النسيج
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 659 ــ 662
2025-09-01
517
ومن الصعب أن نفهم العلاقات التي كانت بين زينون وصغار النساجين الذين كانوا غالبًا يشتغلون في بيوتهم فنعلم أن ماياندريا Maiandria زوج فيلون الذي كان بدوره يقترض النقود من زينون، كانت تصنع للأخير ملابس (P.C.Z. 95263, 59355) ولكن يظهر أن هذه كانت عملية تجري لدفع دين زوجها، وتحدثنا وثيقة أخرى عن عمل مماثل (1)، هذا ويدور الحديث مرات عدة عن طلبيات أجريت بوساطة «زينون» (2)، ولكنه من الصعب أن نعلم إذا كانت غير متعلقة بأعمال الضيعة.
هذا ولدينا متنان من عهد الملك «أيرجيتيس» الأول مؤرَّخ بعام 242ق.م، ونعلم منه أن زينون كان يتبقى عليه للطبيب نيون Neon حصر غطاءات، وفي الثاني (3) مؤرخ بعام 244-243ق.م وهو مهشم بكل أسف ويبحث في موضوع نسيج، والظاهر أن كل الشواهد تدل على أن زينون كان له علاقات بصغار النساجين غير أنه من المستحيل تحديد تلك العلاقات.
هذا ولدينا نقطة لا بد من إيضاحها وهي: هل كان زينون أمينًا في كل الفرص التي سنحت له للكسب؟ وهل لم يُسمع قط بمخالفات ارتكبها؟ فمن جهة قروضه قد لاحظنا ما فرضه بعض العلماء من أنه كان يؤخر دفع مرتبات عماله عن قصد ليفيد منها في أعماله، غير أن هذه النظرية لا ترتكز على أساس متين، ولكن من جهة أخرى يمكن أن نعد موضوع «بيروس» مخالفة(4)؛ فقد كان مستحَقًّا على «زينون» أن يورد 250 إردبًّا من القمح للمؤجر «بيروس» بوصفه مقرضًا لأجل أن يتجنب غضب «أبوللونيوس» ولكن لا بد أن نوافق على أنه كان من صالح «زينون» أنه من بين الوثائق الكثيرة العدد جدًّا التي تحتويها سجلاته لم يصل إلينا شيء غير ذلك يتحدث عن مخالفاته، هذا إذا استثنينا موضوعات الجمرك الغامضة بعض الشيء؛ حيث نجد فيها زينون، وكذلك رفاقه قد احتموا وراء سلطان «أبوللونيوس» ليتخلصوا من دفع عوائد فاحشة.
وإذا ألقينا بعد هذا التحليل الذي سبق نظرة على مجموع نشاط زينون الخاص فإنه يجب علينا أن نبرز الملاحظات التالية:
كان زينون يستغل بمقدار كبير الإمكانيات التي تقدمها له وظيفته في الضيعة ويتضح ذلك بوجه خاص في تأجير الأطيان حيث كانت شئونه الخاصة تلاقي تسهيلات بسبب أن مستخدَمي «أبوللونيوس» كانوا يشتغلون كذلك بزراعة قطع أرض الجنود المرتزقين أصحاب الأطيان، هذا مع مراعاة العلاقات الرسمية بين زينون وبين الجنود المرتزقين، هذا ولم يكن مركز زينون في فيلادلفيا يسمح له فقط بأن يشتغل بزراعة قطع الأرض، بل كذلك يشتغل بكل شئون رفاقه ومعارفه الذين كان لهم أملاك في الفيوم ولا يسكنون فيها إلا مؤقتًا أو حتى لم يسكنوها أبدًا، وكانت كروم «أبوللونيوس» الكبيرة تجبر «زينون» أن يهتم بكل مسائل زرع العنب، والاتصالات التي وضعها مع الإخصائيين قد هيأت له إنشاء كروم خاصة به، أما من جهة تربية الحيوان فإن «زينون» كان يعطي حيوانه للعمال المدربين في الضيعة، ولما كان يشتغل بالتجارة الحرة في الحيوان وفي الغلة فإنه أفاد من وسائل النقل الخاصة بأبوللونيوس، وأخيرًا كان يقدم عن طيب خاطر قروضًا لمرؤوسيه علمًا منه أنهم إذا لم يدفعوها فإن مرتباتهم كانت ضمانًا لذلك وكان «زينون» بوصفه مديرًا للضيعة يهتم بوجه خاص بتأجير صفقات من الأرض من زملائه ومن الجنود المرتزقين كما كان يقوم لهم بتنظيم الكثير من شئونهم التي لم تكن مرتبطة مباشرة بزراعة الأرض، وهذه كانت دائرة نشاطه الوحيدة الخاصة؛ حيث نجد واضحًا أنه كان يتصرف فيها كثيرًا خلال حكم بطليموس الثاني أكثر مما كان يفعل في أثناء السنين التي أتت بعد ذلك، وتدل شواهد الأحوال على أن تربية الحيوان والتجارة وأخيرًا القروض تستلزم التفات زينون بوصفه مدير الضيعة من جهة وبوصفه رجلًا حرًّا من جهة أخرى، هذا يمكِّننا من أن نشير إلى أن اهتمامه بكرومه كانت تحتل المكانة الأولى عنده بعد عام 246ق.م ويُلحَظ نفس هذا الميل ولكن بمقدار أقل في استغلاله الحمامات، أما من جهة تأجير الضرائب فإن زينون لم يهتم بذلك إلا في عهد «بطليموس الثالث أيرجيتيس» فقد كان وقتئذ غنيًّا بدرجة مُحَسَّة ومعروفًا، كما كان لديه الوقت أكثر مما كان في خلال إدارته للضيعة في عهد بطليموس الثاني.
ولم نجد في سجلات زينون إغريقًا آخرين يمكن التحدث عنهم إلا بصورة عابرة في محيط زينون، ولكن هنا كذلك يمكننا أن ندلي بنفس الملحوظات، وذلك أن هؤلاء سواء أكانوا في خدمة الملك أم في خدمة «أبوللونيوس» أم حتى في خدمة زينون فإنه لم يَفُتْهُم فرصة لتحقيق أي فائدة مهما كانت دائرتها؛ فكانوا ينتهزون الفرصة في تأجير قطع من الأرض وزراعة الكروم وتربية الماشية والتجارة أو تأجير الإيرادات الملكية، وكان هذا الوسط من الناس يتميز بنشاط حار مليء بالحماس(5)، وفي هذا العهد نجد أن هؤلاء الإغريق كانوا يبنون ثرواتهم بأحسن المضاربات التي يغيب عنا بكل أسف الجزء الأعظم منها، وذلك في وقت كان الثراء العقاري معدومًا.
وهكذا نجد أن تحليل سجلات زينون يقدم لنا صورة كروكية لمجال الحياة كان يأمل الوصول إليه الكثيرون من الإغريق الذين أتوا إلى مصر في العهد الأول من عصر البطالمة، وقد جرت العادة في عصرنا الحالي أن نشاهد الهيلانستيكية بوساطة الأدب الإسكندري، ولكن على الرغم من أننا ننعته بالأدب الإسكندري فإنه يجب ألا يتحدث إلا باسم جزء صغير من المجتمع الهيلانستيكي، ومكان كل محيط «زينون» وأعني بذلك تلك الدنيا الصغيرة التي كانت تعج وتزخر بالحياة في «فيلادلفيا» بإقامة المباني، ويظهر أنها لا تهتم إلا قليلًا جدًّا بما كان يحدث في المزيون أو بمكثه في الإسكندرية، وقد كانت السياسة عندها كذلك تعتبر شيئًا غريبًا من أجل ذلك، ومن ثم نجد أن رجل السياسة قد مات وعاش رجل الاقتصاد كما عبر عن ذلك المؤرخ روستوفتزف(6)، والأخير هو الذي عمل مجال حياته في مصر، وعلى الرغم من أن مجال حياة «زينون» له سمات خاصة فإننا نؤكد من ملاحظتنا للإغريق الآخرين الذين في دائرته أنهم قد اتخذوا نفس الطريق الذي سلكه، وحتى مجال حياة المستعمر الحربي، وكذلك الجنود المرتزقين ينبغي ألا يختلفوا في شيء عن سابقيهم، وذلك على الرغم من أنهم كانوا يشملون بعض عناصر كانت خاصة بهم(7)، وقد كان التصميم العام يجب أن يكون على وجه التقريب كما يأتي؛ ففي خدمة الملك أو في خدمة موظف كبير ملكي كان الإغريقي المجتهد والنشيط يحصل على مركز اجتماعي ويجد مصادر رزق خاصة تسمح له فيما بعد أن يحرر نفسه من ربق الوظيفة، فكان يصل في بعض الحالات إلى هدفه تمامًا وفي حالات أخرى كان يصل إلى بعض ما يرمي إليه، ومن ثم تكونت طبقة من هذا المجتمع الجديد، وهي طبقة تشعر بعلوها على القوم الذين لا يعيشون إلا من كد سواعدهم وعلى أصحاب المرتبات وصغار رجال الحِرف وعلى كل أفراد الطبقة الدنيا «لاوس»، هذا فضلًا عن أنها كانت طبقة تُعرف تمامًا بتبعيتها لعلية القوم وثُراته المبرزين، والأفراد الذين يؤلفون هذه الطبقة كانوا لا يحكمون مصر مباشرة، ومن أموالهم كانت تتألف بوجه التأكيد إلى درجة عظيمة حياة البلاد الاقتصادية.
........................................................
1- راجع: P.C.Z. 59146, 59831.
2- راجع: P.C.Z. 59456, PSI. 401.
3- راجع: PSI. 387.
4- راجع: PSI. 417; P. Minch. Zen. 58, P.C.Z. 59831 Cf. Introd. P. Mich. Zen. 58
5- راجع: Rost. H.W. P. 1096.
6- راجع: Rost. H.W. P. 1153 f.
7- راجع: Rost. H.W. P. 421.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة