الأعياد الموسمية في معبد ادفو (عيد التتويج)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج11 ص 211 ــ 214
2025-10-15
324
والعيد الثاني العظيم الذي سنتحدث عنه هنا هو عيد تتويج الصقر المقدس، وكان يُحتَفل به في اليوم الخامس من الشهر الأول من فصل الشتاء (الشهر الخامس من السنة) ويرجع الفضل الأول في دراسة هذا العيد وترتيب النقوش الخاصة به في مبعد إدفو للأثري «الليو» (1).
وتفاصيل هذا العيد سهلة نسبيًّا عندما نريد إعادة بنائها، ويرجع الفضل في ذلك إلى مجموعة فاخرة من النقوش تتألف من ثمانية مناظر عظيمة تصحبها متون مطولة دوِّنت في الصفين الأول والثاني للواجهة الداخلية للجدار الشمالي لحرم معبد «إدفو» مضافًا إلى ذلك متون عدة مبعثرة في أجزاء أخرى من المعبد.
وتدل المناظر على أن تمثال «حور» الذي مثِّل برأس صقر متوج بالتاج المزدوج يؤخذ من ناووس المحراب (15) ويوضع على مِحفَّة خفيفة الحمل مفتوحة من جوانبها، ولكن يعلوها مظلة خفيفة، وكان يحمل هذه المِحفَّة كهنة مقنعون؛ فأولئك الذين كانوا في المقدمة يلبسون قناع الصقر، والذين في المؤخرة يلبسون قناع ابن آوى، وهم في ذلك يمثلون أجداد ملوك المملكتين العتيقتين اللتين كانت تتألف منهما مصر وهما «هيراكنبوليس» في الوجه القبلي و«بوتو» في الدلتا.
ويُحتَمل أن الموكب كان يشبه جدًّا في نظامه موكب عيد السنة الجديدة؛ فكان يأتي في مقدمته الكهنة حاملين الأعلام، ويأتي بعدهم أعضاء طائفة الكهنة، والإله في مِحفَّته، وأخيرًا يأتي كهنة يحملون آلهة في نواويسهم، وكان من صفات هذا الموكب أنه كان يسير في صمت فلا يتكلم رجل مع زميله(2)، وكان الموكب يمر داخل المعبد مخترقًا أبواب الصرح، وبعد أن يجتاز البوابة التي في الجدار الجنوبي لحرم المعبد يتحول نحو اليسار سائرًا إلى معبد «الصقر المقدس» وهنا تتحول المِحفَّة، وتواجه نواويس الآلهة الذين كانوا مجتمعين أمامه مع حامليهم، وعندئذ تكون قد حانت اللحظة لانتخاب الملك الجديد، والطريقة في ذلك كانت بالوحي؛ فكان يُنادَى اسم كل إله على انفراد حتى يكون في مقدور «حور» أن يشير إلى الذي وقع عليه اختياره، ولم ينتخب واحد من الآلهة الذين نودي عليهم، والظاهر أن مِحفَّة حور في هذه الحالة إما أن تكون قد بقيت دون حركة، أو تكون قد عملت حركة تراجع عند نداء كل اسم، وبعد ذلك يدخل الموكب فناء الردهة الأمامية، أو قاعة العُمُد الكبرى لمعبد الصقر المقدس، وفي أثناء وقوف مِحفَّة «حور» في المدخل يجلب مربو الصقور عددًا من الصقور المقدسة التي ربِّيت في الخميلة المقدسة، وفي النهاية يُنتَخب واحد من هذه، ويعترف بأنه هو وارث الإله، والملك الجديد.
بعد ذلك يبتدئ الجزء الثاني من الحفل؛ وذلك أن الموكب الآن قد شمل الصقر المقدس، وألف وعاد أدراجه في طريقه إلى الردهة الأمامية لإقامة حفل الاعتراف به، وبعد الدخول في الردهة الأمامية كانت الآلهة وأتباعهم يدخلون من الباب الذي على الجناح الشرقي للبوابة، ويصعدون إلى سطح الباب الرئيسي الواقع بين جناحي البوابة الكبرى: وهذه كانت تُدعَى شرفة الصقر (3) أو «نافذة الظهور» (4)، والسبب الواضح لذلك هو أن «حور» يكون في مقدوره أن يستعرض خلفه — وهو الصقر المقدس الذي انتُخب حديثًا — أمام الناس.
وليس لدينا ما يشير إلى من هم هؤلاء الناس، ولكن يظهر أنه كانت هناك جماعة من الكهنة وغيرهم من الناس المفضلين في الردهة العظيمة وأمام الصرحين.
ومن المرجح أنه عند هذه النقطة كان يُرتَّل دعاءان؛ الدعاء الأول: خاص بسنة سعيدة، ثم يتلوه دعاء الإلهة «سخمت» وكان الغرض منه أن يُحفَظ الصقر المقدس من كل أنواع الأضرار والأخطار.
وبعد ذلك كان ينزل الموكب من الشرفة، ويدخل المعبد للقيام بإنجاز الجزء الثالث من الإجراءات، وأعني بذلك إجراءات التتويج فكان يوضع الصقر تحت مظلة خفيفة — لأجل إتمام الجزء الأول من صلاة التتويج — على جذع مستطيل أُحكِم حفره؛ ليكون تقليدًا لواجهة القصر البدائية المعروف باسم «سرخ» ثم كان يُعطَّر، ويقلد قلادة رسمية، ويقدم له رمز الأبدية، وأربع الباقات الخاصة بالآلهة «حور البحدتي» و«رع» و«حتحور» و«آتوم».
أما الجزء الثاني من الحفل فكان خاصًّا بتتويج الحاكم الجديد وحمايته، فكان يوضع الصقر والإله حور جنبًا لجنب على عرشين، وكل منهما على ظهر صورة أسد، وكان يُقدَّم للإله الشارة الملكية، وعدد عظيم من التمائم، ثم تُلمَّس شفتاه باللبن، وتغنى أناشيد طويلة لحماية الإله وبيته والأرض التي كان يقف عليها، والسرير الذي كان ينام عليه، والهواء الذي كان يتنفسه، وكذلك كانت التعاويذ الخاصة بحماية الجسم الإلهي تُتلَى أمامه.
وبعد تمام هذه الأحفال كان وقت المرحلة الأخيرة للحفل قد حان، وأعني بذلك إقامة وليمة، وكان يؤلف لهذا الغرض الموكب من جديد، ويعود إلى معبد الصقر المقدس، وهناك كانت تقام صلاة شكر دقيقة قبل أن تُرتَّل أسماء القربان، في حين أن الملك كان يقدم لحومًا مختارة للصقر؛ وهذه القطع من اللحم هي التي كانت تمثل هلاك أعداء الإله والملك. (5) أما الوليمة الفعلية فقد مثلت في منظر عنوانه حرق البخور. إحضار الإله إلى لحمه (6) (طعامه). هذا، ونجد في الصلاة اليومية — كما أشرنا إلى ذلك من قبل — أن قربان بخور المر كان يُرمَز به إلى وجبة فعلية؛ وذلك لأن الصيغة الخاصة به تحدثنا بأن «رائحة المر لأجل أنفك، وأنها تملأ خيشومك، وقلبك يتسلم أنصبة اللحم على رائحتها (7).
وهذه الوليمة هي نهاية الأحفال الرسمية، وفي حين نجد أن الصقر المقدس قد بقي في معبده فإن الإله «حور» كان يُحمَل ثانية إلى ناووسه في محراب المعبد الرئيسي، وكان الشعب في هذه الآونة يُلقي بنفسه في أحضان الفرح والسرور والتمتع بالولائم.
ويلحظ أن التقابل الذي يلفت النظر بين هذه الشعائر، وبين حفل التتويج في أيامنا الحاضرة لا يحتاج أي تحسين جديد، وعلى أية حال لدينا نقطة أخرى تحتاج إلى تعليق قصير؛ إذ لا بد من أن نؤكد من أنه في خلال كل هذه الأحفال كانت هناك وحدة تامة بين الصقر المقدس وحور البحدتي (8) والفرعون. فالعيد في الواقع كان أكثر جدًّا من كونه مجرد اختيار صقر مقدس وتتويجه، بل كان كذلك التجديد السنوي لتتويج الملك الحاكم، فاليوم الأول من الشهر الأول من فصل الشتاء، وهو اليوم الأول من العيد، وقد سمي في التقويم بمثابة يوم عيد السنة الجديدة لحور البحدتي. وأهمية ذلك كما أظهر «جاردنر» في نقده لكتاب «فريزر» عن «أدونيس» و«أنتيس» و«أوزير»(9) أن هذا اليوم يأتي مباشرة بعد أعياد أوزير الكبيرة التي تقع في الشهر الرابع من السنة؛ ففي اليوم الأخير من الشهر كانت تقوم قيامة «أوزير» بوصفه ملكًا متوفى نودي ثانية من قبره ليعيش شبه حياته السابقة ثم دفنه، وفي اليوم التالي وهو اليوم الأول من الشهر الخامس تسلم ابنه حور الملكية، ومن ثم كان هذا هو التاريخ الذي كان يُعتَبر ظاهرًا مناسبًا لتولي أي فرعون عرش الملك، وكان ذلك اليوم هو التاريخ المتفق عليه للعيد سد (العيد الثلاثيني) وهذه الحقائق هي التي وتوضح لنا أهمية هذا التاريخ، وطبيعة تتويج الصقر المقدس.
.......................................................
1- Alliot, Culte. Revue de l’histoire des Relig., 137, 88–95
2- Edfu VI, 102, 5
3- Edfu VI, 93, 11
4- Edfu VI, 102, 9
5- J. E. A., 31, 57–73
6- Edfu, VI, 305, 2
7- Edfu VI, 305, 3-4
8- Edfu V, 399, 7
9- J. E.A., 2, 121–6, and PP. 122–4
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة