مَعْنَى وَحْيْ الْخَيْرَاتِ إلى الأئِمَّةْ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص217-219
2025-10-20
200
قال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم: {وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وإِقامَ الصَّلاةِ وإِيتاءَ الزَّكاةِ وكانُوا لَنا عابِدِينَ}[1].
بحثنا في المباحث السابقة في كيفية الهداية بأمر الله وشرائط تحقّقها من خلال ما استنتجناه من الآيات القرآنية، ونبحث الآن في الجملة الأخرى من الآية، القائلة: {وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ} لنستنتج معناها بحول الله وقوّته.
معنى ايحاء الخيرات إلى الأئمّة:
يقول الله تعالى في هذه العبارة الشريفة انّ نفس الأعمال الخيرة التي كانوا يعملونا هي من وحينا، لأنّ المصدر المضاف يفيد تحقّق الفعل في الخارج، فاذا قال أحد: يُعجِبُني إحْسَانُكَ وفِعْلُكَ الْخير، فانّه يُستفاد منه انّ الإحسان وفعل الخير الذي عملتَه قد سرّني. امّا اذا أرادوا أن يقولوا إنّ إحسانك وفعلك الخير بعد هذا يسرّني، فانهم لا يضيفون المصدر، بل امّا يقطعونه عن الإضافة أو أن يذكروا الفعل مع (أن المصدريّة)، فيقولون: يُعجبني أن تُحسن وأن تفعل الخير، أو يقولون: يعجبني الإحسان لك والفعل لك.
شأن ذلك شأن الآيات التي بُيِّنَت في القرآن بعنوان تشريع الأحكام، ويقصد بها الإتيان بتلك الأفعال في الزمان المستقبل لوقت الخطاب، فاستعمل في تلك الآيات (أن المصدرية).
مثل {أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}[2]، و{أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ}[3]، و{أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}[4]، و{أَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ}[5].
معنى الوحي التكويني:
امّا في الآية مورد البحث، فهو لا يقول: وأوْحينا إليهِمْ أنْ يَفْعَلُوا الْخيراتِ، بل يقول: انّ الافعال الخارجيّة التي تصدر منهم هي عين وحينا، وانّا أوحينا اليهم الأفعال الخيرة التي يعملونها، وفي هذه الحال فانّ نفس فعلهم هو مورد الوحي. وينبغي أن نرى- بناءً على هذا- كيف يمكن ان يكون الفعل مورد الوحي؟ ونأتي بشاهد من القرآن الكريم لبيان هذا الأمر: {وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً ومِنَ الشَّجَرِ ومِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[6].
فهل هذا الوحي الذي أوحاه الله تعالى للنحل مثل الوحي إلى قلوب الأنبياء؟ فالوحي يصل إلى قلب النحل في كلّ لحظة أن اصنعي هذا النوع من البيوت، واسكني هنا، وقِفي على هذه الوردة، ثم على تلك الوردة! ولا تقفي على الوردة ذات الرائحة الكريهة! أو انّ الأمر ليس كذلك، بل انّ الله سبحانه خلق هذا الحيوان اللطيف العجيب بحيث انّها لا تعمل شيئاً الّا بإرادة الله. فهذا الحيوان المعصوم يسير دون أي تدخّل للنفس الأمّارة والآمال الباطلة وحبّ الشخصيّة وفق برنامج معيّن عينه الله تعالى له في عالم التكوين، ويسير في كلّ لحظة بأمر وإذن ربّ العالمين، فينتقل حسب دعوة الفطرة من هذه الوردة إلى تلك، ويتناول رحيق الوردة ذات الرائحة الجيّدة، ويصنع بيتاً هندسيّاً بشكل عجيب في السقوف والجبال والأشجار. وهذا الوحي يُدعى بالوحي التكويني، أي انّ الله سبحانه وتعالى ينظّم في عالم التكوين والخارج حركات ذلك الحيوان وسكناته دون تدخّل أي أمر خارجي يُخرجه من الصراط المستقيم في سيره التكاملي، كما يحرّكه في السبل وطرق السعادة والأعمال الحسنة حسب برنامج الخلقة.
[1] الآية 73، من السورة 21: الأنبياء.
[2] ذيل الآية 184، من السورة 2: البقرة.
[3] مقطع من الآية 11، من السورة 39: الزمر.
[4] صدر الآية 26، من السورة 11: هود.
[5] صدر الآية 72، من السورة 6: الأنعام.
[6] الآية 68 و69، من السورة 16: النحل ..
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة