وروى الشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ عن أبي الحمراء، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: "مَنْ أرادَ أنْ يَنْظُرَ إلى آدَمَ في عِلْمِهِ، وإلى نُوحٍ في عَزْمِهِ، وإلى إبْرَاهِيمَ في حِلْمِهِ، وإلى موسى في بَطْشِهِ، وإلى عيسى في زُهْدِهِ، فَلْيَنْظُرْ إلى عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ". أخرجه أبو الخير الحاكميّ[5].
وروى ابن عبّاس أيضاً عن رسول الله أنّه قال: "مَنْ أرادَ أنْ يَنْظُرَ إلى آدَمَ في عِلْمِهِ، وإلى نُوحٍ في حُكْمِهِ، وإلى إبْرَاهِيمَ في حِلْمِهِ، وإلى موسى في هَيْبَتِهِ، وإلى عيسى في زُهْدِهِ، فَلْيَنْظُرْ إلى عَليّ بْنِ أبي طَالِبٍ". أخرجه الملّا في سيرته[6].
وروى محبّ الدين عن أبي الحمراء أنّه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وسَلَّمَ: "مَنْ أرادَ أنْ يَنْظُرَ إلى آدَمَ في عِلْمِهِ، وإلى نُوحٍ في فَهْمِهِ، وإلى إبْرَاهِيمَ في حِلْمِهِ، وإلى يحيى بْنِ زَكَرِيّا في زُهْدِهِ، وإلى موسى في بَطْشِهِ، فَلْيَنْظُرْ إلى عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ". أخرجه أبو الخير الحاكميّ[7].
وورد في هامش ص 212 من «المناقب» لابن المغازليّ: أخرجه أخطب خوارزم في مناقبه، ص 49، وص 245، والمحبّ الطبريّ في «الرياض النضرة» ج 2 ص 217، ورواه ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» ج 2 ص 229، وقال: رواه أحمد بن حنبل في المسند، ورواه البيهقيّ في صحيحه.
وكذلك روى محب الدين الطبريّ عن ابن عبّاس أنّه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وسَلَّمَ: "مَنْ أرادَ أنْ يَنْظُرَ إلى إبْرَاهِيمَ في حِلْمِهِ وإلى نُوحٍ في حُكْمِهِ، وإلى يُوسُفَ في جَمَالِهِ، فَلْيَنْظُرْ إلى عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ". أخرجه الملّا (علي تقي) في سيرته[8].
وروى ابن المغازليّ أيضاً بسنده عن أنس بن مالك أنّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: "مَنْ أرادَ أنْ يَنْظُرَ إلى عِلْمِ آدَمَ، وفِقْهِ نُوحٍ، فَلْيَنْظُرْ إلى عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ"[9].
وروى الكنجيّ الشافعيّ بإسناده المتّصل عن ابن عبّاس أنّه قال: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وسَلَّمَ جَالِسٌ في جَمَاعَةٍ مِنْ أصْحَابِهِ أقْبَلَ عَلِيّ بَصُرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أرادَ مِنْكُمْ أنْ يَنْظُرَ إلى آدَمَ في عِلْمِهِ، وإلى نُوحٍ في حِكْمَتِهِ، وإلى إبْرَاهِيمَ في حِلْمِهِ، فَلْيَنْظُرْ إلى عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ".
ثمّ قال: تشبيهه لعليّ بآدم في علمه لأنّ الله علّم آدم صفة كلّ شيء كما قال عزّ وجلّ: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها}[10]. فما شيء ولا حادثة ولا واقعة إلّا وعند عليّ علم، وله في استنباط معناها فهم.
وشبّهه بنوح في حكمته، أو في رواية اخرى في حكمه، وكأنّه أصحّ، لأنّ عليّاً عليه السلام كان شديداً على الكافرين رؤوفاً بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ}[11]. وخَبَّر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوح عليه السلام على الكافرين بقوله: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً}[12].
وشبّهه في الحلم بإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن كما وصفه الله عزّ وجلّ بقوله: أنّ {إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}[13]. فكان متخلّقاً بأخلاق الأنبياء متّصفاً بصفات الأوصياء[14].
وقال القندوزيّ الحنفيّ: وفي «المناقب» عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: أنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وسَلَّمَ نَظَرَ إلَيّ وأنَا مُقْبِلٌ وأصْحَابُهُ حَوْلَهُ وقَالَ لِي: "أمَا أنّ فِيكَ شِبْهاً مِنْ عيسى ابْنِ مَرْيَمَ، ولَوْ لَا مَخَافَةَ أنْ يَقُولَ فِيكَ طَوائِفُ مِنْ امتى ما قَالَتِ النَّصارى في عيسى ابْنِ مَرْيَمَ لَقُلْتُ فِيكَ مَقالًا لا تَمُرُّ بِمَلأ مِنَ النّاسِ إلّا أخَذُوا التُّرابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ يَبْغُونَ فِيهِ الْبَرْكَةَ ويَسْتَشْفُونَ بِهِ. فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: لَمْ يَرْضَ مُحَمَّدٌ إلّا أنْ يَجْعَلَ ابْنَ عَمِّهِ مَثَلًا لِعيسى ابْنِ مَرْيَمَ، فَأنْزَلَ الله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، وقالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ، إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ}[15].
ثمّ قال القندوزيّ: وجاء أيضاً عن سلمان نحو هذه الرواية، وبطريق آخر عن أبي بصير، عن جعفر الصادق عليه السلام نحوها. ويطابقها قول جعفر الصادق عليه السلام في دعائه: "اللهُمَّ قَدْ أجَبْنَا داعِيَكَ الْمُنْذِرَ النَّذِيرَ مُحَمَّداً صَلَّيْتَ عَلَيْهِ عَبْدَكَ ورَسُولَكَ الذي دَعا النَّاسَ إلى وِلايَةِ عَلِيّ يَوْمَ الْغَدِيرِ الذي أنْعَمْتَ عَلَيْهِ وجَعَلْتَهُ مَثَلًا لِبَنِي إسرَائِيلَ"[16].
وقال أيضاً: أخرج أحمد بن حنبل، والبزّار، وأبو يعلى، والحاكم عن عليّ بن أبي طالب أنّه قال: "دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ [وَ آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: أنّ فِيكَ مَثَلًا في عيسى أبْغَضَتْهُ الْيَهُودُ حتى بَهَتُوا امَّهُ، وأحَبَّتْهُ النَّصَارى حتى نَزَّلُوهُ بِالْمَنْزِلَةِ التي لَيْسَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ عَلِيّ [عَلَيهِ السَّلَامُ]: وأنّهُ لَيَهْلِكُ فِيّ اثْنَانِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يُقَرِّضُنِي بِمَا لَيْسَ فِيّ، ومُبْغِضٌ يَحْمِلُهُ شَنَآنِي على أنْ يَبْهَتَهِي"[17].
وذكر أحمد في «المسند» نحوها عن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام مرفوعاً[18].
والأخبار، التي تدلّ على أنّ أمير المؤمنين قد دخل حرم الله وأصبحت روحه مندكّة في الأنوار الإلهيّة، وأنّه فنى في ذات الله، كثيرة وطبيعيّ أنّ من كانت له هذه الصفّة، فأنّ أنوار تجلّيّات الذات تتجلّى في وجوده فيكون يد الله، وقدرة الله، وعين الله، وسمعُ الله، وتصدر عنه المعجزات. وكلّما كان اندكاكه في الذات المقدّسة أكثر، تلألأت صفات الله، التي هي لازمة للذات في مرآة وجوده أكثر فأكثر.
[1] {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَآءَنَا وأبْنَآءَكُمْ ونِساءَنَا ونسَاءَكُمْ وأنفُسَنَا وأنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ}.(الآية 61، من السورة 3: آل عمران).
[2] «مطالب السُّؤل» ص 22.
[3] «الفصول المهمّة» ص 121.
[4] «تفسير الفخر الرازيّ» آية المباهلة، ج 8، ص 86.
[5] «ينابيع المودّة» ص 214.
[9] «مناقب ابن المغازليّ» ص 212.
[10] الآية 31، من السورة 2: البقرة.
[11] الآية 29، من السورة 48: الفتح.
[12] الآية 26، من السورة 71: نوح.
[13] الآية 75، من السورة 11: هود.
[14] «كفاية الطالب»، ص 121 و122.
[15] «ينابيع المودّة» طبع إسطنبول ص 131، ونقل ذلك في «بحار الأنوار» ج 9، ص 436 عن «فضائل» ابن شاذان، ونقل كتاب الفضائل عن ابن عبّاس، عن رسول الله، صلّي الله عليه وآله وسلّم- في يوم خيبر باختلاف يسير في اللفظ. والآيات 57 إلى 59، من السورة 43: الزخرف.
[16] «ينابيع المودّة» ص 131.
[17] «المصدر السابق» ص 283.
[18] «المصدر السابق» ص 214.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة