أهمية تحصيل الإخلاص في التعاليم الدينية
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 132 ــ 134
2025-11-26
3
نظرا إلى ضرورة تحصيل الإخلاص وانعدام قيمة العمل غير الخالص، نجد أن أولياء الدين يوصون باستمرار بأن يسعى الإنسان إلى القيام بعمله بإخلاص وبدوافع إلهية، وبالطبع من الصعب للغاية الوصول إلى هذه المرتبة، وبما أنه من الصعب تصحيح النية وإخلاصها لله، وبما أن قصد التقرب يحتاج إلى جهد كبير، نجد أن معظم الناس يقعون تحت تأثير وساوس الشيطان، وليس لديهم أي التفات إلى النية، وبالنسبة إليهم يمثل فعل الخير الفعل المفيد والنافع مع صرف النظر عن النية، غافلين عن أنه قد يكون الفعل مفيدا للآخرين ومفيدا للمجتمع، ولكن ليس مفيدا لنفس فاعله، بل يكون مضرا أيضا؛ لأنه يفتقر إلى النية الإلهية وإلى الإخلاص.
ومن هنا، فإن الشخص الذي ينفق ثروة كبيرة من المال في تلبية احتياجات المجتمع ولكن من أجل إبراز نفسه ورياء ومن أجل تحصيل شعبية بين الناس، ففعله هذا مفيد للمجتمع، ولكن لا فائدة فيه لنفسه هو؛ لأن هذا الفعل يفتقر إلى الإخلاص والدافع الإلهي، فلن يزيد شيئا من كمالاته ولن يؤدي إلى قربه من الله، ولن يحصد من الجهود التي بذلها ولا من رأس المال الذي أنفقه إلا الهواء، يقول الله (عز وجل) عن عاقبة فعل هؤلاء الأفراد ما يلي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264].
لذلك يجب على الذين يبحثون عن السعادة الأخروية وتقبل الله لأعمالهم أن يفحصوا دوافعهم وأن يروا ما الذي يسعون وراءه فكلما أدى افتقار العمل إلى المزايا المادية والدنيوية إلى ضعفهم في إنجاز العمل. فإنهم يعلمون أنه لم يكن عن إخلاص وكلما أثر ثناء الآخرين وامتنانهم على سلوكهم، وفي المقابل لو أنه لم يتم تقديرهم، فلن يكون لديهم النشاط للقيام بذلك العمل، فعليهم أن يعلموا أن نواياهم ودوافعهم قد خدشت وتلوثت، ولو أن الإنسان قام بفعل لله حقا، فلا ينبغي أن يؤثر عليه مدح الآخرين أو ذمهم في إرادته وقراره، وينبغي علينا أن نكون مطمئنين لدوافعنا وسلوكياتنا، بل يجب أن نضع أنفسنا دائما في موضع المتهم وألا نرضى عن فعلنا أبدا، وأن نكون كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَنَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ فَلَا يَزَالُ زَارِيا عَلَيْهَا وَمُسْتَزِيداً لَهَا) (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ نهج البلاغة، الخطبة 175.
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة