تـطـور تـاريـخ بـورصـة مصـر وانـواعـها 1
المؤلف:
د. جيهان جمال
المصدر:
عالم البورصة (رؤية تحليلية تعليمية بسيطة)
الجزء والصفحة:
ص20 -25
2025-12-02
32
تطور تاريخ بورصة مصر
لو تكلمنا عن نشأة وتاريخ البورصة المصرية سنجد أن البورصة بدأت في مصر بإنشاء (بورصتي القاهرة والإسكندرية)، ويرجع تاريخ نشأتها إلى ما يزيد عن قرن من الزمان، وقد أُنشئت كلاً من (بورصة الإسكندرية) و (بورصة القاهرة) على حدة لتلبية الاحتياجات الخاصة بكل سوق منهما ووفقاً للنشاط الاقتصادي السائد في ذلك الوقت وطبيعته الخاصة - كما سنري لاحقاً، وأنشئت بداية (بورصة الإسكندرية) في عام 1883م، ثم تلتها (بورصة القاهرة) في عام 1903م (1).
بورصة الإسكندرية
بدأت بورصة الإسكندرية منذ القرن التاسع عشر بين تجار القطن، وقامت أساساً لخدمة حاجات شركات ومؤسسات القطن الغنية، التي كانت تعتمد على التعامل بالآجل، فلقد كانت السوق الآجلة بالإسكندرية من أقدم الأسواق الآجلة في العالم، وكان التجار يجتمعون عادة لتسهيل أعمالهم وعقد صفقاتهم بمقهى (أوروبا) بميدان القناصل Des Consuis)) والذي سمي لاحقاً (ميدان محمد علي) وتمت أول صفقة قطن محلية مسجلة في عام 1885 م، وازدهرت تجارة القطن باعتباره سلعة التصدير الرئيسية لمصر، بالإضافة إلى أن تجار القطن ذاع صيتهم في هذه الفترة بين المصدرين نظراً لسمعتهم الطيبة نتيجة التزامهم بتوريد الطلبات في المواعيد المحددة، وسعيهم لتنمية ثقافتهم بمجال عملهم أولاً بأول، حيث كانوا ينتظرون وصول صحيفة الأنباء من أوروبا لكي ترشدهم في عملياتهم في المستقبل، ويبنون تعاقداتهم بدراسة العلاقة بين الطلب والعرض مما أدى إلى نمو أرباحهم وتوسعهم توسعاً كبيراً، كان هذا دافعاً لهم على التطور والتوسع والسعي لإيجاد مقر أوسع وأجمل لأعمالهم، وبالفعل انتقلوا إلى مبنى خاص بهم مجاور للمقهى، وقام التجار رسمياً بإنشاء بورصة الإسكندرية عام1888 م حيث بدأ تداول الأسهم العادية. وعندما بدأ العمل يتزايد أنشئت هيئة خاصة بالإسكندرية للقطن، سميت لاحقاً بـ الهيئة الإسكندرية العامة للغلة أو الـ AGPA)) بغرض التجارة في القطن والحبوب في الأسواق الفورية والآجلة، وفي عام 1899م خلال عهد الخديوي عباس الثاني، انتقلت الـ AGPA» إلى مبني جديد بميدان محمد علي، ومن ثم أطلق عليها «البورصة»، وأصبحت بورصة الإسكندرية أحد أهم معالم المدينة التي تظهر على بطاقات البريد والكتب والدليل الإرشادي للمدينة، وأصبحت البورصة بطرق عديدة النقطة المركزية لمجتمع المدينة الماني، وبعد عشر سنوات أي في عام 1909 م تم تقنين عقود القطن الآجلة لتوافق مع انتعاش مصر بعد الهبوط الاقتصادي الكبير الذي جلبه الانهيار المالي عام 1907م.
ومرت خلالها بورصة الإسكندرية بأزمة شديدة عندما انهارت البنوك والمؤسسات المصرفية والعقارية بسبب الإفراط في المضاربات، أما بالنسبة للتدخل الحكومي فقد كان حتى ذلك الوقت غائباً من الناحية الفعلية، وقد تألف مديرو بورصة الإسكندرية في هذا الوقت من مزيج غير متساوي من المصريين والشاميين واليهود وكان رئيسها سوري الجنسية، وأيضاً لم يكن من بين سماسرة القطن الخمسة والثلاثين المسجلين في عام 1950م سوى اثنين فقط من المصريين، ولكن على الرغم مما اتسمت به الـ AGPA)) من مزيج عرقي إلا أن الهيئة كانت قد قطعت شوطاً كبيراً بعد تحكم البريطانيين فيها لفترة طويلة من خلال أكبر مصدري القطن في الإسكندرية وهما عائلة كارفرو» و «عائلة موس"، ولقد ازدادت قبضة هذين المصدرين على سوق التصدير المربح بعد أن تزوج أحد أبناء عائلة كارفرو» من وريثة «عائلة موس»، وعلى نحو مماثل، سيطر الأجانب في الأغلب على مغازل حلج القطن، وكان في مقدمة هؤلاء الأجانب في القرن الماضي سيليج كول - مانشستر وعائلة البلانتاس - ليفربول»، وحتى الخمسينيات من القرن العشرين كان معظم التداول يتم مع بورصة القطن في ليفربول كشاهد على روابط مصر القوية بالإمبراطورية البريطانية، ولقد تم استخدام تجارة القطن المصرية في هذا الوقت كأداة رئيسية للمساومة وكذلك أداة تعزيز للعملة المصرية حيث كانت تبرز كشرط في أغلب اتفاقيات مصر الدولية، ثم تطورت الأمور وأصبحت هناك أيضاً "لجنة القطن المصرية المشتركة» و«معهد القطن»، وهما مؤسستان موقرتان منضمتان إلى المؤتمر الدولي للقطن»، بمرور الوقت زاد عدد المصدرين وضموا "طلعت حرب باشا» مؤسس مجموعة شركات بنك مصر، " ومحمد فرغلي باشا رئيس هيئة مُصدري القطن بالإسكندرية".
بورصة القاهرة
خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر وبينما كانت بورصة الإسكندرية تكتسب شكلاً معيناً، كان كبار التجار والصناعيين في القاهرة يمارسون عملياتهم التمويلية وتداول الأسهم في عدد من المقاهي والصالونات مثل المقهى الشهير نيو بار ، وفي ذلك الوقت لفت السيد موریس کاتاوی کبیر تجار وسماسرة القاهرة انتباه التجار والسماسرة مرة أخري أثناء أحد اجتماعاتهم غير الرسمية في المقهى إلى أن الوقت قد حان لكي تنتهج القاهرة نهج الإسكندرية ويكون لها بورصة خاصة بها، حيث أصبح من الصعب على رؤساء المنشآت الأجنبية إجراء اتفاقات في شوارع القاهرة الجانبية أو داخل المقاهي بشأن تمويل حكوماتهم لمشروعات تستهدف كسب التأييد وربحية أشخاص بعينهم وذلك في ظل وصول الشركات ذات المسئولية المحدودة إلى 79 شركة برأسمال إجمالي بلغ 29 مليون جنيهاً مصرياً، وفي مايو من عام 1893م افتتح هؤلاء بزعامة رجل الصناعة المعروف مواز شاتوي بك البورصة الخديوية في القاهرة في مبني كان يشغله البنك العثماني في شارع المغربي (ميني جروبي - عدلي اليوم ) وأطلق التجار ورجال الصناعة على الشركة التي قاموا بتأسيسها للإشراف على التعاملات اسم شركة مصر المحدودة للبورصة والأعمال المصرفية BBCE.
ارتبط تطور سوق الأوراق المالية في مصر بنشأة الأوراق المالية والشركات المساهمة وما حدث فيها من تطور، حيث درجت الحكومات المصرية منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر على الاقتراض من الخارج سواء من البنوك الأجنبية مباشرة أو عن طريق سندات الدين العمومي التي كانت تطرحها أو تكتب فيها تلك البنوك، وقد واكب ذلك إنشاء الشركات المساهمة المصرية مثل "الشركة العالمية لقناة السويس البحرية"، التي كانت أوراقها المالية تتداول بالبورصة في أهم مراكزها العالمية ، وكان من نتائج زيادة الأوراق المالية سواء الأجنبية منها أو المحلية المتمثلة في سندات الدين العمومي أو في أسهم وسندات الشركات المساهمة فضلاً عن استكمال مصر لنظامها المصرفي أن أصبح الجو مهياً لنشأة بورصة الأوراق المالية.
في عام 1903م اتفق السماسرة على تنظيم أعمال البورصة من خلال نقابة أنشئت بالاتفاق مع البنك الأهلي المصري»، ومن هنا كان ميلاد (بورصة القاهرة، ففي يوم الخميس الموافق 21 مايو 1903 م تكونت لجنة من أعضاء مؤسسين للبورصة على رأسهم "موريس كاتاوي بك" * بالإضافة إلى ممثلين عن كل من بنك ليونز الائتماني»، «بنك مصر»، البنك العثماني الإمبريالي البنك المصري البريطاني» و«البنك الأهلي المصري»، وقامت اللجنة الخاصة برئاسة موريس كاتاوي بك باختيار المبنى القديم للبنك العثماني (و هو الآن ميني جروبي - فرع عدلي) الكائن بشارع المغربي كمقر رسمي – ولكن بصفة مؤقتة - لـ الشركة المصرية للأعمال المصرفية والبورصة»، واستأجرت الشركة الجديدة بما لديها من خطط طموحة هذا المبنى لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد وبإيجار سنوي بلغ 400 جنيهاً، وفي نفس الوقت تم الإعلان عن مسابقة دولية لتصميم بورصة يكون مقرها المنطقة الأوروبية بالقاهرة الكائنة بمحافظة الإسماعيلية، ليس بعيداً عن مقر البنك الأهلي المصري (مقر البنك المركزي الآن)، فاز بها المهندس المعماري الفرنسي راؤول براندون.
ولم يكن هناك توقيت أفضل من ذلك أو هكذا اعتقد الجميع لنمو البورصة، فقد كان داعمو ومناصرو قيام البورصة يتمتعون بجرأة دفعتهم إلى النجاح والنمو، وكان أمراً معروفاً للجميع أن بورصتا القاهرة والإسكندرية عند اجتماعهما سوف يكون لهما شأن خاص، وبالفعل قد كان حيث احتلتا مركزاً بين أكبر خمس بورصات على مستوى العالم، فقد كان اقتصاد مصر في هذه الأوقات منتعشاً وبلغ عدد الشركات المتداولة في بورصة القاهرة وحدها ،228، بإجمالي رأسمال قدره 91 مليون جنيها، وكان هناك 73 سمساراً ووسيطاً متوفرون يتولون شئون تجارة الأسهم في طفرتها، ومما لا شك فيه أن المبنى المتواضع بشارع المغربي استطاع أن يتجاوز الفائدة التي صُمم من أجلها. وكان هذا الوقت مناسباً للاستعراض والتفاخر، إلا أنه سرعان ما اختفت هذه الحالة من الشعور بالنشاط والنجاح، حيث بدأت المضاربات في الدخول إلى عالم البورصة بما تنطوي عليه من مخاطرة عالية، صاحب ذلك إخفاق (بنك كاسادي سكونتو بالإسكندرية في يوليو 1907م)، وانتهي الأمر بحدوث انهيار وذعر مالي بمصر، وضرب هذا الانهيار اليابان بعد ذلك ثم ألمانيا ثم شيلي، ومع حلول شهر أكتوبر امتد ليشمل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ثم أخذت المصارف في مصر في الانهيار واحداً تلو الآخر وانخفضت أسعار الأسهم بسرعة شديدة، ونتيجة لهذا الانهيار تم تصفية الشركة المصرية للأعمال المصرفية والبورصة»، وقد حدث ذلك في الوقت الذي كانت تعتزم فيه شركة مصر المحدودة للبورصة والأعمال المصرفية BBCE (2) الانتقال إلى مقر أوسع يتيح لها مجاراة بورصة الإسكندرية. وبعد انقضاء 18 شهراً من إعلان السيد (براندون) عن جائزة لتصميم مبنى البورصة التي لم يقدر لها أن تعمل، قامت مؤسسة وكلاء العملة» بتفويض المنشأة المصرية» لإنشاء مبنى لسوق الأوراق المالية، وبدا الصرح المشيد من أجمل المباني في القاهرة، وأصبح للقاهرة منصة تداول حقيقية يحوطها شرفة عالية يمكن منها للجمهور المهتم أن يراقب حركة تداول الأسهم، وتكاتف رجال الأعمال لإحياء بورصة القاهرة وبدأت حركة التداول بالكاد في أبريل 1909 م بـ «شارع البورصة الجديدة" في مبنى يشغله حاليا البنك الوطني للتنمية حيث صدر الأمر العالي في 8 نوفمبر عام 1909م بإصدار أول لائحة للبورصة، وتم تعديلها في عامي 1910 م، 1912م. وفي عام 1928م، قبل انهيار وول ستريت» بعام، انتقلت بورصة القاهرة إلى مقرها الحالي الكائن بـ (شارع الشريفين)، وقد قام بتصميم هذا المبنى بصفوف أعمدته المبنية على الطراز المعماري الإغريقي المحدث، المعماري الفرنسي (جورج بارسك) والذي قام ببناء معظم مباني القاهرة الأنيقة بما في ذلك مبنى متجر صيدناوی» به میدان خازيندار»، الذي كان مكان اللقاء الأول بين تجار القاهرة المضاربين قبل تكوين أول بورصة بالقاهرة، ثم عدلت لائحة البورصة بموجب المرسوم الصادر بتاريخ31 من ديسمبر عام 1933م بإصدار لائحة جديدة لبورصات الأوراق المالية، والتي عُدلت هي الأخرى في عام 1940م ثم عدلت في عام1947 م، ثم ازداد نشاط البورصتين بعد ذلك حتى وصلنا إلى عصرهما الذهبي في أربعينيات القرن العشرين، حيث كان مجموع رأس المال السوقي في بورصتي القاهرة والإسكندرية يضع مصر في المركز الخامس على مستوى العالم، وجدير بالذكر أن الفترة من عام 1914 م حتى عام 1952 م قد شهدت تطوراً كبيراً في السياسة الاقتصادية نظراً للتقدم الاقتصادي والتطورات في الظروف السياسية والاقتصادية، وقد صاحب ذلك تطور هائل في سوق الأوراق المالية، بحيث أصبحت القاهرة في ذلك الوقت مركزاً مالياً إقليمياً ودولياً واسع النشاط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سوق الأوراق المالية في مصر - التجربة والمستقبل - المجلة الاقتصادية - البنك المركزي المصري - العدد (21) - القاهرة - 1988/87م.
* بحث في الإطار القانوني والتنظيمي لسوق رأس المال في مصر محمود فهمي.
2- إستراتيجية تنمية سوق الأوراق المالية في مصر - المجلة العلمية لكلية التجارة - جامعة أسيوط - أمير السيد التوني - ملحق خاص للعدد العاشر - السنة (6) - ديسمبر 1986 م.
الاكثر قراءة في السياسات و الاسواق المالية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة