نعتقد أنّ الأئمة هم أولو الأمر الّذين أمر الله تعالى بطاعتهم ، وأنّهم الشهداء على الناس ، وأنّهم أبواب الله والسبيل إليه ، والادلاء عليه ، وأنّهم عيبة علمه ، وتراجمة وحيه ، وأركان توحيده ، وخزّان معرفته ، ولذا كانوا أمانا لأهل الأرض ، كما أن النجوم أمان لأهل السماء (على حد تعبيره صلى الله عليه وآله). وكذلك ـ على حد قوله أيضا ـ إنّ مثلهم في هذه الامة كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى ، وأنهم حسبما جاء في الكتاب المجيد (عباد الله المكرمون الّذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.
بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالى ، ونهيهم نهيه ، وطاعتهم طاعته ، ومعصيتهم معصيته ، ووليّهم وليّه ، وعدوّهم عدوّه ، ولا يجوز الردّ عليهم ، والرادّ عليهم كالرادّ على الرسول ، والرادّ على الرسول كالرادّ على الله تعالى ، فيجب التسليم لهم ، والانقياد لأمرهم والأخذ بقولهم.
ولهذا نعتقد أنّ الأحكام الشرعيّة الإلهيّة لا تستقى إلّا من نمير مائهم ولا يصحّ أخذها إلّا منهم ولا تفرغ ذمّة المكلّف بالرجوع إلى غيرهم ، ولا يطمئن بينه وبين الله إلى أنّه قد أدّى ما عليه من التكاليف المفروضة إلّا من طريقهم. إنّهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق في هذا البحر المائج الزاخر بأمواج الشبه والضلالات والادعاءات والمنازعات.
ولا يهمّنا من بحث الإمامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون ، وأهل السلطة الإلهيّة ، فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التأريخ ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها.
وإنّما الّذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم ، في الأخذ بأحكام الله الشرعيّة وتحصيل ما جاء به الرسول الأكرم على الوجه الصحيح الّذي جاء به. وأنّ في أخذ الأحكام من الرواة والمجتهدين الّذين لا يستقون من نمير مائهم ولا يستضيئون بنورهم ابتعادا عن محجّة الصواب في الدين ، ولا يطمئن المكلّف من فراغ ذمّته من التكاليف المفروضة عليه من الله تعالى ؛ لأنّه مع فرض وجود الاختلاف في الآراء بين الطوائف والنحل فيما يتعلق بالأحكام الشرعيّة اختلافا لا يرجى معه التوفيق ، لا يبقى للمكلّف مجال أن يتخير ويرجع إلى أيّ مذهب شاء ورأي اختار ، بل لا بدّ له أن يفحص ويبحث حتّى تحصل له الحجة القاطعة بينه وبين الله تعالى على تعيين مذهب خاص يتيقن أنه يتوصل به إلى أحكام الله وتفرغ به ذمته من التكاليف المفروضة ، فإنّه كما يقطع بوجود أحكام مفروضة عليه يجب أن يقطع بفراغ ذمته منها ، فإنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
والدليل القطعيّ دالّ على وجوب الرجوع إلى آل البيت ، وأنّهم المرجع الأصلي بعد النبيّ لأحكام الله المنزلة ، وعلى الأقلّ قوله ـ عليه أفضل التحيات ـ : «إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ألا وأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض». وهذا الحديث اتفقت الرواية عليه من طرق أهل السنّة والشيعة ، فدقق النظر في هذا الحديث الجليل تجد ما يقنعك ويدهشك في مبناه ومعناه ، فما أبعد المرمى في قوله : (إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا) والّذي تركه فينا هما الثقلان معا إذ جعلهما كأمر واحد ، ولم يكتف بالتمسك بواحد منهما فقط ، فيهما معا لن تضل بعده أبدا.
وما أوضح المعنى في قوله : «لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» فلا يجد الهداية أبدا من فرّق بينهما ولم يتمسك بهما معا فلذلك كانوا «سفينة النجاة» و «أمانا لأهل الأرض» ومن تخلّف عنهم غرق في لجج الضلال ، ولم يأمن من الهلاك. وتفسير ذلك بحبهم فقط من دون الأخذ بأقوالهم واتباع طريقهم ، هروب من الحق لا يلجأ إليه إلّا التعصب والغفلة عن المنهج الصحيح في تفسير الكلام العربيّ المبين (أ).
_________________
(أ) ولا بأس بذكر امور:
الأوّل : أنّ الأئمة ـ عليهم السلام ـ هم أولو الأمر الّذين يكون طاعتهم مطلقا مفروضة ، وذلك واضح بعد ما مرّ من كونهم قائمين مقام النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ في جميع شئونه ، ومنها الولاية والحكومة على المسلمين ، ويشهد له مضافا إلى الروايات المتواترة قوله تبارك وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (1) ولا تشمل الآية المباركة غيرهم من الولاة والخلفاء ؛ لاختصاص الإطاعة المطلقة بالله تعالى والمعصومين من الرسول والأئمة المكرمين ، وإلّا لزم الأمر بالطاعة عن الفاسقين وهو قبيح ، فالآية حيث تدلّ على الطاعة المطلقة لله وللرسول واولي الأمر بسياق واحد ، تدلّ على أنّ المراد من الموضوع وهو أولو الأمر هم المعصومون ، كما فسرت الآية بهم في الروايات الكثيرة
منها : ما ورد من أن جابر بن عبد الله الأنصاري سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فمن أولو الأمر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ وقال ـ صلى الله عليه وآله ـ : هم خلفائي يا جابر ، وأئمة المسلمين من بعدي ، أوّلهم علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ، ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمّد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم عليّ بن موسى ، ثم محمّد بن عليّ ، ثم علي بن محمّد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، حجة الله في أرضه ، وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ، ذاك الّذي يفتح الله ـ تعالى ذكره ـ على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان ، قال جابر : فقلت له : يا رسول الله ، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال ـ صلى الله عليه وآله ـ : اي والّذي بعثني بالنبوّة أنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علمه فاكتمه إلّا عن أهله (2).
ومنها : ما ورد في أمالي الشيخ ـ قدس سره ـ من أنّ أبا محمّد الحسن بن علي ـ عليهما السلام ـ خطب الناس بعد البيعة له بالامر ، فقال : نحن حزب الله الغالبون وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون الطاهرون ، وأحد الثقلين الّذين خلّفهما رسول الله في امته ـ إلى أن قال ـ : فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة الله عزوجل مقرونة ، قال الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) الحديث (3).
ومنها : ما رواه في الكافي عن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكرت إلى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قولنا في الأوصياء وأنّ طاعتهم مفترضة قال : فقال : نعم هم الّذين قال الله عزوجل : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وهم الذين قال الله عزوجل : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (4).
ومنها : ما رواه في الكافي أيضا عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ : «ايانا عني خاصة أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا» (5).
وإلى غير ذلك من الروايات المرويّة في الأبواب المختلفة الّتي تدلّ على أنّ المراد من اولي الأمر هم الأئمة المعصومون ـ عليهم السلام ـ وعلى أنّ طاعتهم مفروضة ، وهو كما عرفت مطابق للاعتبار ، إذ السياق يفيد الإطاعة المطلقة ، وهي لا معنى لها إلّا في المعصومين ، ولعلّه لذلك قال في دلائل الصدق بعد نقل الآية المباركة: لا يمكن أنّ يشمل سائر الخلفاء سواء أراد بهم خصوص الأربعة، أم الاعمّ منهم ومن معاوية ويزيد والوليد وأشباههم ؛ لدلالة الآية على عصمة أولي الأمر ، وهؤلاء ليسوا كذلك ، فيتعين أن يراد بأولي الأمر عليّ وأبناؤه الأطهار ؛ لانتفاء العصمة عن غيرهم بالضرورة والاجماع (6).
وقال المحقق اللاهيجي : إنّ المراد من اولي الأمر لا يكون إلّا المعصومين ؛ لأنّ تفويض امور المسلمين إلى غيرهم ترك لطف وهو قبيح (7).
ومن ذلك يظهر وجه اختصاص اولي الأمر بالأئمة الّذي أشار إليه المصنف بقوله : «ونعتقد أنّ الأئمة هم أولو الأمر الّذين أمر الله تعالى بطاعتهم».
ثم لا يخفى عليك أنّ الفخر الرازي بعد اعترافه بدلالة الآية على عصمة الرسول واولي الأمر حمل اولي الأمر على الإجماع ، وقال : حمله عليه أولى ؛ لأنّه أدخل الرسول واولي الأمر في لفظ واحد وهو قوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، فكان حمل اولي الأمر الّذي هو مقرون الرسول على المعصوم أولى من حمله على العاجز والفاسق الخ.
وفيه أنّ ذلك الحمل ردىء ؛ لأنّه خلاف الظاهر من الكلمة ، إذ لا مناسبة بين اولي الأمر والإجماع ، هذا مضافا إلى أنّ الإجماع على فرض وجوده ، وتحقق شرائطه حجّة بما أنه كاشف عن الحكم الشرعي ، وليس لنفس المجمعين حق الأمر والولاية ، هذا بخلاف اولي الأمر والرسول ، فإنّ لهم حقّ الأمر والحكم بين الناس ، وهذه الإطاعة غير طاعة الله ، ولذا كرّر الإطاعة فيهم ولم يكتف بذكرها في الله تعالى ، وقال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) هذا مع تفسير الآية في النصوص بالآحاد من الامة ، وهم الأئمة ـ عليهم السلام ـ كما عرفت الإشارة إلى بعض هذه النصوص ، فتفسيرها بالإجماع خلاف النصوص المستفيضة الصحيحة أيضا كما لا يخفى.
والأضعف مما ذكر ما حكي عن صاحب المنار من أنّ المراد من اولي الأمر إجماع أهل الحلّ والعقد من المؤمنين ، إذا أجمعوا على أمر من مصالح الامة ، لما عرفت من أنّ حمله على إجماع الامة خلاف الظاهر وخلاف النصوص فضلا عن حمله على جماعة من الامة كأهل الحلّ والعقد هذا (8).
وأمّا شموله بالنسبة إلى الفقهاء ففيه تفصيل ، فإن اريد به شموله أصالة فقد مرّ وجه اختصاصه بالمعصومين ، فلا يشمل غيرهم.
وإن اريد به شموله لهم تبعا للأئمة المعصومين ـ عليهم السلام ـ لأنّهم يكونون في طول الأئمة بعد كون مشروعية ولايتهم بنيابتهم عنهم ، فلا يبعد صحته إذ ولايتهم من شئون ولاية الأئمة. ولعلّ إليه يشير ما روي عن الصادق ـ عليه السلام ـ من أنّ المراد من اولي الأمر بالأصالة علي بن أبي طالب وغيره بالتبع (9) ، وعليه فإطاعة الفقهاء واجبة ؛ لأنّها ترجع إلى إطاعة اولي الأمر باعتبار كونهم منصوبين عنهم.
اللهم إلّا أن يقال من المحتمل أن يكون الحصر في الأخبار المشار إليها حصرا إضافيا بالنسبة إلى حكام الجور المتصدين للحكومة في أعصار الأئمة ـ عليهم السلام ـ فأرادوا ـ عليهم السلام ـ بيان أنّ الحق لهم ، وأنّ هؤلاء المتصدين ليسوا أهلا لهذا الأمر ، وإلّا فولاية الأمر إذا كانت عن حق ، بأن كانت بجعل الأئمة ـ عليهم السلام ـ إياها لشخص أو عنوان ، فهو من قبيل تعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلية ، ودوران الحكم مداره ، فعلة وجوب الإطاعة له هي كونه صاحب الأمر ، وأنّ له حقّ الأمر شرعا ، ولا محالة لا يشمل صورة أمره بمعصية الله إذ ليس له حق الأمر بالمعصية.
وبالجملة فإطاعته واجبة في حدود ولايته المشروعة ، ولا يطلق صاحب الأمر إلّا على من ثبت له حق الأمر والحكم شرعا ، كما لا يطلق صاحب الدار إلّا على من ملكها شرعا ، دون من تسلّط عليها غصبا (10) ، وعليه فلا مانع من شمول الآية للفقهاء عرضا ، ولكنّه تنافيه الأخبار كقول أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : وإنّما أمر بطاعة اولي الأمر لأنهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصيته ، إذ التعليل يخصص ذلك بالمعصومين فتدبّر جيدا.
الثاني : أنّ الأئمة ـ عليهم السلام ـ هم الشهداء على الناس ، وذلك واضح بعد ما عرفت من محدودة علمهم ؛ لأنّ العلم بما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة يستلزم العلم بأعمال الناس ، هذا مضافا إلى شهادة الروايات على عرض الأعمال على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ والأئمة المعصومين ـ عليهم السلام ـ في ذيل قوله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (11) ، وعليه فيمكن لهم إقامة الشهادة على الناس يوم القيامة وهذا أمر دلّ عليه الكتاب حيث قال عزوجل : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (12) لأنّ الخطاب إلى الامة باعتبار بعضهم ممن يكون صالحا لوصف الوسطية المطلقة لا جميعهم ؛ لوضوح عدم كونهم في الاعتدال فضلا عن الاعتدال المطلق الواقعي ، فالمراد منها هو الخواص وهم الأئمة ـ عليهم السلام ـ الّذين كانوا معصومين عن الإفراط والتفريط وخطاب الامة باعتبار بعضها أمر شايع ، كقوله تعالى مخاطبا لبني إسرائيل : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) (13) مع أنّ الملك في كلّ عصر لا يكون إلّا واحدا ، ولذلك قال الإمام البلاغي ـ قدس سره ـ فهذه الصفات إنّما تكون باعتبار البعض ، والموجه إليه الخطاب هو ذلك البعض ، وقد روي في اصول الكافي بأسناد صحيحة عن أبي جعفر وعن أبي عبد الله ـ عليهما السلام ـ : «نحن الامّة الوسط ، ونحن شهداء الله على خلقه» ، وعن الحسكاني في شواهد التنزيل ، عن سليم الهلالي عن علي (ع) : نحن الّذين قال الله : (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً). وعن العيّاشي عن ابن أبي عمير الزبيري عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في هذه الآية «أفترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر ، يطلب الله شهادته يوم القيامة ، ويقبلها منه بحضرة جميع الامم الماضية ، كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه» (14).
فهذا المقام مقام رفيع مخصوص بهم ، ومقتضاه هو إشرافهم على الناس وأعمالهم ونيّاتهم ، بحيث يسرهم إذا كانوا على خير ، ويحزنهم إذا كانوا على معصية ، كما دلّت عليه النصوص.
هذا مضافا إلى دلالة الآية الشريفة على أنّ هؤلاء الشهداء موجودون بين الناس ، إذ الشهادة على الناس غير ممكنة بدون الحضور ، كما دلّ عليه ما رواه في الكافي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله عزوجل : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) قال : نزلت في أمّة محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ خاصة ، في كلّ قرن منهم إمام منّا شاهد عليهم ومحمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ شاهد علينا. (15)
وفي نهاية البحث نقول : إنّ شهادتهم على الجميع تحكي عن علوّ شأنهم ومقامهم بالنسبة إلى الجميع ، وعن طهارتهم وعصمتهم ، وإلّا فلم تقبل شهادتهم كذلك ، ولعلّ إليه يشير ما روي عن مولانا أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ أنّه قال : «إنّ الله تبارك وتعالى طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه ، وحجته في أرضه ، وجعلنا مع القرآن ، وجعل القرآن معنا ، لا نفارقه ولا يفارقنا (16) ، وبقية الكلام في محلّه (17).
الثالث : أنّهم أبواب الله والسبيل إليه والإدلاء عليه ؛ لأنّهم قائمون مقام النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ فكما أنّ التعبد والسلوك بدون معرفة النبيّ ضلالة وتحيّر ، كذلك الجهد والسعي في العبادة بدون معرفة الإمام الّذي يقوم مقامه في جميع شئونه عدا تلقّي الوحي. والروايات في هذا المعنى كثيرة جدا.
منها : ما رواه في الكافي بسند صحيح عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ يقول : «كلّ من دان الله عزوجل بعبادة يجهد فيها نفسه ، ولا إمام من الله ، فسعيه غير مقبول ، وهو ضالّ متحيّر والله شانئ لأعماله» (18).
ومنها : ما رواه فيه أيضا عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في ضمن حديث «إنّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه ، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله ، والوجه الّذي يؤتى منه ، فمن عدل عن ولايتنا ، أو فضّل علينا غيرنا ، فإنهم عن الصراط لناكبون» الحديث (19).
وتشهد لهذا المعنى الروايات الكثيرة الّتي عبرت عن عليّ وأولاده المعصومين ـ عليهم السلام ـ بالصراط المستقيم ، أو العروة الوثقى منها : ما رواه في غاية المرام عن الكليني عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي ـ عليه السلام ـ قال : قلت : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال : إنّ الله ضرب مثلا من حاد عن ولاية عليّ كمن يمشي مكبّا على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم ، والصراط المستقيم أمير المؤمنين (20).
ومنها : ما رواه في غاية المرام أيضا عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ في قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) قال : طريق الإمامة فاتبعوه ولا تتبعوا السبل أي طرقا غيرها (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (21).
ومنها : ما رواه في غاية المرام أيضا عن أبي الحسن الفقيه محمّد بن علي بن شاذان في المناقب المائة من طريق العامّة بحذف الاسناد عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول : معاشر الناس ، اعلموا أنّ لله تعالى بابا من دخله أمن من النار ومن الفزع الاكبر ، فقام إليه أبو سعيد الخدري ، فقال يا رسول الله اهدنا إلى هذا الباب حتّى نعرفه ، قال : هو عليّ بن أبي طالب سيد الوصيين ، وأمير المؤمنين ، وأخو رسول ربّ العالمين ، وخليفة الله على الناس أجمعين ، معاشر الناس ، من أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقى ، الّتي لا انفصام لها ، فليتمسك بولاية عليّ بن أبي طالب ، فإنّ ولايته ولايتي وطاعته طاعتي ، معاشر الناس من احب أن يعرف الحجة بعدي فليعرف علي بن أبي طالب.
معاشر الناس ، من سرّه ليقتدي بي فعليه أن يتوالى ولاية عليّ بن أبي طالب ، والأئمة من ذريتي ، فإنّهم خزّان علمي ، فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال : يا رسول الله ما عدّة الأئمة؟ قال : يا جابر سألتني رحمك الله عن الإسلام بأجمعه ، عدّتهم عدّة الشهور ، وهو عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض ، وعدّتهم عدّة العيون الّتي انفجرت منه لموسى بن عمران ـ عليه السلام ـ حين ضرب بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وعدّة نقباء بني إسرائيل ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) فالأئمة يا جابر ، اثنا عشر إماما أوّلهم علي بن أبي طالب ، وآخرهم القائم صلوات الله عليهم (22).
وتشهد لذلك أيضا الروايات الدالّة على أن الأئمة ـ عليهم السلام ـ أركان الإيمان ، ولا يقبل الله جلّ جلاله الأعمال من العباد إلّا بولايتهم ، والروايات الدالّة على أن عليا باب مدينة العلم ، وباب مدينة الحكمة ، وباب مدينة الجنّة ، والروايات الدالّة على أنّ عليّا قسيم الجنة والنار ، ووليّ الحوض وساقيه ، ونحوها من طوائف الأخبار الّتي كانت مرويّة في جوامعنا وجوامع إخواننا العامّة بأسناد متواترة فراجع.
الرابع : أنّهم عيبة علمه ، وتراجمة وحيه ، وأركان توحيده ، وخزّان معرفته ، وقد عرفت فيما مرّ أنّ الأئمة ـ عليهم السلام ـ ورثة علوم الأنبياء ، من طريق النبيّ ، فالتوراة عندهم ، والإنجيل عندهم ، وصحف إبراهيم عندهم ، وتفسير الكتاب عندهم ، ولا يشدّ عن علومهم شيء من العلوم الإلهية الّتي علمها الله تعالى ، وعليه فهم عيبة علمه ، وتراجمة وحيه ، وخزّان معرفته ، وحيث أنّ المعرفة الكاملة الممكنة في حد البشر بالنسبة إليه تعالى عندهم ، فبهم يعرف توحيده تعالى ، وهم كانوا أركان توحيده.
وقد دلّت الروايات المتكثرة على ذلك منها : ما رواه في الكافي عن الصادق ـ عليه السلام ـ أنّه يقول : «نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله» (23).
ومنها : ما رواه في الكافي أيضا عن سدير عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : قلت له : «جعلت فداك ما أنتم؟ قال : نحن خزّان علم الله ، ونحن تراجمة وحي الله ، ونحن الحجّة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض» (24).
ومنها : ما رواه في الكافي أيضا عن أبي الحسن موسى ـ عليه السلام ـ قال : «قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : إنّ الله عزوجل خلقنا فأحسن خلقنا ، وصوّرنا فأحسن صورنا ، وجعلنا خزّانه في سمائه وأرضه ، ولنا نطقت الشجرة ، وبعبادتنا عبد الله عزوجل ولولانا ما عبد الله» (25).
ومنها : ما رواه في الكافي. أيضا عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ : «الأوصياء هم أبواب الله عزوجل الّتي يؤتى منها ، ولولاهم ما عرف الله عزوجل ، وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه» (26).
ويشهد لذلك أيضا ما ورد في عظمة علم عليّ وأولاده المعصومين ـ عليهم السلام ـ مثل ما رواه في غاية المرام عن الخطيب الفقيه أبي الحسن ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب بإسناده إلى ابن عباس قال : «قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : أتاني جبرئيل ـ عليه السلام ـ بدرنوك من الجنة فجلست عليه فلمّا صرت بين يدي ربي كلّمني وناجاني ، فما علمت شيئا إلّا علّمته عليا فهو باب علم مدينتي ، ثم دعاه إليه ، فقال : يا علي سلمك سلمي وحربك حربي وأنت العلم فيما بيني وبين أمّتي بعدي» (27).
ومثل ما رواه فيه أيضا عن ابن شاذان عن أبي هريرة قال : كنت عند النبيّ إذ أقبل علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ فقال : أتدري من هذا؟ قلت : علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ فقال النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ : هذا البحر الزاخر ، هذا الشمس الطالعة ، أسخى من الفرات كفّا ، وأوسع من الدنيا قلبا ، فمن أبغضه فعليه لعنة الله (28).
ومثل ما رواه فيه عن الترمذي ، وهو من أكابر علماء العامّة ، قال ابن عباس وهو إمام المفسرين : «العلم ستة أسداس ، لعليّ منها خمسة أسداس ، للناس سدس ، ولقد شاركنا فيه حتّى هو أعلم به منا» (29).
ويشهد لذلك أيضا ما ورد في أنّ علم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كلّه عند أمير المؤمنين وأولاده المعصومين ـ عليهم السلام ـ وما ورد في أنّ عليا يقول : «والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم» وغير ذلك من الروايات المتواترات.
الخامس : أنّهم أمان لأهل الأرض ، ولا إشكال ولا ريب في أنّ الاهتداء لا يتحقق إلّا بهم ، بعد ما عرفت من أنّهم خلفاء الله ورسوله ، وعيبة علمه ، وخزّان علمه ، وتراجمة وحيه ، وأنّ الإعراض عنهم لا يوجب إلّا الهلاكة والسقوط ، والتحيّر والضلالة ، فبهذا الاعتبار ، هم أمان لأهل الأرض ، ولعلّه ظاهر قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ مثل «أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى» وإليه أشار المصنف بقوله : ولذا كانوا أمانا لأهل الأرض إلخ.
كما أنّهم باعتبار آخر أيضا أمان لأهل الأرض وهو أنّ الأرض والسماء وبركاتهما تدوم ما دام النبيّ أو الوليّ موجودا في الأرض وإلّا فلا بقاء لهما ولا لبركاتهما ، وهذا مستفاد أيضا من الروايات.
منها : ما رواه في غاية المرام عن مسند أحمد بن حنبل ... عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أنّه قال : «النجوم أمان لأهل السماء ، إذا ذهبت النجوم ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» (30).
ومنها : ما رواه فيه أيضا عن ابن بابويه عن جابر بن يزيد الجعفي قال : «قلت لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر ـ عليهما السلام ـ لأي شيء يحتاج إلى النبيّ والإمام؟ فقال : لبقاء العالم على صلاحه وذلك أنّ الله عزوجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبيّ أو إمام ، قال الله عزوجل : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وقال النبيّ : النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهبت أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون» (31).
ومنها : ما رواه فيه أيضا عن ابن بابويه ... عن الصادق ـ عليه السلام ـ عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه علي بن الحسين قال : «نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين وسادة المؤمنين وقادة الغرّ المحجلين وموالي المؤمنين ونحن أمان الأرض ، كما أنّ النجوم امان لأهل السماء ، ونحن الّذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزل الغيث ، وبنا تنشر الرحمة ، وتخرج بركات الأرض ، ولو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها ، ثم قال ـ عليه السلام ـ : ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله ، ولو لا ذلك لم يعبد الله» الحديث (32).
ومنها : ما رواه في الكافي عن مولانا الصادق ـ عليه السلام ـ أنّه قال : «إنّ الله خلقنا فاحسن صورنا ، وجعلنا عينه في عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ، ووجهه الّذي يؤتى منه ، وبابه الّذي يدلّ عليه ، وخزّانه في سمائه وأرضه ، بنا أثمرت الأشجار ، وأينعت الثمار ، وجرت الأنهار ، وبنا ينزل غيث السماء ، وينبت عشب الارض ، وبعبادتنا عبد الله ، ولو لا نحن ما عبد الله» (33) وغير ذلك من الروايات.
السادس : أنّ الأئمة هم العباد المكرمون المطهّرون ، إذ إمامتهم لا تنفك عن عصمتهم وطهارتهم ، هذا مضافا إلى تنصيص الروايات الكثيرة المتواترة.
قال علي بن موسى الرضا ـ عليه السلام ـ في ضمن ما قال : «الإمام المطهّر من الذنوب المبرّا من العيوب» (34) وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : «من سرّه أن ينظر إلى القضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله عزوجل بيده ، ويكون متمسكا به ، فليتول عليا والأئمة من ولده ، فإنّهم خيرة الله عزوجل وصفوته ، وهم المعصومون من كلّ ذنب وخطيئة» (35).
وأخبرت فاطمة ـ سلام الله عليها ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أنّه قال : «أخبرني جبرئيل عن كاتبي عليّ أنهما لم يكتبا على عليّ ذنبا مذ صحباه» (36).
وأخبر محمد بن عمّار بن ياسر عن أبيه قال : سمعت النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول : «إنّ حافظي عليّ ليفخران على سائر الحفظة ، بكونهما مع علي ـ عليه السلام ـ وذلك أنّهما لم يصعدا إلى الله عزوجل بشيء منه فيسخطه» (37).
وقال الإمام علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ : «الإمام منّا لا يكون إلّا معصوما ، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ، فلذلك لا يكون إلّا منصوصا ، فقيل له : يا ابن رسول الله فما معنى المعصوم؟ فقال : هو المعتصم بحبل الله ، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة ، والإمام يهدي إلى القرآن ، والقرآن يهدي إلى الإمام ، وذلك قول الله عزوجل : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (38).
وقال مولانا أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : «إنّما الطاعة لله عزوجل ولرسوله ولولاة الأمر ، وإنّما أمر بطاعة اولي الأمر ؛ لأنّهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصيته» (39).
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : «أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» (40).
إلى غير ذلك من الروايات.
بل تدلّ على عصمة الأئمة جملة من الآيات المباركات ، منها قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (41) لوجوه (42) :
منها : إنّ إبراهيم بعد ارتفاعه إلى مقام الإمامة سأل هذا المقام الرفيع لبعض ذريّته فاستجاب الله هذا السؤال في بعضهم ، والمتصوّر من البعض المستفاد من قوله : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أربع : 1 ـ من يكون في جميع عمره من الأوّل إلى الآخر ظالما 2 ـ من يكون ظالما في نهاية عمره 3 ـ من لا يكون ظالما في طول حياته 4 ـ من لا يكون ظالما في آخر عمره. وحيث إنّ جلالة مقام إبراهيم تمنع عن سؤاله تلك الإمامة الرفيعة للأوّلين ، فانحصر سؤاله في الآخرين ، فاستجاب الله سؤاله في بعضه ، وهو من لا يكون ظالما في طول إمامة أئمتنا بالنصوص المتواترة فلا محالة بحكم هذه الآية المباركة كانوا معصومين من أول حياتهم إلى مماتهم.
ومنها : قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (43) لتواتر الأخبار الدالّة على نزولها في الخمسة الطاهرة ، وقد أورد جملة منها في غاية المرام ودلائل الصدق ، وقد صنّف في تلك الآية كتب قيمة (44).
وهذه الأخبار المتواترة تشهد على أنّ المراد من أهل البيت هم أهل بيت النبوّة لا الأزواج ولا مطلق الأنساب ، فالقول بأنّ سياق الآيات ، والمناسبة بينها يقتضي أنّها نزلت في أزواج النبيّ مردود ؛ لأنّه اجتهاد في قبال النصوص الصريحة الصحيحة ، هذا مضافا إلى أنّه لو كانت نازلة في حقّ الأزواج لزم تأنيث الضمائر ، إذ في هذا الفرض ليس المخاطبون بها إلّا الإناث.
قال في دلائل الصدق بعد نقل هذا القول الفاسد ، وفيه أوّلا : أنّ مناسبة النظم لا تعارض ما تواتر بنزولها في الخمسة الطاهرين أو الأربعة خاصة.
وثانيا : أنّا نمنع المناسبة لتذكير الضمير بعد التأنيث ، ولتعدد الخطاب والمخاطب ، وإنّما جعل سبحانه هذه الآية في أثناء ذكر الأزواج ، وخطابهن للتنبيه على أنّه سبحانه إنّما أمرهن ونهاهن وأدبهن إكراما لأهل البيت ، وتنزيها لهم ، عن أن تنالهم بسببهن وصمة وصونا لهم عن أن يلحقهم من أجلهن عيب ، ورفعا لهم عن أن يتصل بهم أهل المعاصي ؛ ولذا استهل سبحانه الآيات بقوله : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) ضرورة أنّ هذا التمييز إنّما هو للاتصال بالنبيّ وآله ، لا لذواتهن ، فهنّ في محلّ ، وأهل البيت في محلّ آخر ، فليست الآية الكريمة إلّا كقول القائل يا زوجة فلان ، لست كأزواج سائر الناس فتعففي ، وتستري ، وأطيعي الله تعالى ، إنّما زوجك من بيت أطهار يريد الله حفظهم من الأدناس وصونهم عن النقائص (45).
فهذه الآية نزلت في حقّ الخمسة الطاهرة ، وأمّا ذكرها في ضمن هذه الآيات فلعلّه إمّا لما أشار إليه صاحب دلائل الصدق ، وعليه فلا تكون الجملة معترضة ، بل هي في حكم التعليل بالنسبة إلى ما أمر به زوجات النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ فيكون شاهدا على وجود طهارة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ لا اثباتها اذ المقصود على ما ذكر من قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) أنّه تعالى إنّما يريد هذه النواهي ؛ لأن لا تتلوث ساحتهم المعلوم طهارتها بافعالهن التي لا تناسب طهارة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ولعل ذكر اللام في ليذهب مما يؤيد هذا الاحتمال ؛ لتعلق الإرادة بالمحذوف ، وهو النواهي المذكورة لهذه الغاية وإلّا فلا حاجة لتعلق الإرادة بالذهاب إلى اللام كما لا يخفى.
وأمّا لما أشار إليه البعض الآخر كالاستاذ الشهيد المطهري ـ قدس سره ـ من أنّها نزلت في حقّ الخمسة الطاهرة ، ولكن وضعت بين الآيات المذكورة ، لمصلحة حفظ الإسلام عن تبليغات سوء المنافقين وتمرّدهم وإعراضهم ؛ لأنّ النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ كان خائفا من التمرد الصريح عن الإسلام والقرآن الكريم ، لا من أن يذهبوا إلى التأويل مع قيام القرينة الداخلية والخارجية على المعنى المراد فجعلت الآية المذكورة وأشباهها كآية إكمال الدين في ضمن الآيات الاخر ؛ لأن يتمكن المخالف من التأويل ، ولا يضطر إلى الإعراض الصريح ، والتمرد الواضح ، فالجملة حينئذ تكون معترضة بين الآيات الأخرى كما لا يخفى (46).
ولا بأس بذكر بعض الروايات : روى الحاكم عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وصحّحه أنّه قال : «لمّا نظر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى الرحمة هابطة قال : ادعوا إليّ ادعوا إليّ ، فقالت صفية من يا رسول الله؟ قال :
أهل بيتي عليا وفاطمة والحسن والحسين ، فجيء بهم فألقى عليهم النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ كساءه ، ثم رفع يديه ، ثم قال : اللهم هؤلاء آلي فصلّ على محمّد وآل محمّد وأنزل الله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (47).
وروى الترمذي في مناقب أهل البيت عن عمر بن أبي سلمة «نزلت هذه الآية على النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) في بيت أمّ سلمة فدعا النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ فاطمة وحسنا وحسينا بكساء وعليّ خلف ظهره فجلّله بكساء ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، قالت أمّ سلمة وأنا معهم يا نبيّ الله؟ قال : أنت على مكانك ، وأنت إلى خير» (48).
وروى أحمد بن حنبل عن أمّ سلمة ، أنّ النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ جلّل على عليّ وحسن وحسين وفاطمة كساء ، ثم قال : اللهم أهل بيتي وخاصّتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فقالت أمّ سلمة : أنا معهم؟ قال : إنّك إلى خير (49).
وروى السيوطيّ في الدر المنثور عن ابن مردويه عن أمّ سلمة «قالت : نزلت هذه الآية في بيتي «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» وفي البيت سبعة : جبرئيل وميكائيل وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وأنا على باب البيت ، قلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال : إنّك إلى خير إنّك من أزواج النبيّ (50).
وروى السيوطيّ أيضا في الدر المنثور ... عن أبي سعيد الخدري «قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : نزلت هذه الآية في خمسة فيّ وفي عليّ وفاطمة وحسن وحسين (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الآية (51).
وروى الترمذي في جامعه أنّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كان من وقت نزول هذه الآية إلى قرب ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ، ثم يقول : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (52) وفي بعض الروايات كان يقول قبل تلاوة الآية السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، ثم يقول : إنّما يريد الله ، الآية.
قال ابن أبي الحديد المعتزلي : قد بيّن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ عترته من هي لمّا قال : أنا تارك فيكم الثقلين ، فقال : وعترتي أهل بيتي ، وبيّن في مقام آخر من أهل بيته ، حين طرح عليهم الكساء ، وقال حين نزل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس (53). هذه الروايات جملة مما رواه العامّة وهو كثير.
وأمّا الروايات الّتي روتها الخاصّة فهي أكثر ولكن أكتفي منها بذكر رواية عن ابن بابويه ... عن عليّ ـ عليه السلام ـ قال : دخلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في بيت أمّ سلمة ، وقد نزلت عليه هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا عليّ هذه الآية فيك وفي سبطيّ والأئمة من ولدك ، فقلت : يا رسول الله وكم الأئمة بعدك؟ قال : أنت يا عليّ ، ثم الحسن والحسين ، وبعد الحسين عليّ ابنه ، وبعد عليّ محمّد ابنه ، وبعد محمّد جعفر ابنه ، وبعد جعفر موسى ابنه ، وبعد موسى عليّ ابنه ، وبعد عليّ محمّد ابنه ، وبعد محمّد علي ابنه ، وبعد عليّ الحسن ابنه ، والحجّة من ولد الحسن ، هكذا أسماؤهم مكتوبة على ساق العرش ، فسألت الله تعالى عن ذلك ، فقال : يا محمّد هذه الأئمة بعدك مطهّرون معصومون وأعداؤهم ملعونون (54).
ثم إنّ معنى الآية بناء على كونه علّة للنواهي المذكورة واضح ، فإنّها تشهد على مفروغية طهارة أهل البيت ، وبناء عليه فالإرادة تشريعية متعلقة بالنواهي لداعي عدم تلوث طهارتهم المحرزة المعلومة ، وأمّا بناء على كون الآية جملة معترضة في ضمن الآيات المذكورة ، فالإرادة متعلقة بإذهاب الرجس وتكون تكوينية وعليه فمعنى الآية هو أنّه تعالى حصر إرادته لإذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت ، ومن المعلوم أنّ هذه الإرادة ليست إلّا إرادة تكوينية ، وإلّا فلا معنى للحصر ؛ لأنّ الإرادة التشريعيّة عامّة ، ولا تختص بقوم دون قوم ، فإذا ثبت أنّ الإرادة تكوينيّة فهي لن تتخلف عن المراد فإرادة التطهير مساوقة لطهارة أهل البيت ، والتعبير بالمضارع لعلّه لإفادة استمرار هذه الإرادة التكوينيّة ، ثم إنّ هذه الإرادة التكوينيّة لا تتنافى مع اختيارية العصمة عن الذنوب لإرادته تعالى طهارتهم مع وساطة اختيارهم كما لا يخفى.
ثم إنّ طهارتهم ليست بمعنى إزالة الأمراض عنهم ؛ لأنّه خارج عن منطق القرآن ، إذ القرآن ليس كتابا من الكتب الطبيّة ، بل كتاب سماوي نزل لهداية الناس إلى السعادة الواقعية ، فالمقصود هو طهارتهم مما صرّح القرآن بكونه رجسا ورجزا ، فهم معصومون من كلّ ذنب سواء كان عمليّا أو اعتقاديّا أو اخلاقيّا ، فإنّ الرجس يعمّ كلّ ذلك.
قال في الميزان : والرجس بالكسر ، فالسكون صفة من الرجاسة وهي القذارة ، والقذارة هيئة في الشيء توجب التجنّب والتنفّر منها ، وتكون بحسب ظاهر الشيء كرجاسة الخنزير قال تعالى : (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (55) وبحسب باطنه وهو الرجاسة والقذارة المعنويّة كالشرك والكفر ، واثر العمل السيّئ قال تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (56) وقال : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (57).
وأيّا ما كان فهو إدراك نفسانيّ وأثر شعوريّ من تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيّئ.
وإذهاب الرجس (واللام فيه للجنس) إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس تخطئ حق الاعتقاد والعمل ، فتنطبق على العصمة الإلهية الّتي هي صورة علميّة نفسانيّة تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد وسيّيء العمل ـ إلى أن قال ـ : فمن المتعين حمل إذهاب الرجس في الآية على العصمة ، ويكون المراد بالتطهير في قوله : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ـ وقد أكّد بالمصدر ـ إزالة أثر الرجس بإيراده ما يقابله بعد إذهاب أصله ، ومن المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ ، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد والعمل ـ إلى أن قال ـ : والمعنى أنّ الله سبحانه تستمر إرادته أن يخصّكم بموهبة العصمة بإذهاب الاعتقاد الباطل ، وأثر العمل السيّئ عنكم أهل البيت ، وإيراد ما يزيل أثر ذلك عليكم وهي العصمة (58) وكيف كان فالأئمة ـ عليهم السلام ـ هم المعصومون المطهّرون ، وهم عباده المكرمون الّذين لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون كما جاء في الزيارة الجامعة (59).
السابع : أنّ طاعتهم طاعة الرسول وطاعة الرسول طاعة الله ، وذلك واضح لما مرّ مرارا من أنّ الإمام يقوم مقام النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ فطاعته طاعة الرسول وحيث إنّ طاعة الرسول طاعة الله بنص قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (60) فطاعة الإمام القائم مقامه أيضا طاعة الله ، فلا يجوز الرد على الإمام والرادّ عليه كالرادّ على الرسول والرادّ على الرسول كالرادّ على الله ، وعليه فيجب التسليم لهم والانقياد لأمرهم والأخذ بقولهم.
روى الكليني بسند صحيح عن. أبي جعفر ـ عليه السلام ـ أنّه قال : ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه ، وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى ، الطاعة للإمام بعد معرفته ، ثم قال : إنّ الله تبارك وتعالى يقول : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (61).
فإذا ثبت أنّ إطاعتهم إطاعة الله ، فانحل الاشتغال اليقينيّ بالتكاليف الشرعيّة في أوامرهم ونواهيهم الشرعيّة ، فمن انتهى بنهيهم وامتثل بأمرهم أدى ما عليه ، بلا ريب ولا كلام ، ومن أعرض عنهم ولم يتوجه إلى أوامرهم ونواهيهم بقيت التكاليف الشرعيّة في عهدته ، ولم يأت بها ، إلّا بما ليس بحجّة كالقياس ، أو يكون اجتهادا في مقابل نصّهم ، مع أنّ نصّهم كنصّ الرسول ونصّه كنصّ الله ، فالأئمة كما يكونون في تفصيل الاعتقادات والأخلاقيات والحكم كسفينة نوح ، كذلك في الأحكام الشرعيّة ، فمن ركب هذه السفينة نجا من الضلالات والشبهات والرذيلات والظلامات، ومخالفة التكليف اليقينيّ، ومن تخلّف عنها وقع في المهلكات والتمردات والظلامات.
الثامن: أنّ المصنّف ـ قدس سره ـ ذهب إلى أنّ المهم ليس في هذه العصور هو إثبات أنّ الأئمة هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطنة الإلهية معلّلا بأنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التاريخ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد، أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها.
ولكنّه لا يخلو عن النظر فإنّ أمر ولاية الأئمة عليهم السلام ـ ليس مما انقضى زمانه بعد لزوم اعتقادنا بولاية صاحبنا ومولانا المهديّ الحجّة بن الحسن ـ عليهما السلام ـ فمن لم يعتقد إلّا بالمرجعيّة العلميّة كيف يتولى بإمامة مولانا الحجّة بن الحسن، وكيف يتمكن من أن يأتي بما يجب عليه من معرفته بإمامته كما نصّت عليه الروايات الكثيرة، منها: قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة.
هذا مضافا إلى أنّ البحث عن ولاية الأئمة تفيد كيفية الولاية والحكومة في عصر الغيبة، فإنّ من اعتقد أنّ الولاية لهم ولنوّابهم، فالأمر عنده واضح؛ لأنّ الولاية في عصر الغيبة حق لنوّابهم العامّة، ومن لم يعتقد ذلك وقع في الحيص والبيص كما لا يخفى، ولعلّ مقصود المصنّف من ذلك هو المماشاة مع العامّة فلا تغفل.
__________________
(1) النساء : 59.
(2) غاية المرام : المقصد الأوّل ، الباب التاسع والخمسون ص 267 ح العاشر الطبع القديم.
(3) غاية المرام : المقصد الأوّل ، الباب التاسع والخمسون ص 267 ح الثالث عشر.
(4) غاية المرام : المقصد الأوّل ، الباب التاسع والخمسون ص 265 ح الثاني.
(5) الاصول من الكافي : ج 1 ص 276.
(6) دلائل الصدق : ج 2 ص 192.
(7) سرمايه ايمان : ص 124.
(8) راجع الامامة والولاية : ص 44 ـ 50.
(9) احقاق الحق : ج 3 ص 424.
(10) ولاية الفقيه : ج 1 ص 66.
(11) التوبة : 105.
(12) البقرة : 143.
(13) المائدة : 20.
(14) راجع تفسير آلاء الرحمن : ص 133 ، تفسير نور الثقلين : ج 1 ص 113.
(15) الاصول من الكافي : ج 1 ص 190.
(16) الاصول من الكافي : ج 1 ص 191.
(17) راجع الامامة والولاية : ص 184.
(18) الاصول من الكافي : ج 1 ص 183.
(19) الاصول من الكافي : ج 1 ص 184.
(20) غاية المرام : المقصد الثاني ، الباب الثاني عشر ومائتان ، ص 435.
(21) غاية المرام : المقصد الثاني ، الباب الثاني عشر ومائتان ، ص 435.
(22) غاية المرام : المقصد الاول ، الباب الثامن والثلاثون ص 244 ح 2.
(23) الاصول من الكافي : ج 1 ص 192.
(24) الاصول من الكافي : ج 1 ص 192.
(25) الاصول من الكافي : ج 1 ص 193.
(26) الاصول من الكافي : ج 1 ص 193.
(27) غاية المرام : فصل فضل علي ـ عليه السلام ـ ص 510 ، الباب الخامس والعشرون ح 1.
(28) غاية المرام : الفصل المذكور ص 512 ، الباب الخامس والعشرون ح 16.
(29) غاية المرام : الفصل المذكور ص 514 ، الباب الخامس والعشرون ح 33.
(30) غاية المرام : المقصد الاول ص 274 ، الباب السادس والستون ح 1.
(31) غاية المرام : المقصد الاول ص 275 ، الباب السابع والستون ح 2.
(32) غاية المرام : المقصد الاول ص 275 ، الباب السابع والستون ح 3.
(33) الاصول من الكافي : ج 1 ص 144.
(34) بحار الانوار : ج 25 ص 124.
(35) بحار الانوار : ج 25 ص 193.
(36) بحار الانوار : ج 25 ص 193.
(37) بحار الانوار : ج 25 ص 194.
(38) بحار الأنوار : ج 25 ص 194.
(39) بحار الانوار : ج 25 ص 200.
(40) بحار الانوار : ج 25 ص 201.
(41) البقرة : 125.
(42) راجع الامامة والولاية : ص 31.
(43) الأحزاب : 33.
(44) راجع كتاب آية التطهير في احاديث الفريقين وكتاب أصحاب الكساء وغيرهما.
(45) دلائل الصدق : ج 2 ص 72.
(46) راجع امامت ورهبرى : 152 ـ 161.
(47) دلائل الصدق : ج 2 ص 67.
(48) دلائل الصدق : ج 2 ص 68.
(49) دلائل الصدق : ج 2 ص 69.
(50) دلائل الصدق : ج 2 ص 69.
(51) دلائل الصدق : ج 2 ص 70.
(52) غاية المرام : المقصد الثاني ص 291 ، الباب الاول ح 38.
(53) غاية المرام : المقصد الثاني ص 291 ، الباب الاول ح 36.
(54) غاية المرام : المقصد الثاني ص 293 ، الباب الثاني ح 6.
(55) الانعام : 145.
(56) التوبة : 125.
(57) الانعام : 125.
(58) تفسير الميزان : ج 16 ص 330 ـ 331.
(59) تفسير الميزان : ج 16 ص 330 ـ 331.
(60) النساء : 80.
(61) الاصول من الكافي : ج 1 ص 185 ـ 186.
الاكثر قراءة في إمامة الأئمة الأثني عشر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة