كـيفيـة تـشخيـص القطاعـات الـرائـدة فـي الاقـتـصاد
المؤلف:
أ. د. علي مجيد الحمادي
المصدر:
التشابك الاقتصادي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة:
ص203 - 210
2025-10-26
26
3-4: كيفية تشخيص القطاعات الرائدة في الاقتصاد.
نعتقد بان فكرة القطاعات الرائدة Pioneer Sections في الاقتصاد تقوم اساساً على الاستراتيجية التنموية المعروفة باستراتيجية النمو غير المتوازن Unbalanced Growth Strategy للاقتصادي البرت هيرشمان A. Hirschman والتي مفادها ان تعطى أولوية لقطاع او بضعة قطاعات في الاقتصاد تتمتع بقدرة ديناميكية عالية وتأثير فعال في خلق القيمة المضافة، والتكوين الرأسمالي، وزيادة معدلات الاستخدام وتطوير الصادرات وتخفيض الواردات وتعميق مستوى الترابط بين القطاعات والفروع الاقتصادية المختلفة. وتختلف الاوزان النسبية للمؤشرات الستة من اقتصاد لآخر ومن فترة زمنية لأخرى. وتركيزنا هنا سيكون على المؤشر الاخير المتعلق بقدرة القطاع على خلق الارتباطات الامامية والخلفية مع القطاعات الاخرى، وبمعنى اخر امكانية هذا القطاع على تخفيف التشابك الاقتصادي Economic Interdependence. وتحدثنا التجارب الانمائية التاريخية العالمية عن اختيار بعض الامم لقطاعات رائدة في بداية تجاربها في مجال التنمية كما في الولايات المتحدة التي اتخذت سكك الحديد قطاعاً رائداً في هذه الدولة ليربط اجزاء هذه الدولة المترامية الاطراف، وقد اصابت في هذا الاختيار، لان النقل يمثل عصب الاقتصاد وتنعكس تأثيراته على مختلف القطاعات الانتاجية الاخرى بما في ذلك التأثير على مدخلات تلك القطاعات كالمواد الأولية والعمل وراس المال والتنظيم ومن حيث التكلفة والكمية المتاحة منها. كما ان دولة مثل تلك التي كان يطلق عليها بالاتحاد السوفيتي قد اعتبرت قطاع الكهرباء قطاعاً ريادياً في تلك الدولة بوصفه القطاع الذي تستمد منه القطاعات الاخرى طاقتها. ففي مجال التشابك الاقتصادي يمكن ان نستعين بعدد من المؤشرات الدالة على هذا التشابك وفقا للغاية من اختيار القطاع وكما يلي:
1- حسب مؤشر روابط الجذب الامامية للقطاع، ونقصد درجة الارتباط المباشر وغير المباشر للقطاع او الزيادة الكلية المتحققة في مخرجات القطاع اللازمة لضمان تدفق انسياب وحدة واحدة من المدخلات او المستلزمات الاولية للقطاع، والتي سبق وان تعرضنا لصيغتها وكما يلي:
فاذا كانت 1 Ufi > في قطاع معين فيعد قطاعاً ذي رابطة جذب امامية مرتفعة وقد يكون قطاعا رياديا من هذا الجانب. وانسجاماً مع مثالنا الوارد في النقطة اولا من الفقرة 2/2/4/ج يكون القطاع (3 X) ذي الرابطة الامامية الكلية (المباشرة وغير المباشرة) الاعلى حيث بلغت 1.066 فهذا القطاع يعتبر القطاع الريادي نسبياً في ضوء هذا المؤشر.
2- اختيار القطاع الريادي حسب مؤشر روابط الجذب الخلفية الكلية، فهذا المؤشر يقوم على اساس الاحتياجات المباشرة وغير المباشرة من كافة القطاعات الانتاجية في الاقتصاد الوطني اللازمة لضمان تدفق وحدة واحدة من منتجات القطاع والى الطلب النهائي، ونعبر عن هذا المؤشر من خلال الصيغة التالية: -

وعندما يكون 1 Ubj في قطاع معين فهذه تمثل قيمة مرتفعة لروابط الجذب الخلفية لهذا القطاع وبالمقارنة النسبية بين قيم روابط الجذب هذه بين القطاعات المختلفة يمكن اختيار القطاع الذي يحقق اعلى قيمة لـ Ubj. ومن خلال مثالنا الوارد في النقطة ثانيا من الفقرة 2/2/4/ج نستنتج ان القطاع (1X) هو القطاع الذي يتمتع بأعلى قيمة لـ Ubj وهو بذلك يمكن اعتباره القطاع الرائد من خلال المقارنة النسبية بين القطاعات الثلاثة اذ بلغت تلك القيمة في القطاع المذكور نحو 0181. في حين بلغت فيه Ubj في القطاعين الآخرين X3 X2 نحو 1.005 و0.979 على الترتيب.
3- اختيار القطاع الريادي حسب مؤشر روابط الجذب الامامية الكلية وروابط الجذب الخلفية الكلية. يتم اختيار القطاع الرائد بموجب هذا المؤشر من خلال تشخيص اعلى قيمة لـ Ufi واعلى قيمة لـ Ubj ومن خلال مثالنا الوارد في الفقرة 2/2/4/ج لا يمكن تشخيص قطاع ريادي وفقاً لهذا المؤشر، ولكن في الغالب يرجح القطاع ذي الرابطة الخلفية الكلية مقارنة بنظيرتها الامامية الكلية وذلك لكون الاولى من الروابط التي تتعلق بالطلب النهائي وتمثل قوة التشتت كما اسلفنا. وفي ضوء هذا التقدير يمكن اعتبار القطاع الاول قطاعا رياديا بوصفه يتمتع بقيمة عالية من Ufi اضافة لكونه قد حقق اعلى قيمة لـ Ubj .
4- اختيار القطاع الريادي حسب مؤشري روابط الجذب الامامية والخلفية الكلية ومعامل الاختلاف قد نواجه مشكلة في اختيار القطاع الرائد عندما تتساوى قيم روابط الجذب الامامية الكلية او الخلفية الكلية في قطاعين مختلفين. ففي حالة تطابق قيم Ubj في قطاعين مختلفين، فان ذلك يمنعنا من تشخيص القطاع القيادي او الرائد، ولكن يدفعنا ايضاً الى ضرورة التأكد من مدى اعتماد كل من القطاعين على مستلزمات الانتاج الواردة من القطاعات الاخرى ومدى التوازن في كمياتها. فاذا كان القطاع يعتمد على العديد من القطاعات والفروع الاقتصادية الاخرى في تغطية احتياجاته من مستلزمات الانتاج وبصورة متوازنة فان ذلك يمنح هذا القطاع ميزة في ان يكون القطاع الريادي مقارنة بالقطاع الاخر الذي لا يعتمد في تلبية احتياجاته من مستلزمات الانتاج الاعلى عدد محدود من القطاعات الاقتصادية وبصفة غير متوازنة. ولأجل التأكد من حالة تشعب اعتماد كل قطاع على القطاعات الأخرى أو تشعب القطاعات التي تعتمد على هذا القطاع فلا بد من اللجوء الى مؤشر احصائي معروف يطلق عليه بمعامل الاختلاف Coefficient of Variation لمكونات عناصر المدخلات والمخرجات القطاعية في الاقتصاد الوطني ونعني بذلك استخدام معاملات اختلاف لكل من الصفوف المتعلقة بالروابط الامامية الكلية او الاعمدة المتعلقة بالروابط الخلفية الكلية وكما يلي:
ان دلالة معاملات الاختلاف تكمن في ان انخفاض قيمة Vfi لا تعني ان القطاع i يقدم مخرجاته بشكل متعادل نسبياً من حيث الدرجة والاهمية لعدد كبير من الفروع الاقتصادية اللازمة لتغطية زيادة وحدة واحدة في الطلب النهائي. فانخفاض هذه القيمة يبين ان هناك عدداً كبيراً من الفروع الاقتصادية التي تستخدم مخرجات القطاع او بمقادير معتدلة نسبياً كمدخلات له. وفي الجانب الآخر نجد ان ارتفاع قيمة Vfi توضح بأن مخرجات القطاع: تقدم لفرع واحد او عدد قليل من الفروع او القطاعات الاقتصادية او بمعنى آخر توضح توزيع الزيادة في مخرجات القطاع i اللازمة لتلبية
زيادة وحدة واحدة من الطلب النهائي لجميع الفروع الاقتصادية. اما ما يتعلق بقيمةbj V فكلما ارتفعت هذه القيمة فإنها تدل على ان القطاع j يعتمد بدرجة كبيرة على فرع او قطاع او عدد قليل من القطاعات. بمعنى اخر ان القطاع j يشتري مدخلاتــه مــن السلع والخدمات من قطاع واحد او عدد قليل من القطاعات او الفروع الاقتصادية وهذا يعني تمركز الاثر المباشر وغير المباشر على فرع اقتصادي واحد او على عدد قليل من الفروع. وبالمقابل ان انخفاض قيمة Vbj تعني اعتماد القطاع j بصورة متعادلة نسبياً من حيث الدرجة والاهمية على العديد من الفروع الاقتصادية، وبمعنى آخر ان القطاع j يشتري احتياجاته مع السلع والخدمات بصورة متعادلة نسبياً من عدد كبير من الفروع الاقتصادية التي تقدم مخرجاتها لهذا القطاع. ووفقا لمثالنا السابق الوارد في الفقرة 2/2/4/ يتبين ان القطاع X2 قد حقق أدنى قيمة لـ Ufi بين القطاعات الثلاثة فقد بلغت تلك القيمة نحو 1.24472. ولكننا لا نتمكن اعتبار هذا القطاع قطاعاً ريادياً لان قيمة Ufi لهذا القطاع هي أدنى قيمة بين القطاعات الثلاثة. كما أن القطاع الثالث (X3) الذي حقق اعلى قيمة لـ Ufi كما سبقت الاشارة، ولكن بلغت قيمته نحو 2927401. وهي اعلى قيمة بين القيم الثلاثة للـ Vfi وهذا ما يمنع ان يكون القطاع X3 قطاعاً ريادياً بموجب هذا المؤشر. وفيما يتعلق بقيمة Vbj فقد بلغت 1.23654 في القطاع ال1X وهي أعلى قيم Vbj الثلاثة في حين ان هذا القطاع قد تمتع بأعلى قيمة لاح كما قدرنا ذلك سابقاً، وهذا ما يمنع اختيار هذا القطاع كقطاع رائد وفق هذا المؤشر. وخلاصة القول ان القطاع الرائد وفقا لروابط الجذب الامامية والخلفية الكلية ومعاملات الاختلاف هو ذلك القطاع الذي يتمتع بروابط جذب امامية وخلفية كلية (مباشرة وغير مباشرة) مرتفعة ومعاملات اختلاف و Vfi Vbjمنخفضة. وهذا ينسجم مع ما ذهبت اليه الدراسات المتخصصة ولاسيما تلك التي قدمها الاقتصادي Albert Hirschman.
خلاصة
ان مستوى التشابك الاقتصادي المتضمن حجم التدفقات السلعية والخدمية المتحققة بين الفعاليات الاقتصادية، وحدود الاعتماد المتبادل فيما بينها، يعكس بدرجة كبيرة مدى متانة وتماسك أو ضعف الاقتصاد الوطني، وقابلية ذلك الاقتصاد على الاستمرار، والمساهمة في تحقيق وفورات خارجية.
وللوقوف على حقيقة ذلك المستوى فيصار الى منهجية قياسية تتجسد بالترابطات القطاعية في الاقتصاد والمتمثلة بمعاملات روابط الجذب الامامية والخلفية الكلية (المباشرة وغير المباشرة). وتحتسب هذه المعاملات عادة من خلال طريقتين اساسيتين هما طريقة التقريب المتتابع وطريقة معكوس المصفوفة. وقد تناولنا دراسة التطورات التي لحقت بالمنهجية الثانية كما في حالة استخدام معاملات التوزيع ومتوسط المتوسطات للتوصل لمعاملات الروابط المشار اليها. وتحتل كثافة هذه المعاملات اهمية بالغة في تحليل التشابك، ولأجله تم استخدام معاملات الاختلاف لمكونات عناصر المدخلات والمخرجات القطاعية.
ولا يخفى بان حالات التشابك تختلف من اقتصاد لآخر ومن زمن لآخر فهناك حالة التشابك الكامل، والتشابك العشوائي، والتخصص الكامل، والتشابك المتدرج الجزئي، واخيراً حالة التشابك المدرج الكامل. هذا وقد تم التركيز على مفهوم القطاع الريادي او المحوري لأهميته النظرية والتطبيقية وعلاقته بالتجارب الانمائية للمجتمعات، فهو يصف قدرة القطاع التشابكية مع قطاعات وفروع الاقتصاد الاخرى ومدى دينامكيته في تحقيق مستويات اعلى من التنافسية واحجام اكبر من انجازات التنمية الاقتصادية.
الاكثر قراءة في التحليل الأقتصادي و النظريات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة