النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
الفضل بن شاذان "ره" مفخرة الأزديين
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص253-288
2025-08-20
19
الفضل بن شاذان عالم مجاهد في وسط الإرهاب !
قال العلامة في الخلاصة / 229 : ( الفضل بن شاذان ، بالشين المعجمة ، والذال المعجمة والنون ، ابن الخليل بالخاء المعجمة ، أبو محمد الأزدي النيسابوري ، كان أبوه من أصحاب يونس ، وروى عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) وقيل عن الرضا ( عليه السلام ) أيضاً ، وكان ثقة جليلاً فقيهاً متكلماً ، له عظم شأن في هذه الطائفة . قيل إنه صنف مائة وثمانين كتاباً ، وترحم عليه أبو محمد ( عليه السلام ) مرتين ورويَ ثلاثاً ولاءً . ونقل الكشي عن الأئمة ( عليهم السلام ) مدحه ، ثم ذكر ما ينافيه ، وقد أجبنا عنه في كتابنا الكبير . وهذا الشيخ أجل من أن يغمز عليه ، فإنه رئيس طائفتنا رضي الله عنه ) .
وقال النجاشي في كتابه : فهرست أسماء مصنفي الشيعة / 306 : ( الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمد الأزدي النيسابوري . كان أبوه من أصحاب يونس ، وروى عن أبي جعفر الثاني ، وقيل الرضا أيضاً ، وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين . وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في قدره أشهر من أن نصفه . وذكر الكنجي أنه صنف مائة وثمانين كتاباً وقع إلينا منها : كتاب النقض على الإسكافي في تقوية الجسم ، كتاب العروس وهو كتاب العين ، كتاب الوعيد ، كتاب الرد على أهل التعطيل ، كتاب الاستطاعة ، كتاب مسائل في العلم ، كتاب الأعراض والجواهر ، كتاب العلل ، كتاب الإيمان ، كتاب الرد على الثنوية ، كتاب إثبات الرجعة ، كتاب الرجعة حديث ، كتاب الرد على الغالية المحمدية ، كتاب تبيان أصل الضلالة ، كتاب الرد على محمد بن كرام ، كتاب التوحيد في كتب الله ، كتاب الرد على أحمد بن الحسين ، كتاب الرد على الأصم ، كتاب في الوعد والوعيد آخر ، كتاب الرد على اليمان بن رئاب ، كتاب الرد على الفلاسفة ، كتاب محنة الإسلام ، كتاب السنن ، كتاب الأربع مسائل في الإمامة ، كتاب الرد على المنانية ، كتاب الفرائض الكبير ، كتاب الفرائض الأوسط ، كتاب الفرائض الصغير ، كتاب المسح على الخفين ، كتاب الرد على المرجئة ، كتاب الرد على القرامطة ، كتاب الطلاق ، كتاب مسائل البلدان ، كتاب الرد على البائسة ، كتاب اللطيف ، كتاب القائم ، كتاب الملاحم ، كتاب حذو النعل بالنعل ، كتاب الإمامة كبير ، كتاب فضل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، كتاب معرفة الهدى والضلالة ، كتاب التعري والحاصل ، كتاب الخصال في الإمامة ، كتاب المعيار والموازنة ، كتاب الرد على الحشوية ، كتاب النجاح في عمل شهر رمضان ، كتاب الرد على الحسن البصري في التفضيل ، كتاب النسبة بين الجبرية والثنوية ) .
أقول : يظهر من سعة موضوعات مؤلفاته ( رحمه الله ) أنه كان يخوض صراعاً مع الفئات المختلفة المخالفة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، فهو مثل الشيخ المفيد في بغداد ( رحمه الله ) .
كما يظهر لك أنه ألف كتاباً في الإمام المهدي وغيبته ، قبل ولادته ( عليه السلام ) ، وهو كتاب الغيبة ويسمى الرجعة . فقد ذكر المجلسي ( 102 / 69 ) أن نسخة كتاب الغيبة للفضل بن شاذان كانت عند المير لوحي ، ونقل منها في كتابه الأربعين .
لهذا كان من حقه أن يحدث بنعمة ربه عليه ، ويفتخر بأنه وارث الماضين :
قال الكشي في رجاله ( 2 / 817 ) : ( حدثني سهل بن بحر الفارسي قال : سمعت الفضل بن شاذان آخر عهدي به يقول : أنا خلف لمن مضى ، أدركت محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وغيرهما ، وحملت عنهم منذ خمسين سنة ، ومضى هشام بن الحكم وكان يونس بن عبد الرحمن خلفه كان يردُّ على المخالفين . ثم مضى يونس بن عبد الرحمن ولم يخلف خلفاً غير السكاك فرد على المخالفين حتى مضى ، وأنا خلف لهم من بعدهم رحمهم الله ) .
أقول : السكاك : الذي يعمل السكك وهي الدراهم المنقوشة . وهو محمد بن الخليل ، وله ترجمة مختصرة في عدد من مصادرنا ، ولم يصلنا شئ مهم عن أدواره في الدفاع عن التشيع وإمامة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
قال النجاشي ( 1 / 329 ) : ( محمد بن الخليل أبو جعفر السكاك : بغدادي يعمل السكك ، صاحب هشام بن الحكم وتلميذه أخذ عنه . له كتب منها كتاب في الإمامة وكتاب سماه التوحيد وهو تشبيه وقد نقض عليه ) .
ومعنى أن كتابه تشبيه : أنه يقول فيه إن الله تعالى جسم لا كالأجسام ، بدل شئ لا كالأشياء ، ولعل هشاماً وقع في خطأ هذا التعبير فأخذه عليه خصومه وأشاعوا أنه مجسم ، وهو خطأ لفظي !
قال في معالم العلماء / 130 : ( محمد بن الخليل السكاك ، صاحب هشام بن الحكم وكان متكلماً ، له كتب منها : كتاب المعرفة ، الاستطاعة ، كتاب في الإمامة ، الرد على من أبى وجوب الإمامة بالنص ) . ونحوه السيد الخوئي ( 17 / 81 ) .
الإمام العسكري ( عليه السلام ) يغبط الخراسانيين على الفضل
قال الكشي في رجاله / 820 : ( محمد بن الحسين بن محمد الهروي ، عن حامد بن محمد العلجردي البوسنجي ، عن الملقب بفورا ، من أهل البوزجان من نيسابور أن أبا محمد الفضل بن شاذان ( رحمه الله ) كان وجهه إلى العراق إلى حيث به أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما .
فذكر أنه دخل على أبي محمد ( عليه السلام ) ، فلما أراد أن يخرج : سقط منه كتاب في حضنه ملفوف في رداء له ، فتناوله أبو محمد ( عليه السلام ) ونظر فيه وكان الكتاب من تصنيف الفضل ، وترحم عليه ، وذكر أنه قال : أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان ، وكونه بين أظهرهم .
محمد بن الحسين ، عن عدة أخبروه ، أحدهم أبو سعيد بن محمود الهروي ، وذكر أنه سمعه أيضاً أبو عبد الله الشاذاني النيسابوري ، وذكر له : أن أبا محمد ( عليه السلام ) ترحم عليه ثلاثاً ولاءً ) .
أقول : قول الراوي : فتناوله أبو محمد ( عليه السلام ) ونظر فيه ، يدل على أن الإمام ( عليه السلام ) تعمد أن يأخذ الكتاب ويذكر الفضل ويترحم عليه ، ليبين مقامه ورضاه عنه .
وقد يكون فورا المذكور في الرواية نفسه بورق المذكور في الرواية الآتية .
وقال الكشي / 817 : ( سعد بن جناح الكشي قال : سمعت محمد بن إبراهيم الوراق السمرقندي ، يقول : خرجت إلى الحج ، فأردت أن أمر على رجل كان من أصحابنا معروف بالصدق والصلاح والورع والخير ، يقال له : بورق البوسنجاني ، قرية من قرى هراة ، وأزوره وأحدث عهدي به قال : فأتيته فجرى ذكر الفضل بن شاذان ( رحمه الله ) فقال بورق : كان الفضل به بطن شديد العلة ، ويختلف في الليلة مائة مرة إلى مائة وخمسين مرة . فقال له بورق : خرجت حاجاً فأتيت محمد بن عيسى العبيدي ، ورأيته شيخاً فاضلاً في أنفه عَوَج وهو القنا ، ومعه عدة رأيتهم مغتمين محزونين فقلت لهم ما لكم ؟ قالوا : إن أبا محمد ( عليه السلام ) قد حبس .
قال بورق : فحججت ورجعت ثم أتيت محمد بن عيسى ووجدته قد انجلى عنه ما كنت رأيت به ، فقلت : ما الخبر ؟ قال : قد خُلِّيَ عنه .
قال بورق : فخرجت إلى سر من رأي ومعي كتاب يوم وليلة ، فدخلت على أبي محمد ( عليه السلام ) وأريته ذلك الكتاب فقلت له : جعلت فداك إن رأيت أن تنظر فيه فلما نظر فيه وتصفحه ورقة ورقة قال : هذا صحيح ينبغي أن يعمل به . فقلت له : الفضل بن شاذان شديد العلة ويقولون إنها من دعوتك بموجدتك عليه لما ذكروا عنه : أنه قال إن وصي إبراهيم خير من وصي محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم يقل جعلت فداك هكذا ، كذبوا عليه ، فقال : نعم رحم الله الفضل . قال بورق : فرجعت فوجدت الفضل قد توفى في الأيام التي قال أبو محمد ( عليه السلام ) : رحم الله الفضل ) .
أقول : كان الفضل بن شاذان كبير السن ومريضاً ، لذا أرسل رسولاً أكثر من مرة إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، مضافاً إلى ظروفه الاجتماعية الشديدة ، فقد كان الوالي يهاب الفضل لأنه من قبيلة الأزد !
كانت قبيلة تميم أكبر قبيلة في بلاد فارس وخراسان ، ويرجع ذلك إلى أن الأحنف بن قيس رئيس بني تميم ، هو الذي فتح خراسان وأفغانستان .
وتأتي بعد تميم قبيلة الأزد ، وكان المهلب بن أبي صفرة الأزدي والي البصرة والأهواز ، وكان مدةً والياً على خراسان ، وكان ابن الكرماني الأزدي والياً على كرمان ، وكان كثير من المسؤولين والقادة أزديين .
فقبيلة تميم والأزد لهما نفوذ ودور كبير في السياسة في إيران ، حتى أن جامعة أصفهان أعطت طلابها مواضيع رسائل عن دور بني تميم ودور الأزديين في تاريخ إيران وحضارتها .
لهذا كان والي خراسان ابن طاهر يحسب حساباً لاضطهاد الفضل ، لأنه سيتعصب له الأزديون ، فضلاً عن الشيعة . ونلاحظ أنه طرد البخاري بمجرد فتوى الذهلي ، لأنه لا يخاف من مؤيديه ، فهم خط الخلافة .
كما قتل الفزاري أو مولاهم أحمد بن داود بن سعيد ، لأنه أفرط في ثلب الشيخين ، فله بهذا حجة على الشيعة ، وفزارة قليلة في خراسان وغيرها .
قال في معالم العلماء / 59 عن الفزاري أو مولى الفزاريين : ( له كتاب : خلاف عمر برواية الحشوية . محنة النابة ، يصف فيها فضايح الحشوية . مفاخرة البكرية والعمرية . الرد على الأخبار الكاذبة ، يشرح فيها كل ما رووه من الفضائل لسلفهم . مناظرة الشيعي والمرجئ في المسح على الخفين وأكل الجري وغير ذلك . الغوغاء من أصناف الأمم من المرجئة والقدرية والخوارج . المتعة . الرجعة . والمسح على الخفين . طلاق المتعة . التسوية ، يبين فيها خطأ من حرم تزويج العرب في الموالي . كتاب الصهاكي . فضايح الحشوية . التفويض الأوائل . طلاق المجنون . استنباط الحشوية . الرد على الحنبلية . الرد على السجزي في نكاح السكران ) .
وتقدم أن ابن طاهر أمر بضربه ألف سوط وقطع لسانه وأطرافه وصلبه !
أما الفضل بن شاذان ( رحمه الله ) فأمره يختلف عن البخاري والفزاري ، ويجب على ابن طاهر أن يحسب رد فعل الأزديين ، لذلك اختار أن يفتش كتبه ويسأله عن عقيدته ، فإن وجد عليه مستمسكاً نفاه من نيسابور ، أو حوله إلى الخليفة .
قال الكشي ( 2 / 817 ) : ( ذكر أبو الحسن محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري : أن الفضل بن شاذان بن الخليل نفاه عبد الله بن طاهر عن نيسابور ، بعد أن دعا به واستعلم كتبه ، وأمره أن يكتبها ، قال : فكتب تحته : الإسلام الشهادتان وما يتلوهما ، فذكر أنه يُحب أن يقف على قوله في السلف ، فقال أبو محمد : أتولي أبا بكر وأتبرأ من عمر !
فقال له : ولم تتبرأ من عمر ؟ فقال : لإخراجه العباس من الشورى ، فتخلص منه بذلك ) .
مات الفضل طريداً غريباً مريضاً قدس الله روحه
أقول : ورد أن الذي نفى الفضل هو عبد الله بن طاهر وقد توفي سنة 230 ، وحكم بعده ابنه محمد ، وقد توفي الفضل ( رحمه الله ) سنة 260 ، ومعناه أن عمل السلطة في اضطهاده طال عقوداً ، ولم يرتح منها إلا بعد أن جاءت الدولة الصفارية ، وأزالت الدولة الطاهرية في خراسان سنة 258 .
قال الطبري ( 8 / 16 ) في حوادث سنة 259 : ( ذكر أن يعقوب بن الليث صار إلى هراة ثم قصد نيسابور ، فلما قرب منها وأراد دخولها وجه محمد بن طاهر يستأذنه في تلقيه فلم يأذن له ، فبعث بعمومته وأهل بيته فتلقوه ثم دخل نيسابور لأربع خلون من شوال بالعشي فنزل طرفاً من أطرافها يعرف بداود آباذ فركب إليه محمد بن طاهر فدخل عليه في مضربه ، فساءله ثم أقبل على تأنيبه وتوبيخه على تفريطه في عمله ، ثم انصرف وأمر عزيز بن السري بالتوكيل به ، وصرف محمد بن طاهر وولى عزيراً نيسابور ، ثم حبس محمد بن طاهر وأهل بيته ، وورد الخبر بذلك على السلطان فوجه إليه حاتم بن زيرك بن سلام ، ووردت كتب يعقوب على السلطان لعشر بقين من ذي القعدة ، فقعد فيما ذكر جعفر بن المعتمد وأبو أحمد بن المتوكل في إيوان الجوسق وحضر القواد ، وأذن لرسل يعقوب فذكر رسله ما تناهى إلى يعقوب من حال أهل خراسان وأن الشراة والمخالفين قد غلبوا عليها وضعف محمد بن طاهر ، وذكروا مكاتبة أهل خراسان يعقوب ومسألتهم إياه قدومه عليهم واستعانتهم ، وأنه صار إليها فلما كان على عشرة فراسخ من نيسابور سار إليه أهلها فدفعوها إليه فدخلها فتكلم أبو أحمد وعبيد الله بن يحيى وقالا للرسل : إن أمير المؤمنين لايقارُّ يعقوب على ما فعل ، وإنه يأمره بالانصراف إلى العمل الذي ولاه إياه ، وإنه لم يكن له أن يفعل ذلك بغير أمره ، فليرجع فإنه إن فعل كان من الأولياء وإلا لم يكن له إلا ما للمخالفين .
وصرف إليه رسله بذلك ووصلوا ، وخلع على كل واحد منهم خلعة فيها ثلاثة أثواب ، وكانوا أحضروا رأساً على قناة فيه رقعة فيها : هذا رأس عدو الله عبد الرحمن الخارجي بهراة ، ينتحل الخلافة منذ ثلاثين سنة ، قتله يعقوب بن الليث ) .
لكن سقوط الدولة الطاهرية لم يحقق الأمن للفضل ولا لغيره ، لأن غارات الخوارج وصلت إلى نيسابور ومحيطها بيهق ، أي سبزوار .
قال في منتهى المقال ( 5 / 200 ) : ( قال أبو علي : والفضل بن شاذان كان برستاق بيهق ، فورد خبر الخوارج ، فهرب منهم وأصابه النصب من خشونة السفر ، فاعتلَّ ومات منه ، وصلَّيْتُ عليه ) .
وفي مقدمة الإيضاح / 49 : ( أما مقبرة الفضل بن شاذان طاب ثراه ، فهي شرقي بقعه السيد المحروق ، وهي عبارة عن بقعة وصحن له حائط قصير ، وبناؤه مثمن مستطيل من المشرق إلى المغرب ، وعرض البقعة سبعة أقدام وطولها ثمانية ، وله قبة من الآجر ارتفاعها اثنا عشر متراً ونصف ، وارتفاع قبره ذراع وطوله ذراعان ونصف وحوله كاشي مُلون . وعلى القبر صخرة كتب عليها : هذا ضريح النحرير المتعال ، والنبيل المفضال ، ذي العز والإجلال ، شمس ذوي البسائط والإفضال ، المؤسس الممهد لعلم الكلام ، القائم بالقسط لإقامة البراهين لاهتداء الأنام ، الراوي عن الإمامين أبي الحسن علي بن موسى وأبي جعفر الثاني عليهما السلام ، زبدة الرواة ونخبة الهداة ، وقدوة الأجلاء المتكلمين ، وأسوة الفقهاء المتقدمين ، الشيخ العليم الجليل ، الفضل بن شاذان بن الخليل ، طاب الله ثراه ، قد وصل بلقاء ربه في سنة 260 ) .
ترحم عليه الإمام ( عليه السلام ) مرتين أو ثلاثاً
كانت علاقة الفضل وأبيه الخليل الملقب بشاذان وكل أسرتهم ، علاقةً وطيدة بالأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، من الإمام الرضا إلى الإمام المهدي صلوات الله عليهم . وكان الفضل ( رحمه الله ) حامل راية أهل البيت ( عليهم السلام ) في صراعهم مع مخالفيهم وأعدائهم ، ينافح ويدافع ويناضل ، ويفحم المخالفين بمناظراته وكتبه ، حتى حَوَّلَ دفاع الشيعة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى هجوم على مخالفيهم ، وإبطال لعقائدهم ، وتسفيه لمقولاتهم ، وتسقيط لأفكارهم وأشخاصهم .
وحدث في آخر حياته ( رحمه الله ) أن الشيعة في نيسابور وقع بينهم خلاف وكان للفضل خصوم من الشيعة بسبب اختلاف المشارب ، أو لعدم قبولهم بعض مقولاته ، لكن الجو العام كان قبول قوله ورأيه .
ويدل على نفوذه في الشيعة أنهم لم يطيعوا مبعوث الإمام ( عليه السلام ) أيوب الناب ( رحمه الله ) وسمعوا كلام الفضل عندما أيَّد مقولة أن أيوباً غير مبعوث من الأصل ( عليه السلام ) . وقد وبخه الإمام ( عليه السلام ) لذلك ، ولا بد أنه تاب وأمر الناس بطاعة مبعوث الإمام الثاني إبراهيم بن عبدة ، ثم أتبعه الإمام ( عليه السلام ) بكتاب بيد محمد بن موسى النيسابوري ( رحمه الله ) .
ولا شك أن الفضل أخطأ مع وكيل الإمام ( عليه السلام ) ، لكن الميزان هو رضا المعصوم ( عليه السلام ) وغضبه ، وترحمه ( عليه السلام ) على شخص يعني أنه مرضي ، وأن الله تعالى يرحمه ويدخله الجنة ، لأن دعاء الإمام ( عليه السلام ) لا يرد . وقد ترحم الإمام العسكري ( عليه السلام ) على الفضل ( رحمه الله ) عدة مرات كما تقدم .
رسالتا الإمام ( عليه السلام ) إلى الشيعة في نيسابور
قال الكشي / 844 : ( حكى بعض الثقات بنيسابور أنه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد ( عليه السلام ) توقيع : يا إسحاق بن إسماعيل سترنا الله وإياك بستره ، وتولاك في جميع أمورك بصنعه ، قد فهمت كتابك يرحمك الله ، ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرق على موالينا ، ونُسَرُّ بتتابع إحسان الله إليهم وفضله لديهم ، ونعتد بكل نعمة ينعمها الله عز وجل عليهم . فأتم الله عليكم بالحق ومن كان مثلك ممن قد رحمه الله ، وبصَّرَه بصيرتك ، ونزع عن الباطل ، ولم يَعْمَ في طغيانه نعمَه ، فإن تمام النعمة دخولك الجنة ، وليس من نعمة وإن جل أمرها وعظم خطرها ، إلا والحمد لله تقدست أسماؤه عليها ، مؤدى شكرها .
وأنا أقول الحمد لله مثل ما حمد الله به حامد إلى أبد الأبد ، بما من عليك من نعمة ، ونجاك من الهلكة وسهل سبيلك على العقبة ، وأيم الله إنها لعقبة كؤود شديد أمرها صعب ، مسلكها عظيم ، بلاؤها طويل ، عذابها قديم ، في الزبر الأولى ذكرها .
ولقد كانت منكم أمور في أيام الماضي ( عليه السلام ) إلى أن مضى لسبيله ، صلى الله على روحه ، وفي أيامي هذه ، كنتم بها غير محمودي الشأن ، ولا مسددي التوفيق ! واعلم يقيناً يا إسحاق أن من خرج من هذه الحياة أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً ، إنها يا ابن إسماعيل ليس تعمى الأبصار لكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول الله عز وجل في محكم كتابه للظالم : قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . . وقال الله عز وجل : قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى .
وأيَّةُ آيةٍ يا إسحاق أعظم من حجة الله عز وجل على خلقه ، وأمينه في بلاده ، وشاهده على عباده ، من بعد ما سلف من آبائه الأولين من النبيين وآبائه الآخرين من الوصيين ، عليهم أجمعين رحمة الله وبركاته !
فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم ، عن الحق تصدفون ، وبالباطل تؤمنون ، وبنعمة الله تكفرون ، أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ، فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غير كم إلا خزي في الحياة الدنيا الفانية ، وطول عذاب الآخرة الباقية ، وذلك والله الخزي العظيم .
إن الله بفضله ومنِّه لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض عليكم لحاجة منه إليكم ، بل برحمة منه لا إله الا هو عليكم ، ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم ، وليمحص ما في قلوبكم ، ولتتسابقوا إلى رحمته وتتفاضل منازلكم في جنته . ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية ، وكفاهم لكم باباً ، لتفتحوا أبواب الفرائض ، ومفتاحاً إلى سبيله ، ولولا محمد ( صلى الله عليه وآله ) والأوصياء من بعده لكنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض ، وهل تدخل قرية إلا من بابها ؟ فلما منَّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيه ( صلى الله عليه وآله ) قال الله عز وجل لنبيه : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الآسْلامَ دِينًا . وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها إليهم ، ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم ، ويعرفكم بذلك النماء والبركة والثروة ، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب . قال الله عز وجل : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى . واعلموا أن من يبخل فإنما يبخل على نفسه ، وأن الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه ، لا إله إلا هو ، ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم ، ولولا ما نحب من تمام النعمة من الله عز وجل عليكم : لما أريتكم لي خطاً ولا سمعتم مني حرفاً من بعد الماضي ( عليه السلام ) !
أنتم في غفلة عما إليه معادكم ، ومن بعد النابي رسولي وما ناله منكم حين أكرمه الله بمصيره إليكم ، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبده ، وفقه الله لمرضاته ، وأعانه على طاعته ، وكتابي الذي حمله محمد بن موسى النيسابوري ، والله المستعان على كل حال .
وإني أراكم تفرطون في جنب الله فتكونون من الخاسرين ، فبعداً وسحقاً
لمن رغب عن طاعة الله ، ولم يقبل مواعظ أوليائه ، وقد أمركم الله جل وعلا بطاعته ، لا إله الا هو ، وطاعة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وبطاعة أولي الأمر ( عليهم السلام ) فرحم الله ضعفكم وقلة صبركم عما أمامكم ! فما أغرَّ الانسان بربه الكريم . واستجاب الله دعائي فيكم وأصلح أموركم على يدي ، فقد قال الله جل جلاله : يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ . وقال جل جلاله : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا . وقال الله جل جلاله : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للَّنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ . فما أحب أن يُدعى الله جل جلاله بي ، ولا بمن هو من آبائي إلا حسب رقتي عليكم ، وما أنطوي لكم عليه من حب بلوغ الأمل في الدارين جميعاً ، والكينونة معنا في الدنيا والآخرة .
فقد يا إسحاق يرحمك الله ويرحم من هو وراءك بينت لك بياناً وفسرت لك تفسيراً ، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الأمر قط ، ولم يدخل فيه طرفة عين . ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما في هذا الكتاب لتصدعت قلقاً خوفاً من خشية الله ورجوعاً إلى طاعة الله عز وجل .
فاعملوا من بعدُ ما شئتم فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . والعاقبة للمتقين ، والحمد لله كثيراً رب العالمين .
وأنت رسولي يا إسحاق إلى إبراهيم بن عبده وفقه الله ، أن يعمل بما ورد عليه في كتابي مع محمد بن موسى النيسابوري إن شاء الله ، ورسولي إلى نفسك ، والى كل من خلفك ببلدك ، أن يعملوا بما ورد عليكم في كتابي مع محمد بن موسى إن شاء الله ، ويقرأ إبراهيم بن عبده كتابي هذا ومن خلفه ببلده حتى لا يسألوني وبطاعة الله يعتصمون ، والشيطان بالله عن أنفسهم يجتنبون ولا يطيعون .
وعلى إبراهيم بن عبده سلام الله ورحمته ، وعليك يا إسحاق وعلى جميع
مواليَّ السلام كثيراً ، سددكم الله جميعاً بتوفيقه ، وكل من قرأ كتابنا هذا من مواليَّ من أهل بلدك ، ومن هو بناحيتكم ، ونزع عما هو عليه من الانحراف عن الحق ، فليؤد حقوقنا إلى إبراهيم بن عبده ، وليحمل ذلك إبراهيم بن عبده إلى الرازي رضي الله عنه ، أو إلى من يسمي له الرازي ، فإن ذلك عن أمري ورأيي إن شاء الله .
ويا إسحاق ، إقرأ كتابنا على البلالي رضي الله عنه ، فإنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه ، واقرأه على المحمودي عافاه الله ، فما أحمدنا له لطاعته ، فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا والذي يقبض من موالينا ، وكل من أمكنك من موالينا فاقرأهم هذا الكتاب ، وينسخه من أراد منهم نسخه إن شاء الله تعالى ، ولا يكتم أمر هذا عمن يشاهده من موالينا ، إلا من شيطان مخالف لكم ، فلا تنثرنَّ الدر بين أظلاف الخنازير ! ولا كرامة لهم ، وقد وقعنا في كتابك بالوصول والدعاء لك ولمن شئت ، وقد أجبنا شيعتنا عن مسألته والحمد لله ، فما بعد الحق إلا الضلال . فلا تخرجن من البلدة حتى تلقي العمري رضي الله عنه برضاي عنه ، وتسلم عليه وتعرفه ويعرفك ، فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منا والينا ، فكل ما يحمل إلينا من شئ من النواحي فإليه المسير آخر أمره ، ليوصل ذلك إلينا . والحمد لله كثيراً .
سترنا الله وإياكم يا إسحاق بستره ، وتولاك في جميع أمورك بصنعه ، والسلام عليك وعلى جميع موالي ورحمة الله وبركاته ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم كثيراً ) . ورواها مختصراً في تحف العقول / 485 .
الرسالة الثانية :
قال الكشي في رجاله / 819 : ( قال أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة : ومما رقع عبد الله بن حمدويه البيهقي ، وكتبته عن رقعته : إن أهل نيسابور قد اختلفوا في دينهم ، وخالف بعضهم بعضاً ، ويكفر بعضهم بعضاً ، وبها قوم يقولون إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عرف جميع لغات أهل الأرض ولغات الطيور وجميع ما خلق الله ، وكذلك لابد أن يكون في كل زمان من يعرف ذلك ، ويعلم ما يضمر الإنسان ، ويعلم ما يعمل أهل كل بلاد في بلادهم ومنازلهم ، وإذا لقيَ طفلين يعلم أيهما مؤمن وأيهما يكون منافقاً ، وأنه يعرف أسماء جميع من يتولاه في الدنيا وأسماء آبائهم ، وإذا رأى أحدهم عرفه باسمه من قبل أن يكلمه .
ويزعمون جعلت فداك أن الوحي لا ينقطع ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن عنده كمال العلم ولا كان عند أحد من بعده ، وإذا حدث الشئ في أي زمان كان ، ولم يكن علم ذلك عند صاحب الزمان : أوحى الله إليه واليهم . فقال : كذبوا لعنهم الله ، وافتروا إثماً عظيماً .
وبها شيخ يقال له الفضل بن شاذان يخالفهم في هذه الأشياء ، وينكر عليهم أكثرها ، وقوله : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأن الله عز وجل في السماء السابعة فوق العرش ، كما وصف نفسه عز وجل ، وأنه جسم فوصفه بخلاف المخلوقين في جميع المعاني ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير .
وأن من قوله إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد أتى بكمال الدين ، وقد بلغ عن الله عز وجل ما أمره به ، وجاهد في سبيله وعبده حتى أتاه اليقين ، وأنه ( صلى الله عليه وآله ) أقام رجلاً يقوم مقامه من بعده ، فعلمه من العلم الذي أوحى الله إليه ، يعرف ذلك الرجل الذي عنده من العلم الحلال والحرام ، وتأويل الكتاب وفصل الخطاب .
وكذلك في كل زمان لابد من أن يكون واحدٌ يعرف هذا ، وهو ميراثٌ من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتوارثونه ، وليس يعلم أحد منهم شيئاً من أمر الدين إلا بالعلم الذي ورثوه عن النبي ، وهو ينكر الوحي بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : قد صدق في بعض ، وكذب في بعض .
وفي آخر الورقة : قد فهمنا رحمك الله كلما ذكرت ، ويأبى الله عز وجل أن يرشد أحدكم ، وأن نرضى عنكم وأنتم مخالفون معطلون ، الذين لا يعرفون إماماً ولا يتولون ولياً ، كلما تلاقاكم الله عز وجل برحمته ، وأذن لنا في دعائكم إلى الحق ، وكتبنا إليكم بذلك ، وأرسلنا إليكم رسولاً ، لم تصدقوه ، فاتقوا الله عباد الله ، ولا تلجوا في الضلالة من بعد المعرفة ، واعلموا أن الحجة قد لزمت أعناقكم ، فأقبلوا نعمته عليكم ، تدم لكم بذلك سعادة الدارين ، عن الله عز وجل إن شاء الله .
وهذا الفضل بن شاذان مالنا وله ، يفسد علينا موالينا ، ويزين لهم الأباطيل ، وكلما كتبنا إليهم كتاباً اعترض علينا في ذلك ، وأنا أتقدم إليه أن يكف عنا ، وإلا والله سألت الله أن يرميه بمرض لا يندمل جرحه منه في الدنيا ولا في الآخرة ! أبلغ موالينا هداهم الله سلامي ، وأقرئهم بهذه الرقعة ، إن شاء الله .
قال أحمد بن يعقوب أبو علي البيهقي ( رحمه الله ) : أما ما سألت من ذكر التوقيع الذي خرج في الفضل بن شاذان ، أن مولانا ( عليه السلام ) لعنه بسبب قوله بالجسم فإني أخبرك أن ذلك باطل ، وإنما كان مولانا ( عليه السلام ) أنفذ إلى نيسابور وكيلاً من العراق ، كان يسمى أيوب بن الناب ، يقبض حقوقه ، فنزل بنيسابور عند قوم من الشيعة ممن يذهب مذهب الارتفاع والغلو والتفويض ، كرهت أن أسميهم ، فكتب هذا الوكيل يشكو الفضل بن شاذان بأنه يزعم أني لست من الأصل ويمنع الناس من إخراج حقوقه ، وكتب هؤلاء النفر أيضاً إلى الأصل الشكاية للفضل ، ولم يكن ذكر الجسم ولاغيره ، وذلك التوقيع خرج من يد المعروف بالدهقان ببغداد في كتاب عبد الله بن حمدويه البيهقي ، وقد قرأته بخط مولانا ( عليه السلام ) .
والتوقيع هذا : الفضل بن شاذان ماله ولموالي يؤذيهم ويكذبهم ، وأني لأحلف بحق آبائي لئن لم ينته الفضل بن شاذان عن هذا لأرمينه بمرماة لايندمل جرحه منها في الدنيا ولا في الآخرة . وكان هذا التوقيع بعد موت الفضل بن شاذان بشهرين في سنة ستين ومأتين . قال أبو علي : والفضل بن شاذان كان برستاق بيهق ، فورد خبر الخوارج فهرب منهم ، فأصابه التعب من خشونة السفر فاعتل ومات منه ، وصليت عليه ) .
وقال الكشي / 848 : ( ما روى في عبد الله بن حمدويه البيهقي ، وإبراهيم بن عبده النيسابوري رحمهما لله : قال أبو عمرو : حكى بعض الثقات ، أن أبا محمد صلوات الله عليه ، كتب إلى إبراهيم بن عبده : وكتابي الذي ورد على إبراهيم بن عبده بتوكيلي إياه لقبض حقوقي من موالينا هناك : نعم هو كتابي بخطي إليه ، أعني إبراهيم بن عبده لهم ببلدهم حقاً غير باطل ، فليتقوا الله حق تقاته وليخرجوا من حقوقي وليدفعوها إليه فقد جوزت له ما يعمل به فيها . وفقه الله ومَنَّ عليه بالسلامة من التقصير برحمته .
ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عبد الله بن حمدويه البيهقي : وبعد ، فقد نصبت لكم إبراهيم بن عبده ليدفع النواحي وأهل ناحيتك حقوقي الواجبة عليكم إليه ، وجعلته ثقتي وأميني عند مواليَّ هناك ، فليتقوا الله وليراقبوا وليؤدوا الحقوق ، فليس لهم عذر في ترك ذلك ولاتأخيره ، ولا أشقاهم الله بعصيان أوليائه ، ورحمهم الله وإياك معهم برحمتي لهم . إن الله واسع كريم ) .
ملاحظات
1 . قد يناقش في نص الرسالة الأولى بأن في بعض تعبره تكراراً وضعفاً لا نعرفهما في أسلوب المعصومين صلوات الله عليهم ، لكن لا بد من إرجاع ذلك إلى الرواة ، لأن السند صحيح ، فالأولى : شهد الكشي بوثاقة راويها ، فقال ( 2 / 844 ) : ( حكى بعض الثقات بنيسابور أنه خرج لإسحاق بن إسماعيل . . ) .
والثانية : سندها عن علي بن محمد بن قتيبة وهو ثقة ، أما قول سيدنا الخوئي ( قدس سره ) ( 14 / 315 ) : ( علي بن محمد بن قتيبة لم يوثق ، فالرواية لا يعتمد عليها ) فلا نأخذ به ، لما ذكره جمع من العلماء :
قال النجاشي / 259 : ( علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري : عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال . أبو الحسن ، صاحب الفضل بن شاذان وراوية كتبه . له كتب منها كتاب يشتمل على ذكر مجالس الفضل مع أهل الخلاف ، ومسائل أهل البلدان . أخبرنا الحسين قال : حدثنا أحمد بن جعفر قال : حدثنا أحمد بن إدريس عنه بكتابه ) .
وقال الوحيد البهبهاني / 28 : ( ومنها اعتماد شيخ على شخص وهو أمارة الاعتماد عليه كما هو ظاهر ، ويظهر عن النجاشي والخلاصة في علي بن محمد بن قتيبة ، فإذا كان جمع منهم اعتمدوا عليه فهو في مرتبة معتد بها من الاعتماد ، وربما يشير إلى الوثاقة سيما إذا كثر منهم الاعتماد وخصوصاً بعد ملاحظة ما نقل من اشتراطهم العدالة ، وخصوصاً إذا كانوا ممن يطعن في الرواية عن المجاهيل ونظائرها ) .
وقال المحقق الخونساري في الذخيرة ( 1 ق 3 / 510 ) : ( وفي طريق الرواية علي بن محمد بن قتيبة ، ولم يوثقوه لكن مدحه الشيخ في كتاب الرجال بأنه فاضل ، وذكر النجاشي في ترجمته أنه عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال ، وأنه صاحب الفضل بن شاذان وراوية كتبه ، وفي ذلك إشعار بحسن حاله ) . وهو كلام منطقي .
وقال المحقق البحراني في الحدائق ( 6 / 47 ) : ( أقول : ما ذكره في عبد الواحد بن عبدوس من الاعتماد على حديثه ، حيث إنه من مشايخ الإجازة هو المشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح ، فإنهم صرحوا بأن مشايخ الإجازة يعد حديثهم في الصحيح وإن لم ينقل توثيقهم في كتب الرجال لأن اعتماد المشايخ المتقدمين على النقل عنهم وأخذ الأخبار منهم والتلمذ عليهم يزيد على قولهم في كتب الرجال فلان ثقة . وقد ناقض كلامه هنا بالطعن في عبد الواحد المذكور فقال إنه لم يثبت توثيقه .
وأما ما ذكره في علي بن محمد بن قتيبة ، فإن الكلام فيه ليس كذلك فإن المفهوم من الكشي في كتاب الرجال أنه من مشايخه الذين أكثر النقل عنهم ، ولهذا كتب بعض مشايخنا المعاصرين على كلام السيد في هذا المقام ما صورته : صحح العلامة في الخلاصة في ترجمة يونس بن عبد الرحمان طريقين فيهما علي بن محمد بن قتيبة ، وأكثر الكشي الرواية عنه في كتابه المشهور في الرجال . فلا يبعد الاعتماد على حديثه ، لأنه من مشايخه المعتبرين الذين أخذ الحديث عنهم ، والفرق بينه وبين عبد الواحد بن عبدوس تحكم لا يخفى ، وسؤال الفرق متجه بل هذا أولى بالاعتماد لا يراد العلامة له في القسم الأول من الخلاصة وتصحيحه حديثه في ترجمة يونس فتأمل وأنصف . انتهى . أقول : ويؤيد ما ذكره شيخنا المذكور أن العلامة في المختلف بعد ذكره حديث الافطار على محرم لم يذكر التوقف في صحة الحديث إلا من حيث عبد الواحد بن عبدوس وقال إنه كان ثقة والحديث صحيح . وهو يدل على توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة حيث إنه مذكور معه في السند كما لا يخفى ) . وهو كلام مقنع .
وقال صاحب الجواهر ( 16 / 270 ) : ( فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل . وإن أمكن مناقشته بأن العلامة في المحكي عن تحريره قد حكم بصحتها . وفي المختلف أن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري لا يحضرني الآن حاله ، فإن كان ثقة فالرواية صحيحة يتعين العمل بها ، وظاهره عدم التوقف فيها إلا من عبد الواحد الذي هو من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين أخذ عنه الحديث ، وقد أكثر في الرواية عنه في كتبه . كما أن ابن قتيبة قد قيل إنه من مشايخ الكشي ، وقد أكثر النقل عنه في كتابه ، فلا أقل من أن يكونا هما من مشايخ الإجازة المتفق بينهم كما قيل على عدم احتياجهم إلى التوثيق ) .
أقول : وتجد نحو هذا الكلام عند عدد آخر من فقهائنا ، وهو كاف في توثيق علي بن محمد بن قتيبة رضي الله عنه ، وإن لم يوثقه سيدنا الأستاذ الخوئي ( قدس سره ) .
أما راوي الرسالة الثانية عبد الله بن حمدويه البيهقي ، فقال عنه في الوسائل ( 20 / 236 ) : ( روى الكشي عن الرضا ( عليه السلام ) توثيقه ووكالته ، ومدحه ) .
2 . لم تصلنا رسالة الإمام ( عليه السلام ) إلى أهل نيسابور مع رسوله ووكليه الأول أيوب الناب ( رحمه الله ) ، ولا الرسائل التي أرسلها ( عليه السلام ) دفاعاً عن وكيله هذا ، ويحتمل أن يكون منها رسالة إلى الفضل ، لكن الإمام ( عليه السلام ) ذكر ذلك في رسائله الأخرى ولم يذكر الفضل ، قال ( عليه السلام ) : ( وكلما كتبنا إليهم كتاباً اعترض علينا في ذلك ، وأنا أتقدم إليه أن يكف عنا ) .
وهذه العبارة أشد تعابير الإمام ( عليه السلام ) في ذم الفضل ( رحمه الله ) ، فقد جعل تقوية الفضل لموقف الذين شكوا بوكالة أيوب الناب ، اعتراضاً عليه .
ويظهر أن الدهقان وكيل الإمام العسكري ( عليه السلام ) في بغداد ، كانت له علاقة بشيعة نيسابور ، لأن الإمام ( عليه السلام ) أمر الرسول أن يقرأ كتابه عليه ، ولأن الذين آذوا أيوب الناب اتهموه بأنه ليس مبعوثاً من الأصل ، وكأنهم يشيرون إلى أنه رسول من الوكيل الدهقان .
3 . لا بد أن يكون الدهقان المذكور غير عروة بن يحيى الدهقان ، الملعون على لسان الإمام العسكري ( عليه السلام ) لأن الملعون لم يكن وكيلاً ، بل كان يعمل مع الوكيل أبي علي الحسن بن راشد ( رحمه الله ) وهلك بدعاء الإمام ( عليه السلام ) ، ولا ينطبق عليه قول الإمام العسكري ( عليه السلام ) : ( فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا ، والذي يقبض من موالينا ) .
وقال الكشي عن عروة بن يحيى الدهقان ( 2 / 842 ) : ( وكان يكذب على أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا ( عليهم السلام ) وعلى أبي محمد الحسن بن علي بعده ، وكان يقطع أمواله لنفسه دونه ويكذب عليه ، حتى لعنه أبو محمد ( عليه السلام ) وأمر شيعته بلعنه ) .
وقد جعل السيد الخوئي ( رحمه الله ) الدهقان واحداً ، قال ( 12 / 154 ) : ( تقدم في ترجمة إبراهيم بن عبدة : التوقيع الذي حكاه بعض الثقات المتضمن لقول الإمام ( عليه السلام ) لإسحاق بن إسماعيل ، فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا . ولكن الظاهر أنه كان قبل انحرافه وضلالته ، وقد كان جملة من وكلائهم سلام الله عليهم قد ضلوا وانحرفوا عن الحق وغرتهم الدنيا ، واشتروا الضلالة بالهدى ! نعوذ بالله من سوء العاقبة ) .
3 . يبدو أن الفضل لم تكن علاقته حسنة بالشيعة المتهمين بالغلو في نيسابور ، وأنه كان منهم من يتكلم عليه بغير حق . ونلاحظ أن الإمام ( عليه السلام ) وبخ الفضل لموقفه السلبي من رسوله أيوب بن الناب ، وأنه كان عاملاً في فشل مهمته ، وقد نزل أيوب عند المتهمين بالغلو ، وهذا خطأ كبير من الفضل ، لكن الإمام ( عليه السلام ) لم يطعن في عقيدته وأمانته ، ثم ترحم عليه مرتين فأخبر بموته .
وكفى بترحم الإمام ( عليه السلام ) رضاً وشهادة . ولذلك اتفق علماؤنا القدماء والمتأخرون على جلالة الفضل ( رحمه الله ) وهو معنى قول العلامة ( رحمه الله ) : ( وهذا الشيخ أجل من أن يغمز عليه ، فإنه رئيس طائفتنا رضي الله عنه ) .
4 . ترى في الرسالتين غضب المعصوم صلوات الله عليه ، وتوبيخه لبعض شيعته ، وغضب المعصوم ( عليه السلام ) يعني غضب الله تعالى ، وهو ما لا تقوم له السماوات والأرض ، ولا يطفؤه إلا رضاه .
ومن هذا النوع غضب الإمام المهدي صلوات الله عليه الذي رواه محمد بن جعفر المشهدي في كتاب المزار / 566 ، وجاء فيه : ( بعد الجواب عن المسائل بسم الله الرحمن الرحيم ، لا لأمر الله تعقلون ، ولا من أوليائه تقبلون ، حكمةٌ بالغةٌ ، وَمَا تُغْنِى الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ) .
ولم يُسَمِّ الراوي هؤلاء المغضوب عليهم ، لكن مشكلتهم شبيهة بمشكلة أهل نيسابور ، التي وصفها والده الإمام العسكري ( عليهم السلام ) .
5 . يظهر من الرسالتين أن مشكلة الشيعة في نيسابور كانت في تفسيراتهم المتضاربة المتناقضة لما يطرحه وكلاء الأئمة ( عليهم السلام ) من عقيدة الإمامة ، وعدم الاحتكام فيها إلى المعصوم ( عليه السلام ) ! فصارت المطالب العالية بيد العوام ، وحكمت عليهم التعصبات بدل الرجوع إلى الإمام ( عليه السلام ) ! لهذا تركز توبيخ الإمام ( عليه السلام ) على عدم الرجوع اليه ، وعدم إطاعة وكلائه .
6 . أرسل الإمام ( عليه السلام ) أولاً وكيله أيوب النابي ( رحمه الله ) فواجه صعوبات وأذىً من بعض الشيعة ، ولم يستطع القيام بهداية الناس ، واتهمه بعضهم بأنه ليس مبعوثاً من الإمام ( عليه السلام ) بل من أحد وكلائه كالدهقان في بغداد مثلاً ، ولم يقبلوا منه ، ولم يدفعوا اليه حق الإمام ( عليه السلام ) ، فسحبه الإمام ( عليه السلام ) وأرسل الثاني ، وقد يكون الأول أفضل من الثاني ، لكن لا بد من تغييره . لاحظ قول الإمام ( عليه السلام ) : ( أنتم في غفلة عما إليه معادكم ، ومن بعد النابي رسولي ، وما ناله منكم حين أكرمه الله بمصيره إليكم ، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبده ، وفقه الله لمرضاته ، وأعانه على طاعته ، وكتابي الذي حمله محمد بن موسى النيسابوري ، والله المستعان على كل حال ) .
7 . يذكرنا أهل نيسابور باهل البصرة يوم أرسل إليهم الإمام الرضا ( عليه السلام ) يونس بن عبد الرحمن ( رحمه الله ) ، ليصحح عقائدهم فلم يقبلوا منه ، فسحبه منهم .
وقد روى السيد الخوئي قصته بروايتين عن ابن شاذان وصححهما ، قال ( 21 / 216 ) : ( حدثني أبو جعفر البصري وكان ثقة فاضلاً صالحاً ، قال :
دخلت مع يونس بن عبد الرحمن على الرضا ( عليه السلام ) فشكا إليه ما يلقى من أصحابه من الوقيعة ، فقال الرضا ( عليه السلام ) : دارهم فإن عقولهم لاتبلغ . . . قيل له : إن كثيراً من هذه العصابة يقعون فيك ويذكرونك بغيرالجميل ، فقال : أشهدكم أن كل من له في أمير المؤمنين ( عليه السلام ) نصيب فهو في حل مما قال ) .
وروى الكشي ( 2 / 782 ) عن جعفر بن عيسى قال : ( كنا عند أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) وعنده يونس بن عبد الرحمن ، إذ استأذن عليه قوم من أهل البصرة ، فأومأ أبو الحسن ( عليه السلام ) إلى يونس : أدخل البيت ، فإذا بيت مسبل عليه ستر ، وإياك أن تتحرك حتى تؤذن لك . فدخل البصريون وأكثروا من الوقيعة والقول في يونس ، وأبو الحسن ( عليه السلام ) مطرقٌ حتى لما أكثروا وقاموا فودعوا وخرجوا : فأذن ليونس بالخروج ، فخرج باكياً فقال : جعلني الله فداك أني أحامي عن هذه المقالة ، وهذه حالي عند أصحابي فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : يا يونس وما عليك مما يقولون إذا كان إمامك عنك راضياً ، يا يونس حدث الناس بما يعرفون واتركهم مما لا يعرفون ، كأنك تريد أن تكذب على الله في عرشه . يا يونس وما عليك أن لو كان في يدك اليمنى درة ثم قال الناس بعرة ، أو قال الناس درة ، أو بعرة فقال الناس درة ، هل ينفعك ذلك شيئاً ؟ فقلت : لا . فقال : هكذا أنت يا يونس إذ كنت على الصواب وكان إمامك عنك راضياً لم يضرك ما قال الناس ) !
8 . لم يترك الإمام العسكري ( عليه السلام ) وضع الشيعة في نيسابور حتى تغلب فيه وجهة نظر أو فئة مثلاً ، بل تدخل وطرح الخط الصحيح ، وتابع معالجة وضعهم حتى عاد بعضهم إلى خط التشيع الصحيح . ومعناه أن الإمام ( عليه السلام ) يبادر بالدعوة إلى الحق ولا يهتم بالتكذيب ، ورضا هذه الفئة أو غضبها .
9 . نلاحظ أن وكيل الإمام ( عليه السلام ) نزل عند الشيعة المتهمين بالارتفاع ، أي بالغلو . وهذا يدل على أن تهمتهم غير صحيحة ، فبعضهم يتهم الشيعة بالغلو لأدنى سبب . فيجب التحقق من قولهم : في حديثه ارتفاع ، فقد يكون قوله بأن الإمام ( عليه السلام ) يعلم ما في نفس الشخص ارتفاعاً عندهم ! ثم تراهم يقولون إن فلاناً الصوفي عرف ما في نفس فلان ، ولا يقولون إنه ارتفاع وغلو !
10 . دلت الرسالتان على أهمية فريضة ولاية الأئمة من عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأن الدين إنما يتم بها ، وأن الإمام الرباني المفترض الطاعة أكبر آيات الله تعالى ، فالمكذب به ينطبق عليه جزاء المكذب بآيات الله تعالى !
كما فسرت الرسالة قوله تعالى : كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى بمن قامت عليه البينة بإمامة الإمام ( عليه السلام ) ثم خالفها .
كما اعتبر الإمام ( عليه السلام ) أن فرض المودة يشمل فرض خمس أرباح المكاسب . قال : ( وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها إليهم ، ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم . ويعرفكم بذلك النماء والبركة والثروة ، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب . قال الله عز وجل : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) .
فالخمس فيه بعدٌ فقهي هو : حِلُّ ما بقيَ من المال . وبعدٌ تكويني وضعي : هو النماء والبركة في بقية المال . وبعدٌ تعبدي : ليعلم الله من يطيعه بالغيب .
والإمام ( عليه السلام ) ينفق الخمس على المؤمنين لمصالحهم ، ولا يحتاج هو اليه ، وإن كان حلالاً له ، فأموال الأرض كلها بيده ( عليه السلام ) ، وعنده اسم الله الأعظم .
والإمام في غنى بالله عنهم ، وإنما يعمل لهدايتهم رقةً وشفقةً عليهم .
والأمة بحاجة إلى الإمام ( عليه السلام ) في هدايتها ونجاتها في الدنيا والآخرة .
قال ( عليه السلام ) : ( ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم ، ولولا ما نحب من تمام النعمة من الله عز وجل عليكم ، لما أريتكم لي خطاً ، ولا سمعتم مني حرفاً من بعد الماضي ( عليه السلام ) . . .
ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيتٍ نَرِقُّ على موالينا ، ونُسَرُّ بتتابع إحسان الله إليهم وفضله لديهم ، ونعتدُّ بكل نعمة ينعمها الله عز وجل عليهم . . .
فما أحب أن يدعى الله جل جلاله بي ولا بمن هو من آبائي ، إلا حسب رقتي عليكم ، وما أنطوي لكم عليه من حب بلوغ الأمل في الدارين جميعاً ، والكينونة معنا في الدنيا والآخرة ) .
فالذي يدفع الإمام ( عليه السلام ) إلى إرسال رسول وكتابة رسائل إليهم ، ومتابعة دعوتهم إلى الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وعترته : هو حبه أن تتم نعمة الله عليهم .
وكذلك حبه أن يعرفوا آباءه الأئمة ( عليهم السلام ) ويدعوا الله تعالى ويتوسلوا اليه بهم ، إنما هو لشفقته عليهم وحبه أن يفوزوا في الدارين . وإلا فهو في غنى بربه عز وجل عن معرفة من عرفه ، وفي أمن بربه عز وجل من جهل من جهله .
12 . من مهام الإمام ( عليه السلام ) دعوة الناس إلى الله تعالى ، ويظهر أنه بالخيار في دعوة بعض الناس وتركههم . وهو أدرى بتكليفه ويختلف عنا في بعض التكاليف .
13 . تكشف هذه الرسائل نعمة وجود الإنسان في عصر الإمام ( عليه السلام ) وفي نفس الوقت الخوف من أن معصيته والهلاك ، كما فعل بعض شيعة نيسابور .
فكما أن أوامر الإمام ( عليه السلام ) رحمة للمؤمن ، فعدم أوامره رحمة أيضاً ، لأنها تخلصه من أن يكون في معرض مخالفته .
14 . في الرسالتين عمق فكري ، وشفافية صافية ، وحقائق عالية : فقوله ( عليه السلام ) : تمام النعمة دخولك الجنة . يدل على نظرية التكامل الإسلامية .
وقوله ( عليه السلام ) : وأصلح أموركم على يدي ، فقد قال الله جل جلاله : يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ . فقد فرع حشرهم بإمامته ( عليه السلام ) على دعائه لهم .
وقوله لإسحاق بن إسماعيل ( عليه السلام ) : الحمد لله مثلما حمد الله به حامد إلى أبد الأبد ، بما منَّ عليك من نعمة ونجاك من الهلكة . . يدل على أن المتولي للأئمة ( عليهم السلام ) يعبر الصراط ، ويستبعد أن يكون مختصاً بإسحاق المذكور .
وقال ( عليه السلام ) : فما أحب أن يدعى الله جل جلاله بي ولابمن هو من آبائي إلا حسب رقتي عليكم : فدعاء الله به أو بآبائه ( عليهم السلام ) ، يحتاج إلى عقيدة وإذن منهم .
وقوله ( عليه السلام ) : ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما في هذا الكتاب لتصدعت قلقاً خوفاً من خشية الله : يدل على قدرته ( عليه السلام ) الإقناعية الطبيعية ، والتكوينية .
وقوله : وعلى إبراهيم بن عبده سلام الله ورحمته : يدل على مقام إبراهيم ( رحمه الله )
وقوله ( عليه السلام ) : العمري رضي الله عنه برضاي عنه : يدل على مقام أكبر .
قال صاحب الوسائل ( 20 / 298 ) : ( إبراهيم بن عبده : ورد التوقيع بوكالته وتوثيقه ومدحه ، رواه الكشي ونقله العلامة ) .
وقوله ( عليه السلام ) : فعل من لم يفهم هذا الأمر قط ، ولم يدخل فيه طرفة عين : يدل على الفرق في مخاطبة المعصوم للشيعة عن غيرهم .
وقوله ( عليه السلام ) : ورسولي إلى نفسك : أي فأقنع نفسك بالنيابة عني .
وقوله ( عليه السلام ) : إلا من شيطان مخالف لكم فلاتنثرن الدرَّ بين أظلاف الخنازير ولا كرامة لهم : يدل على أن الناصبي لا يعرف قيمة الجواهر ، وأنه لا قيمة له .
وقوله ( عليه السلام ) : وقد وقعنا في كتابك بالوصول والدعاء لك ولمن شئت ، وقد أجبنا شيعتنا عن مسألته والحمد لله : يدل على أن كتاب إسحاق بن إسماعيل كان يتضمن مسائل وطلبات من شيعة نيسابور . ولم تصلنا إجاباتها للأسف .
15 . دلت الرسالتان على مقام خاص لإسحاق بن إبراهيم ، وإبراهيم بن عبده ، ومحمد بن موسى النيسابوريين ، رضوان الله عليهم . خاصة دعاء الإمام الحنون لإسحاق : سترنا الله وإياكم يا إسحاق بستره ، وتولاك في جميع أمورك بصنعه ، والسلام عليك وعلى جميع مواليَّ ورحمة الله وبركاته .
وإن كان بعضهم أو كلهم مشمولين بالعتب والتوبيخ في قوله ( عليه السلام ) : ( لقد كانت منكم أمور في أيام الماضي ( عليه السلام ) إلى أن مضى لسبيله ، صلى الله على روحه ، وفي أيامي هذه ، كنتم بها غير محمودي الشأن ولا مسددي التوفيق . . . فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم ، عن الحق تصدفون وبالباطل تؤمنون وبنعمة الله تكفرون ، أوتكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض . . وأنت رسولي يا إسحاق إلى إبراهيم بن عبده وفقه الله ، أن يعمل بما ورد عليه في كتابي مع محمد بن موسى النيسابوري إن شاء الله ، ورسولي إلى نفسك ، والى كل من خلفك ببلدك . . . ) .
كما وردت فيها أسماء عدد من الوكلاء والممدوحين مثل : ( الرازي رضي الله عنه ، والبلالي رضي الله عنه ، فإنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه والمحمودي عافاه الله ، فما أحمدنا له لطاعته ، فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا ) . وهو غير عروة بن يحيى ، الملعون .
16 . تدل الرسالة الثانية على تخبط الشيعة في عقيدتهم في الأئمة ( عليهم السلام ) . فالوحي الذي ينقطع بموت النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو وحي النبوة ، لا الإمامة .
وقد رد الإمام ( عليه السلام ) مقولتهم : ( النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن عنده كمال العلم ولا كان عند أحد من بعده ) لأنها تنتقص النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا تميز بين علم وعلم .
وقول بعضهم عن الفضل إنه يقول إن الله في السماء السابعة فوق العرش وإنه جسم ، مكذوب على الفضل ( رحمه الله ) .
ووصف الإمام لهم بالمعطلة ، لأنهم لا يعرفون إماماً ولا يتولون ولياً !
وقوله ( عليه السلام ) : ( وأذن لنا في دعائكم إلى الحق ، وكتبنا إليكم بذلك ، وأرسلنا إليكم رسولاً ، لم تصدقوه ، فاتقوا الله عباد الله ، ولاتلجوا في الضلالة من بعد المعرفة ) . يدل على الإذن العام من الله تعالى للأئمة ( عليهم السلام ) في الدعوة اليه ، وعلى الإذن الخاص للإمام العسكري ( عليه السلام ) في دعوة أهل نيسابور .
وقوله ( عليه السلام ) : وأرسلنا إليكم رسولاً ، لم تصدقوه ، يدل على تأثر الإمام ( عليه السلام ) وغضبه من رد رسوله ووكيله أيوب النابي رضي الله عنه .
وتقدم أن قوله ( عليه السلام ) : وهذا الفضل بن شاذان مالنا وله ، يفسد علينا موالينا . . توبيخٌ شديد للفضل ، وتهديد له إن لم يقلع عن التشكيك فيمن يرسلهم الإمام ( عليه السلام ) . لكن يرفع خطر ذلك مدح الإمام ( عليه السلام ) للفضل ( رحمه الله ) .
هذا ، وقد رويت بعض رسائل الإمام ( عليه السلام ) إلى نيسابور ، ففي الكشي ( 2 / 848 ) : ( قال أبو عمرو : حكى بعض الثقات أن أبا محمد صلوات الله عليه كتب إلى إبراهيم بن عبده : وكتابي الذي ورد على إبراهيم بن عبده بتوكيلي إياه لقبض حقوقي من موالينا هناك : نعم هو كتابي بخطي إليه ، أعني إبراهيم بن عبده ، لهم ببلدهم ، حقاً غير باطل ، فليتقوا الله حق تقاته وليخرجوا من حقوقي وليدفعوها إليه ، فقد جوزت له ما يعمل به فيها ، وفقه الله ومَنَّ عليه بالسلامة من التقصير برحمته .
ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عبد الله بن حمدويه البيهقي : وبعد ، فقد نصبت لكم إبراهيم بن عبده ، ليدفعَ النواحي وأهل ناحيتك حقوقي الواجبة عليكم إليه ، وجعلته ثقتي وأميني عند مواليَّ هناك فليتقوا الله وليراقبوا وليؤدوا الحقوق ، فليس لهم عذر في ترك ذلك ولا تأخيره . ولا أشقاهم الله بعصيان أوليائه ، ورحمهم الله وإياك معهم برحمتي لهم ، إن الله واسع كريم ) .
ما وصلنا من مؤلفات الفضل بن شاذان ( رحمه الله )
كان علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري تلميذه الخاص وراوية كتبه ومنسقها ، ويظهر أنه أعطاه صلاحية اختيار اسم بعضها ، فقد قال الطوسي في الفهرست / 198 : ( وكتاب جمع فيه مسائل متفرقة لأبي ثور والشافعي والأصفهاني وغيرهم ، سماه تلميذه علي بن محمد بن قتيبة : كتاب الديباج ) .
وكتب الفضل ( رحمه الله ) كأكثر علمائنا رضوان الله عليهم ، لم يصلنا منها إلا كتاب الإيضاح أو الديباج ، وكتاب الغيبة ، ويسمى مختصر إثبات الرجعة ، ويسمى منتخب الرجعة . ولعل المقصود رجعة الإمام المهدي ( عليه السلام ) بمعنى ظهوره ، ورجعة دولة أهل البيت ( عليهم السلام ) وحكمهم .
وفي الذريعة ( 16 / 79 ) : ( كتاب الغيبة للحجة . للشيخ المتقدم أبي محمد فضل بن شاذان الأزدي النيسابوري . . وهو غير كتاب إثبات الرجعة له ، كما صرح بتعددهما النجاشي . . وكان موجوداً عند السيد محمد بن محمد مير لوحي الحسيني الموسوي السبزواري ، المعاصر للمولى محمد باقر المجلسي على ما يظهر من نقله عنه في كتابه الموسوم : كفاية المهتدي في أحوال المهدي ( عليه السلام ) ) .
وفي فهرس التراث للجلالي ( 1 / 282 ) : ( إثبات الرجعة : نسخة محفوظة في مكتبة السيد الحكيم ( قدس سره ) في النجف . . كانت النسخة في ملك الشيخ الحر العاملي ، وكتب عليها ما نصه : هذا ما وجدناه منقولاً في رسالة إثبات الرجعة للفضل بن شاذان ، بخط بعض فضلاء المحدثين ، وقد قوبل بأصله ، حرّره محمد الحر » .
وعددها الطوسي في الفهرست / 197 ، وقال : ( فقيه متكلم ، جليل القدر . له كتب ومصنفات . . أخبرنا برواياته وكتبه هذه أبو عبد الله المفيد ( رحمه الله ) عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن محمد بن الحسن ، عن أحمد بن إدريس ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عنه . ورواها أيضاً : محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن حمزة بن محمد العلوي ، عن أبي نصر قنبر بن علي بن شاذان ، عن أبيه عنه ) .
فقيه اشتهرت آراؤه في مصادر الفقه ( رحمه الله )
تجد في أبواب الفقه المختلفة وخاصة في الفرائض أي المواريث أن الفقهاء يذكرون آراء الفضل بن شاذان ( رحمه الله ) . وهذه نماذج منها :
قال الصدوق ( رحمه الله ) في المقنع / 491 : ( وإذا تركت المرأة زوجها وابن ابنها فإن الفضل بن شاذان النيسابوري ( رحمه الله ) قال : للزوج الربع وما بقي فلولد الولد ، وكذلك إذا ترك الرجل امرأة وابن ابن ، فللمرأة الثُّمن وما بقي فلابن الابن ، ولم أرْوِ بهذا حديثاً عن الصادقين ( عليهم السلام ) .
وإذا مات وترك ابن أخ لأُم وابن ابن ابن أخ لأب ، فإن الفضل بن شاذان قال : لابن الأخ من الأُم السُّدس ، وما بقي فلابن ابن ابن الأخ للأب . ولم أرو بهذا حديثاً ولم أجده في غير كتابه . وغلط الفضل في ذلك والمال كله عندنا لابن الأخ للأُم ، لأنه أقرب وهو أولى ممن سفل ) .
وقال المحقق الحلي في المعتبر : 1 / 33 : ( لما كان فقهائنا رضوان الله عليهم في الكثرة إلى حد يتعسر ضبط عددهم ، ويتعذر حصر أقوالهم لاتساعها وانتشارها وكثرة ما صنفوه ، وكانت مع ذلك منحصرة في أقوال جماعة من فضلاء المتأخرين ، اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر فضله ، وعرف تقدمه في نقل الأخبار وصحة الاختيار وجودة الاعتبار ، واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم ، وعرف به اهتمامهم ، وعليه اعتمادهم . فممن اخترت نقله الحسن بن محبوب ، ومحمد بن أبي نصر البزنطي ، والحسين بن سعيد ، والفضل بن شاذان ، ويونس بن عبد الرحمن . ومن المتأخرين أبو جعفر محمد بن بابويه القمي ، ومحمد بن يعقوب الكليني ، ومن أصحاب كتب الفتاوى علي بن بابويه ، وأبو علي بن الجنيد ، والحسن بن أبي عقيل العماني ، والمفيد محمد بن محمد بن النعمان ، وعلم الهدى ، والشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ) .
وقال العلامة في تحرير الأحكام ( 5 / 15 ) : ( أولاد الأولاد يقومون مقامَ آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الأبوين ، وفي حجبهما عن أعلى السهمين إلى أدناهما . وشرط ابن بابويه في توريثهم عدم الأبوين ، وأخذ على الفضل بن شاذان في قوله بمثل ما قلناه ) .
وقال الشهيد الأول في الذكرى ( 3 / 213 ) : ( الثانية عشرة : ذكر الفضل بن شاذان في العلل عن الرضا ( عليه السلام ) أنه قال : إنما امر الناس بالأذان تذكيراً للناسي ، وتنبيهاً للغافل ، وتعريفاً لجاهل الوقت ، وليكون المؤذن داعياً إلى عبادة الخالق بالتوحيد ، مجاهراً بالإيمان ، معلناً بالإسلام .
وإنما بدئ فيه بالتكبير وختم بالتهليل ، لأن الله تعالى أراد أن يكون الابتداء بذكره والانتهاء بذكره ، وإنما ثني ليتكرر في آذان المستمعين ، فإن سها عن الأول لم يسه عن الثاني ) .
أما مروياته من الأحاديث فهي أكثر وأسع انتشاراً ، وهذه نماذج منها :
قال الصدوق في التوحيد / 269 : ( حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه بنيسابور ، سنة اثنتين وخمسين وثلاث مائة قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : سمعت الفضل بن شاذان يقول : سأل رجل من الثنوية أبا الحسن علي بن موسى الرضا وأنا حاضر فقال له : إني أقول إن صانع العالم اثنان ، فما الدليل على أنه واحد ؟ فقال : قولك إنه اثنان دليل على أنه واحد لأنك لم تدع الثاني إلا بعد إثباتك الواحد فالواحد مجمع عليه وأكثر من واحد مختلف فيه ) .
وفي إثبات الهداة ( 3 / 569 ) عن الفضل بن شاذان في كتاب إثبات الرجعة عن محمد بن عبد الجبار قال : قلت لسيدي الحسن بن علي ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك : أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك ؟ فقال : إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكنِيُّه ، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه ، قلت : ممن هو يا بن رسول الله ؟ قال : من ابنة ابن قيصر ملك الروم ، ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر ) .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
