2-6 التجارة البينية العربية: حقائق وملاحظات.

ان ثراء المنظور البيني للتبادل العربي - العربي "Intra Arab Trade Prospective" يرتبط منطقيا بجملة من الحقائق والمعطيات الاقتصادية ذات الطابع الديناميكي والاستراتيجي بوصفه ركيزة هامة في اطار العلاقات الاقتصادية العربية البينية، ومدخلاً عملياً لاختراق محنة التكامل الاقتصادي العربي، ويقوم هذا المدخل على مجموعة من الدوافع الموضوعية والذاتية.. فاما الدوافع والمبررات الموضوعية التي تقف وراء ذلك، فتنطوي على التوجهات الدولية نحو التكتلات الاقتصادية، كما في حالة السوق الاوروبية المشتركة، ومنطقة "NAFTA" و ASIAN" و "APEC"، وسواها، واحتمالات التوسع في الاجراءات الحمائية والتمييزية نتيجة لذلك، والتبدل التدريجي الحاصل في طبيعة المساعدات والاعانات الدولية في الفترة المتأخرة من صورتها المالية المباشرة الى تبني التجارة الخارجية والاعتماد على دخل الصادرات وتفكك دول شرق اوروبا والاتحاد السوفيتي سابقا، ومغادرة منهج التخطيط الشامل باتجاه الية السوق والترويج العالمي لمشروعات ومخططات جديدة، تمثل خطراً فادحــاً على الوضع العربي مثل: الشرق اوسطية والمتوسطية، وكذلك التقلبات المتواصلة في معدلات اسعار السلع الاساسية، وفي شروط التبادل التجاري في السوق الدولي، الامر الذي يشكل وضعاً من التجارة غير المتكافئة ولصالح البلدان المتقدمة في الغالب ⁽¹⁾.

وأما الدوافع الذاتية فتتلخص بإسهام التجارة البينية في الاستفادة من الاستثمارات البينية "Intra Investment" ، في مجال البنى الارتكازية "Infrastructure" وتعميق المنافع المتبادلة بين النشاطين، والتمكن من استيعاب التطور الفني والتكنولوجي على نطاق الاقطار العربية، والاستفادة من الفرص التي يوفرها هذا النوع من التجارة كتصريف الفوائض الانتاجية لهذه الاقطار، وتطوير مستوى الاستخدام والتوظيف فيها..

ويشجع تخفيف القيود الاقتصادية وتطبيق الية السوق - نظرا لممارسة ما يطلق عليـه ببرنامج الاصلاح الاقتصادي والتكيف منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي - على تدعيم التجارة البينية من الناحية المنطقية على اقل تقدير، وتخفيف النتائج السلبية الناشئة عن تفكك بعض المجالس شبه الاقليمية.

وفيما يتعلق بأهم خصائص هذا النوع من التجارة فإنها تتسم بأداء متذبذب، فقد نمت بمعدل 5.8% سنوياً خلال النصف الثاني من العقد التاسع من القرن الماضي، ثم بلغ المعدل بحدود 0.85% بين العامين 1990 و1993، نتيجة لارتباك العلاقات العربية في هذه الفترة. ومال معدل النمو للتحسن بعد منتصف التسعينات، اذ بلغ نحو 8.5%، کمتوسط للعامين 1996 و1997، ليتراجع بدرجة حاسمة قدرها 5.7% عام 1998، ثم يصبح معدل التغير السنوي 20.9% عام 2000 ⁽²⁾. هذه التقلبات ذات اثر سلبي في سلوك التجارة البينية العربية تسببها في الغالب المواقف السياسية العربية، والتغيرات الطارئة على اسعار النفط . 

وقد اتسمت التجارة البينية العربية أيضا بتواضع وزنها النسبي في اجمالي التبادل التجاري، فلم يتجاوز ما نسبته 15% على مدى العقدين الماضيين، اذ بلغ نحو 6.6% عام 1980، ووصل الى 8.6% عام 1990، ثم 9.25 % عام 1998. وعاد للانخفاض ليصبح 8.75 %عام 2000. فهو محدود ومضطرب مع السنين، رغم عقد العديد من الاتفاقيات ومؤتمرات القمة الداعية لتطوير التعاون التجاري البيني، مثل: مؤتمر القمة الحادي عشر عام 1980 ، وما تمخض عنه من استراتيجية العمل الاقتصادي المشترك، وميثاق العمل الاقتصادي القومي، واتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية في فبراير 1989، وموافقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورته التاسعة والاربعين في سبتمبر 1991 على تحرير مجموعات سلعية جديدة، كما اتخذ قراراً يؤكد على تخفيف القيود الاقتصادية كوسيلة للإصلاح، وذلك في جلسته الثانية والخمسين في سبتمبر 1993 ، ناهيك عن ابرام اتفاقيات تجارة ثنائية كثيرة اخرها الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين كل من العراق ومصر والعراق وسوريا والعراق وتونس، الموقع عليها في شهر يناير 2001 ⁽³⁾ ويمكننا ان ننسب الضمور والاضطراب في مساهمة التجارة البينية في مجلس التجارة العربية لعدة اعتبارات، في مقدمتها اختلال الهيكل الانتاجي وعدم تنوعه ⁽⁴⁾، وضيق الاستثمارات المشتركة، والسياسات التجارية والاقتصادية التي تعتمدها الدول والشركات الاجنبية للحد من ذلك، ويأتي التركز الجغرافي والسلعي المبالغ فيه سمة اخرى من سمات التجارة البينية العربية، وهذا بلا ادنى شك يعود لعوامل سياسية، وأخرى اقتصادية ورد ذكرها في اعلاه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) د. معتصم سلیمان ، نحو استراتيجية عربية لتنمية التجارة العربية البينية، شؤون عربية، ع 79، سبتمبر 1994، ص 146.

(2) صندوق النقد العربي واخرون التقرير الاقتصادي العربي الموحد، ص 177.

(3) د. احمد عمر الراوي، مستقبل حرية التجارة العربية البينية في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية، دراسات وبحوث الوطن العربي، بغداد، ع 11، 2001، ص 58.

(4) د. حسني، مهران التجارة البينية العربية وامكانات تطويرها في ضوء المستجدات الدولية والاقليمية، المجلة المصرية للتنمية والتخطيط، القاهرة، ع4، 1996، ص 52.

اخر الاخبار

اخبار العتبة العباسية المقدسة

المجمع العلمي يواصل إقامة مسابقة الثقلين القرآنية لطلبة مدارس كربلاء

عضو مجلس إدارة العتبة العباسية المقدسة يطلع على آليات تطوير البرامج التعليمية في مجموعة العميد

مجموعة مناحل الكفيل تختتم مشاركتها في معرض السليمانية الدولي للزراعة والصناعات الغذائية

لتوثيق التراث العلمي.. وفد قسم شؤون المعارف يلتقي عددًا من أعلام مدينة النجف

المزيد

الآخبار الصحية

ثورة طبية.. الذكاء الاصطناعي يكشف سرطان الكلى في وقت قياسي

لتعزيز الطاقة والتغلب على التعب.. عليك بـ7 طرق بسيطة

لتحسين الهضم والتحكم في الشهية.. ما أفضل وقت لتناول التمر؟

خبراء يكشفون تأثير الاستحمام في الظلام على جودة النوم !

المزيد

الآخبار التكنلوجية

إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.. ما دور المحيطات والبحار؟

نظائر الهيليوم مقياس لاكتشاف رواسب الذهب.. كيف ذلك؟

الصين تطلق أول ناقلة نفط خام ذكية في العالم تعمل بالميثانول

الزمن على المريخ أسرع من الأرض.. دراسة علمية تكشف الفوارق

المزيد

مواضيع ذات صلة

خلاصة لتحليل مؤشرات الجذب الأمامي على المستوى القطاعي (حالة الصناعية التحويلية في العراق)

روابط الجذب الامامية غير المباشرة لقطاع الصناعة التحويلية في العراق 2

روابط الجذب الامامية غير المباشرة لقطاع الصناعة التحويلية في العراق 1

روابط الجذب الامامية المباشرة لقطاع الصناعة التحويلية في العراق 2

روابط الجذب الامامية المباشرة لقطاع الصناعة التحويلية في العراق 1

روابـط الجـذب الامـامـيـة الكلية وانـواعهـا لقطاع الصناعة التحويلية في العراق

(واقـع القطـاع الصناعـي التحـويـلـي وقيمـة الإنـتـاج ومكـونـاتـه 2)

تحليل مؤشرات الجذب الأمامي على المستوى القطاعي (واقع القطاع الصناعي التحويلي وقيمة الإنتاج ومكوناته 1)

خلاصة الدراسة التحليلية - التطبيقية لمقاييس التشابك الامامي والخلفي في الاقتصاد العراقي

روابط الجذب الخلفية غير المباشرة فـي الاقتـصاد العراقـي

روابط الجذب الخلفية المباشرة فـي الاقتـصاد العراقـي

روابط الجذب الامامية غير المباشرة فـي الاقتـصاد العراقـي