موارد الضرائب الأخرى التي لم يشدد عليها الاحتكار الخناق بصورة سياسية (النسيج)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 523 ــ 525
2025-08-11
680
كان النسيج من أهم موارد الإيرادات للدولة في عهد البطالمة، وقد عُنِيَ «بطليموس الثاني» بأمر هذه الصناعة فقد ذكرها في بردية «قوانين الإيرادات»، ولكن مما يؤسف له أن الفقرة التي جاء فيها ذكر هذه الصناعة وُجدت ممزقة.
وصناعة النسيج صناعة قديمة في مصر ترجع إلى أقدم العهود، وكان النبات الوحيد الذي استُعملت أليافه في صناعة النسيج طوال عهد الفراعنة هو الكتان، وتقول الأساطير: إن «أوزير» إله الموتى كان أول من كُفن في نسيج الكتان بعد انتقاله إلى عالم الآخرة، وتدل بقايا النسيج الذي عُثر عليه منذ عصر «البداري» على أن صناعة النسيج الكتاني كانت منتشرة في مصر منذ أقدم عهودها وبخاصة عندما نعلم أن الأستاذ «ينكر» عثر في مقابر «مرمده» (بني سلامة) على قطع من غزل الكتان أقدم عمرًا من التي وُجدت في «البداري»،1 وكذلك عثر على قطع نسيج من العهد الحجري في منطقة الفيوم.2
لا نزاع إذن في أن الغزل والنسيج كانا من أقدم الحِرَف في مصر القديمة، ولكن تمثيل هذه الصناعات لم يعثر عليه بصورة جلية إلا في عهد الأسرة الثانية عشرة المصرية في مقابر «بني حسن» حيث مُثلت الأدوار التي تمر بالنبات بعد نضجه من تعطين ودق وتمشيط وغزل ونسج، هذا إلى أنه كشف عن نماذج لنساء يشتغلن بالغزل والنسيج في مقابر الأسرة الحادية عشرة في طيبة، وهذه النماذج محفوظة الآن في متحف القاهرة.3
والواقع أن النماذج التي وُجدت في مقبرة «مكت-رع» التي عَثَر عليها «ونلك» في جبَّانة طيبة من عهد الأسرة الحادية عشرة تعد الأولى من نوعها قبل المناظر التي وُجدت في مقابر بني حسن، وقد ظهرت هذه النماذج في كتاب حديث أصدره الأستاذ «ونلك»، وشرح فيه الخطوات التي اتُّخذت لإعداد النسيج في صورته النهائية.4
وتدل البذور الكثيرة التي عُثِر عليها في المقابر المصرية على أنه كان هناك نوع خاص من الكتان يختلف عن النوع الذي يُزرع في البلاد5 الآن، وقد تكلم مؤرخو الإغريق عن نسيج الكتان المصري ودقه وصنعه وبخاصة عن نوع منه دقيق جدًّا حتى إنهم قالوا: إنه نُسج بالهواء، ويطلَق عليه اسم «بيسوس» Byssus، 6 ويعتقد الأثري «لوريه» أن هذه اللفظة تقابل في الهيروغليفية الكلمة القديمة «نيسوت» أي الملكي للدلالة على أنه أفخر نوع من نسيج الكتان،7 وقد استمرت هذه الصناعة حتى العهد الهيلانستيكي؛ حيث نجد أن البطالمة كانوا يهتمون بها بل كانوا يحتكرون صناعتها إلى حد ما (راجع عن صناعة النسيج واحتكاره).8
والواقع أن إيرادات النسيج كان مثلها كمثل إيرادات الزيت تؤجر للملتزمين ويشرف على تحصليها السكرتير المالي للمقاطعة ومندوبوه، أما المواد التي كانت تُستعمل للنسيج فهي الكتان والصوف والقنب.
وكان وزير المالية يصدر قرارا سنويًّا يحدد فيه مقدار المساحات التي كان لا بد من بذرها بالكتان، وقد علمنا ذلك من شكوى وصلت إلينا مؤرَّخة بنهاية القرن الثالث ق.م، غير أنه مما يؤسف له أنه عُثِر عليها ممزقة،9 ويتلخص ما جاء فيها أن ملتزمًا سيئ الطالع وصف لنا في هذه البردية أن إدارة مزارع كتان واسعة قد تعهدها هو خلال فصول عدة، ويذكر لنا بعد ذلك هذا الملتزم بوجه خاص أن الوزير قد أصدر أمرًا بأن يبذر العام التاسع بعناية وإخلاص ما مساحته ألف وخمسمائة وخمسون أرورا كتانًا إضافية، وأنه إذا لم يكن لدى الفلاحين بذور فيُقرَضون ثمنها، ولا نزاع في أن مثل هذا الأمر يؤكد وجود عجز في زراعة الكتان يرجع عهده إلى القرن الثالث.10
وفي هذا المصدر نجد أن الكتان قد اعتُمد من بين النباتات التي فُرضت زراعتها والرقابة عليها، وتدل شواهد الأحوال على أن توزيع البذور أو القرض لشرائها قد وكل أمرهما لحكام المقاطعات أو المراكز المسئولين أمام الملك والملتزم المسئول عن توريد دخل المحاصيل في الحال، هذا وكان السكرتير المالي موكلًا بالإشراف على جمعها، والظاهر أن تحديد زراعة المساحات المخصصة للكتان لم تكن إجبارية كما أن زراعة الكتان لم تكن قاصرة على أراضي الملكية وحسب.
صناعة النسيج
وتدل ظواهر الأحوال على أن صناعة النسيج كانت مسألة عويصة أكثر تعقيدًا من صناعة الزيت، يضاف إلى ذلك أنها كانت من الصناعات التي امتازت بها مصر القديمة كما أشرنا إلى ذلك الآن.
................................................
1- راجع: Badarian Civilisation. Brunton. P. 46-7.
2- راجع: Caton Thompson, The Neolithic Industry of the N. Fayum Desert, in journal of Anth. Inst. LVI (1926). P. 315.
3- راجع: H. E. Winlock, The Egyptian Exp. 1918–1920. In Bull. Met. Mus. of Art, New York, 1920. P. 22
4- راجع: Winlock Models of Daily Life in Ancient Egypt, From the Tomb of Meket-Re at Thebes. P. 29–33, Pls. 25–28
5- راجع: Bull. Inst. Egypte, 1884. P. 5
6- راجع: Decret de Canope, Ligne 17.
7- راجع: Loret, l’Egypte au temps des Pharaons. P. 178.
8- راجع: Heichelheim Pauly-Wissowa, Real Enc. Coll. 175–181; Wilcken Grundzûge, pp. 245-246
9- راجع: P. Tebt. 769 237–6 or 212–11.
10- راجع: S. B. 4369 a. I. 40; Cf. Petrie III. 75. Rev. Laws, Col. 87.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة