نهر الزنجبيل وعين الكافور
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص207-209
2025-10-19
212
امّا الافراد المتوسّطون الذين يمحون بجمال الله اثر تجليات صفاته ومشاهدة أسمائه، فيعمدون إلى خلط قدر من نهر الزنجبيل- وهو مادّة تبعث الحرارة- في كؤوس شرابهم ليبقى طلبهم وعشقهم حيّاً على الدوام ولكي تبقى الحرارة موجودة فيهم بقدرٍ كاف.
{وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا ، عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا}[1].
والزنجبيل نهر يسمّى بالسلسبيل، فهو من فرط حُسن مذاقه يمنح الشاربين حرارة الطّلب، وبالطبع فلأنّ هؤلاء لم يصل اشتياقهم وعشقهم إلى الذروة، فانهم لذلك لا يُسقون من الزنجبيل الخالص، بل يمزجون في كأسهم من نهر الزنجبيل فيسقونهم منها؛ ولأنهم لا يزالون مشتاقين للسير في الصفات، فانّ محبّتهم لذلك لم تصفُ عن لذّة حرارة الطلب، فهم يهدئون ويسكنون أحياناً من واردات وتجليات الجمال، لذا يُصبّ في كأسهم من عين الكافور، والكافور شراب بارد معطّر يبعث على السكون والارتياح.
{إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ، عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً}[2].
ولأنهم لم يصلوا إلى مقام الجمع، ولم يستغرقوا في عين جمع الذات، لذلك فليس لهم ذلك السكون المطلق وذلك الهدوء من جميع الجهات، وانّما السكون للذين وصلوا إلى مرحلة العبوديّة المطلقة وأصبحوا من عباد الله، فأولئك من المقرّبين ويسقون من أصل عين الكافور، بالإضافة إلى انّهم يُجرون من تلك العين في قلب كلّ من له قابليّة واستعداد، ويصبّون منها في كأس كلّ فرد حسب قابليته.
وعلى كلّ حال فانّ عين الكافور هذه هي نفسها عين التسنيم المختصّة هي الاخرى بالمقرّبين، لكنهم يصبّون قدراً منها في كأس الأبرار.
{إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ، تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ، خِتامُهُ مِسْكٌ وفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ، ومِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ، عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}[3].
انّ الأبرار يشربون من شراب مختوم، ختامه طيّب وطاهر، هي قوانين الشرع المقدس التي ملئوا بها آنية الشراب وصانوها عن تلاعب الشيطان، فهم يصبّون قدراً من نهر التسنيم في ذلك الشراب الصافي ويقدّمونه للأبرار، لكنّ المقربين يُسقون من نفس عين التسنيم الجارية من أعلى نقاط الجنّة.
[1] الآية 17 و18، من السورة 76: الدهر.
[2] الآية 5 و6، من السورة 76: الدهر.
[3] الآية 22 إلى 29، من السورة 83: المطففين.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة