بطليموس الثالث والسعي في إصلاح التقويم المصري
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 167 ــ 170
2025-10-12
466
منذ العام السادس من حكم «بطليموس الثالث» 241ق.م حتى حضرته الوفاة، وكذلك طوال مدة حكم خلفه بطليموس الرابع (221–204ق.م) لم نعثر على عملة من التي قيمتها درخمتان أو ثلاث درخمات من الفضة مؤرخة بسني حكم واحد منهما، والواقع أن التواريخ التي اتخذها كلٌّ من بطليموس الثالث والرابع ترجع إلى عصر يبتدئ بعام 311ق.م؛ أي أول عهد الحكم الحقيقي للبطالمة، وذلك باعتبار أنهما خلفا الإسكندر الرابع الذي مات في عام 311ق.م كما ذكرنا ذلك آنفًا (راجع مصر القديمة الجزء 14)، ولا نزاع في أن بطليموس الثالث كان قد أراد أن يؤسس — على غرار الملوك السليوكيين — تأريخًا يكون في الوقت نفسه قوميًّا وأسريًّا، والواقع أن ملوك السليوكيين في آسيا كانوا يؤرخون نقودهم بتاريخ موت الإسكندر، ومن المحتمل أن بطليموس الثالث قد أراد أن يسير على نهج هذا التاريخ الذي كان من الجائز أن يُصبِح فيما بعدُ تأريخًا دوليًّا في العالم الهيلانستيكي.

وجه.

ظهر.
شكل 3-1: عملة نقدية لبطليموس الثالث محفوظة بالمتحف المصري، صورة مقدمة من الدكتور عبد المحسن الخشاب.
والواقع أن بطليموس هذا كان ذوَّاقًا للعلوم الدقيقة؛ ويمكن الحكم عليه بذلك بما لاقاه العالم الجغرافي والرياضي العظيم أراتوستينيس من حظوة ومكانة رفيعة مرموقة كما أشرنا إلى ذلك من قبل (راجع مصر القديمة الجزء 14) ومن المحتمل أن هذا الملك كان يستشير علماء «الميوزيون»، ولا بد أن الفلكيين والرياضيين الإسكندريين هم الذين اقترحوا عليه إصلاح التقويم المصري، وإغفال التقويم المقدوني الذي كان يسير على حسب التوقيت القمري، ولكن التقويم المصري إذا أُصلح وتخلص من أسلوبه العادي، وهو السنة التي تتألف من 365 يومًا وحسب فإنه يصبح من المستطاع أن يحل محل الأخير بما يعود بالفائدة، كما يصبح التقويم القومي الصحيح، وقد يأخذنا العجب عندما نعلم أنه قبل قرنين من الزمان من عهد «يوليوس قيصر» قد فكر الكهنة المصريون في أن ينفذوا نفس الإصلاح الذي قام فعلًا به «يوليوس قيصر»، والواقع أننا علمنا بهذا الإصلاح من منشور ملكي وضعه مجلس كهني اجتمع في مدينة «كانوب» ويُقال إن الغرض الذي كان يرمي إليه هذا المنشور هو التغلب على عادات الشعبين، وذلك بتحسين التقويم المصري بالعلم الإغريقي، والرأي السائد أن هذا الإصلاح جاء عن طريق العلم الإغريقي، غير أن المؤرخ «ستراك»(1) والعالم «فلكن»(2) يميلان إلى الاعتقاد بأن الكهنة المصريين لا بد أن يرجع إليهم الفضل في المبادرة باقتراح هذا الإصلاح، ومما لا شك فيه أن علوم الفلك التي ورثها الكهنة عن أسلافهم كانت كافية لتجعلهم يصوبون الهدف في وضع تصميم السنة الكبيسة.
أما أولئك الذين ينسبون هذا الإصلاح إلى علماء الإغريق فلأن ذلك يرجع إلى تمسك المصريين بعاداتهم القديمة والمحافظة عليها إلى أقصى حدٍّ، ولكن هذا الرأي لا يُعتدُّ به، وبخاصة عندما نعلم أن «إسترابون» قد قال: إن علم الفلك أخذه الإغريق عن المصريين.
والواقع أنه قد عُمل مجهود مزدوج لوضع تاريخ ثابت يمكن بوساطته حساب السنين، وذلك بدلًا من أنها كانت تُحسَب بعدد أعوام حكم الملك، فيقال سنة كذا من سني حكم الملك فلان الحاكم، وهذه الطريقة للتأريخ لا نزاع كانت غير عملية، وغير علمية في وقت واحد، وعلى مر الزمن وازدياد عدد الملوك الذين حكموا تعقدت الأمور أكثر فأكثر؛ ومن أجل ذلك كان لا بد من إيجاد حلٍّ لذلك.
وقد كانت السنة المصرية العادية المستعملة عند كل من الإغريق والمصريين هي السنة المصرية التي حُدِّدت أيامها ﺑ 365 يومًا، وتبتدئ بأول يوم في شهر «توت» وإن كان الإغريق في العادة يضعون الشهر المقدوني عند تأريخهم الوثائق، ولما لم تكن عند المصريين سنة كبيسة بزيادة يوم على السنة العادية فإن السنة المصرية كانت تُسقِط يومًا كل أربعة أعوام، وبذلك كانت السنة الطبيعية بعد مرور 1640 سنة قد زِيد عليها سنة كاملة، وقد جاء ذلك من إضافة يوم كل أربع سنين، ومن ثَم نجد أنه بهذه الطريقة تنقلب الأوضاع، فمثلًا نجد أن عيد سنة من السنين كان يُحتَفل به في تاريخ معين على حسب السنة المصطنعة يكون مرة في وسط الشتاء، ولكن بعد مرور 730 سنة يكون انعقاد نفس العيد في منتصف الصيف.
ولأجل إصلاح العقبة الأولى اتُّخذ عام 311 ق.م بمثابة عهد ثابت، كما ذكرنا، ولأجل التغلب على العقبة الأخرى فإن الكهنة المصريين قد تغلَّبوا عليها، وذلك بما جاء في المرسوم الذي نشروه باسم الملك «بطليموس الثالث»، ولكن كانوا هم الواضعين الحقيقيين له. غير أن شواهد الأحوال دلت على أنه لم يُنفَّذ، ولكن الفكرة كانت موجودة، إلى أن عُمِل بها في عهد يوليوس قيصر، ومن ثَم بدأ التاريخ العلمي الصحيح، وهو ما نسميه التاريخ المسيحي.
..................................................
1- Strack, Gottingischc Geherte Anzeige for 1900, No. 8. P. 648
2- U. Wlleken, Griechische Ostraka aus Aegypten and Nubien I. P. 783
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة