تاريخ بناء معبد إدفو
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 186 ــ 190
2025-10-13
369
تدل نقوش معبد «إدفو» على أنه كان قد أُهدِي للإله «حور بحدتي» وهو صقر مقدس يمثَّل عادة في صورة إنسان برأس صقر، ويحتوي معبد «إدفو» على تمثال لهذا الإله بهذه الصورة، كما يحتوي على تماثيل تصوره في صورة صقر وحسب.
ومما يسترعي النظر أنه كان يُوجَد بجوار المعبد محراب للصقر المقدس يسكن فيه ويحكم لمدة سنة، وهذا الصقر كان طائرًا حيًّا يُنتَخب سنويًّا ويتوَّج، وكان يوم انتخابه وتتويجه يُعَد عيدًا من أعظم الأعياد السنوية كما سنذكر ذلك بعد.
وتشمل أطوار بناء معبد «إدفو» ثلاث مراحل؛ الأولى: مرحلة المبنى الأصلي، وهي نواة المعبد، وتُعَد بذاتها معبدًا كاملًا، وتشمل قاعة عمد، وقاعتين أخريين، ومحراب، وعدة حجرات جانبية، وقد بدأ «بطليموس» الثالث بناءه في عام 237ق.م وبعد مضي 25 عامًا كان قد تمَّ البناء الرئيسي، وقد وُضِع آخر حجر في بنائه في 17 أغسطس سنة 212ق.م؛ أي في السنة العاشرة من عهد «بطليموس الرابع فيلوباتور». أما تزيين الجدران بالمناظر والنقوش فقد أُنجِزت في ست سنوات، وانتهى العمل منها في عام 207ق.م وفي نفس السنة رُكِّب الباب الكبير في مكانه، وبعد ذلك قامت ثورة في الوجه القبلي لم تخمد نارها إلا في السنة التاسعة عشرة من حكم «بطليموس الخامس» «إبيفانيس».
وعندما عادت السكينة إلى البلاد استمر العمل في المعبد، وفي اليوم الثالث من فبراير سنة 176ق.م؛ أي في السنة الخامسة من عهد «بطليموس السابع» (فيلومتور) رُكِّبت أبواب المعبد، ولوازم أخرى في أماكنها. أما تلوين المناظر، والنقوش، وتزيين بعض الجدران بصفائح من الذهب، وتأثيث المعبد فقد تمَّ في السنين القليلة التي تلت ذلك.
وفي 10 سبتمبر عام 142ق.م؛ أي في السنة الثامنة عشرة من عهد «بطليموس التاسع إيرجيتيس الثاني» احتُفل بافتتاح المعبد بأعياد وأفراح، وعلى أية حال فإن قاعة العُمُد الصغيرة لم تكن قد تمَّت إلا بعد عامين من هذا التاريخ؛ أي في 2 يوليو سنة 140ق.م، وعلى ذلك فإن بناء المعبد وتزيينه استغرق حوالي 97 عامًا بما في ذلك فترات إيقاف العمل الطويلة التي سببتها الثورات وغيرها. أما قاعة العُمُد والردهة الأمامية والبوابات فلم يكن قد بُدئ فيها، وقد تمَّ بناء قاعة العُمُد في 5 سبتمبر عام 122ق.م؛ أي في السنة السادسة والأربعين من حكم بطليموس التاسع، أما الردهة الأمامية فقد أُقيمت بعد ذلك ببضع سنوات.
وأخيرًا تم إقامة البوابات، وتركيب الأبواب الكبيرة للمدخل في 5 ديسمبر عام 57ق.م؛ أي في السنة الخامسة والعشرين من عهد بطليموس «نيوس ديوسس» الثاني عشر (1)، وهكذا نرى أن المعبد كان قد تمَّ في الوقت الذي جاء فيه «يوليوس قيصر» لفتح بريطانيا، وعندما أخذ نجمُ الإمبراطورية الرومانية يعلو ويسطع في كل العالم. كما نرى أن مدة إقامة معبد إدفو كله قد استغرقت نحو مائة وثمانين سنة تخللتها بعض فترات عُطِّل فيها العمل.
ويقع معبد إدفو الهائل داخل سور شاسع يحيط به جدار سميك من اللبنات، وبابه الرئيسي يقع في الجهة الجنوبية بانحراف بسيط نحو الغرب من المحور الرئيسي للمعبد، ولا يمكن الإنسان الآن معرفة مقدار الامتداد الحقيقي لهذا السور؛ لأن الجدران القائمة حتى يومنا هذا — وهي المصنوعة من اللبنات — قد اختفى جزء كبير منها تحت بلدة إدفو الحالية، وعلى أية حال تحدِّثنا النقوش الباقية على أنه كانت تقع في هذا الجزء المدفون بُحيَرة المعبد المقدسة، ومذبح المعبد، ومطابخه، ومخازنه، وحظائر ماشيته، ودواجنه، وطيوره التي كانت من كل نوع، والمظنون أنه كانت توجد هناك الخمائل المقدسة التي كانت تربَّى فيها الصقور المقدسة، هذا بالإضافة إلى الأدوات الخاصة بالمعبد، ويُحتَمل كذلك أن بعض مساكن الكهنة كانت قائمة في هذه البقعة المباركة.
ويقع خارج حرم المعبد مباشرة في الغرب من المدخل الرئيسي وعلى زاوية مستقيمة؛ المعبد المسمى «بيت الولادة» (مميزى)، ولا بد أن هذا المبنى كان يواجه من الشرق معبد الصقر المقدس الذي اختفت كل معالمه الآن إلا قاعدة مائدة قربان، وأخيرًا يقع على بعض مسافة من الغرب أو الجنوب الغربي ما يُسمَّى بالمعبد العلوي، ومباني أخرى غير معروف أصلها، والظاهر أنها قد لعبت دورًا هامًّا في الأحفال الخاصة بعِيدَي الزواج المقدس، وعيد «بحدتي» وسنتحدث عنهما فيما بعد، ولا يزال موقع المعبد العلوي هذا مجهولًا.
واتجاه معبد إدفو هو من الجنوب إلى الشمال، وكان مقامًا أمام كل جناح من جناحي بوابته أو صَرْحَيه صاريان ومسلة كما هي العادة في المعابد المصرية، غير أن هذه قد اختفت الآن، وكان يوجد كذلك فوق الباب الرئيسي A وبين جناحي البوابة شرفة الصقر التي كان يصل إليها الإنسان من الردهة الأمامية (1) بسلم يقع في الجناح الشرقي للبوابة.
وردهة المعبد الأمامية شاسعة، ومكشوفة، ذات عُمُد يبلغ عددها اثنين وثلاثين عمودًا مقامة في جنوبها وفي شرقها وغربها، ولها بابان في كلٍّ من جداريها الشرقي والغربي.
وأهم هذه الأبواب الأربعة وأكبرها الباب الذي في الجنوب الشرقي B (2)، وكانت تدخل منه الإلهة «حتحور» إلى المعبد عند وصولها من دندرة إلى إدفو عند بداية عيد الزواج المقدس، وذلك بعد أن تكون قد اجتازت حرم المعبد من باب في الجزء المدفون الآن من السور الشرقي (3).

شكل 4-1: معبد إدفو.
والأسماء المتداولة الاستعمال لهذه الردهة الأمامية كما جاء في النقوش هي: (أ) ردهة القربان. (ب) ردهة البوابة. (ﺟ) ردهة الطهور. ولا بد أنه كانت توجد مائدة قربان في هذه الردهة غير أن كل معالمها قد اختفت، وكانت العادة أن تُحرَق قربات كثيرة في هذه الردهة عند الاحتفال بعيد السنة الجديدة، ومن المحتمل كذلك أن القربات كانت تُحرَق في مناسبات أخرى، وقد ذُكِر كثيرًا أن قربات كانت تقدم للإله رع ثلاث مرات يوميًّا، والظاهر أن هذه القربات كانت تقرب في أعياد خاصة بالصلوات الثلاث اليومية التي كانت تقام في المحراب.
.......................................................
1- Weigall, Guide. P. 333.
2-انظر الشكل رقم 1 الخاص بتصميم معبد إدفو.
3-Chassinat, Le temple d’Edfou, VI, 7, 5–8, VII, 18, 10–19, 2; Edfou V, 370, 11–371, 9; 374, 3–14
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة