عصبة المدن الهانسية
المؤلف:
أ. د. عبد العظيم رمضان
المصدر:
تاريخ أوربا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوربية الى الحرب الباردة
الجزء والصفحة:
ج1 ص 30 ــ 33
2025-12-03
20
بلغت المدن البورجوازية في ألمانيا وإيطاليا أقصى ما تستطيع من قوة واستقلال بسبب عدم وجود حكومة مركزية قوية تستحق الذكر، وتكونت اتحادات للتجارة والحرب، منها عصبة المدن الهانسية Hanseatic League التي شهد القرن الرابع عشر أيام عظمة هذه العصبة حين كانت نقابات التجار تمد سيطرتها في مدن البحر البلطيقي، وذلك قبل أن يغير كشف العالم الجديد طرق التجارة الأوروبية، وقبل أن ينشئ الإنجليز لأنفسهم أسطولا تجاريا.
ففي القرن الرابع عشر الميلادي كانت قد سنحت الفرصة للتجار الألمان، دون غيرهم من التجار، أن يصبحوا وسطاء مبادلة ومتاجرة بين بلاد شمال غرب أوروبا، وكثر عدد التجار الألمان الذين غدوا عاملا مهما في التجارة. ولكن التجارة كانت غير آمنة في تلك العصور، بسبب قراصنة البحار وقطاع الطرق، ثم سيطرة الدانيين Danish بشبه جزيرتهم الدانمارك على مضيق Sound
السوند الواصل بين بحر الشمال والبحر البلطيقي، مما جعلهم شوكة في حلق ألمانيا، ومصدرا لإيذاء السفن الألمانية المستخدمة في التجارة وصيد الأسماك.
وهكذا وجب على التجار الألمان أن يأخذوا الدانيين المزعجين بشيء من السياسة، وأن يحيطوا محطات التجارة الألمانية في إنجلترا وإسكنديناوه بشيء من الامتيازات عن طريق الشراء بالمال وأن يؤمنوا سفن التجارة وصيد الأسماك ببعض وسائل التأمين. غير أن القيام على تلك الواجبات لم يكن في مقدور مدينة من المدن الألمانية بمفردها. ولذا تعين عليها أن تتحد، وأن تعتمد على اتحادها كل الاعتماد.
مع هذا كله لم تستجب طوائف التجار إلى نداء المصلحة إلا بعد تردد طويل ومفاوضات أطول، فاتحدت لوبيك Lubeck وهامبورج سنة 1241م، وأخذ ذلك الاتحاد يتسع رويداً رويداً حتى شمل جميع المدن المهمة من نوفجورود Novgorod في روسيا إلى جميع بلجيكا الحالية، وكان يضم 52 مدينة، ويشرف على مصب جميع الأنهار الكبرى، مثل الراين والألب والأودر Oder والفستولا Vistula التي تنقل غلات أوروبا الشمالية. وظل مدة طويلة يحتكر مصايد الرنجة في البحر البلطيقي وتجارة القارة الأوروبية مع إنجلترا.
وقد أنشأت العصبة محاكم للفصل فيما يشجر بين أعضائها من نزاع، والدفاع عنهم فيما يقام عليهم من قضايا من البلدان الخارجية، وكانت في بعض الأحيان تحارب بوصفها سلطة مستقلة.
وقد حدث ذلك حين اصطدمت مصالحها بمصالح فالديمار الثالث Waledemar ملك الدانمارك ومطامعه، وخاضت ضده حربين شهيرتين في تاريخ العصبة الهانسية، ثم انتهى القتال بين الفريقين سنة 1370م بمعاهدة ستر السند Stralsund، وهي المعاهدة التي جعلت للعصبة المظفرة حق الإشراف على مضيق السوند ومصادر الأسماك في البحار المجاورة، فضلا عن حق التدخل في اختيار الملك بالدانمارك.
وقد سنت العصبة قوانينها لتنظيم العمليات التجارية، بل وتنظيم السلوك الأخلاقي بين أعضائها، مدنا كانوا أم ناسا. وكانت تحمى التجار المنضمين إليها من القوانين والضرائب والغرامات غير القانونية، وتفرض على أعضائها مقاطعة المدن التي تسيء إليها، وتعاقب المماطلين فى الدفع والمخلين بالأمانة.
ولكن في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي أخذت عصبة المدن الهانسية تمشى فى طريق الانحلال تدريجيا حتى ذهب عنها سلطانها، حين هاجرت الأسماك لغير سبب معلوم من شواطئ البحر البلطيقي إلى شواطئ بحر الشمال!
وفي أواخر ذلك القرن تطورت الأوضاع السياسية تطورا غير ملائم لمصالح الشركة العامة للتجار الألمان General Company of
Merchants وهو الاسم الرسمي لعصبة المدن الهانسية - وقامت قوى بحرية أخرى في إنجلترا والأراضي المنخفضة والسويد والدانمارك تنافس العصبة أحر المنافسة. ثم أخذت تجارة البلطيق، وكذلك البحر المتوسط، تتراجع إلى المقام الثاني مع اكتشاف البرتغاليين طريق رأس الرجاء الصالح، ومع كولومبوس وكورتيز وبيزارو لعالم جديد في الغرب حافل بالثروة والمجد.
الاكثر قراءة في التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة