الأعياد الموسمية في معبد ادفو (عيد النصر)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 215 ــ 218
2025-10-15
308
كان يحتفل بعيد النصر — وهو ثالث الأعياد التي نَصِفها هنا — مدة خمسة أيام متتالية، تبتدئ باليوم الواحد والعشرين من الشهر الثاني من فصل الشتاء (الشهر السادس من السنة)، وهذا العيد يختلف عن الأعياد التي نصفها هنا في أنه لم تصل إلينا معلومات مفصلة عن الأحفال المنوعة التي كانت تقام فيه، والمتون الطويلة الخاصة بهذا العيد تُعتَبر من طراز خاص، ولا يمكن أن تكون قد اشتملت على كل الشعائر؛ ولذلك فإن الشعائر التي كانت تقام أثناء انعقاده متروكة للحدس والتخمين.
والمتون الرئيسية الخاصة بهذا العيد محفوظة في الصفين الأول والثاني من الواجهة الداخلية للجدار الغربي لحائط حرم المعبد، وهذه المتون محددة المعالم ومفصولة عن كل المناظر الأخرى التي على هذا الجدار؛ إذ إنها نُقِشت بنظام معكوس (1). ففي الصف الأول نجد المتن الذي يمكن أن نسميه بسهولة: الدراما المقدسة (2)، ونجد في الصف الثاني ما يسمى عادة: «أسطورة قصر الشمس المجنح» (3)، ويتلو ذلك متن أقصر يشير عنوانه إلى شراب مؤلف من عنب وماء (4).
وموضوع طبيعة المتون التي في الصف الأول موضوع جدال؛ فيقول «فرمان» إنه على الرغم من معارضة رأيه القائل إن هذا المتن وضع في صورة تمثيلية مقدسة تحتوي على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة (5)، وقد عارضه كل من «دريتون» و«الليو» وقد قال الأخيران: هذا المتن لا يمثل دراما، بل يحتوي على سلسلة من الأعمال الشعائرية. وعلى أية حال لا يزال «فرمان» متمسكًا برأيه ومصممًا على القول بأن المتن الذي في الصف الأول هو الذي بقي في الصورة على الجدار في صورة تمثيلية مقدسة.
ولما كانت هذه الدرامة المقدسة توجد في الصف الأول فإنه يظهر من المؤكد أنها قد مثلت في الصباح المبكر قبل المناظر التي في الصف الثاني، ولكن ما سبق ذلك فلا علم لنا به غير أنه مما لا جدال فيه أن تمثال «حور» لا بد كان قد أُحضِر من المحراب إلى البحيرة المقدسة التي كانت بلا نزاع قد أقيم على حافتها جوسق صغير، وأن تمثيل الرواية قد وقع بعضه بجانب البحيرة وبعضه الآخر على مائها في حضرة الكهنة وجم غفير من المخلصين الذين مثلوا في البطانة، وأهم المشتركين هم الملك وكاهن مرتل وكهنة كانوا يقومون بدور الآلهة والبطانة.
والواقع أنه لم يكن هناك إلا تمثيل قليل، والنقطة الهامة كانت تنحصر في إلقاء الخطب الرنانة التي كان يتبعها القليل جدًّا من التعابير الطنانة، ولم يكن فيها إلا تمثيل ضئيل بالمعنى الذي نقصده نحن الآن؛ كما أنه لم يوجد تخصيص في التمثيل، فهي تظهر بمثابة مادة معتمة تتخللها فقرات قليلة لها صبغة أدبية تبعث فيها الحياة، ولكن يجب أن نلحظ أنها لم تكتب لنا أو لقوم لهم آراؤنا وأفكارنا، ولكن في نظر المتفرجين المصريين القدامى كانت الألفاظ والأوضاع — وفوق كل شيء ما تنطوي عليه هذه التمثيلية من أفكار دينية وآراء سياسية — قد جعلتها تمثيلية حقيقية مثيرة، وذات أهمية عميقة جدًّا عند المصريين.
وتضع أمامنا لون الرواية بما فيها من مديح للملك، وبالبيان الذي يقول:
هنا يبتدئ وقوع انتصار «حور» على أعدائه (6)، والفصل الأول: قُسِّم خمسة مناظر، وهو عبارة عن شعائر الخطاف (نوع من الرماح) المقدس؛ أي إنه كان هناك عشر خطاطيف مصحوبة بكلمات وحركات مناسبة قد رُشِقت بالتوالي في صورة فرس البحر، والفصل الثاني: يحتوي على منظرين لهما علاقة بالابتهاج بالنصر، ففي المنظر الأول: يُرى «حور» جالسًا في سفينته، ويطلب الغوث من الشباب حاملي الخطاطيف، وفي المنظر الثاني: يفرح الناس بحور عندما توج وقلد بشارة الملك، والفصل الثالث: هو عبارة عن الاحتفال بالنصر، ويحتوي على روايتين خاصتين بتمزيق أعضاء «ست» يفصل بينهما فاصل، وأخيرًا الخاتمة: وفيها يعترف بأن «حور» قد انتصر، وأن أعداء الآلهة والملك قد هُزمِوا.
ومن المهم أن نلحظ أن هذه التمثيلية قد بدأت بالملك وانتهت بالملك، ولا نزاع في أن التصوير الدرامي لانتصار «حور» والبيان الرسمي عن فوز «حور» والملك قد جعل من المؤكد أن أعداء الفرعون قد هُزموا وأهلكوا، وبذلك أصبح مضمونًا لمدة عام آخر أن الملك وشعبه وكل أرض الكنانة قد نالت نصرًا وسلامًا.
والمتن الرئيسي الذي في الصف الثاني هو أسطورة قرص الشمس المجنح (7) وهذا المتن ليس خاصًّا بالتعاليم أو الشعائر الدينية العادية، كما أنه ليس بالمتن التمثيلي، بل هو في الواقع قد وُضِع في صورة قصة طويلة عن الحرب بين «حور» و«ست» تتخللها عدة توريات مملة خاصة بالأعمال المختلفة والأماكن التي ذكرت فيها. على أن ذروة هذه القصة قد وضحت في بيانٍ جاء فيه: أن قرص الشمس المجنح لا بد أن يوضع في كل معبد في أنحاء مصر، ثم يستمر المتن في تفسير أن قرص الشمس هو «حور البحدتي» الذي له السيادة على الوجه القبلي والوجه البحري، وأنه هو الذي يهزم دائمًا العدو، وأنه هو الذي في اسمه قد نُقش الحي والميت، ثم ينتهي المتن بقطعة من السحر الخالص، وهي أن جعلًا مجنحًا منقوشًا يوضع على صدر الملك في يوم الشدة، وعندما تُتلَى التعويذة المناسبة تكون النتيجة أن الملك لن يستولي عليه الخوف، وأن أعداءه سيقضي عليهم مباشرة.
ومن ذلك يتضح أن هذا المتن بصورة عامة قد وُضِع تصميمه؛ ليؤكد ويبرهن على أحقية «حور البحدتي» في السيادة على مصر، وكذلك ليؤكد أنه في قدرته أن يحمي الملك كما هي الحال فعلًا.
ومما له معناه هنا أن كل الأسطورة قد أخذت صورة وثيقة تاريخية، وتبتدئ بتاريخ أسطوري: في سنة 363 من حكم ملك الوجه القبلي والوجه البحري «رع–حور–أختي».
وهذا يبدو بجلاء كأحد الاستشهادات لسابقة تاريخية كانت أو خيالية، من تلك التي كان قد أُولِع بها المصريون، ومن ثَم يجوز لنا أن نقترح هنا أن هذا الجزء من العيد كان قد فُكر فيه؛ ليكون بمثابة تكملة للدراما المقدسة، وأنه يحتوي على تلاوة تاريخ انتصارات «حور» التي مثلت كذلك تحت ستار وثيقة تاريخية؛ لتبرهن على أحقيته في السيادة.
والجزء الأخير من هذا المتن متصل بوضوح بقربات تحتوي على ماء، وغزال، ووعل، وماشية من ذوات القرون الطويلة والقصيرة، وكل هذه القربات — كما هو معروف — ترمز لأعداء الملك والآلهة، ثم يستمر المتن بعد ذلك مباشرة في ذكر الفقرات الختامية لأسطورة قرص الشمس المجنح، وذلك بتحضير التعويذة التي تُتلَى على الجُعَل المُجنَّح الذي وُضع حول رقبة الملك الذي أصبحت أعداؤه في الحال خبرًا بعد عين، على حسب أحد المبادئ الأساسية للسحر المصري؛ وذلك بمجرد التأكيد أنهم خائفون، ولا حول ولا قوة لهم، ويتبع ذلك بيان بأن الأعداء المهزومين قد أُرسِلوا إلى جهات العالم الأربع، وذلك ليكونوا سلالات مختلفة من بني الإنسان، وذلك بصرف النظر بطبيعة الحال عن المصريين، يضاف إلى ذلك ذكر حوادث أخرى عن حروب «حور» مع التَّوْرِيات في الألفاظ التي كان لا محيص عنها، والواقع أن المتن كله يظهر بأنه ملحق لأسطورة القرص المجنح، وغرضه الأساسي — على ما يظهر — هو إقامة شعيرة تعتبر فاصلة وسحرية حامية في نهاية الحفل.
.....................................................
1- راجع ملحوظات الأثرى شاسيناه. Edfu VI, 55-6, 104.
2- Edfu, VI, 60, 6–90, XIII. Pls. 494–514.
3- Edfu, VI, 108, 15–132, 5, XIII. Pls.
4- Edfu, VI, 132, 7–136, 9, XII. Pls. 534, 535.
5- J. E. A. 28, 32–8; 29, 2–36; 30, 5–22.
6- Edfu VI, 61-2.
7- J. E. A, 21. P. 26.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة