الأعياد الموسمية في معبد ادفو (عيد رأس السنة)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 206 ــ 211
2025-10-14
343
يتفق وقوع عيد رأس السنة في مصر في نفس اليوم التقليدي الذي يزيد فيه النيل، أي على الأقل عندما يكون التقويم والسنة يسيران بخطوة واحدة، والأحفال التي تُقام في هذا اليوم، وهي التي تعتبر بشير فيضان مانح للحياة هي على ذلك بطبيعة الحال أولًا خاصة بالتجديد؛ أي تجديد الحياة، والخصب للآلهة ولمصر، وللناس، وفوق كل شيء للفرعون الذي يتوقف عليه رخاء مصر، وهذا التجديد رُمِز له باتحاد أشعة الشمس مع تمثال الإله، وقد خصِّصت الحجرتان اللتان أُطلِق عليهما حجرة «مائدة الطعام» (13) و«المكان الطاهر» (14) وكذلك السلالم التي يُصعَد منها وينزل بها من السقف، والجوسق، ومكان العيد الأول؛ لتسهيل هذا الاتحاد البالغ الأهمية.
وكان أول من فحص عيد السنة الجديدة هو «الليو» فقد درسه درسً (1) وافيًا، وسنتحدث عن هذا العيد على حسب ما جاء في مؤلف «الليو» وإن كانت هناك بعض اختلافات ذكرها الأثري «فرمان» في ثلاث نقاط؛ أولًا: ليس من المؤكد تمامًا أن العيد قد أُقِيم في «إدفو» مدة أحد عشر يومًا كما يقول «الليو» وذلك لأن الأحفال قد بدأت في اليوم الثلاثين من الشهر الرابع من فصل الصيف (آخر يوم في السنة القديمة) واستمر مدة خمسة أيام النسيء، وعلى حسب «الليو» انتهى في اليوم الخامس من الشهر الأول من فصل الفيضان، والصعوبة هنا هي أن التسجيلين لليومين الرابع والخامس لهذا الشهر لا يحتويان على تلميح لعيد السنة الجديدة، ولكن يسميان على التوالي عيد «البحدتي» وعيد «حور البحدتي»(2)، وفضلًا عن ذلك نجد أن تقويم «كوم أمبو»(3) يبين بوضوح أن العيد انتهى في اليوم الرابع من الشهر. هذا ولا يمكن تقديم حل نهائي لهذه المسألة.
النقطة الثانية: هي أن «الليو» قد حاول أن يبرهن على أن «مكان العيد الأول» كان هو اسم الجوسق الذي على السطح، وكذلك اسم الحجرة المسماة «مائدة الطعام» (13) وبذلك يقسم الأحفال مرحلتين؛ المرحلة الأولى: الأيام التي قبل يوم السنة الجديدة، وذلك عندما حدثت الأحفال في وبين «حجرة مسن» (16) وحجرة «مائدة القربان» و«المكان الطاهر» (14) والمرحلة الثانية: في يوم السنة الجديدة والأيام التي أتت بعده، وذلك عندما امتدت إلى سطح المعبد والجوسق، والواقع أنه ليس لدينا أي متن في «إدفو» أو في «دندرة» يطبق عبارة «مكان العيد الأول» على أي جزء في المعبد خلافًا للجوسق الذي على السطح.
ورأي «الليو» يرتكز على حقيقة أنه في «دندرة» (4) كانت الحجرة التي تقابل حجرة «مائدة الطعام» في «إدفو» تسمى أحيانًا: «فناء المكان الخاص بالعيد الأول»، وإذا كان ذلك يعني أي شيء فإنه يعني أكيدًا أن الحجرة لا يمكن أن تكون «مكان العيد الأول»، وإلا فإن في الإمكان كذلك أن نسميها المكان الطاهر، وذلك لأن اسمًا غير عادي لنفس هذه الحجرة هو «فناء المكان الطاهر» (5).
ويقول «فرمان»: إنه لما كان تقويم «إدفو» يقول صراحة: إنه في اليوم الأخير من السنة، وفي أيام النسيء كان يذهب الإله إلى «مكان العيد الأول»، فإني أرى خلافًا لرأي الأثري «الليو» أنه قبل وبعد أول يوم في السنة الجديدة كانت الأحفال تشمل موكبًا يذهب إلى السطح، وأخيرًا ينكر «الليو» أنه لم تكن تقع أية مرحلة من مراحل إلباس الإله على سطح المعبد، وهذا الرأي كذلك من المستحيل الأخذ به؛ لأنه يوجد ملخص للأحفال في دندرة يشير صراحة لمراحل إلباس الإله بعد أن دخلت «حتحور» الجوسق(6)، ولكن نجد أنه في كل من «إدفو» و«دندرة» أن لوازم اللباس كانت تُحمَل إلى السطح، وفي إدفو يوجد بوجه خاص بيان واضح يشير إلى أن إلباس الإله كان يتم هناك(7).
لم تؤثر أحفال السنة الجديدة في المحراب والتماثيل التي كانت تُحفَظ فيه، بل كانت تبدأ في حجرة «مسن» (16). فكان الملك أو نائبه بصحبة كبار كهنة المعبد، يدخلون الحجرة ويؤدون الشعائر الافتتاحية الخاصة بالصلاة اليومية؛ فكان يعتلي سلم الناووس ويفتحه ويكشف عن وجه الإله، وبعد صلاة قصيرة كان يُنقَل كل من محراب حور وحتحور، ويوضع على حامل مستطيل منفرد يعلو كل منها سرادق يرتكز على أربعة عُمُد في كل منها حلقة من المعدن في كل من جوانبه الأربعة، وكان المعتاد أن يخصص لكل محراب وحامله تسعة كهنة يُدعَون في العادة الرفاق؛ وكانوا هم المسؤولين عن حمله في كل مواكب اليوم، وكانوا يسندون المحاريب على أيديهم، وبوساطة حبال توضع حول رقابهم، ثم في داخل الحلقات المتصلة بالحامل.
وهؤلاء الكهنة كانوا يمثلون أولاد «حور» الأربعة وأولاد «مخنتي-إنرتي»، أما «مخنتي إنرتي» نفسه الذي لم يقم بدور الحامل فقد كان يعمل بمثابة مشرف على جماعة من الحمَّالين، وبعد تأليف الموكب في طابور مزدوج، وحربة حور المقدسة أمام حور، وحربة «خنسو» أمام «حتحور» كان يشق طريقه على طول الدهليز الذي كان يحيط بالمحراب.
وفي نهاية الأمر يصل إلى «مائدة الطعام» (13) و«المكان الطاهر» (14) وفي الوقت نفسه كانت توضع على كل موائد القربان قربات ثمينة تشمل قربات محروقة في كل أنحاء المعبد، وقبل كل شيء في الردهة الأمامية؛ أي فناء القربات (1)، وعندئذ كانت محاريب حور وحتحور، وكل آلهة المعبد تجتمع في «المكان الطاهر» (14) وفي الجهة الجنوبية كانت تقدم لهم قربان، ويكشف عن التماثيل، ثم تكرر بعد ذلك مراحل إلباس الثياب الخاصة بالشعيرة اليومية في كل شكل ثمين متقن، ويصحب ذلك إنشاد أناشيد خاصة.
وعند هذه اللحظة يكون الوقت قد حان لإعادة تكوين الموكب والسير به إلى سطح المعبد، وكانت الطريق تبتدئ من حجرة مائدة الطعام (13) إلى القاعة الوسطى (11)، ومن ثم إلى قاعة القربات (9) حيث كان الموكب يتحول نحو اليسار مارًّا بالباب F ثم يأخذ طريقه صاعدًا في السلم المتعرج حتى يصل إلى السطح، وأخيرًا إلى الجوسق، وقد وصل إلينا وصف مفصل بوجه خاص عن الموكب، ولما كان كل من الطابورين في الواقع كالآخر تمامًا فإننا نصف طابور «حور» وحسب؛ فكان القسم الأول من الموكب مؤلفًا من كهنة يُحتَمل أن عددهم خمسة عشر يحملون الأعلام المقدسة، وكانت وظيفتهم إفساح الطريق لفتحها، وإزالة كل شر أو خطر من طريق الإله.
وخلف هؤلاء يلي كهنة آخرون بعضهم مقنعين يمثلون آلهة كانوا يحملون طعامًا وشرابًا، وملابس، وقربات أخرى، ثم يأتي بعد هؤلاء حاشية الإله المقربين منه؛ ويتألفون من كهنة أصحاب مراتب عالية، والكاهن الأعظم خلفهم على مقربة جدًّا من الناووس، وفي مقدمتهم كان يسير كاهن مرتل، وكهنة آخرون يحملون ملابسَ وأحجارًا نصف كريمة، وبخورًا وماء قربات، ويمشي خلف هؤلاء مباشرة رجل يرتدي بذلةً ملكيةً حاملًا حربة «حور» المقدسة، وخلفه تأتي الملكة والملك حافيان، وينظران من فوق أكتافهما إلى ناووس الإله الذي كان خلفهما مباشرة، وكانت الملكة تلعب بالصناجة وهي ماشية، أما الملك فكان يحرق البخور، ثم يأتي بعد ذلك الناووس الخفيف الذي فيه الإله «حور» يحمله تسعة الرفاق، ثم يجيء بعد الإله كهنة آخرون كل يحمل أحد الآلهة القاطنين في المعبد وهو في صندوقه الخفيف، وأخيرًا كان ينتهي كل طابور بحامل مروحة.
وكانت تماثيل الآلهة يُؤتَى بها إلى الجوسق، وكلها متجهة نحو الجنوب، ومجموعة على الجانبين، وخلف «حور»، وفي حين كانت قربات أخرى تؤدَّى كانت الشعائر تقام مرة أخرى فيُكشَف عن وجه التمثال، وتُزال الملابس القديمة، ويعطر التمثال، ويرتدي ملابسه الجديدة، وتُقدَّم له وجبة، ولا نزاع أن اللحظة الرهيبة في الحفل كانت دون أي شك لحظة الكشف عن وجه الإله، وكانت تتم على ما يُعتَقد عند الظهيرة، وفي تلك اللحظة كانت أشعة الشمس تُرسَل على التمثال، وكان الاتحاد الخفي للشمس مع الإله هو الغرض الذي يرمي إليه هذا الحفل، وبعد كل هذه المراسيم كان يتألف الموكب من جديد، ويمر بالباب الغربي للجوسق، وأخيرًا يصل إلى المعبد وإلى مكان سُكْنى الآلهة على التوالي بالنزول من السلم الغربي.
ولا بد أن نتحدث هنا عن نقطتين أخريين لم تُفحَصا سابقًا عن هذا العيد. ففي تقويم «كوم أمبو»(8) جاءت إشارة خاصة «بفتح الفم» في أثناء «العيد الأول» وعلى الرغم من أن هذا الحفل لم يُذكَر في أيٍّ من المتون الخاصة بعيد «السنة الجديدة» في «إدفو» أو في دندرة، فإنه لمن المهم جدًّا أن نذكر هنا أن تقويم «إدفو» قد حدثنا بأنه في اليوم التاسع عشر من الشهر الأول من فصل الصيف (الشهر التاسع من شهور السنة) قد أقيمت الأحفال الآتية: موكب هذا الإله الفاخر «خنسو» صاحب «بحدت» إلى سطح المعبد، وكشف الوجه، وإلباس الملابس، وتقريب عطور، وغناء مدائح، إجراء عملية فتح الفم(9) … وأهمية هذه الفقرة في أنها بلا شك تشير إلى أحفال على السطح تشبه أحفال «عيد السنة الجديدة».
وإذا كان ما قيل هنا صحيحًا عن شعيرة فتح الفم في عيد أول السنة — كما يقول «فرمان» — فإنه يكون لدينا بذلك حقيقة جديدة وهامة جدًّا؛ وذلك لأن الوقت التقليدي لإهداء معبدٍ كان إما في مساء يوم أول سنة جديدة أو في يوم سنة جديدة، ومن ثَم يقترح «فرمان» أن الأحفال التي كانت تقام على سطح المعبد في يوم سنة جديدة كانت تشمل إعادة إهداء المعبد وإلهه السنوي، فكأن الاتحاد مع الشمس لم يجلب فقط تجديد الخصب والرخاء لمصر، بل كان يجدد لمدة سنة أخرى حياة «إدفو» وقواها وحور والآلهة الذين عاشوا معه في المعبد.
والأحفال التي وصفت الآن، على الرغم من أنها كانت تؤثر في سعادة الشعب المصري ورخائه فإنها كانت خفية عن العالم الخارجي، وذلك لأن أبواب المعبد كانت موصدة عندما كان يُحتَفل بها، ولم يشاهدها واحد من عامَّة الشعب.
وقد كان المظنون حتى الآن أنها قد انتهت برجوع الموكب إلى المحراب الثانوي، ولكن على أية حال وفي تقويم في معبد «دندرة» نقرأ ما يأتي:
والآن بعد الأحفال الخاصة بالصلاة المقدسة يكون قد تمَّ — عندما تحل الساعة الثامنة من النهار — تأدية كل الأحفال الخاصة بإخراج هذه الآلهة العظيمة حتحور، سيدة «دندرة» وعين «رع» في «رافع الجمال» في موكب مع تاسوعها إلى «ردهة السماء العظيمة» فتكون متحدة مع والدها، ويشاهد جمالها قوم الشمس، وتدخل بيتها بخطًى وئيدة. ثاوية في مكانها هذا (10).
وهذه الكلمات لا يمكن أن تعني على وجه التأكيد إلا أنه بعد الظهر، بعد أحفال السنة الجديدة كانت الآلهة حتحور والآلهة المعاشرين لها في المعبد يخرجون من نواويسهم ويستعرضون لبعض الخاصة من القوم، لا للشعب بوجه عام، في قاعة العُمُد الخارجية للمعبد؛ على أن ذِكْر قارب الموكب يبرهن على أن ذلك لم يكن موكبًا يسير على سطح المعبد؛ لأن طريق السلم كانت ضيقة لا تتسع لقارب وحامليه، ومع أن ذلك لم يُذكَر في متون «إدفو» فإن الأحفال في «إدفو» و«دندرة» كانت متشابهة لدرجة يظهر فيها أنه كان هناك احتمال معقول أن في «إدفو» كان «حور» يخرج كذلك من ناووسه ويستعرض على ما يظن في الردهة الأمامية، وهي التي من أسمائها «ردهة السماء العظيمة»(11).
ومن المعقول أن يتساءل المرء فيما إذا كان هناك أي فرق بين الأحفال التي كانت تقام قبل السنة الجديدة، والتي كانت تقام بعدها؛ وذلك لأنه يظهر بطبيعة الحال أنه غير محتمل أن نفس الشعائر بالضبط كانت تؤدَّى في كل عيد دون أي فرق خاص عن عيد رأس السنة الهام، ولكن مما يؤسَف له أن المتون والمناظر الأثرية لا تساعدنا في هذه النقطة، وعلى ذلك فإن الإنسان في هذه الحالة يكون مضطرًا للالتجاء إلى الحدس والتخمين، وعلى أية حال فإنه من المحتمل أن المواكب والأحفال في المعبد وعلى سطح المعبد في خلال ستة الأيام قبل السنة الجديدة لم تكن إلا مجرد مقدمة، وكانت تقام على نطاق متواضع.
والواقع أن الاتحاد الحقيقي مع الشمس كان يتم في اليوم الأول من السنة، وقد كان، فضلًا عن ذلك، يميَّز بأنه اليوم السنوي لإعادة إهداء المعبد، ومن الجائز كذلك أن يوم أول السنة والأيام التي تليه كانت مميزة عن الأيام التي سبقتها بأحفال خاصة لها علاقة بعبادة الملك الحاكم وأجداده، وهم الذين لعبوا دورًا بارزًا في أحفال السنة الجديدة كما يؤكد ذلك «الليو» (12) وقد تحدثنا عن ذلك في مرسوم «كانوب».
...................................................
1- Alliot, Culte I, 303–433.
2- Edfu, V, 397, 6, 314, no, 426.
3- De Morgan Ombos I.
4- Chassinat, Le temple de Dendera IV, 185, 14, 186, 5
5- J. Dumichen Baugeschichte des Dendera tempels XIV, 10
6- Chassinat Dened., V, 117, 1–4; Mariette Dendera III, 37, 1; Dumas A.S. 51, 384–8 Cf. Mariette Dend. IV, 11; Dumischen Altaegypti–schen Kalendar inschriften, 82-3
7- Edfu I, 555, 11–14.
8- De Morgan Ombos II, 52, No. 596.
9- Edfu V, 400, 80–401, 2.
10- Mariette Dendera I, 62 f; Brugsch Thesaurus, 365.
11- Edfu V, 6, 10, Cf. VII., 18 8-9.
12- Alliot. Culte I, 358–60.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة